علم الدلالة الأصولي (Usulic Semantics )


د أنور غني الموسوي .
تمهيد
من العلوم ان النصوص الشريعة من القرآن و السنة ليست فقط رسائل و خطابات نثرية عادية ، و انما اشتملت على فنية و ادبية عالية .
البحث الاختصاصي من علماء المسلمين للنصوص الشرعية انقسم الى مجموعتين ؛ مجموعة اهتمت ببلاغة النصوص و ادبيتها ، و مجموعة اهتمت بخطابية النصوص و دلالتها .و المجموعة الاخيرة ايضا على قسمين ؛ قسم مال الى البحث التأويلي و القراءة المتعددة مع الجزم بوحدة الخطاب و الرسالة الواقعية  و يمثله جماعة من المفسرين ، و القسم الثاني اهتم بالوصول الى الرسالة و الخطاب الواقعي بعيدا عن التأويل و يمثله الفقهاء و علماء اصول الفقه ، و  غالبا ما يكون الفقيه عالم  بالاصول ايضا .
و نتيجة لادراك الحاجة الى ابحاث مستقلة تختص بالادلة عموما و النصوص النقلية خصوصا صار علماء التحقيق يحررون المسائل الاصولية في مكان مستقل ، و صار الفقه تطبيق لقواعد العلوم الاخرى و تطبيقها على النص الجزئي .
في علم الاصول (Usul  )  أدرك المختصون اهمية المقدمة اللغوية للابحاث الاصولية ، فجعلت الابحاث اللفظية مستقلة و مقدمة لباقي الابحاث ، و كان الغرض الاساس تشخيص دلالات الالفاظ و التراكيب الخاصة المهمة في النصوص الشرعية ، و لقد بلغ الاصوليون في ذلك درجات متقدمة من التحليل و البناء المفاهيمي و التصورات المدعومة بالادلة ، كانت جديرة بان تكون محط نظر و بحث و استفادة اللسانيين المعاصرين .
اضافة الى ما حققه الاصوليون في مباحث الالفاظ من بناءات و مفاهيم لغوية و دلالية عالية ، فانها تجاوزت مرحلة النظرية و الفلسفة و الظنية التي تعاني منها علوم العلامات و اللغة و اللسانيات الحديثة ، اذ ان اعتبار الدليل و الحجة ، و عدم الاكتفاء بالفرض و النظرية من اهم مميزات المنهج الاصولي الدلالي ، و بهذا تحققت منظومة من القواعد و المسائل التي تتصف بالعلمية الحقة مما يمكن وصف تلك المنظومة  بعلم  الدلالة الأصولي (Usulic Semantics  ) .
سنحاول في هذه المقالات بيان ملامح علم الدلالة الاصولي و  نبحث ببحث دلالي مقارن  ( comparative semantic  (  أوجه الشبه و الاختلاف بين علم الادلة الاصولي و علم الدلالة الحديث الغربي في مجمله .




تعبيرية القراءة و الاستجابة الجمالية


د أنور غني الموسوي

لا يمكن لاحد انكار النقلة التي احدثتها الرومانسية في الكتابة الادبية من المادية البلاغية للادب الكلاسيكي الى فضاءات اوسع و اكثر حرية و عمقا ممهدة لعصر الحداثة ، لكن في الخمسين سنة الاخيرة نجد عودة الى المادية الادبية و خصوصا على ايدي الاسلوبيين ، و جعل الكتابة ممارسة مادية خاضعة لامور وصفية و تجريبية و عناصر ظاهراتية ، و ما كان التعمق في عوالم المعنى و الدلالات الا امرا هامشيا لا يناسب سعة الادب و الظاهرة الابداعية .
لقد كانت البلاغة شكلا واضحا للمادية الادبية ، و بمظاهر عالية التحديد و التجريب ، و حينما ارتفع صوت الرمزية ، مالت الكتابة و القراءة معا الى المعنويات و الخيال و تعالت المثالية الادبية و صارت المفاهيم الظاهرية اقل و ضوحا و فضفاضة في كثير من الاحيان  ، الا انها انتهت الى عقلنة الظاهرة الادبية في المناهج الظاهراتية و الوصفية من البنيوية و مابعدها وخصوصا الاسلوبية .
المشكلة الاهم في النقد الاسلوبي كما هي في البلاغة انها تعتبر البعد الشعوري للتجربة الادبية علامة على الادب و ليست منه ، بمعنى اخر ان الاسلوبية قد اوغلت في المادية الادبية ، حتى اهتمامها بالتصور القراءاتي فانه لم يكن متطورا و كافيا .
ان في الوضع غير المستقر للاسلوبية مجموعة مظاهر انفتاحية تتوسع باتجه عوالم كتابية و قراءاتية اكثر سعة و عمقا و حرية ، يمكن ان تمهد الى حالة من اللامادية في هذا البناء ، و هي حقيقة ان للكتابة بعدين  و ليس واحدا ، فظاهرة القراءة لا تقتصر على البعد الدلالي ، بل هناك بعد اخر هو بعد الاستجابة الجمالية . 
و يمكن بيان هذين البعدين في اربعة مستويات ظاهرة في القراءة ، المستوى البصري الكتابي و  السمعي اللفظي ، و   التصوري القراءاتي ، و  الشعوري الجمالي  ، و من الواضح ان الثلاث الاولى هي من البعد الدلالي ، و الرابع من بعد الاستجابة الجمالية . و من الواضح ان المستوى الرابع لا يمكن تفسيره ماديا و ظاهراتيا . اضافة الى ذلك هناك وسائط نقل و معادلات انتقال بين الدال و المدلول و الاستجابة ، هذه الوسائط غير مبينة ماديا و ظاهراتيا ، بمعنى اخر انها ايضا لا يمكن تفسيرها ماديا .
ان مستوى الاستجابة الجمالية و وسائط الانتقال بين المستويات من المظاهر المهمة التي تعارض النظرة المادية و الظاهراتية للاسلوبيين و ما بعد البنيوية  . من هنا يكون واضحا الحاجة الى فهم اخر القراءة  يتجاوز حدود المادية و الوصفية نحو فضاءات اكثر حرية و سعة ، تتناسب مع التجرية الجمالية لدى كل انسان مهما كان بسيطا . ربما تكون هناك حاجة الى نقد ينطلق من نظام مركب  من مستويات متعددة ، مستوى الكتابة و مستوى القراءة و مستوى الاستجابة الجمالية ، من دون تفكيك او تمييز ، بل كلها متواجدة في نظام موحد يمثل التعبيرية من جهات متعددة و ليس فقط من جهة الكتابة ، بل  اضافة الى التعبير الكتابي فهناك  التعبير القراءاتي و التعبير الشعوري الجمال الادبي ، فتفهم القراءة على انها تعبير كما الكتابة تعبير و الاستجابة الشعورية تعبير ايضا . و يكون البحث الموضعي في كل جزئية نصية انما ينطلق من ذلك النظام ، هكذا فهم يمكن ان نصفه بالفهم التعبيري للادب ، و مقدمة لنقد يتجاوز الاشكلات الحادة في النقد الاسلوبي و ما بعد البنيوي الظاهراتي المادي .






