استحباب استذكار ليلة القدر والاحتفال فيها

 

 

انّ فضل ليلة القدر وبركتها من المعارف القطعية، كما ان إنزال القرآن الكريم فيها من أعظم نعم الله تعالى على الناس، ولقد بينت أصول قرآنية كثيرة استحباب استذكار النعم والاحتفال بها وهو شامل لليلة القدر المباركة وهنا بيان خاص بخصوصها.

الأصول القرآنية في استحباب استذكار ليلة القدر

آية:

قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ( [يونس/57، 58] ت: وهذا نص بالفرح وهو من عمومات الفرح بالنعم.

قال الشيخ الطوسي في التبيان في تفسير القرآن -: امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه واله أن يقول للمكلفين افرحوا بفضل الله، وهو زيادة نعمه.

 قال في تفسير الجلالين: { يا أيها الناس } أي أهل مكة { قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبِّكُمْ } كتاب فيه ما لكم وما عليكم ، وهو القرآن {وَشِفَآءٌ } دواء { لِمَا فِى الصدور } من العقائد الفاسدة والشكوك { وَهُدَىً } من الضلال { وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } به . { قُلْ بِفَضْلِ الله } الإِسلام { وَبِرَحْمَتِهِ } القرآن { فبذلك } الفضل والرحمة { فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } من الدنيا بالياء والتاء . قال في أيسر التفاسير لأسعد حومد :  - يَمْتَنُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ بِإِنْزَالِهِ القُرْآنَ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدُ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ زَاجِرٌ عَنِ الغَيِّ ، وَعَنِ الفَوَاحِشِ ، وَفِيهِ شِفَاءٌ لِلصُّدُورِ مِنَ الشُّكُوكِ وَالرِّيَبِ ، وَالقُرْآنُ يَهْدِي المُؤْمِنِينَ الذِينَ يَأْخُذُونَ بِهِ ، وَيُؤَدِّي بِهُمْ إِلَى إِدْخَالِهِمْ فِي رَحْمَةِ اللهِ.

وفي قال في تفسير مجمع البيان - الطبرسي : لما تقدم ذكر القرآن و ما فيه من الوعد و الوعيد عقبه سبحانه بذكر جلالة موقع القرآن و عظم محله في باب الأدلة فقال « يا أيها الناس » خطاب لجميع الخلق و تنبيه لهم و يقال أنه خطاب لقريش « قد جاءتكم موعظة من ربكم » يعني القرآن و الموعظة بيان ما تجب أن يحذر عنه و يرغب فيه و قيل هي ما يدعو إلى الصلاح و يزجر عن الفساد « و شفاء لما في الصدور » الشفاء معنى كالدواء لإزالة الداء فداء الجهل أضر من داء البدن و علاجه أعسر و أطباؤه أقل و الشفاء منه أجل و الصدر موضع القلب و هو أجل موضع في البدن لشرف القلب « و هدى » أي و دلالة تؤدي إلى معرفة الحق « و رحمة للمؤمنين » أي و نعمة لمن تمسك به و عمل بما فيه و خص المؤمنين بالذكر و إن كان القرآن موعظة و رحمة لجميع الخلق لأنهم الذين انتفعوا به وصف الله سبحانه القرآن في هذه الآية بأربع صفات بالموعظة و الشفاء لما في الصدور و بالهدى و الرحمة « قل بفضل الله و برحمته » معناه قل يا محمد بإفضال الله و بنعمته فإنه يجوز إطلاق الفاضل على الله تعالى فوضع الفضل في موضع الإفضال كما وضع النبات في قوله « و الله أنبتكم من الأرض نباتا » في موضع الإنبات و قيل أن الفضل إلى الله بمعنى الملك كما يضاف العبد إليه بأنه مالك له « فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون » قال الزجاج قوله « بذلك » بدل من قوله بفضل الله و برحمته و هو يدل على أنه يعني به القرآن أي فبذلك فليفرح الناس لأنه خير لكم يا أصحاب محمد مما يجمعه هؤلاء الكفار من الأموال و معنى الآية قل لهؤلاء الفرحين بالدنيا المعتدين بها الجامعين لها إذا فرحتم بشيء فافرحوا بفضل الله عليكم و رحمته لكم بإنزال هذا القرآن و إرسال محمد إليكم فإنكم تحصلون بهما نعيما دائما مقيما هو خير لكم من هذه الدنيا الفانية. وجاء في فتح القدير: أخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ } قال :  « بفضل الله : القرآن ، وبرحمته : أن جعلكم من أهله » وأخرج الطبراني في الأوسط ، عن البراء ، مثله من قوله . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في الشعب ، عن أبي سعيد الخدري ، مثله . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، والبيهقي عن ابن عباس ، في الآية قال : بكتاب الله بالإسلام . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي ، عنه قال : فضله : الإسلام ، ورحمته : القرآن . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي ، عنه أيضاً قال . بفضل الله : القرآن ، وبرحمته : حين جعلهم من أهله . وقد روي عن جماعة من التابعين نحو هذه الروايات المتقدّمة .

