حكم كتاب مصباح الشريعة

  

كتاب مصباح الشريعة ينسب الى الامام الصادق عليه السلام و تبدأ اخباره بعبارة ( قال الصادق عليه السلام )  لكن في الكتاب عبارات بعيدة جدا و لا تشبه الفاظه عليه السلام بل احيانا تمتنع كعبارة ( قال سفيان بن عيينة كيف ينتفع بعلمي غيري ) فانه عليه السلام ليس ممن يستشهد بسفيان و غيره ،  و عبارة (  روي أن ثعلبة الأسدي سأل رسول الله صلى الله عليه و اله  ) و روي تفيد الظن وعلمه عليه السلام قطع  ، و كذا في عبارة (  روي عن يحيى بن زكريا ع أنه كان يفكر ) و عبارة ( روي أن رجلا استوصى رسول الله ص ) و عبارة ( فاعتصم بعروة هذه الحكاية و هي أنه روي أن بعض المتوكلين قدم على بعض الأئمة ع ) و نسبة تلك الحادثة الى الحكاية المروية عن احد الائمة عليهم السلام بعيد جدا  عن الفاظه .  و عبارة ( قال الصادق عليه السلام  روي بإسناد صحيح عن سلمان الفارسي ) وهذه العبارة تفيد الجزم بان الصادق هنا ليس الامام لانه ليس من الفاظه و لا من منهجه البحث في صحة الاسانيد  . و كذلك اشارته الى الخبر  كما في عبارة (  في الخبر سألوا عيسى ابن مريم ع يا روح الله مع من نجالس ) و في عبارة ( قد جاء في الخبر أن المواضع التي يذكر الله فيها ) .
ان هذه المظاهر و العلامات تدلل   انّ تلك الكلمات لا تصدر عن امام معصوم  ، بل لا يصح نسبتها اليه  ،  و ربما نقل اقوال الامام الصادق عليه السلام كما نقل عن رسول الله صلى الله عليه و اله و امير المؤمنين عليه السلام ، و شرحها ،  الا انها غير متميزة  عن الشرح ان كان شرحا  بل ان عبارة ( قال الصادق عليه السلام  روي بإسناد صحيح عن سلمان الفارسي )  تورث الظن القوي انّ الصادق هنا هو احد أهل العلم الممدوحين بالصدق و الملقبين به  ، و ليس الامام الصادق عليه السلام فانه ليس ممن يحتاج الى اسناد صحيح  . فيكون متن الكتاب الرئيسي  من المتشابه المطروح و اما الروايات المنقولة فيه  عن النبي صلى الله عليه و اله و امير المؤمنين عليه السلام  فانها من المراسيل .   


















.