أدوات النقد و شخصية النص




من الملاحظ ان الكتابات النقدية بدأت تميل بشكل شبه كامل الى طريقة الأطروحة النقدية ، بحيث يكون البحث ثيميا مركزا ، و يكون القصد من المقال النقدي استعراض جوانب تلك الثيمة المعينة من دون النظر او التوسع في غيرها من الامور الفنية و الجمالية في النص . لذلك حتى في حال اختيار نص لاجل الدراسة فانه لا يكون لاجل النص باجماله و كليته ، و انما لاجل ثيمة معينة قد حققها ذلك النص ، و الذي قد يشترك معه نص آخر .
هذه المنهجية النقدية رغم فائدتها المهمة و قدرتها التطويرية و وضوح و تفصيلية  نقاط البحث فيها الا انها قد تتعرض الى سوء التطبيق ، و ذلك بلوي النص ، و اقحامه فيما ليس فيه ، فتكون كتابة لا واقعية .
حينما يؤسس و ينظّر لثيمة معينة ، و عنصر جمالي و فني معين ، فان تطبيقه على النص يجب ان يكون صادقا و حقيقيا ، و ليس و هما و ادعاء . اذ ان الاقناع ضروري في الكتابة النقدية كما ان الوضوح و الصحة ايضا مطلوب ، لان المقال النقدي و ان كان ادبيا و حرا الا انه يطرح فكرة و معرفة و يؤسس لبناء و اضافة .
كما ان البحث الثيمي لا يصح ان يقتصر على تطبيق ما استقر من معارف و ان كان ذلك مفيدا ، الا ان التجريبية في الادب محدودة ، و عناصر وجهات  الابداع غير محدودة ، لذلك لا بد من متابعة النص ، و الانطلاق منه دوما ، حتى في البحث الثيمي ، اذ لا معارضة بين البحث الثيمي و الانطلاق من النص كمصدر للمعرفة و الفكرة .
ان التطبيق التعسفي للفكرة الموضوعية المعينة على النص ، و لويه و تقريب معطياته من متطلباتها ، ليس فقط يمثل خروجا عن العلمية و الواقعية ، وانما يعد انتهاكا لشخصية النص ، و عبورا على حقيقة الابداع الكامنة فيه .

ان جهات الابداع متعددة و غير مقتصرة على جهة بحثية معينة و لا مستوى بنائي معين في النص ، لذلك يكون من المناسب اعتماد النقد الحر الذي يتلمس عناصر الابداع في النصوص و ينطلق منها نحو رؤية ثيمية معينة ، و ليس العكس و خصوصا حالة الاقحام و الادعاء فانها خسارة لواقعية النقد و لشخصية النص ، و اذا ما اريد تلاسيخ فكرة و ثيمة معينة في ابحاث و دراسات متكررة فمن الواجب اختيار النص الذي يمثلها خير تمثيل ، و ليس مجرد تكرار الاداة النقدية على نص لا تتوفر فيه فانه مجانبة للصدق و الواقع .