وفي تفسير السعدي : وإنما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته، لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى، وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود، بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها، أو الفرح بالباطل، فإن هذا مذموم كما قال [تعالى عن] قوم قارون له: { لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ } .

 

آية:

قال تعالى (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر/5]

قال في التبيان في تفسير القرآن : وقوله (سلام هي حتى مطلع الفجر) قل هو سلام الملائكة عليهم السلام بعضهم على بعض إلى طلوع الفجر. وقيل: معناه سلام هي من الشر حتى مطلع الفجر - ذكره قتادة - وقيل إن فضل الصلاة فيها والعبادات على الف شهر يراد بها إلى وقت طلوع الفجر، وليست كسائر الليالي التي فضلت بالعبادة في بعضها على بعض. و قال في النكت والعيون : {سلامٌ هي حتى مطلع الفَجْر } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : أن ليلة القدر هي ليلة سالمة من كل شر ، لا يحدث فيها حدث ولا يرسل فيها شيطان ، قاله مجاهد . الثاني : أن ليلة القدر هي سلام وخير وبركة ، قاله قتادة . الثالث : أن الملائكة تسلم على المؤمنين في ليلة القدر إلى مطلع الفجر ، قاله الكلبي . وقال في تفسير الجلالين { سلام هِىَ } خبر مقدّم ومبتدأ { حتى مَطْلَعِ الفجر } بفتح اللام وكسرها إلى وقت طلوعه . جعلت سلاماً لكثرة السلام فيها من الملائكة لا تمرّ بمؤمن ولا بمؤمنة إلا سلمت عليه. انتهى. أقول هو سلام وتسليم ودعاء بالسلام وهو مظهر من مظاهر البركة، فيكون من الملائكة سلام واما الناس فيباركون برجائه من الله تعالى بألفاظ المباركة بالسلام والتهنئة. كما ان التبشير والاستبشار والسلام يدعو الى الحمد والشكر.  

فرع: يستحب في ليلة القدر الدعاء بالسلامة والاكثار من السلام. وهو من المثال فيعم كل نعمة فيكون من مستحبات استذكار النعم الدعاء بالسلامة والاكثار من السلام. ويستحب المسلمة فيها بل لا يبعد وجوب ذلك الا لمضطر. كما ان السلام مثال للمباركة فيعمم على كل مباركة وتهنئة، وهذا اصل في التهنئة بذكرى النعم.

آية:

قال الله تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف/44]

قال في تفسير الجلالين { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ } لشرف { لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } لنزوله بلغتهم { وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ } عن القيام بحقه . وقال في أيسر التفاسير لأسعد حومد: وَإِنَّ هَذَا القُرْآنَ العَظِيمَ لَشَرَفٌ عَظِيمٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ، لأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى الأَخْذِ بِهِ ، والعَمَلِ بِأَحْكَامِهِ) ت وهذا اصل في الاستذكار.

آية:

قال تعالى ( لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ  [الأنبياء/10]

قال في الكشاف :  { ذِكْرُكُمْ } شرفكم وصيتكم ، كما قال : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ }

 

آية:

قال تعالى (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ  [التوبة/124] ت نزول السورة نعمة وبركة.

 

آية:

قال تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى/11]

أقول وهذا اصل كبير والنعمة اعم من الهداية والرزق بل الهداية اكبر نعمة والتحديث شامل لكل قول حسن من دعاء ومباركة وتهنئة واخبار وإظهار وانفاق.   قال تعالى أيسر التفاسير لأسعد حومد :  وَأَوْسِعْ فِي البَذْلِ عَلَى الفُقَرَاءِ ، وَأَفِضْ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَى طَالِبِيهَا ، وَاشْكُرِ اللهَ عَلَى نِعَمِهِ بِإِظْهَارِ نِعَمِهِ عَلَيْكَ ، وَبِالحَدِيثِ عَنْهَا .

