سومريون \ أنور غني الموسوي





( سومريّون )



أنور غني الموسوي


رجال الضوء
ينزلون من قلب الشمس 
كبارٌ تجاوزَ وجودهم المجرّة ، ينظرون الى الارض من هناك ، فتبدو صغيرة كحمّصة لا تسد راحة أكفّهم السعيدة .
انّهم صرخة البلاد 
من تحت أقدامهم تبزغ أنفاس الخلود الفضّيّة
طوابير طويلة كالنهر ، بكلّ الزهر ، يتحايلون لكشف وجه الموت ، أقبل أيّها الموت الحبيب 
يا طفلتي لا تبكي
أنا هنا ، أنا العراق
صدري لك وقاء 
هذا دمي في قارورة النور ، أطرق باب الموت ، ألا متى تجيب ؟
با طفلتي لا تحزني
أنا هنا ، أنا شطّ العرب 
جنوبيّ أسمر ، كلون طين سومر
أملح كصقور صحراء العراق
يا طفلتي لن يصلك حقدهم 
سأطير بك كسحابات غضب آشوري
فأنا ثور مجنّح لا يعرف المهادنة
هذه هي طينتي
خلقني ربّ السماء هكذا 
لا أعرف الا الحق 
فكرهتني أسنان الشرّ الملوثة
كرهت حضارتي سفنُ العدم و الظلام
أجل ، هذه هي طينتي معجونة ببخور النقيّات الطيّبات
يا طفلة تكريت
لا تقلقي فأنا هنا
أنا العراق 
سآتيهم من الشمال وعلى رأسي جرّاويّة أبي الكردي
و سآتيهم من الجنوب ، و على رأسي شماغ الحضارات
وسآتيهم من الغرب و على رأسي غترتي و العقال
وسآتيهم من الشرق حمماً بركانية من مدن البرتقال
يا طفلة تكريت ، لا تحزني
وتمتعي بنسمات الصيف
فأنا هنا
سومريّ أسمر يعشق اناشيد الموت
سنحصد أعواد الظلام ، كما حصد جلجامش غابات الأرز
وسنقتل وحشيتهم ،كما قتل أنكيدو خمبابا الوحش
يا طفلتي تكريت لا تقلقي فصدري لك وقاء 
لأنّني أنت ، لأنّني العراق


عوالم النور \\ الفصل الثالث \ الزهراء ( عليها السلام)

عوالم النور \ الفصل الثالث :



 الزهراء  (عليها السلام )

روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)   انه قال  : أول ما خلق الله نوري .