القراءة الصحيحة و النقد المفتوح








  دوما هناك سؤال : ما هي القراءة الصحيحة ؟  بل ان النقد في جانب من بحث منهجياته انما يحاول ان يجب عن هذا السؤال ، و  ان النظرية النقدية انما تقدم  كنموذج للقراءة الصحيحة .
و ربما يمكن اعادة السؤال :   كيف نعرف ان قراءتنا للنص صحيحة ؟
للاجابة الواضحة و الصحيحة عن هذا السؤال لا بد من تذكر امرين :
الاول : ان الصحة  و النموذجية   امور تطورية  ، لذلك من الخطأ تصور وجود قراءة صحيحة خالدة و دائمة ، كما انه لا بد من اليقين انه ليس هناك قراءة صحيحة اكثر من القراءة المعاصرة .
الثاني : ان للنص غايات تتجلى فيه هي :  اللغة و النص نفسه و قصد المؤلف ، كل منها يتجلى بمظاهر واعية و غير واعية  ، و حينما تكون تجربة الكاتب ناضجة و متكاملة تكون مظاهر تجلي تلك الغايات على درجة عالية من الفنية و الرقي و الثراء .  هذا الثراء يحتاج الى قراءة مخلصة تتبع جهات الادباع في النص في كل مستوياته .
في ضوء ما تقدم تكون القراءة الصحيحة متسمة بصفتين اولا المعاصرة و ثانيا الاخلاص ، لانه من دون قراءة معاصرة تكون قراءة متخلفة و مسيئة للنص  ، و اما الاخلاص ، فمن دونه لن يكون هناك مجال لتبين اوجه الابداع في غايات النص المتقدمة ، فتكون القراءة ناقصة ايضا .
النص المعاصر لا يريد فقط الحكاية و التوصيل و النقل ، لكي يكتفى في قراءته بعملية قراءة واحدة ، بل هو ساحة للإيحاء و الرمزية و التقنية و الفنية و الثقل المعرفي و اللغوي و البعد الجمالي و تمثل القضية و الانتماء و النفس و الايغال في عمق التجربة و عالم المعنى . ان الكتابة الفنية المعتبرة - و ليست التسويقية  طبعا - تتمتع بعدد كبير من الجوانب الابداعية في مستويا متعددة و مختلفة  ، فهناك عوامل من الوعي و عوامل من اللاوعي ، و هناك عوامل من النص ذاته و من اللغة الراسخة بفعل البيئة و الثقافة في نفس الكاتب .كلها تعمل على التجلي في بناءات و تراكيب فنية مناسبة تلائم ما ترسخ و تراكم في تجربة المؤلف ، وهذه الحقيقة ليس فقط المؤلف يدركها بل القارئ ايضا .

من هنا لاجل ان نحقق قراءة صحيحة لا بد من تتبع مظاهر الابداع في جهات متعددة و مستويات قراءاتية مختلفة ، و في القراءة الفنية للناقد ،ربما يكون واقعا ظهور حالة ( النقد المفتوح ) و الذي ينفتح على جميع امكانات النص بجميع ما يتاح من ادوات وصلت الى الناقد المعاصر ، و حينها يكون من التعسف القول بان منهجا معينا و مدرسة معينة هي التي تفي بحق الظاهرة الابداعية .




التناص الازلي و التقارؤ الازلي






متى تبدأ قراءة النص ؟ كيف نجيب عن هذا السؤال : متى نبدأ قراءة النص ؟ و خصوصا ان رولاند بارت نفى ان تكون هناك قراءة أولى ( ر بارت 1990 ) ، بل كل قراءة هي اعادة قراءة لما سبق ، كما ان مقولة  كون ان القراءة الاولى هي الاستثنائية و الخالصة  قد عفا عليها الزمن ( اندرو بنييت 2004)  . وهذا السؤال يستتبعه سؤال اخر ، وهو متى يبدأ النص ؟ من اول فكرة ام اول حرف ام من حين القراءة  ؟. وما هو الاصل فيه هل هو المؤلف ام النص ام القارئ ؟ .
في ضوء ما تقدم و ما قيل من التناص الازلي و ان القراءة الاولى انما هي تكرار لقراءات سابقة ( اندرو بنيت 2004 )   ، فانه يمكن القول كما ان هناك تناصا (inertextuality  )  ملازما لكل نص او كتابة ، فهناك اعادة قراءة  او تقارؤ (    ( interreading  ملازم لكل قراءة   ، فكما انه ليس هناك كتابة نقية ، فانه لا وجود لقراءة نقية ايضا ، فنحن حتى في قراءتنا الاولى لنص ما فاننا نعيد قراءة ما قرءناه سابقا و ما قرءه الاسلاف .
وفق هذا الطرح الجوهري يبدو جواب هذا السؤال مستعصيا ، لكن لو تأملنا قليلا في حقيقة الأصل للكتابة و القراءة ، و ان فكرة التناص الأزلي و التقارؤ الأزلي غير معقولة و لا مقبولة وانما هي محض فرضية و ادعاء بلا ادنى اثبات ، فان لدينا ما هو اكثر وضوحا و قوة الا وهو العامل المعرفي المكون اساسا من  البيئة المعاصرة و الموروث ،  فان الوجدان و الواقع و الحقائق كلها تدل و بصورة لا تقبل الشك ان المؤلف و القارئ و الكتابة و القراءة و النص و الفهم كلها وليدة العالم المعرفي الذي يتحقق وسطه ذلك النظام ، سواء من معارف معاصرة او موروثة ، وهو المقدار المتيقن من المؤثر على تلك العوامل الاساسية في انتاج النص ، و لحقيقة ان الموروث انما يكون بشكل مادة منقولة ، فيمكن بهذا المعنى ان تكون من البيئة المعرفية ، اذن ليس هناك تناص ازلي مطلق و انما هناك تناص مقيد بيئي معرفي ، و ليس هناك تقارؤ ازلي مطلق و انما هناك تقارؤ مقيد بيئي معرفي . اذن يمكننا ان نقول ان الكتابة و القراءة تبدأ من البيئة المعرفية للمؤلف و القارئ . فالاصل في النص ليس المؤلف و لا القارئ و لا النص و انما البيئة المعرفية لهم .
 ان ما قلناه من حقيقة تأثّر بل و تكوّن القراءة بفعل الزخم المعرفي للقارئ هو الراسخ في وجدان كل انسان بل هو كالبديهة التي يكون النقاش فيها محض وهم . كما ان هذا الفهم يؤشر و بقوة الى وجود استقلالي للنص بما هو وليد معرفة المؤلف في قبال الانتاج القراءاتي للنص بما هو وليد معرفة القارئ ، وفي حال تفاوت القرّاء يظهر لنا وسط ثالث متميز الا وهو النص في ضوء القراءات المتعددة ، كما انه لو تعدد المؤلف ايضا يظهر لنا النص في ضوء التأليفات المتعددة .
من هنا يكون واضحا ما هي نقطة بداية النص كما انه يكون واضحا نقطة بداية القراءة ، و بذلك يكون واضحا المنهج الواجب اتباعه في تعريف النقد الادبي و نقطة بدايته .
 