البناء الجملي المتواصل عند كريم عبد الله



قصيدة النثر هي شعر بشكل نثر ، اي ان الشكل شكل نثر و منه ينبثق الشعر . وهذا الفهم هو جوهر قضية قصيدة النثر ، و ليس ما يعتقد من تحرر الشعر من الوزن و القافية ، ان طموح كاتب قصيدة النثر هو أن يكتب شعرا ً لكن بشكل نثر وهنا تظهر القدرة الابداعية و تتجلى التجربة .
لقد ساد مفهوم خاطئ انّ قصيدة النثر تحتاج الى تعبيرية بصرية من خلال التشطير او التوزيع او الفراغات ، حتى انّي يوما ارسلت قصيدة افقية بشكل مقطوعة نثرية الى مجلة فعمدوا الى تشطيرها و جعلها بشكل عمود ، وهذا ناتج من الوعي المكتسب الطاغي بانّ الشعر لا بدّ ان يختلف عن النثر بالشكل ، و بعد التخلي عن الوزن و القافية لم يبق الا التوزيع البصري على الورقة و الايقاعية البصرية ، لكن كاتب قصيدة النثر ، الساعي نحو النثروشعرية ، اي الشعر الكامل في النثر الكامل ، يجاهد و يكافح في أن يعطي صورة حقيقية لقصيدة النثر ، و انّها تكتب بشكل نثر و باسلوب النثر و بتقنيات النثر ، لكن منها ينبثق الشعر .
و هذا التوجه عالمي ايضا فانهم لا يطلقون اسم قصيدة نثر على كل شعر نثري ، بل هي مختصة بالمقطوعة النثرية ذات البناء الجملي المتواصل .
انّ البناء الجملي المتواصل هو ركن النثروشعرية ، و لا يمكن انتاج قصيدة نثر من دون بناء جملي متواصل يتكلم به المؤلف كما يتكلم في النثر ، من دون سكتات و لا ايقاعات و لا فراغات و لا تشطير و لا تسطير . و كريم عبد الله شاعر مبدع في النثروشعرية و متقن للبناء الجملي المتواصل و قصيدته (التاريخُ عاهرةٌ .../ شواهدُ القبورِ الكثيرةِ تفضحها )المنشورة في مجلة تجديد الادبية من تجليات هذا الاسلوب . انّ ما يطوّر الأدب ليس الموضوعات لانّها عامة و ملك الجميع ، و انّما يطوّر الأدب هو الاسلوب ، لانّه فردي و خاص و ملكا لصاحبه . و من المفيد ايراد النص اولا .
التاريخُ عاهرةٌ .../ شواهدُ القبورِ الكثيرةِ تفضحها
ويغادرُ شرقنا شاخصة في شمسهِ مباضع وبقايا أطفال منقّعة بلعابِ ذئبٍ حملَ جلجلة الزقورات يفركُ تواريخها يستنشقُ أريجَ جنانهِ المسكونةِ بالأرثِ المحروق على صليبٍ رطبٍ يحدّقُ بعينٍ مفقوءة هاماتهُ معصوبة يوشّحها ليلٌ رؤوسه كطلعِ الشياطين تلاحقهُ تنهالُ تقتاتُ حكمتهُ خرافة تتلعثمُ ما بينَ نيلٍ يبحثُ عنْ حلمٍ ملائمٍ وفرات تعرّجَ كثيراً في خرائطِ رغوتها متاهاتٌ أخرى , المفاسدُ جزيرةٌ تلفُّ ذيلها مِنَ المحيطِ المتغامض بأقصى النعاس المفعم بالفرائضِ الواجبةِ وخليج قانط تتمددُ على ناطحاتهِ حيتانٌ تسفّهُ مياههُ المتواريةِ خجلاً بينما يسقطُ الزمن عميقاً في مستوطنةِ النسيان , التاريخُ عاهرةٌ تفترشهُ على سريرِ غوايتها تحتجزُ قناديلهُ تجلو نشوةً تركها الغرباء طريّةً في سيرتها الذاتية يسرحُ في ارجائها ليلٌ أقفرهُ كثرةَ الحكامِ يُبطؤونهُ ألاّ ينقضي متنكبينَ شماعةً يعلّقونَ كثرة الشبهات الغابرة ونَول هزيل يحيكُ صباحاً مرقعاً تلعبُ المخارز في ملامحهِ أنّى تشاءُ على مهلٍ فتنكشفُ عورتهُ البلهاءَ كرائحةُ الفتنةِ تتأرجحُ شواهدُ القبور الكثيرةِ تفشحها , المحترفونَ بالجريمةِ لصوص اليومِ العانس يرشقونَ الأيامَ نكايةً بالمغدورينَ وراءَ الماضي يحتملونَ هذرهم يتناوشونَ فوقَ القانون الأخرق بينما في روحِ الحقيقيةِ زفراتٌ متهدلة وهتافات متكررة تتقافزُ متأخرة في كلَّ حينٍ .
