ورقة صامتة





رقيق هو الصباح كقصيدة نثر غرقت في عالم من الضباب . كيف تريدني اذن أن أراها، و أنا ذلك الظلّ الكسيح ؟ أبحث عن عيوني التي غادرتها البدايات . كلماتي وريثة الأشباح المرهقة تتبعثر في المكان كخيط رفيع جدا . و رقتي الصامتة لا تعلم أنها صفراء جدا، و لا تعلم  أنها تسابق الريح كموت ساحر. هكذا أنا ، أعيش مع كلماتي المسكينة في عالم من العمى . القارئ الذي أُثقله بندائي لا يجد قاربا في بركة الضباب هذه . انه لا يعيش حكاياتي لذلك فهو لون ميّت. حتى صديقي الشاعر الذي يسابق الندى أيضا صار يجلس في بركة الصمت مهموماً. و أنا ذلك المسكين ، في أحيان كثيرة استغرب أنني لازلت أتنفس . ليس فقط لأنني لا أرى ورقتي ، بل لأن كلماتي غريبة جدا الى حدّ أنها سئمت البقاء بقربي .



* ميتاشعر

أنظمة التعبير الموازية

 لا يمكن و بأيّ حال من الاحوال انكار التطور الهائل الذي حصل على النص الأدبي في المئة سنة الاخيرة ، و ما صاحبه من وعي مكتسب جديد حول اللغة و التعبير . كما ان تداخل الاجناس الادبية و الذي برز في الخمسين عام الاخيرة أدى الى توسعة في فهم التعبير و تعظيم غير مسبوق لطاقات اللغة و النص الادبي . و بالقدر الذي اكد عليه اللسانيون من التمييز بين اللغة و الكلام و منه النص ، فانّ التعبير الانساني عموما و الادبي خصوصا بواسطة الانظمة الهجينة في اللغة أدى الى تجلي ظاهرة في منتهى الابتكار و الابداع و هي تعدد مستويات التعبير . و لقد ساعدت الكتابة النثرية للشعر في قيادة  دفة هذه الظاهرة و ترسيخها .
لقد ترسخ و لميآت السنين ان النص مكوّن و مركب من الكلمات و المعاني، لكن و بفعل الوعي العميق بالنص و ادبيته و تعبيريته ، حصل تطور في فهم النص ، و صار النص ليس مجرد نظام مكون من كلمات و صورة خارجية للغة ، بل تعداه ليكون له وجودات و مستويات مختلفة و ان كان النص اللغوي هو المرآة لتلك الوجودات و المستويات .
انّ الحرية الكبيرة التي وفرها الشعر السردي أدت الى ظهور اشكال تعبيرية مصاحبة للنص لا تتكون من وحدات لغوية ، و بعبارة اوضح اصبح لدينا انظمة تعبيرية محمولة في النص غير الانظمة اللغوية ، وهذا هو تعدد مستويات التعبير ، و كل من تلك الانظمة غير اللغوية التي تصاحب النص يمكن ان نسميه ( نظام التعبير الموازي ) . و بتعريف مادي موضوعي فان نظام التعبير الموازي هو ذلك التشكل الادراكي المكون من اية مكونة ادراكية غير اللغة و الذي يكون محمولا في النص اللغوي. فيكون لدينا تعبير لغوي و لدينا تعبير غير لغوي معه و ربما تتعدد انظمة التعبير غير اللغوية .
يمكن لنظام التعبير غير اللغوي المرافق للنص ان يتنوع بتنوع التجربة الانسانية و ما يوافق طاقات اللغة ، لكن من أهم تلك التشكلات التي رصدناها في الشعر السردي هي التشكلات الشعورية العاطفية  (التعبيرية الشعورية التجريدية ) و التشكلات الاسلوبية ( التعبيرية الاسلوبية ).و التشكلات القاموسية ( التعبيرية القاموسية )  و التشكلات الايحائية ( التعبيرية الرمزية )  و التشكلات الفكرية ( التعبيرية الفكرية ) .
ان المؤشر الواقعي والصادق على وجود نظام تعبيري غير لغوي مرافق و محمول في النص هو تحقق الاثارة و الاستفزاز بغير اللغة و الكلام ، فيجد القارئ ان هناك معطى غير اللغة و المعاني يستفزه و يثيره و يدهشه ، و وظيفة النقد هو تحليل و تفسير هذه الظاهرة المهمة جدا و التي ربما لم يشر اليها سابقا .  و ستكون لنا وقفات مطولة مع تلك التنظمة التعبيرية الموازية الا انا سنشير هنا الى بعض ملامحها و نماذجها البينة .

  (التعبيرية الشعورية)
في التعبيرية الشعورية تكون الرسالة مبرزة بمكونات عاطفية و شعورية اضافة الى الكلمات و المعاني ، بمعنى اخر  ان النص او المؤلف يوصل رسالته من خلال مكونات شعورية و عاطفية اضافة الى المكونات اللغوية او من دون الاهتمام بالاخيرة كما في التجريد . و من النماذج الواضحة هو قصيدة ( شتاء ) للدكتور انور غني الموسوي حيث يتشكل نظام تعبيري اخر واضح  متكون من وحدات عاطفية و شعورية غير النص اللغوي .
شتاء
 أنور غني الموسوي
 إنّه فضّي كحلمي ، هذا الشتاء الذي بدأتُ أشعر به بقوّة و كأنّه قصيدة هادئة. ربما لأنني غرقتُ أخيراً في نهر ناعم مصنوع من ألوان ساحرة . و ربما لأنني عثرتُ على حقل رطب في زوايا حلمه المسائي فتيان حفاة مصنوعون من النسيم ، يتقافزون فوق الحشائش كسناجب تتلفتُ بين الاغصان . ليتك رأيتَ الغروب في عيونهم الباسمة، كانت تنشد أغنية شفافة كتلميذة ذهب بها الصباح الى مدرستها القريبة. كنتُ حينها ورقة خضراء بلّلها المطر .
 و هكذا نجد نظام تعبيري مواز بالتشكلات الشعورية في قصيدة الزهور البرية للشاعر عادل قاسم
الزهور البرية
عادل قاسم

حين تغفو الريحُ فوق وجهِ البركة الضاحكةِ ،وتنطلقُ بِرشاقةٍ ،ورهافةٍ موسيقى الاشجارِ الناحلةَ ،يَستفيقُ المساءُ أخيراً، وتلتمعُ في الافقِ البعيد،ِ خلفَ التلالِ النائمة، بقايا الجدائلِ المُشرقةُ للشمسِ وهي تلملمُ برشاقةٍ ثوبها القرمزي الموشى بالبهجة ،وتستكينُ بِدعةٍ في اوكانَها الطيور ُ المحلقةُ، بينما تنث عطرَها الزهورُ البريةُ في هذه المهادِ المُمتدة ،تحت زرقةِ النجومِ ووجهِ القمرِ الذي تفيضُ خدودهُ بالذهبٍ في هذا الفضاء الفسيح.

و في الحقيقة التعبيرية التجريدية الشعورية هي من اهم تطورات الكتابة الادبية و من اكثرها نفوذا الى حقيقة الانجاز و الاضافة على مستوى الوعي باللغة و الوعي بالنص .