فرع: يستخب اشهار النعمة وخصوص الجماعية فيستحب الاحتفاء بها واشهارها ونشر المباركة والتهنئة بها.

آية

قال الله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ) ت وفيه نوع امتنان وبيان فضل

آية:

قال تعالى (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ  [البقرة/231] ت: هذا اصل في استذكار النعمة.

 

آية:

قال تعالى (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [المائدة/7]

ت: وهذا أصل لاستذكار النعم ومنها إنزال الكتاب.

 آية:

 

قال الله تعالى (ا ِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)

 ت: والقطعي انها في شهر رمضان؛  قال الله تعالى (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [الْبَقَرَة: 185]. بل وأنها في العشر الاواخر، بل في الليالي المفردة والمعروف ان تعيينها واقعيا ليس معلوما وفي تعيينها الظاهري والترجيحي اختلاف. ولا بد من توحيدها للبلد الواحد لاجل الاستذكار والاحتفال ومن هنا يكون متعينا على ولي الامر ان يعلن موعدها ووقت استذكارها والاحتفال بها.

فرع: تعيين ليلة القدر ووقت استذكارها يرجع فيه الى ولي الامر في البلد. ولا يجوز اظهار الخلاف له من قبل فقيه او مرجع اخر في  ذلك البلد، ويجوز اختلاف البلدان في ذلك على كراهة ويستحب توحد الامة الإسلامية في ذلك.

آية:

 

قال الله تعالى (َمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) ت: وهذا نوع تعظيم.

آية:

 

قال الله تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) ت: وهذا تعظيم صريح.

آية:

 

قال الله تعالى (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) ت: وهذا تصريح ببركتها وفضلها.

آية:

 

قال الله تعالى (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ   ت: وهذا بيان لوقتها وهو وقت استذكارها ولا بد ان يراعا اليسر للجماعة فيكون الأولى اول المساء.

آية:

 

قال الله تعالى (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ (ليلة القدر) إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3)  ت: وهذا بيان لفضلها لوقتها وهو وقت استذكارها ولا بد ان يراعا اليسر للجماعة فيكون الأولى اول المساء.

آية:

فِيهَا (ليلة القدر) يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ  [الدخان/2-6]

 

 

الاصول السنية في استذكار ليلة القدر

أخرجت هنا الروايات المصدقة بالقران والسنة القطعية وبأصول الجماعة والمسارعة بالخير ونهج العقلاء وعرفهم.

مسند أحمد: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ.

مسند أحمد : عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوَتْرِ مِنْ الْعَشْرِ.

 

مسند أحمد :  عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.

 مجمع الزوائد: عن عبد الله بن أنيس أنه قال: «يا رسول الله، أخبرني في أي ليلة تبتغى فيها ليلة القدر. فقال: "لولا أن يترك الناس الصلاة إلا تلك الليلة لأخبرتك )

ت وهو دال على انه يعلمها ولم يخبرهم ليزدادوا خيرا بتعدد الليالي. والجمع بين الروايات ان ليلة القدر لها وقت واقعي علمه عن العالم بها، ووقت ظاهري تخييري بين وتر العشر الاواخر.

 

صحيح البخارى : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »

 مسند احمد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ.

 

مسند أحمد  عن  أَبِي بَكْرَةَ فَقَالَ مَا أَنَا بِمُلْتَمِسِهَا بَعْدَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِي عَشْرِ الْأَوَاخِرِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي الْوِتْرِ مِنْهُ.

مسند أحمد : عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ فِي رَمَضَانَ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَإِنَّهَا وِتْرٌ.

مسند أحمد : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أُتِيتُ وَأَنَا نَائِمٌ فِي رَمَضَانَ فَقِيلَ لِي إِنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ قَالَ فَقُمْتُ وَأَنَا نَاعِسٌ فَتَعَلَّقْتُ بِبَعْضِ أَطْنَابِ فُسْطَاطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي فَنَظَرْتُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. ت هذا مصدق باصول الجماعة.

مسند أحمد : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ وَسَأَلُوهُ عَنْ لَيْلَةٍ يَتَرَاءَوْنَهَا فِي رَمَضَانَ قَالَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. ت هذا مصدق.

