خلق الله تعالى الانسان ليمجد اسمه و ليكون وجوده كله لله تعالى فقال تعالى ( وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) و بدأ كتابه الكريم باسمه و بحمده حيث قال
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)) . و لانجاز هذه المهمة لا بد للانسان من
معرفة الحق و العمل به ، و لا طريق بذلك الا بقصد التعاليم الالهية بطريق مأمون من
زلل و تحكيم العقل في العقيدة و العمل . و لقد كان المسلمون سباقين الى اللجوء الى
الطرق المعصومة و العقلية لاجل معرفة الحق
و اتباعه . حتى تفردت جماعة منهم الى تقديم العقل على النقل و تحكيم العقل في
النقل ، مشترطين في الاحتجاج على العقائد الدليل العقلي اضافة الى النقلي وهذا
معروف و ظاهر من طريقتهم . و لقد استفاض في الحديث عندهم ( لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له أقبل فأقبل،
ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال له: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك ، ولا
اكملك إلا فيمن احب أما إني إياك آمر، وإياك أنهى، وإياك اثيب.) .
بجانب هذا الاعلاء و التمكين و التحكيم للعقل فانهم ايضا اعتبروا العصمة في الطريق الى معرفة الدين عقائده و شرائعه ، فلم يجوزوا الاخذ بما خالف القران وهو الكتاب
المعصوم حتى اشتهر عنهم و عندهم ان ( ما خالف القران لا يجوز الاخذ به و يجب طرحه
) . و تاكيدا للاحتراز في امر الدين و تبينا للحق فانهم لم يجوزوا الاخذ من غير الامام
المعصوم ، الذي يجب وجوده في كل عصر ،
وهذا من تفرداتهم ايضا و لهذا صاروا يسمون الامامية و ايضا يمكن ان يسمون بالمعصومية
لانهم يشترطون عصمة الامام .
و كذلك أُعتبِر العلم في تقديم من يقدم ،
فقالوا بوجوب تقديم الاعلم و عدم جواز تقديم غيره عليه ، و صار هذا معروفا عنهم و عن طرقتهم . و ايضا احترازا في امر
معرفة الحق اعتبرت العدالة فيمن يؤخذ عنه كواسطة الى التعاليم الالهية و الحضرة
المعصومية ، و اعتبر اتصاله به في امر
الولاية على الدين و الدنيا فلا ولاية لمن لا يتصل بالحضرة القدسية بسبب شرعي .
بهذه
الوسائل قد أُحكم الطريق الحق في تحصيل المعارف الحقة و التوصل اليها ، فصارت
المعارف التي تكتسب و تبنى و تشيد كلها متصلة ببعضها و تنتهي الى جانب العقل و العصمة
، فكانت اوثق و اقرب في اصابة الحق عند
اختلاف الناس .
هذا في جانب العقيدة و تحصيل المعارف و لقد
كان للارتباط بكل ذلك قلبيا اثره في ان يحيى الانسان في جو من المعارف تذكيري و تعلقي . و أٌكمل ذلك في الجانب العملي
، حيث كان للممارسات العملية عبادات و معاملات اثره البالغ في ان يعيش الانسان حياة
يتداخل فيها الدين و الحياة ، و صار
الشعور بالشريعة و احكامها حاضرا في كل صغيرة و كبيرة في حياتهم .
و من تلك المظاهر هي ظاهرة تعلم الاحكام و
الرسائل العملية و تطبيقها حيث صار لزاما على كل من بلغ سن التكليف تعلم الاحكام و
الرجوع الى عالم فقيه ولا يجوز العمل بالرأي او من دون علم في عباداته او معاملاته بل في سائر افعاله و تروكه
. و هذا تطبيق عملي حقيقي للاتصال بالجهة المعصومة حيث يعتبر الاطمئنان في
كون ذلك مأخوذا من القران و السنة ، حتى اشتهر انه ليس من شيء الا فيه قران و سنة
، و صار راسخا عندهم ان ما خالف القران لا يؤخذ به مهما كان مصدره ولا يصح اعتماده
.
و من
المظاهر الحياتية العملية التي تربط و تشد الانسان بالله تعالى و تعالميه هو
استذكار الأولياء باحياء ذكرى المقدس من مجريات تاريخهم كالمولد النبوي و المبعث و الهجرة و ذكرى ولادة
الاولياء الصالحين و وفياتهم فصار لا يمر الشهر الا و
هناك مناسبة كبيرة جماعية يتذكر فيها اهل الدين و الصلاح ما حقق مناسبات كثيرة للتذكير بالله تعالى و
اوليائه . ومنها ايضا الدعاء لمن بشر به النبي صلى الله عليه و اله ليملأ الارض
قسطا وعدلا بالفرج في كل مناسبة . كل ذلك جعل الانسان المؤمن مشدودا الى ساحة
القدس و اهل التقوى . كما ان ثقافة الانتظار لمن بشر به النبي صلى الله عليه و اله
كل صباح و مساء جعلهم في حياة دائمة في ملكوت الله و قدسه وباحة الايمان و الاخلاص .
لقد ادى العيش الدائم في هذه الرحاب و الباحة
الايمانية ان تتداخل يوميات المؤمن الحياتية مع تعاليم الدين و الوجودات القدسية
فصارت الاناشيد الدينية مما دأب على سماعه المؤمن في اغلب اوقاته . و لم
تترك الادبيات الايمانبة و التي اخذت عن السلف
و الاولياء الصالحين مناسبة و لا ساعة الا
جعلتها لحظة تفكر و تذكر و اعتبار و حضور في حضرة القداسة و باحة الايمان . فصارت
حياتهم ساحة من ساحات الايمان الحقيقية العميقة .