( التعبيرية الاسلوبية ).
وهذا هو من أهم ابدعات الشعر السردي حيث توصل الرسالة من خلال اسلوب الكتابة من دون توظيفات بصرية و سمعية معهودة في الشعر .
1- السرد التعبيري ( التعبيرية السردية)
حيث السرد لا بقصد السرد بل بقصد الايحاء و بقصد توصيل رسالة الى القارئ غير الحكاية كما في قصيدة  ( فَيْءٌ للآخرين ) للشاعر   فريد غانم حيث نجد الوصف و الحوار الذي ليس الغاية منه خيال الحكي و القصة بل التعبير و الايحاء و ايصال رسالة شعورية الى القارئ  وهذا السردية التعبي  مضاد للغنائية كما هو واضح فتتحقق الاثارة بذات الاسلوب و ليس بالمعاني و الافكار فحسب .

فَيْءٌ للآخرين
فريد غانم

في كلِّ مرّةٍ أعودُ إلى بيتي، أخلعُ الضّوءَ عنّي، فينزلقُ ظلّي ويدخلُ في خزانة الملابس. أعاتبُهُ. أقولُ أنت ناكرٌ للجميل، تُوزِّعُ الفَيْءَ على كلِّ شيءٍ ما عدايَ. لكنَّهُ، كعادتِه، يردُّ على الكلامِ بالصّمت، ولا يقولُ شيئًا. لا بدَّ أنّهُ أبكمُ.
حينَ أدخلُ في الزّحمةِ، وتنهالُ عليَّ أضواءُ المدينة، يتسلَّقُ ظلّي على المارّةِ فتحمرُّ وجنتايَ. ويدورُ حولي بلا لونٍ. أعاتبُه: لماذا تخلعُ عنكَ ألوانَ ملابسي وشكلَ دمي؟ فلا يقول شيئًا. لا شكَّ في أنّهُ لا يسمعُني وسطَ الضّجيج.
في منتصف الظّهيرة، يختبئُ تحتَ نعليَّ. أمشي فوقَه حتّى شاطئِ البحر. أخلعُ نعليَّ، فينقسمُ ظلّي إلى اثنَين: واحدٌ يلوذُ تحت قدميّ والثّاني تحتَ نعليّ. أُناديه بينَ هديرِ موجَتَيْن: أين اختفيت أيّها الجبانُ؟ لكن، كعادتِهِ، يبتلعُ الإهانةَ ويمتهنُ لُغةَ الأسماك. ذلك لأنَّ وجهَهُ بلا ماء.
أركضُ على الرّملِ، فيظلُّ قابعًا تحتي. أجاملُهُ. أسألُهُ بلطفٍ. أدغدغُهُ. لكنَّهُ لا يردُّ. فهو، لا ريبَ، مقطوعُ السّاقَين واللّسان.
في الصّباحاتِ الباكرة يمتدُّ على طولِ البحر المتوسّط، في ساعاتِ العصرِ يمتدُّ حتى جزرِ اليابان، وفي الأيام الغائمة ينغمسُ في الظلِّ الكبير. أؤنِّبُهُ لاجتيازِ الحدودِ بلا إذنٍ. أشتمُهُ. لكنّهُ لا يجيب، كأنَّهُ ناسكٌ صامتٌ.
هكذا هو ظلّي، يوزِّعُ فيْأَهُ على الآخرين مجّانًا، وينساني بلا قُبّعةٍ. هكذا هو، كلَّما اشتدَّ الظّلامُ، ينفصلُ عنّي ويركضُ وحيدًا، وحيدًا، باحثًا عن نُقطةِ ضَوْء.
2- التعبيرية البوليفونية
في النص البلوليفوني متعدد الاصوات يوصل الشاعر رسالته و يثير المتلقي من خلال سرد متعدد الاصوات و الرؤى يكون فيه المؤلف صوتا واحدا من بين اصوات متصارعة داخل النص  وهو مضاد للغنائية كما هو واضح فتتحقق الاثارة بذات الاسلوب و ليس بالمعاني و الافكار فحسب ،ولقد اشرنا الى هذا الاسلوب في مناسبات سابقة و نجده في قصيدة ( الساعةُ تنامُ في جيبٍ هرمٍ)  للشاعر كريم عبد الله
الساعةُ تنامُ في جيبٍ هرمٍ
كريم عبد الله

عادَ أكثر نضارةً وجهيَ بعدَ أنْ كانَ متجعداً , الساعة في الجيبِ رقّاصها يسمعُ دقاتَ القلبِ المرتبك , الأصابع تتفقّدها كلّما يزدادُ الأشتياق , الأحلأمُ تأتي تتظاهرُ تطفىءُ خيبةَ القصائد تحنو عليها أبجدياتِ اللغة , توهّجها يمنحُ سنين القحطِ بعضَ الدهشةِ تُبحرُ في سنواتٍ لا تعرفُ طريقَ النهر , مروجها الخضراءَ ليتها ترمّمُ ضحكةً خلفَ ابوابِ ثرائها الفاحشَ , وغيماتها الرماديّةِ وحدها تتكاثفُ على التلولِ المطلّةِ تسمعُ همهمة الياسمين : يا للشيب كيفَ ينطفىءُ والتصاوير( الشمسيّةِ ) تتزاحمُ تلوّنُ عتمةَ دفاترِ الطفولةٍ ... ؟ !
تتساقطُ الثمار في مواسمِ القطفِ , قطارات المنافي تدهس المزيدَ مِنَ أسرارها , وذاكَ القنديلُ حزينٌ في المحطةِ جرسٌ يسرقُ زيتهُ , أينَ تختبىءُ والسواترُ تبعثرها الحروب تستطلعُ صحوةَ هذا السأم .... ؟ !
مقصلةٌ تشحذُ تويجاتِ الأزهار , يندلعُ الحرمان يعطرُ مساحاتي الشاسعةِ وهي تنأى تركضُ خلفَ حدائقها , فــ يعودُ الصبح ضريراُ يعلّقَ ظلمتهُ على الأبواب ويسحبُ الغياب ذكرياتها مِنْ رزنامةٍ لا تعرفُ التواريخ ........ !


( التعبيرية القاموسبة )
في التعبيرية القاموسية  تصل الرسالة الشعورية و الاثارة الى القارئ من خلال قاموس مفردات النص وهذا قد اشرنا اليه في مناسبات شابقة و نجده  في قصيدة (غراب في مقبرة  ) للشاعرة سما سامي بغدادي ، فانا نجد ان المزاج  و الجو العام للنص قد صيغ بلون مفرداته كما هو ظاهر .