 

  مسند أحمد : عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَظَرْتُ إِلَى الْقَمَرِ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَرَأَيْتُهُ كَأَنَّهُ فِلْقُ جَفْنَةٍ . قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِنَّمَا يَكُونُ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. ت هذا مصدق.

صحيح البخاري: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى. ت : أقول هذا الترديد ليس واقعيا بل ظاهريا وهو تخييري لاجل اهل الاعذار فيكون المستحب المبادرة فان فاتته اتى بها في الليلة التالية وتجزيه.

مسند أحمد : عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ تَحَرَّوْهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ. ت: أقول فيكون التعيين  بأصول المبادرة والمسارعة والاجتماع والنص الصريح المتقدم بالثالث والعشرين.

الأصول الارشادية في استذكار ليلة القدر

أخرجت هنا الروايات المصدقة بالقرآن والسنة وبأصول الجماعة والمسارعة بالخير ونهج العقلاء وعرفهم.

 وسائل الشيعة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه .

وسائل الشيعة عن زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : سألته عن ليلة القدر ؟ قال : هي ليلة إحدى وعشرين ، أو ثلاث وعشرين. ت ت: أقول فيكون التعيين  بأصول المبادرة والمسارعة والاجتماع والنص الصريح المتقدم بالثالث والعشرين.  كما انه لا يحتفل في الحادي والعشرين  لاجل استشهاد امير المؤمنين عليه السلام.

وسائل الشيعة :  عن حسان بن مهران ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سألته عن ليلة القدر ؟ فقال : التمسها في ليلة إحدى وعشرين أو ليلة ثلاث وعشرين .

وسائل الشيعة : عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال : من احيى ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان وصلى فيها مائة ركعة وسع الله عليه معيشته. ت وفيه نوع تعيين فلا يترك قيامها. وهو دال على ان الوصي  عليه السلام كان يعلمها ولم يخبرهم ليزدادوا خيرا بتعدد الليالي.

 وسائل الشيعة عن الحسن بن عباس بن حريش ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن موسى ، عن آبائه ( عليهم السلام ) ، قال : قال أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) : من أحيى ليلة القدر غفرت له ذنوبه.

 وسائل الشيعة عن محمد بن يوسف ، عن أبيه قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : إن الجهني أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : يا رسول الله إن لي إبلا وغنما وغلة فاحب أن تأمرني بليلة أدخل فيها فأشهد الصلاة وذلك في شهر رمضان ، فدعاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فساره في اُذنه ، فكان الجهني إذا كان ليلة ثلاث وعشرين دخل بابله وغنمه وأهله إلى مكانه. ت وهو نوع تعيين.  وهو دال على انه صلى الله عليه واله كان يعلمها ولم يخبرهم ليزدادوا خيرا بتعدد الليالي.

 

وسائل الشيعة: عبدالواحد الانصاري قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ليلة القدر، قال : إني اخبرك بها لا اُغمي عليك ، هي ليلة أول السبع. ت وهو نوع تعيين. وهو دال على ان الوصي عليه السلام كان يعلمها ولم يخبرهم ليزدادوا خيرا بتعدد الليالي.

إشارة: ان وقت ليلة القدر الواقعي معلوم للنبي والاوصياء صلوات الله عليهم، ولم يخبروا به بشكل قطعي ليزداد المؤمنون خيرا ولحكمة الله يعلمها. ووقت ليلة القدر الظاهري تخييري بين ليالي الوتر في العشر الاواخر فمن فاتته السابقة اتى بها في اللاحقة وتجزيه.

 

وسائل الشيعة: عن شهاب بن عبد ربه قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : أخبرني عن ليلة القدر ؟ فقال : هي ليلة إحدى وعشرين ، أو ليلة ثلاث وعشرين .

 

 

 

فروع في استذكار ليلة القدر والاحتفال بها

فرع:

 قال الله تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ (القرآن) وَبِرَحْمَتِهِ (هدايته اليه) فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) وهذا أصل في الفرح بإنزال الكتاب في ليلة القدر واستذكارها والاحتفال بها، واصل الفرح بالنعمة واجب ويكون بالمسمى فيستحب بمصداقه، ولا ينبغي ترك الفرح به.

فرع:

 قال الله تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) وهو أصل في نشر ذكر النعمة على اوسع نطاق وهو شامل لنعمة انزال الكتاب في ليلة القدر.

فرع:

يستخب اشهار النعمة وخصوص الجماعية فيستحب الاحتفاء بها واشهارها ونشر المباركة والتهنئة بها.