العنوان (التاريخُ عاهرةٌ .../ شواهدُ القبورِ الكثيرةِ تفضحها ) و هو مقطوعة متواصلة البناء ، وهذه فردية اذ عادة ما يكون العنوان مختزلا بكلمة او كلمتين ، لكن كريم عبد الله عادة ما تكون عناوينه جمل متواصل البناء .
تمّ يأتي مقطع واحد ببناء متواصل بطول ثلاثة اسطر
(ويغادرُ شرقنا شاخصة في شمسهِ مباضع وبقايا أطفال منقّعة بلعابِ ذئبٍ حملَ جلجلة الزقورات يفركُ تواريخها يستنشقُ أريجَ جنانهِ المسكونةِ بالأرثِ المحروق على صليبٍ رطبٍ يحدّقُ بعينٍ مفقوءة هاماتهُ معصوبة يوشّحها ليلٌ رؤوسه كطلعِ الشياطين تلاحقهُ تنهالُ تقتاتُ حكمتهُ خرافة تتلعثمُ ما بينَ نيلٍ يبحثُ عنْ حلمٍ ملائمٍ وفرات تعرّجَ كثيراً في خرائطِ رغوتها متاهاتٌ أخرى )
انّ هذا المقطع لا يمكن ان يقرأ الا بشكل المقطوعة النثرية ، و الكلمات محركة ، و لا توقف . لكن القدرة الايحائية و الرمزية و الهمس الشعري و الاشارة الشعرية و مداعبة الفكر و الوعي العميق و التجذر في النفس كلها تخلق حالة الشعر ، و الشعر الكامل من وسط هذه المقطوعة النثرية .
تمّ يأتي مقطع نثري بطول سطرين بلا توقف
(المفاسدُ جزيرةٌ تلفُّ ذيلها مِنَ المحيطِ المتغامض بأقصى النعاس المفعم بالفرائضِ الواجبةِ وخليج قانط تتمددُ على ناطحاتهِ حيتانٌ تسفّهُ مياههُ المتواريةِ خجلاً بينما يسقطُ الزمن عميقاً في مستوطنةِ النسيان )
وهنا ايضا مقطع نثري طويل بشكل استثائي بل وغير عادي ، في بناء جملي متواصل يحقق النثروشعرية ، حيث ينبثق الشعر من قلب النثر .
ثمّ المقطع الاطول باربعة اسطر متواصلة البناء .
(التاريخُ عاهرةٌ تفترشهُ على سريرِ غوايتها تحتجزُ قناديلهُ تجلو نشوةً تركها الغرباء طريّةً في سيرتها الذاتية يسرحُ في ارجائها ليلٌ أقفرهُ كثرةَ الحكامِ يُبطؤونهُ ألاّ ينقضي متنكبينَ شماعةً يعلّقونَ كثرة الشبهات الغابرة ونَول هزيل يحيكُ صباحاً مرقعاً تلعبُ المخارز في ملامحهِ أنّى تشاءُ على مهلٍ فتنكشفُ عورتهُ البلهاءَ كرائحةُ الفتنةِ تتأرجحُ شواهدُ القبور الكثيرةِ تفشحها )
انّ هذه القدرة على تحقيق الشعر من هكذا نثر ظاهرة نادرة و ريادية ، تمثل شكل ناضجا و نموذجية للنثروشعرية ، و كتابة الشعر النثري ، و قصيدة النثر و تحقق غاياتها و اهدافها الاسلوبية .
تمّ يختتم كريم عبد الله قصيدته بمقطع رابع طويل ايضا .
(المحترفونَ بالجريمةِ لصوص اليومِ العانس يرشقونَ الأيامَ نكايةً بالمغدورينَ وراءَ الماضي يحتملونَ هذرهم يتناوشونَ فوقَ القانون الأخرق بينما في روحِ الحقيقيةِ زفراتٌ متهدلة وهتافات متكررة تتقافزُ متأخرة في كلَّ حينٍ . )
لقد ركزنا هنا على اسلوب البناء الجملي المتواصل ، مع انّ النص ثري و متعدد الدهات الابداعية ، لكن اسلوبنا الثيمي في تناول الظاهرة الأدبية و دون التشظي و المسح الكلي للنصوص هو الطريقة المثلي التي تخدم المقالة النص و الادب عموما . و لا ريب ان تلك الوحدات الكتابية التي اشرنا اليها هي اكبر من الجمل و هي جمل متادخلة ، الا انها متداخلة بطريقة متوحدة ، فهي تقع بين الفقرة و الجملة و هذا وضع كتابي متفرد . انّ تحقيق نص بحجم صفحة و اكثر باربع مقاطع ذات بناء تركيبي متواصل بلا توقف ، هو تجل واضح و ظاهر للبناء الجملي المتواصل ، بل انّ الشكل النثري هنا يتحلى باقوى صوره ، و منه ينبثق الشعر . انّ هذا الشكل من الكتابة يحقق قصيدة نثر متطورة و بنفس جديد .