غراب في مقبرة
سما سامي بغدادي
سنوات كرفة جناح يمامة أعتادت الرحيل ,شموسٌ مرّت مثلومةالزوايا تشكو قحطها , ونعيق رياح يتطوى في خواءمرّ , أي شيء يتذكرالغراب الساكن فوق جدار مقبرة؟الموتى بلاذاكرة قرب جذور العمق المهيب , ملح الارض قطع أوصافهم ,يد لها لون تفاحة على وشك السقوط ,وصوت لاصدى له,
أسماء تنتظرالرحيل نحو شراع ونجمة,يشهدون الظل الاخر وراء الريح كصدفة مغَلّقة في غمار بحر يتقاذفهم الموج في تيه الابديه , توارت أنفاسهم اللهاثه وإنزاحت عنهم غمامة البحث عن وجه مفقود ومرآة مكسوة,غاب لهاثهم للأمجاد ، لا يسألون غراباً على غصن يابس، ماذا يتذكر.يظل ساكناً فوق الساعات كروح تمثال بلا عيون ,سواده الكالح يشكو غياب الافق الابيض , حشد ينامى يتجمع في ذاك الطائر, تجاعيد مهترئه , وأحضان مبتورة ,وضحكات مكتومةأمال مأسورة، ومحطات صامتة في سبات الظل الساكن , جراحات اللامرئيين تتوارى في داخله , معلقة تتنظر الرجوع الثاني, أحلام مهزومه , وأماني تنتحب ,أشلاء الطفوله المذبوحه, ونساء أودعت أقمارها أحضان الارض المتخمة بربيع العمر, أشكال غريبة غارقة في التربة، لا تجرؤ على لمس قطرة ماء ,الوادي إسوّد من شراب الدماء العفراء ,ودهاليز الموت الجامحة لاتبالي حين يتوارى السكون وسط الاحزان فلانفرق بينهما , اللهب الأسود الساكن خلف السماءالرمادية ينتحب مع نعيق الغراب, بين الجرح والجرح رمح أسود ، الذاكرة سكنت رياحاً تذروها ترباناً تعبُّ بالحياة المبتوره ,صارع بين الظلال لحياة راقدة في سبات, يتسمّر الغراب فوق جدارمتهالك بالانين , بعينين باهتتين,وهو يشهد الشمس تحمل مجاميع الكويكبات نحو الافق الحاني ,وراح يعد ذاكرة الأجفان المطبقة, كشفق يبزغ فيخفي دمدمة النحيب المتواصل في سديم الفضاء . 
( التعبيرية الرمزية ) 
في الرمزية التعبيرية تتحقق الاثارة من خلال التهيحج و الاستفزاز الرمزي وهذا معروف و كثير في قصيدة الحداثة و نجده في قصيدة وجه المدينة للشاعراسماعيل عزيز فانا نجد الرمزية العالية التي تصنع عالما موازيا يثير و يستفز القارئ و ينقله الى مجال في الوعي   مركب غير الخطابية اللغوية .
وجه المدينة
اسماعيل عزيز

كم مساء مضى؟ هل تحصون معي ؟ منذ أن غابت الشمس يوماً لتتركني غسقاً عالقاً في بقايا شجر!
في يديّ خرائط الصحراء .وفي قلبي نجم بعيد..وهل تسمعون هذا الخواء الذي ينهش الروح.وهذا المزيج الغريب من الوهم والوهم؟ .آهٍ وألف ..نسيت ..رأسي هنا. لكنّ سريري هناك.فأنا ..أنا الطين الذي أنقاد مراراً ويبقى , للزرقة البشرية . قادتني خطى الطريق لأبجدية مائعة…أنني أسقط الآن مُستسلماً على أعتاب كتاب..
قال لي قائلٌ في الكتاب : لا تعطي وجهك للشمس ..وعانق يمين القمر ..
–ربما قمراً قلقاً ، حينها ينتابني اللحن صوب السفر..فتورق بي رغبة للرحيل..
–أحمل معك حجر الذكريات ..أو أدخل نافذة من حلم . لا يبدأ الحُلمُ الأزرق ولا ينتهي !
أنني أرى الآن مُدناً من دخان تحت رأسي ونهراً تأرجح بين بقايا شجر
–أوقد على الطين نار الحجر ولا تخلط بين الحبيبة والبرتقال والزورق الورقي ..
أيها الرجل السائر بين الدخان وبين الضباب ..أيّها العالق بين الرمال وبين خطى الموج
أن المدينة يابسة لا تعد.

( التعبيرية الفلسفية )  

حيث ان الاثارة و الاستفزاز الذي يحصل لدى القارئ لا يقتصر على المعاني و الافكار بل ينتقل الى مستوى اخر هو الشخصية و رؤيتها تجاه العالم و يكون هناك تحد و ردة فعل تجاه ما مطروح من فلسفة و فكر في النص وهذه هي التعبيرية الفكرية التي تتميز بها كاتبات صدام غازي الذي يعبئ نصه دوما باطروحات  فكرية و فلسفية  كما في قصيدة الرقص .

الرقص
صدام غازي

الرقص بالنقر على الأسفلت ، رقصة من لا يكترث . الرقصة من طائر الفلامنكو , سرقته بوهيمية. ورقصة الدبكة يختص بها البردي . أستمع لكِ الى النهاية , فلا تقصي حنجرتي من المنتصف . الأعمى لن تشي به ألسنة البكم . الفكرة أستنتاج , وغيمة ماطرة . التلميح لبلابة في طور النمو . العزف على الناي ,بحاجة الى حبال صوتية جديدة . ثقافة الأكتراث , وسلال المهملات المملوءة . الأختبار بالقرعة , كرالي الصحراء على الأقدام . الهطول نحو حافة ما بحاجة الى كفيكِ السماوية . اللعنة ليست بحاجة الى تميمة مدفونة . نهاية الحافة ، هنالك تسمع  صوت جوقة زغاريد الوداع . بعد الهطول ، منتصف البداية , تشعر بالزغب الساقط من أجنحة ملاك . كل شيء رائع الى حد الآن .



















شتاء






(عمل تجلياتي )*
إنّه فضّي كحلمي ، هذا الشتاء الذي بدأتُ أشعر به بقوّة و كأنّه قصيدة هادئة. ربما لأنني غرقتُ  أخيراً في  نهر ناعم  مصنوع من ألوان ساحرة .  و ربما لأنني عثرتُ على حقل رطب في زوايا حلمه المسائي فتيان حفاة مصنوعون من النسيم ، يتقافزون فوق الحشائش  كسناجب تتلفتُ بين الاغصان . ليتك رأيتَ الغروب في عيونهم الباسمة،  كانت تنشد أغنية شفافة كتلميذة ذهب بها الصباح الى مدرستها القريبة. كنتُ حينها ورقة خضراء بلّلها المطر.




هامش

* القصيدة عنوانها الأصلي ( كتابة في بداية الشتاء ) أو ( احساس ببداية الشتاء ) ، الا اني جعلت النص دالّا عليه بدل التصريح . و في الحقيقة هذا النصّ محاولة في النص التجلياتي وهو من ( الفن التجلياتي ) الذي تحدثت عنه قديما (مقالات في فن التجلي في  موقع كتابات انور غني  الموسوي ) ، وهو العمل العابر لأجناس الفنون فيختلط الرسم بالموسيقى بالكتابة بالسينما ، حيث يتشكل العمل في حقيقة الأمر من عناصر غير مادية غير اللغة و غير الالوان غير التمثيل  ، بل من وحدات جمالية و شعورية ، و تكون الافكار و المعاني في الكتابة مثلا وسائط و وسائل لابراز تلك المكونات غير اللغوية المتجلية . و يعتمد صدق النص على مقدار تجلي تلك العناصر الاحساسية و الجمالية و طغيانها و استحواذها  على المكان بدلا من المعاني و الافكار فتكون الافكار و المعاني امورا ثانوية و هامشية لأجل تجلي تلك المكونات  وهو من فن التجريد كما لا يخفى .  و لقد كانت لنا محاولات في هذا الصدد منها قصيدة ( الواحة ) ، الا انني أرى أنّ هذا العمل هو انضجها من حيث تجلّي العناصر الشعورية و الجمالية و طغيانها و استحواذها على المكان و على القارئ . و تكمن صعوبة المعرفة بتحقيق العمل التجلياتي لغاياته هو الحاجة الى الحيادية التامة في القراءة من قبل المؤلف ، أي ان يتجرد المؤلف عن موقع مؤلفيته و يكون في مقع القارئ الغريب عن النص ، وهذا عمل صعب ، و لربما يكون الاستقراء طريقا آخر لاختبار هذا العمل و جديته الا انه وسيلة غير متيسرة و غير حيادية في هذا الزمن .