النص الكامل ( كلمة المرور ) للشاعرة الدكتورة سجال الركابي نموذجا .









د أنور غني الموسوي




  كلمة المرور/ سجال الركابي
أدور... 
يميناً شمالاً
يتأملّني القلقُ
يستبشرُ البُكاء...!
يُربِكني اليقين
أظلُّ افتقد الجواب
أتعبتني المساراتِ المضطربة
وتشظّيَ الأرواحِ
أصبحَ الخوفُ كلمة المرور
هل أنعتِقُ مِنَ المكتوب
إن ارتميتُ في فضاء المجهول...!؟
أتتلقفني أحضان ُكفوف ٍأخفاها اللاممكن...؟؟؟




في نص ( كلمة مرور ) تجليات نصية و سردية تعبيرية تعكس تجربة متمكنة و متقدمة ادبيا و فكريا ، فاضافة الى القاموس اللفظي الذي يخيم عليه الاضطراب و التيه و القلق بمفردات تنقل القارئ الى ذلك النص و حقوله المعنوي المقصودة ، اذ لا تجد مقطعا او سطرا الا و فيه مفردة من حقل القلق و الاضطراب (أدور... \ يميناً شمالاً \ القلقُ \يُربِكني \ افتقد الجواب \المساراتِ المضطربة \تشظّيَ الأرواحِ \ الخوفُ كلمة المرور \ فضاء المجهول...!؟ \أخفاها اللاممكن...؟؟؟ (


لقد نجحت الشاعرة في احضار القارئ الى النص ، وهذه من اهم المهام التي تقع على عاتق الشاعر و نصه .


في توظيف اخر يضرب في عمق المعنى و حقيقية الادب و الشعر هو تجلي حالة استقرار القلق و الاضطراب الذي يطال اعماق النفس و الثوابت ، وهو شيء ابدعت فيه الشاعرة و اجادته بقوة في مقاطع فذة :


في مقطعين نجد تمكنا و ارسوخا للقلق الذي ياخذ بالانفاس و زوايا النفس ( يتاملني القلق \ يستبشر البكاء ) وهو معنى عميق و خانق .


في مقطع اخر ( يربكني اليقين ) نجد اليقين المربك الذي هو خلاف اليقين الباعث على الاطمئنان و الثقة ، انه تعبير صادم و عميق و كاشف عن عمق الازمة .


كما ان عمق الازمة و التجربة ايضا ينكشف في تعبير ) تشظيَ الأرواحِ) ، فان الروح هي الجوهر وهي القطب الذي يذاد عنه ، فاذا وصل التشظي اليها ، فان ذلك عاكس عن عمق المأساة و الازمة .


و ايضا تتجلى عمق التجربة في عبارة ( أصبحَ الخوفُ كلمة المرور )، اذ انه نظرة تتجاوز الذاتية بل و المحلية لتطلق نداء الى العالم ، الذي صار يعيش على الخوف ، فلا مسار ولا طريق الا و يتشح بالخوف ، وهذا ايضا يكشف و يعكس عمق المأساة و التجربة .


و في مقطعين اخرين تتجلى التجربة و عمقها ( ( هل أنعتِقُ مِنَ المكتوب ) ، ( ارتميتُ في فضاء المجهول...!؟ ) ، اذ انها تكشف بلوغ النفس ذروة الحيرة حتى انها تصل الى حد قرار الارتماء في المجهول .


ان نص ( كلمة مرور ) بتحقيقه السردية التعبيرية ، و تكامله في تجليات النص من جهة تجلي اللغة و انثيالاتها و تجلي النص و توظيفاته الجمالية و تجلي تجربة المؤلف و قصده و قضيته و افكاره ، و من خلال البراعة في احضار القارئ الى النص ، و الرسالية الواضحة الجمالية و الانسانية يتحقق هنا ( النص الكامل ) .



















العولمة الثقافية و الموقف العربي




د انور غني الموسوي


مصطلح العولمة الثقافية ،   يشير الى نقل الافكار ، المعاني و  القيم عير العالم . هذه العملية اتسمت  بالتبادل العام للثقافات التي انتشرت عن طريق الانترنت ، و الثقافة العامة و السفر بين الدول  . العولمة الثقافية تتضمن تكوين قيم و معارف مشتركة  و التي يوفق فيها الناس بين الثقافة الفردية و الجمعية  وزيادة الترابط بين الشعوب و الثقافات المختلفة . (Inda, Rosaldo, 2002).  الموسوعة البريطانية تعرف العولمة الثقافية  انها ظاهرة تكون فيها  تجربة  الحياة اليومية  كما انها متاثرة بانتشار البضائع و الافكار فانها تعكس المعيارية للملامح الثقافية عبر العالم . (Encyclopedia Britannica, 2013).