 

فرع

استذكار ليلة القدر والاحتفال بها مستحب وعبادة وهو من حمد الله وشكره، يتقرب به الى الله تعالى. وعليه ما تقدم من آيات وروايات.

فرع

 استذكار ليلة القدر والاحتفال بها يكون جماعيا لاجل أصول الجماعة والاعلان ويكون مساؤ لتعين وقتها في الليل.. 

فرع

الاعمال المقرة في استذكار النعمة هي الاكثار من العبادة وخصوصا الصلاة وقراءة القران، وشكر الله تعالى، وذكر النعمة المحتفل بها وبيان فضلها وخيرها، واطعام الطعام وإظهار مظاهر السرور والفرح والتهنئة بما يليق بتعظيم نعم الله تعالى واجتناب كل ما لا يجوز شرعا او يستنكر عقلائيا وعرفا.  

فرع

ينبغي في الاستذكار والاحتفال بليلة القدر اعتماد الوسائل الحضارية والعصرية والممدوحة والمقبولة عقلائيا لتصل الى نفوس كل الناس مذكرة بالله ودينه. وينبغي اعتماد الوسائل من امكان عامة ومساجد وقاعات وقنوات إعلامية ومواقع وصحف وبرامج تواصل اجتماعي ويستحب نشر الفعاليات على أوسع نطاق.

فرع

ينبغي ان يكون الخطاب كونيا وانسانيا واسلاميا عاما من دون انغلاق ولا تضييق ولا انعزال، والابتعاد عن كل ما يقبض او ينفر او يبعد الناس عن الاقبال على المناسبة وحبها. فلا بد من اعتماد الخطاب الإنساني والاسلامي الجامع أداء ورسالة.  وكل هذا بأصول عقلائية الشريعة وعرفيتها.

فرع:

 يستحب في ليلة القدر الدعاء بالسلامة والاكثار من السلام. وهو من المثال فيعم كل نعمة فيكون من مستحبات استذكار النعم الدعاء بالسلامة والاكثار من السلام. وتستحب المسالمة فيها بل لا يبعد وجوب ذلك الا لمضطر. كما ان السلام مثال للمباركة فيعمم على كل مباركة وتهنئة، وهذا أصل في التهنئة بذكرى النعم.

فرع:

 القطعي ان ليلة القدر في شهر رمضان بل وأنها في العشر الاواخر، بل في الليالي الوتر والمصدق انها ليلة الثالث والعشرين.

فرع:

يستحب استذكار ليلة القدر والاحتفال بها في ليلة الثالث والعشرين لأصول الجماعة للاتفاق عليها واصول المسارعة بالطاعة.

سماوية الرسم القرآني

 

المقدمة

هذه رسالة في سماوية الرسم القرآني وان القرآن كتاب منزل من عند الله تعالى بالصورة الكتابية المعروفة المتواترة. فرسم القرآن تنزيلي وليس عثمانيا كما هو مشهور بل وليس بالأصل سنيا نبويا ولا ارشاديا اماميا وانما هو تنزيلي قرآني. اذ ان التوقيفية ثلاث درجات بحسب الحجة؛ تنزيلية قرآنية وسنية نبوية وارشادية امامية، وتوقيفية الرسم القرآني من اعلاها أي التوقيفية التنزيلية القرآنية. ومن هنا يكون الأنسب وصف الرسم (بالرسم القرآني) اشارة الى قرآنية الرسم، فهي أفضل من عبارة (رسم القرآن).

 

 

 

 

 

 

الأدلة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فصل في ان القرآن كتاب

 

 

 

 

 

 

 

قال الله سبحانه وتعالى:

(وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ [الأنعام/92]

 

قال الله سبحانه وتعالى:

( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [البقرة/89]

 

 

 

 

 

قال الله سبحانه وتعالى:

(كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ [الأعراف/2]

 

قال الله سبحانه وتعالى:

(وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا [الأحقاف/12] القبلية دالة على وحدة السنخية فتكون الكتابية نفسها ومن المعلوم ان كتاب موسى نزل مكتوبا فيجري ذلك على القرآن. فهذه الاية كالنص على ان القران نزل كتابا مكتوبا.

 

 

 

قال الله سبحانه وتعالى:

(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ  [آل عمران/3]

 

 

 

 

 

قال الله سبحانه وتعالى:

(تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [يونس/1] فهل يعقل ان يصف الله تعالى ما يكتبه الناس برسم منهم انه الكتاب.