مفهوم التعبير الادبي ؛ كتابات ميثاق الحلفي نموذجا .



مع ان شارل بالي في اسلوبيته التعبيرية ابعد التعبير الادبي عن دراسته التعبيرية للغة ، بحجة انه انحراف تعمدي عن الاسلوب العام و لعدم امكان تحقيق قواعد منه  الا ان تلامذته ككريسو و ماروزو لم يرتضوا ذلك و وسعوا البحث الاسلوبي ليشمل التعبير الادبي ، بل قالوا ان النص الادبي اكثر مقدرة على الكشف عن البعد التاثيري للغة و تحصيل القوانين (1) . و مع انهم – اي تلاميذه- ابقوا البحث لغويا في المادة ادبية و النتائج تخص التاثيرية و العاطفة في اللغة ، الا انه لو نظرنا الى جوهر الاسلوبية وانها تمييز التفرد كما انه تمييز المشتركات ، فان كلا الفكرتين لا تكون  نافذة الى جوهر الحقيقة ، فلا قول بالي  بعدم امكان تحصيل قواعد عامة بخصوص التعبيرالادبي صحيحة  ، و لا قول تلامذته بان النص الادبي اكثر كشفا للبعد التاثيري للغة ، و الصحيح انه بالامكان تحصيل قواعد و قوانين بخصوص الاسلوبيات في الكتابات الادبية ، الا ان تلك القواعد ليست لغوية و انما ادبية جمالية و لا تلحظ المقارنة مع ما هو عام بل هي مستقلة بذاتها  ، لذلك و لاجل الخروج من هذه الشائكة لا بد من توسعة البحث الاسلوبي ليشمل البعد لجمالي و الادبي للتعابير و الكتابات الادبية ، وهذا الفهم لم نجده قد طُرِق من قبل احد قبلنا، كما انا نراه تجاوزا لواقع الاسلوبية و لمقرراتها باعتبارها دراسة لغوية عامة ، لذلك امكننا ان نصف هذا الاتجاه انه يقع في خانة ( ما بعد الاسلوبية ) .

لقد تناولنا في مناسبة سابقة  مفهوم النص الأدبي و أدبية النص (2) ، و اشرنا الى ان النص حقيقة يمتد ليشمل ما قبل النص و ما بعد النص من وجودات ، و بينا اساليب تلك الوجودات  .  و ان النص كيان كلي تركيبي يتصف بصفات تجعل منه نظاما متميزا منغلقا الى حد ما و ان كان الانغلاق امرا ممتنعا بشكل تام ، و هذا النظام يتكون من وحدات جزيئية له هي الوحدات التعبيرية ، و ليس بالضرورة تعني تلك الوحدات الجمل ، و لا الفقرات بل و لا المعاني ، بل انا قد اشرنا في اكثر من مناسبة (3) ان الوحدات التركيبية للنص لها انواع احدها المعاني ، و ما تمسك الشعر التقليدي بالموسيقى الشكلية الا لاعتبار انها وحدة تكوينية له ، و اما في قصيدة النثر فهناك وحدات تكوينية غير المعاني وان كانت محمولة فيها منها التشكل و البعد الفكري و البعد العاطفي و البعد الجمالي . و من هنا يكون واضحا جدا ان الرمزية و التعبيرية و التجريدية ليست تخليا عن تداولية و تعاونية اللغة  و نفعيتها كما هو شائع بل انها جزء من هذا النظام و ان كانت بصيغة اخرى غير ما هو معهود ، و يكون تعريف التعبير الأدبي هو التعبير عن الجمال بالجمال ، فلا هو كلام جميل يعبر عن فكرة و لا هو فكرة جميلة يعبر عنها بالكلام ، بل الامر اوسع من ذلك ، و ثنانية الشكل و المضمون لا تصمد امام التطور الهائل في النص الأدبي الحديث .و لذلك فالحل الحقيقي لتجاوز هذه العقبة هو الاقرار بتعددية الوحدات الأدبية  للتجاوز فكرة المضمون و الشكل و ليتشمل كل بعد ممكن للانسان بما هو روح و عقل  و جسد  من ادراكه ، بمعنى آخر و كما بينا في مقالنا ( علم الروح و الاسلوبية العامة ) (4) ان التناغم و التناسق و اللاتناغم و اللاتناسق يمكن ان يكون للاجسام المادية و يمكن ان يكون للعقليات الذهنية و يمكن ان يكون للمدركات الروحية من شعور و عاطفة و جمال . و على سبيل المثال   فان الفنية في الكتابة على مستوى المادة تكون في الخصائص اللفظية للالفاظ ، وهذا ما اعتمد عليه الدراسات الصوتية و المرئية للادب ، و العناصر الذهنية للتعبير الادبي تتمثل بالفكرة و اما العناصر الروحية للادب فتمثل بالعاطفة و الجمال . و بالنسبة لقصيدة النثر التي ارادت بلوغ حالة التوفق بين الشعر و النثر و بحثت عن جوهرية شعرية الشعر فانها تخلت كثيرا عن شكليات الشعر كما هو ظاهر ، و اعتمدت على العنصر الروحي و الذهني ، و بالكتابة التجريدية فانها اعتمدت على العنصر الروحي اي العاطفي و الجمالي للادب ( 5) .
لكل جنس ادبي اساليبه الخاص  و خصائصه المتميزة التي لا بد لوحداته التركيبية من الاتصاف به ، و نحن سنتحدث هنا و بشكل مكثف عن اساليب تجربة شعرية تحقق حالة التوافق بين الشعر و النثر و تسعى في الكتابة نحو الحالة الاكمل لقصيدة النثر بالتوافق النثروشعري و السردية التعبيرية التي نراها في كتابات الشاعر ميثاق الحلفي . و سنبحث تلك الخصائص و اساليبها باعتبارها وحدات جمالية مكونة للنص ، و اما الفنية و الرسالية فانها تدخل في بحث ادبية النص و ليس في بحث وحدات التعبير الادبي .
 للتعبير الادبي في قصيدة النثر السردية التعبيرية الافقية مظاهر جلية  تنطوي على مبدأ ( التضاد ) وهو الحقيقة الكبرى لقصيدة النثر.  فالشعرية في قصيدة النثر ( الافقية السردية)   تتجلى في  تضاديات  كبيرة في الانزياح و اللانزياح و في الغنائية و اللاغنائية و الحرية و اللاحرية في الجمع بين اطلاق الاسلوب و نثرية النص . ان المظهر الاوسع للشعرية  يتجاوز حالة الانزياح ليشمل الانزياح و اللانزياح كاداة تعبيرية في قصيدة النثر وهو مظهر من التضادية .  كما التراكيب اللغوية المتشتملة على احد تلك الاساليب بشكل متجل تحقق الصورة الشعرية بمعناها الواسع وان كانت غير مقتصرة على الغنائية لتشمل الشعرية الغنائية و اللاغنائية وهذا ايضا مظهر من مظاهر التضادية في قصيدة النثر ، كما ان من مظاهر التضادية في قصيدة النثر هو جمعها بين الحرية المطلقة في الاساليب مع قيد النثرية وهذا من اهم اسرار قصيدة النثر .   فكل اسلوب من الاساليب في قصيدة النثر النموذجية ( السردية الافقية)    يشتمل على التضادية ابتداء من نثرية الشعر ( النثروشعرية)  و شعرية السرد ( السردية الشعرية )  الى توصيلية الرمز  ( الرمزية ) و ايحائية الوصف ( الايحائية ) الى تأثيرية الكلام شعوريا و احساسا ( التأثيرية الشعوري ) ، الى الادراك العميق باللغة ( التجريدية ) 
- السردية  الشعرية
في القصيدة السردية و الشعر السردي بالمفهوم الذي قدمته مجموعة تجديد تنظيرا و تطبيقا يتحقق السرد اللاقصصي ، السرد الشعري بالمعنى الحقيقي ، و ليس القصة المنظومة او المطعمة بلغة شعرية ، بل في القصيدة السردية تجد نثرا و سردا ينبثق منه الشعر ،  وهذا هو نظام التضاد . لا تجد قصة و لا حكاية رغم السرد ، انه السرد لا بقصد السرد ، وهذه الكتابة من اصعب انواع الكتابة و تحتاج الى تجربة و عمق حقيقيين . في سرديته الرائعة ( عن الحرب احدثكم) (6)  التي يحقق فيها ميثاق الحلفي النموذج   لقصيدة النثر من حيث سردية الشعر و عذوبته و وضوح الرسالة  حيث يقول :
(في الحربِ لا تُفتِشَ عن نهاراتِ الحظِ ،  يكفي إناء من البلاستيك لتشاركَ الفئرانَ العشاء. ولا أنْ تطفوَ على وجه النهرِ عاشقاً.لا تُفكِرَ مَنْ يَقلِبُ الطاولةَ آخرَ المساء .  أنْ تَقبِضَ على متاريسِ الأرواحِ في موضعك. لا تحتاجُ إلاّ لجنونٍ يُدخلكَ موسوعةَ الهذيان. 
عن الحربِ أُحدِثكم.  تلكَ التي أكلتْ أثداءِ النساءِ.وحملَتْ صلبانِ اللعنِ الى مُتحفٍ عائمٍ على العويلِ .عن الزكامِ الذي اصابَ سواترِ الرئة ِ وأنتَ تكتبُ في الظلام وصاياك على عِلبِ التبغِ الفارغة وتحلمُ في الظلام وتموتُ في الظلام .)
لا نحتاج الى كلام لبيان السردية الواضحة في النص ، كما اننا لا نحتاج الى كلام لبيان الشعرية الواضحة فيه ، هنا في هذا النص يحقق ميثاق الحلفي  السردية التعبيرية ، السردية لا بقصد الحكاية و القص ، بل بقصد الرمز و الايحاء و اثارة الاحساس و الشعور . انها حكاية التفتيش عن الجواب و عن المصير ، انها الانكفاءة الكاملة و االلون الرمادي لهذه الحياة و العشاءات المرة ، انها خسارة الحلم  فلا عشق و لا اكتراث بالنفس و لا بالمصير ، انها قصة الضياع و التيه و حياة الجنون و الهذيان .