  تُربك العولمة الطريقة التي ندرك بها "الثقافة"، لأن الثقافة كانت تمتلك دوما دلالات تربطها بفكرة وجود ناحية ثابتة .   وكما لاحظ إيد (Eade 1997: 25)، فإن "التشديد على  التماسك سيطر تقليديا على المعالجة الاجتماعية لفكرة الثقافة "، وخصوصا في التقليد الوظائفي حيث يتم التعامل مع بناء المعنى الجمعي في الأغلب باعتباره يخدم أغراض التكامل الاجتماعي. وبالتالي فإن "الثقافة" توازي الفكرة العويصة "للمجتمع " ككيان محدود (Mann 1986) يحتل أرضا طبيعية مخطّطة كإقليم سياسي(الدولة القومية بالدرجة الأولى) .من الواضح أنّ  العولمة تمثل تهديدا لمثل هذه المفاهيم ، ليس فقط لأنها اختراق متعدّد الأشكال للنواحي المحلية  ، بل لأنه يقوّض التفكير الذي تم من خلاله اقتران الثقافة بثبات الموقع في المقام الأول .       فالعولمة تعزز قابلية الحركة المادية أكثر بكثير من أي وقت مضى، لكن مفتاح تأثيرها الثقافي يكمن في تحويل النواحي المحلية ذاتها.   أن العولمة يضعف الروابط بين الثقافة والمكان. وتمثل هذه، من جوانب عدة، ظاهرة مزعجة ، تتضمّن الاختراق المتزامن للعوالم المحليّة من قبل قوى آتية من بعيد، وزحزحة المعاني اليومية عن "مراسيها" الموجودة في البيئة المحليّة.  (  Tomlinson 1999)
 ويجادل جيدنز (Giddens 1991: 187) أيضا بأنّ الناس  برغم أنهم موجودون محليا، " فهم، على وجه العموم، عالميون بحق".   وبالتالي، فإنّ اختراق النواحي المحلية الذي تجلبه المرتبطية يمثل سلاحا ذي حدّين: ففي حين أنه يبدد عوامل الأمان التي تضمنها الناحية ، فهو يقدم سبلا جديدة لفهم التجربة ضمن سياقات أوسع – تكون عالمية في النهاية. (  Tomlinson 1999)
 الامبريالية الثقافية
 يقول أولف هانرز Hannerz  :هناك الآن ثقافة عالمية، لكنه من الأفضل لنا أن نعرف انه لم  تحدث مجانسة  كاملة بين أنظمة المعانى والتعبير، كما أنه من غير المرجح حدوث مثل هذه المجانسة في المستقبل القريب. لكن العالم قد أصبح شبكة واحدة من العلاقات الاجتماعية، وهناك تدفق للمعاني بالإضافة إلى الأشخاص والسلع بين أقاليمه المختلفة (Hannerz 1990: 237) .  بمعنى ظهور ثقافة واحدة منفردة تشمل جميع من هم على وجه الأرض وتحل محل تنوع diversity الأنظمة الثقافية الذي ازدهر حتى الآن.  من الواضح تماما أن مثل هذه الثقافة لم تصل بعد.  
 هناك وبشكل واضح ترتيب هرمي   للهيمنة يتم بناؤه حول المنزلة الخاصة بلغات معينة باعتبارها لغات دولية – أي لغة مشتركة واقعية- أي اللغة الثانية المنطوقة الأكثر شيوعاً، واللغة الأكاديمية والعلمية، ولغة وسائل الإعلام والتجارة الدولية، إلخ. وبناء على جميع المؤشرات المتاحة تقريباً، فإن اللغة الإنجليزية تأتي على قمة هذا الترتيب الهرمي بشكل لا يقبل الجدل. فعلى سبيل المثال، "يقوم ثلثا علماء العالم بكتابة أعمالهم باللغة الإنجليزية، كما تتم كتابة ثلاثة أرباع المراسلات البريدية العالمية باللغة الإنجليزية ومن بين جميع المعلومات المخزَّنة على أنظمة الاسترجاع الإلكترونية في العالم، تمت كتابة 80% منها بالإنجليزية" (Crystal 1987: 358). 
 تأخذنا قضية السيطرة اللغوية والتهديد الذي يواجهه التنوع الثقافي إلى القضية الأوسع، والمتعلقة بالإمبريالية الثقافية: أي الفكرة القائلة بأن الثقافة العالمية هي بشكل أو بآخر عرضة لأن تكون ثقافة مهيمنة   .  وكما يقول جوناثان فريدمان: لقد مال خطاب الإمبريالية الثقافية منذ أواخر الستينيات تقريباً لتحضير الساحة للاستقبال النقدي الأولِّي للعولمة في المجال الثقافي، طارحاً العملية على أنها "جانب من الطبيعة الهرمية للإمبريالية، أي الهيمنة السياسية المتزايدة لثقافات مركزية معينة، وانتشار القيم ، والسلع الاستهلاكية، وأنماط الحياة الأمريكية" (Friedman 1994: 195).   