 

 

ال الله سبحانه وتعالى:

(تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف/1، 2] وهذا الاية تشير الى ان العربية مقومة للقرآنية فلا قرآن بغير العربية، فالترجمة تكون بيان للقران وليس قرآنا.

 

ال الله سبحانه وتعالى:

(قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [الأحقاف/30] وهو كالصريح بالكتابية لان كتاب موسى مكتوب كما هو معلوم.

 

 

 

 

 

 

 

 

قال الله سبحانه وتعالى:

( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا [الزمر/23]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فصل في ان القرآن كتاب الله تعالى

 

 

 

 

 

 

 

القرآن ليس فقط كتابا منزلا بل ان القرآن يصرح انه كتاب الله وليس فقط كلامه الذي كتبه الملك او النبي او الامام او الصحابي. فكتابتهم صلوات الله عليهم له فرعية وليست اصلية.

 

 

 

 

 

 

 

 

قال الله سبحانه وتعالى:

(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر/29]

 

قال الله سبحانه وتعالى:

(وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ [الكهف/27]

 

 

 

 

فصل في الكتاب المكنون

 

 

 

 

 

كيف يجتهد مجتهد ويمكنه القول بعدم التوقيف والله تعالى يقول:

(إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ  [الواقعة/77-79]

 

 

قال في تفسير الجلالين - (ج 11 / ص 55)

{ فِى كتاب } مكتوب { مَّكْنُونٍ } مصون وهو المصحف.

وفي تفسير مجمع البيان - الطبرسي - (ج 9 / ص 340) « في كتاب مكنون » أي مستور من خلقه عند الله و هو اللوح المحفوظ أثبت الله فيه القرآن عن ابن عباس و قيل هو المصحف الذي في أيدينا عن مجاهد.

وفي الدر المنثور - (ج 9 / ص 398)

وأخرج آدم ابن أبي إياس وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في المعرفة عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون } قال : القرآن في كتابه

وفي المحرر الوجيز - (ج 6 / ص 291)

واختلف المتأولون في قوله تعالى : { في كتاب مكنون } بعد اتفاقهم على أن المكنون : المصون ، فقال ابن عباس ومجاهد : أراد الكتاب الذي في السماء .

وفي التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي - (ج 9 / ص 497) وقوله " في كتاب مكنون " قيل: هو اللوح المحفوظ أثبت الله تعالى فيه القرآن والمكنون المصون.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فصل في الأدلة السنية

 

 

 

 

 

 

 

جاء في المستدرك عن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله نؤلف القرآن من الرقاع. 

 

 

وفي تفسير القمي: عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي: يا علي القرآن خلف فراشي في المصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه.

 

 

 

تتمة

 

قال الحارث المحاسبي : (كتابة القرآن ليست بمُحدثة ، فإنّه ـ صلَّى الله عليه وآله ـ كان يأمر بكتابته ، ولكنّه كان مفرّقا في الرقاع والأكتاف والعُسُب ، فأمر الصديق بنسخه من مكان إلى مكان مجتمعا ، وكان ذلك بمنزلة الأوراق وجدت في بيت رسول الله ـ ص ـ فيها القرآن منتشراً فجمعها جامع وربطها بخيط لا يضيع منها شيء) (فهم السنن).

 

وقال أبو شامة : (وكان غرضهم ـ أبي بكر وغيره ـ أن لا يُكتب إلاّ مِن عين ما كُتب بين يدي النبي ـ صلَّى الله عليه وآله ـ) (الاتقان).

 

قال الزركشي : (أمّا أُبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، فبغير شكٍ جمعوا القرآن ، والدلائل عليها متضافرة) (البرهان).

 

قال الزرقاني : (... وكان رسول الله ـ صلَّى الله عليه وآله ـ يدلّهم على موضع المكتوب من سورته فيكتبونه ، فيما يسهل عليهم من العُسُب واللخاف والرقاع وقطع الأديم وعظام الأكتاف والأضلاع ثم يوضع المكتوب في بيت رسول الله ـ صلَّى الله عليه وآله ـ وهكذا انقضى العهد النبوي والقرآن مجموع على هذا النمط) (المناهل).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فصل في اقوال العلماء

 

 

 

 

 

 

 

 

لقد صرح جمهور العلماء من السلف والخلف على توقيفية رسم القرآن بقولين الاول انه بامر النبي صلى الله عليه واله والثاني انه بإجماع الصحابة رضي الله عنهم. وكلاهما حق والاصل هو ان كتابة القرآن بالرسم المعروف هو من الله تعالى منزل بهذه الصورة لان القرآن كتاب والكتاب لا يكون الا مكتوبا فالقرآن ليس فقط كلام الله بل كتاب الله تعالى. فمن ذهب الى ان رسم القرآن ليس توقيفيا مخطئ بلا ريب.