- النثروشعرية
قصيدة النثر السردية الافقية هي الحالة النموذجية لتحقق التكامل بين الشعر و النثر ، ففيها تجد الشعر الكامل في النثر الكامل وهذا هو نظام التضاد هنا  . حيث من قلب النثر ينبثق الشعر. يقول الشاعر  في قصيدة  ( رسالةٌ،عُثِرَ عليها )(7) :
  (  تعالَ معي لأُريكَ ذلكَ الفلاحُ المتسخُ وهو يلوكُ عقالَه كلُبّانٍ مُتحجرٍ.أُريكَ نْباحَ البواخرِ وكيفَ تُزمجرُ الريحُ مثل راقصة على السريرِ يهزها الطبلُ وتترسبُ ايامها في وديانِ الفوضى. كيفَ يحفرُ القهرُ باسنانه دكات الموتى. وينامُ أطفالي وهم يحلمونَ بك. تعالَ معي نقرأ قاعَ الفنجانِ لنطالعَ حظّنا معاً.علّنا نلمحُ شجراً او نورساً يحملُ حقائبنا. لنجربَ طعمَ الحلوى دونَ أنْ يُطاردنا الذُّباب. تعالَ نُجاري حفاري القبور أيُّنا الاسرعُ في تلقّفِ الجماجمِ.هل جربتَ أنْ تُحاصرَ الاطلاقة اوردة البوابات وأنتَ محاصرٌ تنزع خيوطَ الأوتارِ عن لحنٍ شريدٍ.أنْ لا ترى مَنْ لا يُبصِق في طعامكَ وتُرشي العصافيرَ بالكثير من الزقزقة. وأنْ لا يتورع الحُلُم من دخوله أقبية الرأسِ بالرماد. تعال أُريكَ كيفَ أصبح النهرُ كسولاً عن معانقتي.. وأنتَ… تسبحُ في قبركَ دونَ أنتماء ) 
 في هذه القصيدة المتكونة من تسعة اسطر ، نجد البناء الجملي المتوصل ، فالنص كله يتكون من اربع وحدات نصية ، كل منها يتكون من ثلاث جمل متصل ، وهذا طغيان واضح للنثرية ، كما ان التراكيب درامية حكائية سردية بعيدة عن التصوير و الغنائية جدا ، وهذا ظاهر ، الا انه وسط هذا الجو النثري ينبثق الشعر ، و تتحقق الشعرية الفذة و تنبثق الصورة الشعرية بابهى صورها (ذلكَ الفلاحُ المتسخُ وهو يلوكُ عقالَه كلُبّانٍ مُتحجر )  (نْباحَ البواخرِ وكيفَ تُزمجرُ الريحُ مثل راقصة على السريرِ ) (علّنا نلمحُ شجراً او نورساً يحملُ حقائبنا )  . كما ان الشاعر استخدم التموج اللغوي لينتقل بين الرمزية و التوصيلية مما اعطى نصه عذوبة كما سنبين في الفصل التالي .


- الرمزية العذبة 
البوح الاقصى و التوصيل الجلي من خلال الرمزية العالية اعطى للرمزية عذوية في القصيدة السردية و عذوبة الرمز هي من نظام التضاد وهو انجاز لا ينكر لكتابة قصيدة النثر السردية الافقية . تميز السردية الافقية بالرمزية العذبة ، رمزية قريبة ، رمزية تتوهج وسط جو من التوصيلية في تموج لغوي و كلامي عذب فبعد توصيلية (تعالَ معي لأُريكَ ذلكَ الفلاحُ المتسخُ  )  تأتي رمزية ( وهو يلوكُ عقالَه كلُبّانٍ مُتحجرٍ.) ثم رمزية عالية جدا ( أُريكَ  نْباحَ البواخرِ ) وهذه تبلغ المجانية و التجريد ثم رمزية قريبة ( وكيفَ تُزمجرُ الريحُ ) مثل راقصة على السريرِ) ثم منطقية واقعية (  يهزها الطبلُ وتترسبُ ايامها في وديانِ الفوضى) .