فلاح

(شعر)


 إنني فلاح  قديم ، أعرف رائحة هذه الأرض ،  أنبت بين البقل كفراشة تعشق شعاع  الشمس . تعال انظر الى الفرات ،انّه عذب ، وصاف لا يعرف حقدا ، لقد  نزل الينا ذات صباح برداء بنّي ، و عقال يشبه فرسان الصحراء ، فليس غريبا ان تغطي وجهه الرمال .  و احدثك ايضا عن أوروك ، هي ليست مدينة ناعسة ، فجدرانها من النحاس ، لقد شيّد الحكماء السبعة أسسها . تعال انظر الى كفيّ ، انهما خشنتان جدا ، كأنهما  بشرة نخلة  تمطر عسلاً فوق رؤوس جموع من العنبر الشفاف ، لذلك ليس غريباً أن تجد الظلام جالساً هناك في الزاوية ، بثوبه الجليدي يقتل أطفالنا .

الرمزية النصية في قصيدة ( يبشر بحرائقه قرب بوابة عشتار)


( يبشر بحرائقه قرب بوابة عشتار) قصيدة نثر سردية ، للشاعر العراقي  رياض الغريب كتبت باسلوب البناء الجملي المتواصل  مع أخذ الكتابة الافقية  مساحة واسعة في النص  وهو اسلوب تفرضه الحاجة الكتابية و التعبيرية ، و لرياض الغريب شعر سردي تعرضنا له في مناسبات سابقة .
 انّ معيار قصيدة النثر الأهم هو النثروشعرية ، و التي من اركانها  البناء الجملي المتواصل من دون سكتات او ايقاعات و لقد حافظت القصيدة عليه في كثير من حجمها فوق المتوسط نيسبا . و  مفهوم القصيدة متقوم - بعد العناصر الشعرية - بالوحدة التي لها اشكال متعددة منها الوحدة الموضوعية النصية و هي الحاصلة هنا ، و هناك الوحدة الفسيفسائية و الوحدة الرمزية التجريدية تطرقنا لكل منهما في مناسبات مختلفة .
انّ الوعي المكتسب في قبال عناصر الوع العميقة ، يحققه تأريخ المفردة ، و من ذلك الوعي المكتسب تتحقق الرمزية . هذا الشكل العام لتشكل الوعي العام و التأريخ العام للمفاهيم و المفردات و الرمزية التي تنتج عن ذلك يمكن ان نصفها بالرمزية العامة في قبال الرمزية الخاصة و التي تكون بقعل تأريخ خاص و وعي خاص ، و من هذا النظام الخاص هو الوعي النصي و التأريخ النصي و ما ينتج عنهما من رمزية نصيّة . انّ تأكيد الكاتب على وعي نصي معين و على تأريخ نصي معين لمفردة ما و على رمزية نصية معينة يحقق الظاهرة التي ترتبط به و تعرف به ، وهذا واضح جدا .
بينما يحصل في النص توظيف دلالي و ايحائي  للرمز العام الخارجي فانّ الرمز النصي يكون مصنوعا بفعل النص و محورا معاشا و شخصية تفاعلية  وهذا هو الفرق بين الرمزية العامة الموظفة و الرمزية النصية النابعة من  النص . هنا في قصيدة  ( يبشر بحرائقه قرب بوابة عشتار)  حصل توظيف للرمز العام و حصل خلق للرمز النصي  وهو من الاضافات  و الابداعية و المعرفية   .   
في اللحظة                 
التي اغمضت انانا عين الباب المطل على المعبد القديم
اشتعلت الحرائق في قلبها هي الوحيدة التي انسلت من تلك العين لترى ماحدث
دون جدوى صفقت بيدها وتنفست رائحة قريبة لاجساد تحترق
دون جدوى تلك النوافذ التي فتحت للالهة المنشغلين بترتيب الاسماء والمعاني واستقبال الاضاحي
دون جدوى قالت انانا لاخندوانا دعينا نكتب القصائد التي تمجد بابل وهولاء العشاق للعقائد والفقر الذي سور الجدران واعتلاها كعشب لاتقترب منه سوى الحرائق.
خلعت ثوبها وتمشت في حديقة المعبد كانت الالهة تتلصص على عجلة مسرعة تقترب من السور اشارت بثوبها لبياض اللحظة وراء الابواب نساء يلطمن على صدورهن وايقاع متسارع لقلوب تجوب شارع المعبد بينما الريح تنسل خلسة من تحت ضلوع تتكسر بصمت.
تلوذ الاشجار بعصافير مهاجرة ونوح حمام بلا اجنحة يحط على ابواب المعبد ويشير لحبة حنطة نبتت زهرة في وسط النواح قالت سيولد لنا من هذا الحريق طفل ندعوه الخلاص من محنة الحرائق ساحمله بيدي واسير به في شوارع ارواحكم فلا تنتبهوا لضحكته وجمال اصابعه وهي تشير.
الولد الصغير
الذي قطعت يده في الانفجار
لم يفكر بيده
ولا بالجحيم الذي يحدث
فكر بابريق الشاي
الذي ظل معلقا بيده المقطوعة
وتذكر
انه لم يبع منه
قدحا واحدا
حتى لحظة الحريق
لم تكتب وصيتها وتعلقها على ابواب المدينة مزقت الالواح بصوتها وهي تصيح عليه ان اقترب من صدري لارضعك الامان لم يلتفت لها وظل يركض في طرقات بابل يبحث عن يده التي حملتها سيارة اسعاف مسرعة واختفت.
الاثر الوحيد لها وهي تشرق كل صباح في وجه انثى تتمايل من وهج طفولتها الكامنة تحت ظلال بوحها بالسر لحبيب ينظم الحياة قرب بوابة عشتار يبشر بحرائق قادمة دون ان يحترس الالهة من هدم الجدار وانهيار الصور القديمة لاحزان كلكامش وهو ينظر للجدار ويقول يكفيني هذا.
زور خطوته وراح يقترب من النار رآى الاجساد تلتف ببعضها وهي وحيدة بين السماء والارض وحيدة بلا مودعين او اقدام تركض في ربيع ايامها الذي لم تصل اليه بعد اوشك ان يبكي لكنه تذكر الافعى ومضى يعاشر الوهم وينظر لاستراحة المعبد الفارغة الا من ظله وهو منكسر.
صباحا وقفت الشجرة على مفترق تنظر قوافل الراحلين صوب مقبرة قديمة يحبها السيارة والنائمون الحالمون بصبية تلعب قرب جدار المعبد وتخط على طينه القديم احلامهم فيما بعد قالوا انها تعنينا تلك التي عبثت برؤوسنا وسكرنا بخمرة قصائدها لكننا ميتون وتلك امانينا فوق شراشف الشوارع المعبدة بدمنا الاسود
من شدة الحريق ترسم وجهها شجرة تراقب نبضنا.