 

 

 

 

 

الشواهد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فصل في الشواهد القرآنية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هنا شواهد قرآنية تشير الى ان الكتاب هو قول مكتوب فلا يطلق على غير المكتوب. والشواهد من المواضيع المهمة للاستدلال حيث انها تدخل في علمية المعرفة كما بينته في كتابي قانون العلم.

 

 

 

 

 

 

 

 

قال الله سبحانه وتعالى:

(كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الإسراء/58]

 

قال الله سبحانه وتعالى:

(وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ  [النور/33]

 

 

 

 

 

قال الله سبحانه وتعالى:

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ [البقرة/79]

 

قال الله سبحانه وتعالى:

(يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ [النساء/153] اي مكتوبا بخط سماوي يرونه. فالاية ناظرة الى جهتهم وليس الى جهة الكتاب الذي هو مكتوب فعلا.

 

 

قال الله سبحانه وتعالى:

(وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأنعام/7]

 

 

قال الله سبحانه وتعالى:

(وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا [الإسراء/13]

 

 

 

 

قال الله تعالى:

وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ [الإسراء/93] اي مكتوبا. والقران مكتوب الا ان رؤيته مختصة بالبعض الملك والنبي.

 

 

 

 

 

 

 

وانا اقطع لو ان القرآن لم ينزل بشكل كتاب مكتوب وكان بصفة كلام منقول شفاها لما وصفه الله تعالى بالكتاب. وهو سبحانه يقول (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [الزمر/1، 2]  فاستعمل كلمة الكتاب مرتين بين اقل من عشر كلمات فكيف لا يكون كتابا مكتوبا.

 بل ان القرآن دال على القران كتاب مكتوب في السماء كما تقدمت الايات يسمونه (اللوح المحفوظ). قال الله تعالى (كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الأحزاب/6] قال في تفسير الجلالين - (ج 8 / ص 38)

 { فِى كتاب الله مِنَ المؤمنين والمهاجرين } أي من الإِرث بالإِيمان والهجرة الذي كان أول الإسلام فنسخ { إِلاَّ } لكن { أَن تَفْعَلُواْ إلى أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً } بوصية فجائز { كَانَ ذَلِكَ } أي نسخ الإرث بالإِيمان والهجرة بإرث ذوي الأرحام { فِى الكتاب مَسْطُورًا } وأريد بالكتاب في الموضعين اللّوح المحفوظ.

 

 

 

 

 

 

 

 

فصل في الشواهد السنية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في مسند أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ الْآخَرِ كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي.

 

 

 

 

 

 

 

الاحتجاج:  عن أبي جعفر الثاني عليه السلام  قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله : إذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به.

 

 

 

 

 

إشارة:

ان القرآن مكتوب في عهد رسول الله صلى الله عليه واله، بل تشير الروايات المتقدمة ان رسول الله صلى الله عليه واله كان لديه القرآن كله في رقاع اورثها عليا عليه السلام وهي مثل ما عند اهل البيت والصحابة صلوات الله عليهم اجمعين فانهم كانوا يكتبون القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وصحبه اجمعين.

 

 

 

إشارة:

استعمال لفظة (رسم) أفضل من كلمة (خط) لاجل ان الخطوط تتغاير من شخص لآخر وانما المحفوظ هو الرسم، والرسم جزء من الكتاب والله تعالى امر بحفظه فاستمرار رسمه بالطريقة الخاصة اعجاز وتصديق للقرآن بقوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر/9]. كما ان الرسم مختص بصلب الكتابة فلا يتعدى الى التشكيل.

 

 

 

 

 

إشارة:

كنت اردت ان اذكر اقوال المختلفين واستدلالاتهم، الا انه بعد وضوح الامر وشدة ظهور الحق فيه لم يعد هناك داع لذكر تلك الاقوال لا المثبتين للتوقيفية ولا لمنكريها فيكون نفي التوقيفية مجرد ظن لا عبرة به.