- الايحائية 
من خلال النثرية التي يراد بها الشعر و من خلال السرد الذي لا يراد به القص فان الموجهات الدلالية التي تدخل عمدا على المركبات اللغوية لا تقدم فائدة تشخيصية افهامية و انما تقدم دلالة ايحائية شعرية ، و هذه القيدية اللاتداولية الايحائية هي من نظام التضاد  و من الشعرية الواضحة في النثر الايحائي .
نجد هذه الموجهات الايحائية كثيرة في شعر ميثاق الحلفي منها مثلا قصيدة (سونار)
( هَلْ جرَّبتَ الرقصَ مثلي بلا ساقينِ ) فان قصيد ( بلا ساقين ) نقلت النص من خانة القص و الافهام الى خانة الايحاء و الشعرية  و هكذا في قيد المقبرة في عبارة ( وأعَرتَ حذاءَكَ لحارسِ المقبرة،  ) و ايضا الايحائية ظاهرة في قيد ( العجين ) في عبارة ( وأنْ يَئنَ في كوخكِ العجينُ )   و في عبارة ( وتبكي بحرارةٍ إذا ما غَرَّدَ على شُرفتِكَ عصفور ) هذه الموجهات الدلالية من الاساليب الشعرية المهمة التي بامكانها نقل العبارة من جهة تجنيسية الى اخرى و من مستوى دلالي الى اخر ، و من الواضح ان تلك القيود و الموجات لم تكن لبيان و توضيح و تفصيل و انما لتحقيق الايحائية و الرمزية .


- التأثيرية الشعورية
الارتكاز في توصيل الرسالة على الثقل الشعوري و الاحساسي للكلمات و الجمل هو من نتاج التجربة الشعرية ، و تحقيق ذلك بتراكيب نثرية يدل على سعة و عمق تلك التجربة و في القصيدة السردية الافقية يتحقق كل ذلك .

في المقطوعة السابقة من قصيدة ( عن الحرب احدثكم ) ، الشاعر يقول ( عن الحرب احدثكم ) لكنه في الحقيقة لم يرد ان يحكي لنا قصتها و لا حكايتها ، و انما اراد ان يحكي لنا نظاما متشابكا و متشكلا من الاحاسيس و المشاعر ، لقد نجح الشاعر في تعبئة كل عبارة من عباراته بطاقة تعبيرية شعورية و زخم شعوري هائل ، حتى انك ما عدت تسمع الحكاية بقدر ما انك صرت ترى تلك الاحاسيس .

- التجريدية 
الشعور العميق بالمعاني و الادراك بالبعد الجمالي لها و توجيهه الى القارئ و توصيل الرسالة  عن طريقه هو من الاعمال الاستثنائية ، وهو من النهج التجريدي في اللغة غير المعتمد على معانيها و افكارها و انما على ثقلها الشعوري و بعدها الجمالي ، وهذا و ان لم يكن من الصفات الخاصة بالقصيدة السردية الا ان تحقيقه فيها يحتاج الى مهارة لا تخفى .
لقد اعتمد الشاعر على الزخم الشعوري و التناسب العاطفي في بعض العبارات بدل المنطقية ، حتى ان الرمزية فيها تبلغ التجريد منها مثلا ما في قصيدته (( رسالةٌ،عُثِرَ عليها )
فكما اشرنا ان الرمزية تبلغ المجانية المعنوية في عبارة (  أُريكَ نْباحَ البواخرِ وكيفَ تُزمجرُ الريحُ مثل راقصة على السريرِ )   فن الشاعر اعتمد في رسالته هنا على البعد الشعوري و الثقل الاحساسي لتركيب ( نباح البواخر )   و هكذا يرتكز النص على البعد العاطفي و الشعوري في عبارة  (هل جربتَ أنْ تُحاصرَ الاطلاقة اوردة البوابات وأنتَ محاصرٌ تنزع خيوطَ الأوتارِ عن لحنٍ شريدٍ.)  فان الرمزية هنا مجانية كما هو ظاهر  لكنها تحقق خطابيتها عن طريق البعد العاطفي  . و هكذا في عبارة  ( أنْ لا ترى مَنْ لا يُبصِق في طعامكَ وتُرشي العصافيرَ بالكثير من الزقزقة. ) ففي عبارة (تُرشي العصافيرَ بالكثير من الزقزقة ) تحمل ثقلا شعوريا و زخما احساسيا يتناسب مع الخطاب و الجو العام للنص .


1-  https://www.scribd.com/document/168694323/orientations-in-stylistics-doc
2- https://tajdeedadabi.wordpress.com/2016/09/06/مفهوم-النص-الأدبي-؛-كتابات-حميد-الساعد/
3- http://www.4shared.com/web/preview/pdf/p62629CWba?
4- https://www.makalcloud.com/post/y5p3i01gc
5- http://www.4shared.com/web/preview/pdf/YEjFtOPyce?
6- http://narrativepoetryblog.blogspot.com/search?q=ميثاق+الحلفي&max-results=20&by-date=true
7- https://tajdeedadabi.wordpress.com/category/ميثاق-الحلفي/







مفهوم قصيدة النثر ، كتابات صدام غازي نموذجا




يقول بودلير ( من منا في لحظته الطموحة لا يحلم بمعجزة الشعر النثري ، من دون وزن و لا قافية ، سلسل بشكل كاف و صارم بشكل كاف لأن يعبر عن غنائية النفس ، و عن تموج الروح ، و عن وخز الوعي ) (1) . و تقول باربرا هننغ (Babara Hening )  ( ان قصيدة النثر هي جنس أدبي متاخم -- حيث تكون الطبيعة شعرية لكنه يطرح بشكل افكار و كلام عادي جدا ) (2)  . و تقول دانييل متشل (  قصيدة النثر تكتب بالجمل انها تظهر ككتلة واحدة من دون تشطير   )(3) . و تقول مليسا دونوفان (Melissa Donovan  ) ( النثر ما يكتب باللغة العادية بالجمل و الفقرات  ، و الشعر بطبيعته يعتمد على الخصائص الجمالية للغة ، و قصيدة النثر هي   شعر يكتب بالجمل و الفقرات من دون نظم او تشطير . لكنه يحتفظ بخصائص شعرية اخرى كالتقنيات الشعرية و الصور و التكثيف ) (4)  .و يقول زيمرمان  (Zimmrman)( في قصيدة النثر  تكون الكتابة متواصلة من دوت تشطير ) (5)و في التعريف المعتمد في الويكبيديا ( ان قصيدة النثر شعر يكتب بصيغة النثر بدل النظم لكنه يحافظ على الخصائص الشعرية من التصوير العالي و ترادف و التأثير العاطفي .) (6)
ان قصيدة النثر فتحت افاقا جديدة للكتابة الادبية غير مسبوقة و لذلك قد احاطها الشك يقول جالرز سيميك ( Charles Simic ) وهو من رواد قصيدة النثر الامريكية (  قصيدة النثر لها مميز غير عادي بانها ينظر اليها بعين الشك و الريب ليس فقط من قبل الكارهين التقليديين للشعر بل من قبل الشعراء انفسهم ) (7) . و تقول نيكول ماركوتك  (Nicole Markotic)   في مقالها المهم ( قصيدة النثر و السرد الجديد ) ( قصيدة النثر هي ستراتيجية شعرية مغروسة في بنية سردية   انها دعوة للمساواة ، حيث النحو النثري و التشظي الشعري ، قصيدة النثر تتحدى التشطير و ترفض الاكتفاء بالصورة المعهودة للشعر او للنثر - الى ان تقول -  واهم ما يشدني الى هذا الشكل هو الجملة ؛ ما الذي يجعل الجملة سطرا شعريا بدلا ان تكون جزء من مقالة او قصة ) .(8)
  مع كل هذا الفهم الواقعي لقصيدة النثر ظهر اتجاه نقدي معاصر، و صار محورا للنظرية النقدية المعاصرة على يد الرائد فيه البروفسور بيتر هون (Peter Huhn  ) الذي نظر و طبق اليات التحليل السردي في الشعر، و ناقش ان التحليل السردي و علم السرديات يتميز بالشمولية  بحيث يمكن من خلاله تناول جميع اشكال الأدب بما فيها الشعر الغنائي ، و كتابه ( التحليل السردي في الشعر الغنائي ) الصادر عام 2005 كان فتحا كبيرا في هذا الاتجاه (9) ، و صارت الان مدرسة كبيرة تعمل على تتبع التقنيات السردية في الشعر الغنائية و متخصصة في هذا الشأن ، معتمدة على منهج ( السرديات العابرة للاجناس )(  (transgeneric narratlology  . (10) و اهم تلك التقنيات  السردية التي برهنوا على وجودها في الشعر الغنائي هي التتابع و التوالي (sequentialty ) و التوسّط والابراز (mediation ) و التواصل و الافصاح  ( articulation  )  (11)  .