 و وفقاً لشيلر، فإن القوة السياسية-الاقتصادية للشركات العابرة للقوميات، وانتشارها العالمي، تصاحبها قوة أيديولوجية لتعريف الحقيقة الثقافية العالمية. وهكذا، فإنه يفسِّر المؤسسات الإعلامية العابرة للحدود القومية على أنها مندمجة تماماً في النظام العالمي الرأسمالي ولها دور وظيفي في تَوسُّعه: "حيث أنها تقدم من خلالها صورها ورسائلها المعتقدات والمنظورات التي تخلق وتُعزِّز ارتباطات جماهيرها بالوضع الذي توجد عليه الأشياء في النظام ككل" (Schiller 1979: 30). وهكذا،  فان الرأسمالية ليس فقط تقوم بتعريف وتشكيل الاقتصاد السياسي العالمي، ولكنها -في خلال هذه العملية- تقوم بتحديد الثقافة العالمية .
   إن الغزو الحاسم [للأنظمة الإعلامية العابرة للقوميات]هو التطبيق العملي للنموذج ... و [هذا] الغزو الرئيسي يحدد النهج الذي سيتم اتباعه، كما أنه يجتذب الدولة موضع النقاش إلى فلك مصالح القوى المهيمنة. وهذا هو الشكل "الإمبريالي الجديد" الذي حلَّ محل الطرق الاستعمارية الأكثر ابتذالاً، وفظاظة، وقِدَماً. (  Tomlinson 1999)
  الانترنيت و العولمة الثقافية   
  نحن نعيش "في العالم" بمفهوم مختلف عن ذلك الخاص بالعصور التاريخية السابقة. يستمر كل منا في أن يعيش حياة محلية، كما تضمن المقيّدات المتعلقة بالجسد أن يتواجد جميع الأفراد سياقياً في مكان وزمان محددين في كل لحظة من الوقت. لكن التحولات المتعلقة بالمكان، وإقحام المسافة في الأنشطة المحلية، بالإضافة إلى مركزية التجربة المتواسطة، أدت إلى تغيير الحالة التي يوجد عليها "العالم" في الحقيقة بصورة جذرية ... فبرغم أن الجميع يحيون حياة محلية، إلا أن العوالم الظاهراتية هي في معظمها عالمية من حيث الواقع ... ولم يعد العالم الظاهراتي يوازي الإطار المعتاد الذي يتحرك خلاله أحد الأفراد ماديا سوى في حالات قليلة جداً. ((Giddens 1991: 187- 8
لكن من الواضح ايضا ان توفر الانترنت والرقابة جعل الفجوة الرقمية تحدياً قوياً أمام خلق مجتمع عالمي متجانس تماماً. مع ظهور منصات الإعلام الجديد أو الاجتماعي الذي يتيح للمستخدم انتاج سيل المعلومات الخاص به أصبح هذا تحدياً جديداً في العولمة الثقافية. فلم يعد الانتاج المعلوماتي حكراً على طبقة معينة بل أصبح فضاءً مفتوحاً للجميع وعلى الرغم من مساهمة الاعلام الاجتماعي في التقليل من الفجوة المعلوماتية بين المجتمعات الا ان الاختلافات العميقة لا زالت صامدة في وجه التغيير. يرى الباحث الامريكي جوزيف ستروبار (2008) أن العولمة الثقافية تشكل طبقات جديدة انتقالية في الهوية الفردية والجمعية لمستخدمي الانترنت لكن  مستويات اللغة والدين والتعليم والطبقة الاجتماعية والعرق تبقى كمستويات أساسية لا تتجزأ مهما تأثرت أجزاء منها بالعولمة إثر الهجرة المؤقتة أو الاتصال بالانترنت.  هذه التحولات قادت الباحثين الى إطلاق تسميات جديدة على القرية العالمية المتجانسة لتصبح قرية متعددة ومتنوعة الثقافات نظراً لتعدد جنسيات وسائل الاعلام المنتجة للصور والأفكار والثقافات. وربما هذا أيضاً ما دفع الصحفي والباحث الامريكي جيمس لول (2000) ليؤكد أن العولمة الثقافية لا تعني بالضرورة هيمنة المجتمع المتطور تكنولوجياً على العالم وتدمير منظومات الثقافات المحلية.
  ولعل اتساع حدود الخيارات المتوفرة على الانترنت تجعل من السهل على الفرد أن يختار مجتمعه الافتراضي والذي يكون بالعادة متقارب أو مماثل لثقافته. ومن ناحية أخرى تلعب اللغة في هذا المجال دوراً صريحاً خصوصاً مع اعتماد اللغة الانجليزية كلغة الانترنت. ومع ذلك تلحظ حرص مواقع الانترنت العالمية ومحركات البحث ومنصات الاعلام الاجتماعي على توفير عدة لغات لضمان الوصول الى أكبر عدد ممكن من المتصفحين. لعل أفضل مثال على ذلك هو الموسوعة الالكترونية "ويكيبيديا" التي وصل عدد اللغات المتوفرة عليها في آب 2007 الى نحو مئة واربعة وسبعين لغة بالرغم من توفر النسخة الانجليزية منها. (jadaliyya 2013 )  )