أنور غني الموسوي




منذ زمن بعيد و أنا أنظم بلّوّرات الحقيقة  ، أصنع منها قلادة للإنسانية . منذ زمن بعيد وأنا أنشد تراتيل سماء صافية ، منذ زمن بعيد و أنا نداء غريب و لحن غريب .
حينها كانت زنبقةُ نور، و بسمة تنعش قلب الرحمة  ، من عبق الفردوس طينتها ،  زهراءٌ بتولٌ  ، ملأت  واحات المعرفة بضياء أخّاذ و أنشودة مطر .  علياء  ، تحت كسائها الفضّي غفت أسرار الملكوت ، و في زوايا بيتها  الطينيّ ، تناثرت أسارير الخليقة  . لقد رأيت البيت الطيني  ، رأيته ذات مرة ببئره التي تسقي عطاشى الحقيقة ، كانت أحجاره من ياقوت  مجلّلة بالأنوار و السلام الكبير.
ليتني حبّة شعير تحت  رحى ذلك البيت  ، أشمّ عبق القلوب المعلّقة  بالسماء السابعة ، عسى أن تتطهّر روحي من الصدأ و المُرَّير . ليتني كنت طحينا في كسرة  خبز ملأت عالم السائل و المحروم ، ثلاثة أيام إختصرت تأريخ  الكون ، ثلاثة أيام فاضت باللانهاية  ، بفضاء عريض .
يا سيدة الكونين ، يا سيدة الرحمة الكبيرة ، من كفّيك الكريمتين يولد الضياء ، و من وصاياك العليّة كانت ألف قصيدة نور ، و ألف ألف نداء.يا سيدة الينابيع الغارقة في الضوء و النهارات  العظيمة ، نحوك تتجه  أناشيد العفّة  و الحياء الرفيع  ، و من خلف حجابات الوقار ، كانت شمس تنير الطريق  . من تلك الكوّة من ذلك البيت الطيني  ، خرجت الرياحين الفوّاحة و أرواح المعرفة البيضاء  . كان عمر الكون  ثمانية عشر ربيعا ، يفيض بالنور ، ثمانية عشر  ربيعا صمدت حكايات الحقيقة فوق سطح الأرض الكؤود قبل أن تغتالها أيدي الخراب ، ثمانية عشر كنت أنت ، و ليس غيرك أيتها الروح المقدسة .
ليتها رأتك عبون الزمن الناعسة ، أه أيّها النقاء الكبير ، أعنّي عسى أن أكون حجارة على جانبي الطريق  ، يمرّغ وجهي غبار أقدام خيول المركبات  الرفيعة ، علّني أحيا الى زمن الانتظار،  و لو كنبة صحراوية يابسة تتنفس وهج الحقيقة  و تنعم بنور الشموس البهية . هنا حيث القلاع الفياضة بالأسارير ،   تمرّ  بي ضحكات  الغد البرّاقة على أجنحة الملائكة ، لقد رأيتها تحطّ كاللقالق الكبيرة ، تتمدّد بين الفراتين ، على جبل آذرايّ ، يفيض بالخضرة  ،   حيث الشجرة الزيتونية ، مشكا ة الصباح القاهر لليل . و البرديّ العائم في فضاءات خلابة ،  هناك تتطاير ترانيم العشق الإلهيّ في قلوب معلقة بالفردوس ، فتنبعث  بين خافقي رغبة للنداء ، أفيقي ايتها الأرض الكؤود .
أيّتها الانسانية الصماء ، أما آن لك أن تنظري الى سفينة النجاة  ،  لقد سئمتْ  بهجتُك الغياب  ،  وجهك شاحب يرتجف ، لم  تسعفه ثياب روما  الحمراء ، و ستارة المسرح القرمزي ، تجوبين في وديان الظلّ ،  خلف قهقهات الزيف  ،و خلف الحكايات الباهتة،   يا للوداعة القاتلة ، يا لأسنان المحبّة  وهي تخطف أنفاس الزهر بعناوين  برّاقة ، لا تحمل  رؤوسها سوى الخواء.
أه  أيتها الأرض الكؤود ، متى تكفّين عن إحراق بيوت الفردوس ؟ ، تغتالين بقع النور في قميصك المظلم  ؟أنظري الى كفيّك ، الى حقول القمح السوداء المحترقة ، الى الغربان تأسر سطوح البهجة ،  تنعق بكل صوت مرير ، الأنهار  تيبّس قلبها ، الأشجار جرداء في موسم البِذار، الأبقار هزيلة ، و الأغنام لا تلد ، لا زهر  و لا عصافير تزقزق ، و الذهب الأسود في رحمك ، خرج إبنا عاقا أكل بهجتك و نادى على خفافيش الظلام الصفراء  . يا لتعاستك المريرة . أيتها الارض الكؤود متى ترين سفينة نوح ، متى تتسلقين سلّم الحياة ، نحو الفجر نحو عالم فسيح .
لو أنّك تعلمت شيئا من حكمة الريح العائمة فوف ضفاف النهر الأرجواني ، لو أنّك أخذت شيئا من أوراق الحقيقة المودعة في قلب العصور ، لو أنّك  رأيت  أغصان شجرة السدر المقدسة ، وهي تتدلّى كأمّ حنون .
آه منك أيتها الأرض العرجاء ، أقدامك غارقة في وحل الغروب ،   تخبرينني عن التمرّدات الوثّابة ، وعن قميص متهرّئ  يغرق في  الشحوب السخيف . و كأنني لم أكن  أتمشى قرب جدول السنونو ، حيث الأرانب و النعامات . تخبرينني عن لون أخر للشمس  ،  كأنني لم أكن حاضرا ولادتها البديعة .كنتُ حينها أسبّح للقدرة العظيمة .
أيتها العرجاء  ، هنا في هذا البيت الربيعي المملوء بالخضرة و السوسن الكريم ، هنا في هذا البيت الذي رأته عيناك يوم أُعطيت كتاب الأبدية ،  لقد نسيتِ كتبتك النازلة من قلب الفردوس  ،لقد نسيتِ و كلمات السماء ،عجبا كيف لم تعد تحكي لك الجنيّات الصالحة و ذلك الزقاق المتبجّح  قصّةَ النور ؟!! كيف  أنّها لم تعد تجيد الحقيقة  ، و لا حكايات الحياة ؟!!