من هنا تظهر ملامح قد ترسخت عبر تأريخ طويل لقصيدة النثر ، استطاع من خلالها ان يخرج الباحثون و الدارسون بتحديدات عامة تجنيسية لهذا الشكل الادبي و اخرجت قصيدة النثر من اللاتجنيس الى التجنيس ولكن بوجودها الواسع الحرّ و الثرّ و المتميز . من تلك الملامح التي اشير اليها  كما بينا الامور التالية :
(1) ان قصيدة النثر  تكتب بالجمل و الفقرات .
(2) انها سلسة .
(3) انها كتابة متواصلة من دون تشطير  .
(4) انها تحافظ على الخصائص الشعرية من   الزخم العاطفي و الصورة الشعرية.
(5)  انها شعر يكتب ببنية سردية .
لو لاحظنا الملامح المتقدمة فانا سنجدها صفات النثر و الشعر ، فقصيدة النثر هي الوجود الخارجي الذي يجمع الشعر و النثر اي هي حالة التوافق بين الشعر و النثر . سنحاول هنا تتبع تلك الملامح في كتابات الشاعر العراقي صدام غازي . الذي هو احد كتاب قصيدة النثر   السردية الفقية ، بكتابتها بالجمل و الفقرات و بسلاسة و من دون تشطير او تشظي ، بسرد تعبيري رمزي ايحائي محافظ  على التكثيف و الصورة الشعرية و الانزياح ، و بهذه المواصفات التي سنبحثها تطبيقيا و تفصيليا كانت كتابات صدام غازي نموذجا لقصيدة النثر حسب التعريفات السابقة .

1-    النثرية ( الكتابة بالجمل و الفقرات )

نثرية صدام غازي معلومة لكل متابع، و الجمل و الفقرات حاضرة فيها دوما، فجميع نصوصه السردية نماذج لتلك النثرية. و كنموذج لدينا ثلاثة نصوص تتميز بالعذوبة و النثرية الواضحة ( صفصافة ) و ( قطار ) و ( الزمن الصفر).
(صفصافة )
صدام غازي
ليس هذا هو الشارع . تهت في العنوان بحثا عن الصفصافة . عشتار أصبحت نبية ، لكنها نسيت أن تمسح بصماتها عن جدران معبد ننماخ . تذكر ، بفعل الأمر أن الصفصاف لن يتسعه الأسفلت ، فإن رأيت صفصافة تمشي على الأسفلت ، فأنها من البلاستيك المدور . لن تعرف الفرق من لون الأسفلت ، ولا من لون الماء ، ولن يستحضر الجنّ كي يخبرك ما نوع هذه الصفصافة .  الرياح كالأنهار في تدفقها . تهرب دوما من حرارة الصيف لتختبئ بين الصفصاف. لن تعرف الفرق ، الأ أن يخبرك البئر. هذا أن لم تنس فعل الأمر .


( القطار )
صدام غازي
بمساحة آجرتين ، لا يمكن لمقصّ الحلاق أن يقصّ لك فرحة بحجم ماموث  يبحث عن أنيابه العاجية ليحارب مخالب القطّ . خلف الكواليس بالجنب من محرك الخيوط  بآجرتين ونصف ، تسمع زغاريد القطار. يشتري الراكب رئة من البائع المتجول.  رئة لأستعمال واحد . هذا ما كتب عليها ، واشترى مظلة من أجل المطر الحامضي الذي يسكبه القطار. غم أن الثلج لم ينزل . أبتاع جزرة لأنف الأمنيات ، كسكارة جدي قبل أن يخترع الفلتر. رمى بآخر أمنياته على آجرة متغير لونها وسط رصيف المحطة ، علما أن جدي لم يعرف أنه رمى بصمته الوراثية حين لصق السكارة .

( الزمن صفر )
صدام غازي
عند أول الشفق ،  حين جلست الشمس خلف تلك التلة  تمشط شعرها ، لم نكن عندها وليدي الصدفة , لكنا ألتقينا في الزمن صفر . ليس كل شيء واضح المعالم , ولا كل الافق معتم كأعمى يلبس نظارة سوداء . لم نلتق على ذلك القمر النحاسي كما قلنا , ولم ننكث بوعدنا حين رحلنا حاملين صرة خيبة الأمل , مع القليل من قوت ذكرياتنا . ففي الزمن صفر تتغير الاحداث , فزمن القصيدة تخط على صفحة الريح . زمن عناق الارواح للأرواح في زمن هجر أهل التناسخ أرواحهم . زمن خيانتي مع قصيدة تحمل ملامحك . زمن التمني بليلة أغفاءة من أجل عين الحلم .
الزمن الصفري فيه المدى يده تسكن الصدى . التوقيت بعدد ذرات الرمل . الشمس تجلس خلف تلك التلة . السكون يركب ظهر الخفافيش ويقتل الحركة . في الزمن الصفر لا تعدّي الايام . هكذا ولدنا لا نعد ولا نحصي , في بداية أول الغسق عند بداية التوقيت صفر .
و لا نحتاج الى كلام لبيان البناء الجملي و الفقراتي لتلك النصوص ، فانها تتحدث عن نفسها .
2-    السلاسة
تتميز كتابات صدام غازي بالسلاسة ، البعيد عن التعقيد النحوي ، و هذا من خصائص قصيدة النثر التي تلزم بمنطقية اللغة و نحوية الجملة ، و يمكن للمتابع لكتابات الشاعر ان يدرك هذه السلاسة و التداولية و التعاونية التي تتميز بها . و واضحة السلاسة في النصوص الثلاثة  السابقة ( صفصافة ) و ( القطار ) و ( الزمن الصفر)
3-    البناء المتواصل ( عدم التشطير )
النثرية في كتابات صدام غازي السردية الافقية  تحقق تكاملها ، بجمل و فقرات و سلاسة و بناء جملي متواصل ، من دون سكتات و لا فراغات و لا تشطير و لا توظيفات بصرية . و كتابة  صدام غازي عبارة عن مقطوعة نثرية و في الغالب كتلة واحد ، و كتابة الكتلة الواحدة (one block ) احدى غايات قصيدة النثر الكبرى . بالبناء الجملي المتواصل بجمل تامة و واضحة تتجلى احدى اهم خصائص النثر و تكالمه عند صدام غازي ، فمثلا في قصيدة ( القطار) المتقدمة يقول الشاعر :
( 1- بمساحة آجرتين ، لا يمكن لمقصّ الحلاق أن يقصّ لك فرحة بحجم ماموث  يبحث عن أنيابه العاجية ليحارب مخالب القطّ . 2- خلف الكواليس بالجنب من محرك الخيوط  بآجرتين ونصف ، تسمع زغاريد القطار.3-  يشتري الراكب رئة من البائع المتجول.  رئة لأستعمال واحد . )
لدينا هنا ثلاث جمل ببناء متواصل و بمنطقية نحوية تامة من دون اية توظيفات بصرية . كل جملة تتجاوز السطر وهذا من صفات التكامل النثري كما هو معلوم .

