التبوريدة \ أنور غني الموسوي


( التبوريدة )
أنور غني الموسوي
دعها تلك الخيول البرّاقة ، دعها تطير كالقرديل في فضاءات باسمة . ألم تكن قد ذبتَ في ألوانها بلا رجوع ، الأبيض و الأصفر و الأحمر ، احتفالية كاملة ، قهرتْ أنوف الظلمة ، وطهّرت الأرض الحبيبة .
هناك في الساحة الرملية ، حيث الضباب العريق و باروداتنا الخلابة ، لقد أوصاني ابي ، قال لا تنم الا و لك عين نحو الشمس و أخرى على الوطن .
لقد أخبرتني تلك الخيول و الفرسان الفضّيون ، و الصباحات المغاربية الملونّة ، و هي تكشف عن عينيها الموسميّة ، لقد أخربتني بأسرار الطبيعة و شلالات الضوء القديمة .
الا ترى تلك ( السربات ) تحلّق فوق ضفّتي النهر ، تملأ الصحراء بالحكايات المورقة ، آه ( للتغزوت ) البارودية وهي تنحني كفارس قديم يقبّل ألوان الرمل و الزهر .
صحون الأطلس الصحراوي هي من صنعتْ كل تلك الفنتازيا المبهرة ، و كتبتْ الى الزمن رسائل الخلود ، كم كانت تعجبني ألوان الخيول المزخرفة .
تلك الفضاءات الرملية الناعسة ، فوق قمّة الجبال حيث تحلّق الأحصنة البربرية ، تزيّن أحلامُها قلوب َ النوميديين ، حينها لم أشأ أن أخبر أوراق النعناع بالبهجة التي كانت تتملّكني .
أجل لقد نام الصيف هنا ، تحرس انفاسه الدافئة وريقات اللهيب البونيقي ، لقد كان مطرا حلوا ، ذلك اللهيب المزركش . حيث الرمل البنّي الاحتفالي ، يرقص وسط نغمات طائر الحسّون ، و البارودةُ بيد فارسات التبوريدة تخطّ وجهً للحضارة لا يغيب .
&&&&
5\4\2015
اللوحة : ( لعب البارود ) لأوجين ديلاكروا، 1832.
صورة الطائر : هي لطائر الحسّون ( القرديل ) الذي ينتشر في المغرب .

النخل الاسمر

النخل الاسمر

أنور غني الموسوي 

كالنخل نرسم حكاية الضوء البراقة ، نخط بايدينا المتربة الواحا تتساقط من جبال امهات الوجود نحو الارض الخراب ، نحو همجية الزمن المرائي ،و نعيد للحياة لونا لطالما فقدته الوجوه الغارقة في مستنقعات الطحلب الرخيص .
كالنخل ، نعانق السماء ، و دمانا تسيل انهارا نحو الفردوس ،فتنبت زهرة سمراء و تشرق شمس بعطر  الدم الشريف .
الان فقط عرفت لماذا كانت تلك العجوز تخبرني ان لون الفردوس اسمر  وان ازهارها سمراء .
الان باتت عيوني ترقب صوتا شفيفا لطالما عاد ت به الريح الى مدينة القرار . أجوب و سط الخليقة بالنداء ، بكل القهر ، الا ايتها الارض العمياء انظري الي .
لقد اطلّ على بشرة الينابيع القاحلة برعم ماء ، و تلك القرب النازلة من جوف الحقيقة ، تنشد حلما بغرق في اعتاب جذور الارض الحبيبة  .
من هناك من وسادة التاريخ ، حيث تنام حوريات الصدق و اقوال جدي العالية ،  من هناك عرفت انّ لشهقة الصبح لونا لا يبيد .

 .

( أمنيات جوّالة ) نص مشترك بين سعد غلام و انور غني




(  أمنيات جوّالة  )



نص مشترك بين الشاعرين العراقيين
سعد غلام  و أنور غني

الستائر بلونها المرير  ، بقلبها المعجون بالعاج والزان ،  تهدهد صوت بركة  اللوتس البراق ،  كنا حينها نعدّ  أسنان المجرة ورموش عينيها الحالمتين ، نرسم حولية ذبول الكون الفسيح .
 لقد أنهيتُ كلّ شئ ، خيمةَ ينبوع الخلود ،  مزرعةَ الفراشات و رمادها الغامض ،  حتى الصحون الفضية ، تركة اجدادي القدامى مع صندوقهم اللازوردي ، و نسماتهم المتخثرة في حدقات تحوم فوق غابات الأرز  .  كلّ ذلك بعثت به الى رجال الرمل وعسس السور البنّي كي يتدفؤوا به .
لقد أنهيت كل شيء  فعلا ، فالحياة صبيّة لطيفة تستحمّ في بركة قزح القمر ، تحبّ أن تنام باكرا في معبد قديم   .
عجبا ما كنت أتصور انّ الرغبة خيط من ريح ،  و أنني سأحتفل يوما بكل هذا الضياع . لقد تقاعدت اﻻنسانية  ، تتجوّل بدرّاجتها الهوائية و قبعتها السوداء  ، كالتي يبيعها ذلك المتجوّل الباحث عن الظلّ  ، لقد رأيتها و قد ماتت منذ زمن بعيد .
  آه كم هي مسكينة المركبات  التي تسحبها ثيران الحقول الباردة مثلنا  ، لا أدري ربما شربت روح الصقيع ، و ربما ورثنا ذلك  الشحوب من أشجار الصنوبر المجيدة  ، كرعناها مع اليانسون والسوسن الجبلي  ومسحوق البرق .  ذلك ليس مهما بالمرة ، يكفي اننا تعاطيناه عبر السنين .

 بلى ، لقد صدفت ، سأجمع حاجياتي  ، الريح الشمالية ما عدنا بحاجة اليها، وخوابي اليقطين الممتلئة بعصير القصب ، حتى الديك الأحمر الحكيم الذي لطالما أهداني  بوابات المصير ،  وعالم مسحور تسكنه حشود الضباب وجنيّات  أشجار الياقوت اليابسة ، وزهرة زرقاء ندية  كأنها دمعة  الفجر .
اجل البيت أجمل بالورد البري ،  لكننا  قبائل جوالة  لدينا خيمة من جلود القنافذ  ، ﻻ نجيد غير زراعة الخيزران واصطياد خيوط الهلل  النائمة ، نستدل عليها من الشخير.

  بيتنا أجمل بالزهور ، لكنّ  حقول اللوتس بعيدة ؟  بيننا جدول الشيخوخة وذاكرة الثرى . أنا ﻻ أظنها ستأتي قريبا  ، ربما علينا فتح حقيبة الأيام ، فقد سمعت جدي يقول أنّ  في جيب الزمن الأيمن انهارا  فضيّة من حليب  وحكايات مؤجلة عن البجعة الاميرة التي لم يسعفها القدر.
إذن سينتهي فصل الرماد ، بعد حياة غارقة في نهر أصفر ، حينها سأرى في حديقتي أرنبا و سلحفاة وردية . حينها سيكون للصباح شكل أخر ، ليتها تأتي أرواحنا المهاجرة . لنلثم الصوت الأبيض لأرتال الثرى ،  نلج أسوار الضوء  ، ونركب أيائل الدخان في برك المساء  اللازوردية  ، هناك حيث  قصور الشمس النائية .

2\4\2015