الظلام \ انور غني الموسوي






( الظلام)

( قصّة الحضارة )  بقلم ويل ديورانت
( قصّة الخراب )   بقلم أنور غني




متى تحيا ، و تخرج من معرفتك العظيمة ؟
عسى أن تتنفّس شيئا من الضوء
لتشاركني البكاء على الحياة
أما زلت في صقيعك المقيم ؟
مدجّجا بحكاياتك الأولى
الا ترغب يوما في البكاء معي على العراق ؟
خمسون عاما و النخلة تستباح
و عيون الدعاة صمّاء متلذذة .
ليتك تخطئ  يوما  ، و تتخلَّى عن معارفك الخالدة و تتلمّس عبق النور
لعلّك ترى شيئا مما أضاعه  الزمن الأعمى
*
كنتُ طفلاً
حينما سرق الظلام بهجة المساء
في الصبح نحر الشمس
وعند الظهيرة هدّم روح الكون
و في الغروب جلس فوق التلّ يستريح بعد أن أنهى مهمّته الباسلة
كان جدّي يعلمنا الضوء
يبحث عن فتات النور في الزوايا و المخابئ
كم  قد رأيت أرواح القمح  تسحقها الأيدي العابثة
كلّ شيء  كان جرماً حتى الحلم .
خوف مقدام سلب بغداد  روحها
و أنت لا زلت - الى الآن -  ذلك العارف الخطير ، تسطّر الأمجاد .
*
ثم  بأيديهم الكبيرة أسقطوا نخلتي ، لقد هشّموا صدرها ، و أداروا ساعة الزمن ألف عام
أرامل و أيتام  و عويل طويل
سنين من الحرب و النزيف
و خلف الأسوار، هناك ،  صوت لا قلب له
كأنّنا قتلنا آلهته الحبيبة
لطالما بحثنا عن فمٍ  ، عن كلمة
( الرحمة بهذا الشعب ،
كفى هذا الصقيع الأحمر )
لا أحد أبدا ،  الكلّ يتلذذ   .
*
ثم كانت  الحماقات العظيمة
تشريد مدن البحر
لا تجد أحدا يدفع الثمن سوى أرواحنا المتعبة .
سنين من القحط
أجساد خاوية تمشي في الشوارع
كل شيء تلاشى ، لا خبز لا أغنية
حصار ينهش عظمنا
و العالم الأعمى يلبس نظاراته البرّاقة و يتبجّح بالعدالة و الحكمة
*
ثم حلّت أيدي الغرباء
بإسم الحريّة و الربيع الباسم
تحصد ما تبقى من سنابل القمح
و كانت قصّة أمل و نداء
( يرحلون و نبقى ).
*
قدرنا أنّنا نخلة
وأنّنا عراق
ذلك الجريح  المقدّس
ليس لشيء ، سوى أنّه سيّد و رسّام قدير
*
بعدها ، أقحموا الدمى تعبث في المكان
أصوت تتعالى ، أقاليم مشرقة و إنفصالات زاهرة  ، و تقسيمات لجسد الكعكة الحبيبة
وسط أنين مقيم و ركام من الجرحات و العمى
*
ثم كانت آلة الموت
مفخّخات  أطربت مخيّلة الجالسين في الظلّ  ،تغتال الطفل و الزهرة اليافعة
و بدأ الفصل الكبير
بإسم السماء ، و الخروج عن الشريعة
نُذبَح كالخراف ، و العيون تتلذّذ ،و تصفّق
كنتَ تظنّ أنّك بعيد
لكنّهم اليوم في دارك ، و كما ترى  يحطّمون الأمل و الأغنية
و يسرقون وجودك كلّه
أخبرني
متى تحيا  ، و تخرج من معرفتك العظيمة ؟
عسى أن تتنفّس شيئا من الضوء
لتشاركني البكاء على الحياة .
ليتكَ تخطئُ يوماً و تشاركني البكاءَ على الحياة .
***************
 أنور غني الموسوي

6 \ 3 \ 2015

جماليات الصورة الشعرية عند سجال الركابي

جماليات الصورة الشعرية عند سجال الركابي
د أنور غني الموسوي

( اِرتبكَ البحر \ لِطَلبي \  موجة عاتية \  تُغرِقُ تردّدكَ \ حفنة لآليء \ ترتّق ريبتكَ \ مالي وللمتردّدين \ سأغمرُكَ \  ببسمةٍ عاتية \ فيهرع الموج \  طالباً  \ طوقَ نجاة )   
سجال الركابي