4-    الصورة الشعرية الزخم العاطفي
هنا تكمن مقدرة كاتب قصيدة النثر و هنا تبرز امكانياته الشعرية ، و تصور ان قصيدة النثر فن سهل تصور ساذج لا يمت الى الواقع بصلة ، و كلما كانت القصيدة اكثر نثرية كان تحقيق الشعرية فيها اكثر صعوبة . و مع هذا التجلي القوي للنثر في كتابات صدام غازي ، يكون خلق الشعر من ذلك الوسط النثري كاشف عن مقدرة لدى الشاعر .  في النصوص الثلاثة ليس فقط تحقق لصور شعرية ذات زخم شعوري عال هنا و هناك ، بل متواليات من الصور الشعرية ، و عمق فكري و رؤيوية جلية ، و شعرية عميق تنبثق من اعماق النفس ، و الهم الشعري و طلب الخلاص واضح ، فليست النصوص مجرد تراكيب انزياحية و رمزيات متجاورة بل هناك تجل واضح لقضية الشعر و رسالة الشعر و العوامل الجمالية العميقة و الالتقاطات الشعرية و المعادلات التعبيرية الفذة .
ففي ( صفصافة ) نجد متواليات في الصور الشعرية و الصيغ التعبيرية المعبأة بالطاقات الشعورية و الزخم الاحساسي ( 1- ليس هذا هو الشارع . تهت في العنوان بحثا عن الصفصافة . 2- عشتار أصبحت نبية ، لكنها نسيت أن تمسح بصماتها عن جدران معبد ننماخ . 3- تذكر ، بفعل الأمر أن الصفصاف لن يتسعه الأسفلت ،4-  فإن رأيت صفصافة تمشي على الأسفلت ، فأنها من البلاستيك المدور .5-  لن تعرف الفرق من لون الأسفلت ، ولا من لون الماء ، 6- ولن يستحضر الجنّ كي يخبرك ما نوع هذه الصفصافة .  7- الرياح كالأنهار في تدفقها ، تهرب دوما من حرارة الصيف لتختبئ بين الصفصاف .8-  لن تعرف الفرق ، الأ أن يخبرك البئر. هذا أن لم تنس فعل الأمر .)
لدينا هنا ثمان جمل نثرية حقق الشاعر فيها ثمان صور شعرية ، من دون ان يحتاج الى نفَس تمهيدي او تهيئة للصورة التالية ، و جاءت الصور في انسيابية كبيرة و تلاحم .
و هكذا نجد الصور الشعرية و التعبيرية و الزخم الشعوري حاضرا في النصين الاخرين ، و الامر هو كذلك في باقي نصوص صدام غازي السردية الافقية .

5-    البنية السردية
انّ السردية في قصيدة النثر ليست شرطا  فحسب بل هي اداة لاجل اعطاء الحرية للشاعر ، و من خلال السرد التعبيري يتمكن الشاعر من التنقل بحرية غير معهودة في جميع جوانب اللغة الجمالية و التوصيلية ، و يستطيع من خلال السرد الشعري ان يستنطق اللغة و ان يستخرج عمقها الشعري و المعاني الجمالية العميقة و ان يطرحها للقارئ بصورة هادئة و عذبة  من دون ارباك او تشظي او تعال .
انّ السردية في الشعر لا تكون بقصد الحكاية و القص و لذلك لا تجد تطورا حدثيا قصصيا في قصيدة النثر بخلاف القصة كما انك لا تجد حبكة و قضية قصصية و انما ما تجده تقنيات سردية لاجل نقل الاحساس الى القارئ و طرح المعنى الجمالي و الفكرة الشعرية بتلك الصيغة لاجل تحقيق التكامل النثروشعري . فالسردية في قصيدة النثر وسيلة لتحقيق التكامل بين الشعر و النثر . و لقد رأيتَ بوضوح كيف ان قصيدة ( صفصافة ) السردية قد تضمنت ثمان جمل اشتملت على ثمان صور شعرية . و هكذا نجد السردية و التوافق النثروشعري حاضرا في قصيدة القطار بتناسب ملحوظ بين الوحدات النثرية و الوحدات الشعرية ، و ايضا الامر كذلك في قصيدة ( الزمن الصفر ) التي يتجلى فيها السرد الى ابعد حد ، حيث يقول الشاعر فيها :
( عند أول الشفق ،  حين جلست الشمس خلف تلك التلة  تمشط شعرها ، لم نكن عندها وليدي الصدفة , لكنا ألتقينا في الزمن صفر . ليس كل شيء واضح المعالم , ولا كل الافق معتم كأعمى يلبس نظارة سوداء . لم نلتق على ذلك القمر النحاسي كما قلنا , ولم ننكث بوعدنا حين رحلنا حاملين صرة خيبة الأمل , مع القليل من قوت ذكرياتنا . ففي الزمن صفر تتغير الاحداث , فزمن القصيدة تخط على صفحة الريح . زمن عناق الارواح للأرواح في زمن هجر أهل التناسخ أرواحهم . زمن خيانتي مع قصيدة تحمل ملامحك . زمن التمني بليلة أغفاءة من أجل عين الحلم . الزمن الصفري فيه المدى يده تسكن الصدى . التوقيت بعدد ذرات الرمل . الشمس تجلس خلف تلك التلة . السكون يركب ظهر الخفافيش ويقتل الحركة . في الزمن الصفر لا تعدّي الايام . هكذا ولدنا لا نعد ولا نحصي , في بداية أول الغسق عند بداية التوقيت صفر .)
ان السردية طاغية الا انه في الوقت ذاته لاتجد حكاية و لا حبكة و انما افكار عميق موحية و مرمزة و ترمي الى ابعاد عميق في النفس ، و التطور النصي مبني على تطور تتابعي للمكونات الشعرية المجازية و الرمزية و الايحائية .