 الموقف  العربي من العولمة الثقافية
يمكن تلخيص المواقف تجاه العولمة في أربعة: الأولالموقف القابل للعولمة الذائب فيها والمؤيد لها تأييدًا مطلقًا. وقد جلب ولا يزال يجلب سلبيات الحضارة الغربية الثانيالموقف الرافض لها جملة وتفصيلاً.  وهو موقف خاسر غير واقعي وسيؤدي إلى الانكفاء والانعزال الثالثالموقف الملفق الذي يحاول التلفيق بين ما تحمله العولمة والإسلام. الملفق وهو الموقف الذي يتزعمه بعض من يسمون أنفسهم الليبراليين ، يقومون ببتر لبعض قيم الأمة وعزلها من سياقها المتكامل . الرابعالموقف المتفاعل معها على أساس الانتقائية  الذي يقوم على الفحص والتدقيق  ، فيكشف ما تحت بريق العولمة من الظلمات من الاستغلال الرأسمالي للإنسان باسم التحرير، وفلسفة عبادة الدنيا، ثم يأخذ ما في العولمة من الصواب والخير بعد النقد الموضوعي المنبثق من الثقة بالذات والاعتزاز بالهوية ( الشيخ حامد العلي 2014 )


العولمة السياسية .و العالم الجديد





د انور غن ي الموسوي
اطلق الرئيس الفرنسي في خطابه   اليوم ( 15-1-2015 )  مبادرة عالمية نحو ( وحدة اقتصادية و ثقافية بين شعوب العالم ) ، ربما بالامكان عد اليوم تتويجا  للعولمة  و انعطافة كبيرة  في النهج العالمي .
لا ريب ان العالم في نهاية الامر متجه نحو العولمة و لقد بينا في مناسبة سابقة ان العولمة الثقافية باتت حقيقة ، و ان العالم يتجه نحو عولمة اقتصادية ،  و لا ريب ايضا ان التعاون بين ابناء البشرية ضرورة  لاجل الارتقاء الانسانية ، و العولمة في جوهرها ليست اثما و لا عدوانا و انما – في حال – اتصفت بالعدل و الخيرية فانها ستكون حلا حقيقيا لمشاكل الانسانية ، لكن ما نراه فعلا ان هناك عدم نضج في التوازن ، و ان العالم يعيش ازمة  قيمية و تخبط انساني لا مثيل له ، و ان سرارات الشر ما تندلع في مكان الا وحرقت مجالا واسعا من نفس البشرية و وجودها
العولمة  مصير حتمي للانسانية في ظل التطورات الكبيرة في وسائل النقل و الاتصالات و  و التلاقح الفكري و الاجتماعي الذي صارت الحدود الثقافية و المجتمعية تغيب فيه ، اذن المسالة ليست سوى مجرد وقت و تتحقق الوحدة العلمية في جوانب الانسانية المهمة  ، و اليوم يتأكد هذا النهج بإعلان رسمي سياسي لتبني العولمة كمنهج جديد للسياسة العالمية للدول الكبر ، و رغم ان فرسنا سباقة دوما في التجديد الفكري العالمي الا انا لو افترضنا كما هو وارد ان هولاند قد تشاور و اخذ موافقة مبدئية من حلفائه فان نكون امام حقيقة العولمة السياسية .
ما يجب التأكيد عليه ان الاهم في تفكير الغربين و في خطاب هولاند هم الدول العربية ذوي الثروات ، و لاجل ان العولمة السياسية ستكون واقعا يكون من واجب العرب التقدم خطوة الى الامام و اخذ زمام المبادرة حفاظا على هويتهم و ثرواتهم ، و الا فان عصرا من الخسارات سيتحقق ما لم تكون هناك صحوة في التعامل مع الخطابات العالمية الجديدة .

من الظاهر انه حالة الضعف و التدهور التي يمر بها العرب اليوم سياسيا و اجتماعيا  ستكون الارض الخصبة لتمرير املاءات العولمة السياسية ، و يمكننا ان نتصور كيف ستكون اشكال الوحدة الاقتصادية و الثقافية ،  طبعا لا نريد ان نتحدث بعنصرية  ممجدين العنصر العربي ، و انما نريد ان نقول انه مع غياب مشروع عربي ثقافي فان الهوية العربية آيلة الى الزوال ، و مع غياب تسراتيجية اقتصادية واضحة فان ثروات العرب ستتسرب من ايديهم ، و مع غياب نظرة سياسية و معالجة حكيمة فان عصرا من الاستعباد قادم لا محالة .

اسلام عابر للمذاهب


 
الا يجب علينا ان نتوقف و نتساءل ما الذي جنيناه من المذهبية ؟ ما هي الخدمة التي قدمتها  لنا؟ طبعا المراد هنا ليس الاعتقاد الصحيح، اذ لا ريب ان هناك اعتقادات صحيحة و اعتقادات فاسدة و العقل يرشد الى كون الانسان على اعتقاد صحيح وهذه ليست مذهبية و انما معرفة . مرادنا من المذهبية، المؤسسة المذهبية من حيث الاصول و المدرسية  . و قبل الاجابة على السؤال ، لا بد ان نستذكر الصحابة في زمن رسول الله صلى الله عليه و اله و بعده ، هل كانوا بنقسمون في مناهلهم و مؤسساتهم الى مذاهب ، الجواب الواضح انه لا وجود لهكذا شكل من المؤسسات مع انه كان هناك اعتقادات صحيحة و اعتقادات باطلة.  اذن كيف كان يعمل اصحاب الاعتقادات الصحيحة ؟ انهم كان منخرطين وسط الاخرين يتحركون بشكل واسع لا يتركون طريقا للوصل و الاقتراب من الاخر الا سلكوه ، تسوروا جميع الاسباب و الحجج لتأليف القلوب ، و كانوا يضعون الامة الواحدة فوق التحزب و التمييز ، بل ان ما يقرب من ذلك كان في تعاملهم مع الكفار مع اشتمال القلب على ولاية اهل الحق و التبري من الكفر .
الان صار الطريق معبدا للاجاية عن السؤال و جدوى المؤسسة المذهبية .طبعا سيكون الجواب واضحا انه لا جدوى ابدا من المؤسسة المذهبية ، بل و لا جذور اصيلة لها و انما هو امر محدث لم يكن مدروسا و كان في كثير من اسباب وجوده ردة فعل و تحصن و تمترس ليس الا ، و كان وبالها كبيرا على الامة . طبعا تحت شعار تبيين الحق من الباطل و تعريف السنة من البدعة، و لنا ان نسأل الا يمكن ييان الحق من الباطل من دون مؤسسة مذهبية ؟ الا يمكن تعريف السنة من البدعة من دون تخندق و انعزال مذهبي ؟ و هل نجحت المؤسسة المذهبية في تحسين حال المسلمين و عملهم ؟
ان اخطر ما تسببت به المذهبية هو ضياع الجهد الاسلامي، و خمول العمل الاسلامي ، حتى صرنا امة هامشية ، لا تمتلك القدرة على العمل مطلقا ليس فقط في الوسط العالمي بل فيما يخص شؤوننا نحن. 
على المسلمبن جميعا مراجعة هذا الامر و العمل بجدية على وجود اسلام لامذهبي ، و امة اسلامية بواجهة تتعالى على التخندقات و التمترسات اللامبررة ، و  الحفاظ على دين الانسان و سلامة عقيدته لا يحتاج الى تمذهب و تخندق و انعزال . و لعل من الامور السيئة التي نتجت عن المذهبية هي الطائفية الساسية و التي يمكن ببساطة ان تتطور الى حرب اهلية ، وما هذا الدمار الذي يحصل الا و تجد ان  استغلالا بشعا للطائفية  قد حصل و قتلا للابرياء باسم الدين و الحق ، و اللعب على حبل التكفير و انتهاك حرمات الانسان بحجة الكفر و الابتداع .
لا ريب انه صار من الواضحات الحاجة الماسة الى عمل اسلامي موحد ، كما ان الحاجة الى حياة اسلامية حامعة ايضا صار ضرورة ملحة، و كلنا يرى ان التمذهب لم يعد شرخا بين الطوائف فقط بل صار يحصل بين ابناء الطائفة الواحدة ، و لا بد من التاكيد ان الحل و الخروج من حالة التشرذم  ليس في ما يسمى تقريب المذهبي لان هذا شيء غير عملي و فشله بين ، بل الحل الحقيقي هو اعتماد روح التعايش و الالفة و الاجتماع نحو المشتركات ، و ترك الامور الخلافة كمسالة فردية بين الانسان و ربه ، بمعنى اخر الفصل بين الفدري و الجماعي ، فيكون الانتماء الاسلامي و الوطني و الانساني هو مضمار العمل الجماعي ، و معرفة الحق و الاعتقاد الصحيح يكون موطنه الوجود الفردي ، و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر غير محتاج لان تكفر الناس و تقتلهم بحجة الابتداع ، بل الامر بالمعروف و النهي عن المنكر يوجب العمل على وحدة المسلمين و اظهار الاسلام بوجه مشرق و احترام الاخرين من غير المسلمين و العمل معهم لاجل واقع انساني افضل . وهذا هو جوهر الدين .