لطالما كانت الصورة الشعرية شغف الشعراء و المتذوقين ، و لطالما كانت المظهر الأبرز الكاشف عن شاعرية الشاعر و فنيته. و بطبيعة الحال حينما نتناول أدب شاعرة كبيرة مثل سجال الركابي التي كتب عن أدبها الكثيرة، يواجه الانسان صعوبة في ان يحقّق اضافة في هذا الخصوص . الا انّ الامر الذي يسهل المهمة هو التصورات محدثة عن الصورة الشعرية بأنظمة جوهرية كليّة بينا أسسها في أبحاث النقد النظري ،  هي المحتوى الصوري ، و الكيف الصوري و الكم الصوري .
المحتوى الصوري
تشمل أبحاث المحتوى الصوري التناولات الجمالية للصورة ، من حيث التركيب اللفظي و المعنوي ، اي ما يحقق الابهار و الدهشة الذوقية . و شعر سجال الركابي يتمظهر بمحتوى صوري و نظام لفظي و عالم معنوي ثري و خلاب .
تقول في لوحة رفيعة لها :
(دمعتكَ الصامتة  \  عصافير عسلٍ  \  تنوحُ في \عتمة ِ حيرَتي الخرساء )
و في بوح رقيق أخّاذ تقول :
( لا ترمِني بشبكة صيد إنثر توقَك دافِئاً  \ أُغرّد  \ عيونَ نعناعٍ ببحّةِ خَجَل  )

و في لغة شفيفة تقول :
تعالَ نسيماً \ أراقصكَ طائرةً ورقيّة \ أشِدّكَ … نورَ لازوردٍ \ في غيومِ التلاشي )
و في رسم مدهش بمعان و بوح و الفاظ آسرة تقول :
 ( أرسُمُني خطَّ دهشةٍ لعوبفي كفّ ِالرتابة \ أكتِبُني \ .. ... بُستاناً حينَ رمضاء.\..لماذا... ...كلّما رسمتُ قلبَكَ \ إنزلقَ القلمُ \ وانتحرتْ الخطوط...؟... ... سأمحو ما رسمتُ \ أختارُ لوناً... ...\ ليس يُمحى ... بالتنائي )
2-الكيف الصوري
لو انّا جزّءنا الشعر الى وحدات ، لوجدنا تلك الوحدات هي الصور ، و لو تمعّنا في الصور لوجدنها تنتهي الى انظمة لفظية و انظمة معنوية، و ما يميز الشعر عن الكلام العادي انه يبتدع علاقات جديدة بين الالفاظ و المعاني ، و من الواضح ان اهّم ميزة للغة الشعر هي حصول  حالة  تجاوز واعتداء على العلاقة التاريخية المنطقية الكشفية و المرآتية بين اللفظ و المعنى .
انظمة هذا التجاوز و الكسر لهذه العلاقة و الخروج المتعمّد عليها له اشكال متعددة تحدد اسلوب الكتابة ، ويمكن تلمّس ثلاثة اشكال عامة في الكيف الصوري الشعري :
الاول ان يكون الابتعاد عن منطقيّة استخدام الالفاظ غير كبير بمعنى اخر يكون المجاز توظيفي واضح الدلالة و يمكن ان نسمي هذا الشكل باللغة الساكنة و من مصاديقها الظاهرة البوح التوصيلي  .
الثاني ان يكون الابتعاد كبيرا حتى يصل حدّ التجريد و يمكن ان نسمي هذه اللغة باللغة المتعالية و من مصاديقها البوح الايحائي و الرمزية و ومن مخاطر هذا اللغة الغموض .
و الثالث : هو المزج بين الاثنين ، فتظهر لنا لغة متموّجة هي صفة اللغة القوية تتموج بين الرمزية و التوصيلية و هي من اصعب اللغات و أرقاها عندي .
عند سجال الركابي جميع هذه الاشكال حاضرة :
  ففي لغة ساكنة ببوح توصيلي شفيف تقول :
(أروّضكَ ... فتجمح \ الى مسالكٍ خطرة \ أهادنكَ ... فتجنح \ الى شطآنٍ موحِشة... ... ...
أيُّها التوقُ الشفيف \ أراكَ ... لا تركَع... ...\ لازدواجِ اللائحة... ؟؟؟ )
و في لغة متعالية بايحائية فذّة و عمق رفيع تقول :
(ماذا لو...  \ اتكئنا على أحلامِنا \ تبادَلنا أرواحَنا...! \ ضع أساكَ على كتفي \ أَغدِقُكَ غيمةَ بُكاء \ تُزهِرُ سواقي نورٍ...\  بِهمسٍ شفيف \ لكن ... \ الطوطمُ يصفر..\ انتهى الوَقت ...\  موتوا  )
 و في لغة قوية تتموج بين التوصيل و الرمزية تقول سجال الركابي :
( اِرتبكَ البحر \ لِطَلبي \  موجة عاتية \  تُغرِقُ ترددكَ \ حفنة لآليء \ ترتق ريبتكَ \مالي وللمترددين \ سأغمرُكَ \  ببسمةٍ عاتية \ فيهرع الموج \  طالبا  \ طوقَ نجاة )

 من الملاحظة و كما اشرنا اليه في ابحاث النقد النظري ان هذا التمييز لاشكال اللغات انما ينبع من اختلاف الاستجابة الجمالية لها ، حتى انه يمكننا القول ان النقاط الشعورية للاستجابة الجمالية للتعبير التوصيلي تختلف عنها في التعبير الايحائي ، فينما تكون الدهشة و الابهار بنقاط و عوالم التذوق العادية البسيطة  فان الاستجابة للجمالية الايحائية تكون في انظمة وسائطية معقدة ، تظهر حلاوتها و رونقها عند بلوغ اعماق الفكرة و بداعة التعبير ، و ذلك كله يجتمع في اللغة القوية ، بمعنى اخر بينما كل من اللغة الساكنة و المتعالية تحفّز نقاط استجابة مختلفة فان اللغة القوية تحفز الاثنين وهذا مكسب ذوقي و شعوري و امتاعي .


3-الكم الصوري
نقصد بالكمّ الصور مقدار الصور التي تتحقّق في ذهن القارئ اثناء عملية التلقّي ،اي مقدار القراءات للصورة ، اي انها بحث في تشكل المعنى لدى المتلقي ، فلو كان مجال الكم الصوري صغيرا كانت القراءات المتشكلة واحدة او اثنين لا اكثر و تكون اللغة مباشرة ، و اما اذا كان واسعا فانه يكون لدينا قراءات متعددة حتى نصل الى النص المفتوح ، و من الملاحظ للمتتبع ان جلّ شعر سجال الركابي هو من القسم الثاني الايحائي . 
تتجلى اللغة الاولى في لوح بوح شفيف تقول فيها سجال الركابي :
(أروّضكَ ... فتجمح \الى مسالكٍ خطرة \أهادنكَ ... فتجنح \الى شطآنٍ موحِشة... ... ...\ أيُّها التوقُ الشفيف \أراكَ ... لا تركَع... ...\ لازدواجِ اللائحة... ؟؟؟ )
و اما الشكل الثاني فكما قلنا جلّ اشعار الشاعر مثال لذلك و منها مقطع تساؤلي رقيق تقول فيه  :
 ( أيتها الذكرياتُ المستدامة \ الأشذاءُ الصادحةُ برِفقٍ \أيُنيرُ لمعَ البرقِ أصداء الدروب الموحِشة؟ )
و في كتابة تجريبية بعبارات تتخللها فراغات مقصودة  اذ تقول و تكتب :
(أَفِرُّ ... ... \ الى مجرّةٍ أُخرى \ ...بلا جدوى \ أبحثُ... ... \ عن همهمةٍ \كدتُ أن ... لمَستُها )
و اظهر من ذلك في مقطع اخر :
... المواويل تثاءبت ملل تكرار \ دوران\..  ... النبض ... حين تطلُّ ... \  القمر... -لاتشِح نور خدّكَ -\ دوران...\ الترقب بعد-خيبة أمل\ - العقل - حينَ يفكّر بكَ \نهر عطشٍ في جفاءِ ناعور أُمنِيات..)

وهذا الاسلوب يرجع الى التعبيرية الشكلية بتوظيف البصريات ليس فقط لأجل اعمال قدرة القارئ لاكمال البناءات ، بل له دواعي تعبيرية تناغم الفكرة و الصورة فتكون في تكامل معها