القراءة الصحيحة و النقد المفتوح







 د أنور غني الموسوي


  دوما هناك سؤال : ما هي القراءة الصحيحة ؟  بل ان النقد في جانب من بحث منهجياته انما يحاول ان يجب عن هذا السؤال ، و  ان النظرية النقدية انما تقدم  كنموذج للقراءة الصحيحة .
و ربما يمكن اعادة السؤال :   كيف نعرف ان قراءتنا للنص صحيحة ؟
للاجابة الواضحة و الصحيحة عن هذا السؤال لا بد من تذكر امرين :
الاول : ان الصحة  و النموذجية   امور تطورية  ، لذلك من الخطأ تصور وجود قراءة صحيحة خالدة و دائمة ، كما انه لا بد من اليقين انه ليس هناك قراءة صحيحة اكثر من القراءة المعاصرة .
الثاني : ان للنص غايات تتجلى فيه هي :  اللغة و النص نفسه و قصد المؤلف ، كل منها يتجلى بمظاهر واعية و غير واعية  ، و حينما تكون تجربة الكاتب ناضجة و متكاملة تكون مظاهر تجلي تلك الغايات على درجة عالية من الفنية و الرقي و الثراء .  هذا الثراء يحتاج الى قراءة مخلصة تتبع جهات الادباع في النص في كل مستوياته .
في ضوء ما تقدم تكون القراءة الصحيحة متسمة بصفتين اولا المعاصرة و ثانيا الاخلاص ، لانه من دون قراءة معاصرة تكون قراءة متخلفة و مسيئة للنص  ، و اما الاخلاص ، فمن دونه لن يكون هناك مجال لتبين اوجه الابداع في غايات النص المتقدمة ، فتكون القراءة ناقصة ايضا .
النص المعاصر لا يريد فقط الحكاية و التوصيل و النقل ، لكي يكتفى في قراءته بعملية قراءة واحدة ، بل هو ساحة للإيحاء و الرمزية و التقنية و الفنية و الثقل المعرفي و اللغوي و البعد الجمالي و تمثل القضية و الانتماء و النفس و الايغال في عمق التجربة و عالم المعنى . ان الكتابة الفنية المعتبرة - و ليست التسويقية  طبعا - تتمتع بعدد كبير من الجوانب الابداعية في مستويا متعددة و مختلفة  ، فهناك عوامل من الوعي و عوامل من اللاوعي ، و هناك عوامل من النص ذاته و من اللغة الراسخة بفعل البيئة و الثقافة في نفس الكاتب .كلها تعمل على التجلي في بناءات و تراكيب فنية مناسبة تلائم ما ترسخ و تراكم في تجربة المؤلف ، وهذه الحقيقة ليس فقط المؤلف يدركها بل القارئ ايضا .

من هنا لاجل ان نحقق قراءة صحيحة لا بد من تتبع مظاهر الابداع في جهات متعددة و مستويات قراءاتية مختلفة ، و في القراءة الفنية للناقد ،ربما يكون واقعا ظهور حالة ( النقد المفتوح ) و الذي ينفتح على جميع امكانات النص بجميع ما يتاح من ادوات وصلت الى الناقد المعاصر ، و حينها يكون من التعسف القول بان منهجا معينا و مدرسة معينة هي التي تفي بحق الظاهرة الابداعية .