لنتزيل طعم الحريق من افواهنا اكتشفنا عشبة نمضغها ونمضي لمحنتنا مبتسمين دون ادنى ريبة بما سيأتي تحدثنا كثيرا للاثر الذي يتبعنا مثل ظل يلتصق في المرايا قالت انا قرب الجدار انظر لكم وانتم تبتسمون لمنتصف اللحظة لسيارة الاسعاف وهي تحملكم مجانا من الطريق.
ايها الاله لماذا تركتنا وحدنا في الحريق
كنا نمنحك الوقت ونضحك حين تغفل لحظة عنا ونقول انه طيب وسيمنحنا براءة مما نحن فيه .
هؤلاء السفلة كل مالدينا
هؤلاء هم من اقتربت منهم ايها الرب الذي جعلناك عادلا ومقسما للموت بيننا بالتساوي حين وضعتنا في قفص وقلت سيروا انها امامكم تلك ارضي وهذا انا اراقبكم من بعيد.
هل حان الوقت لنراقب الحريق وتلك التي نحلم بها على اسوار بابل تنتظرنا وتكتب القصائد من اجلنا تقول مالكم تنتظرون استخدموا قصائدكم لاخماد الحريق.
(أذا رأيتم الرايات السود فالزموا الأرض ولا تحركوا أيديكم ولا أرجلكم) هكذا نحن وقفنا تحت كومة الحريق لم نركب زورقا لينجينا اقدامنا تسمرت قرب جدران المعبد تمر الرايات في المدن المجاورة حتى بيوتنا التي تفخخت به وانتفخت رئة التاريخ وانت تمسكين النواميس لتشيري لنا انخدوانا اقتربي من لوعة هذا الطريق.

هل تمتعت بوجوهنا وهي تلوذ بحائط المعبد تتلمس المتعة وهي تتسرب من جسد انخدوانا لتلقي بها خارج معبد البوح الذي اقترب من ظلي وانا أقود أصابعي لقطيع فرح غائب في طرقات بابل ,, أقفلنا باب ليلنا ونظرنا للشجر الذي تكلم مع ظل الحارس الوحيد الذي أبقته الحكمة لنا ,, الحكمة التي جمعتنا ذات يوم وأكلت أعمارنا .. تضحك منا وعلينا حين ننبه من نام وحيدا يفترش أحلامه وما تبقى من أسوار المعبد .. طين وماء وحنين قديم يعلما كيف نمر بأصابعنا خلسة فوق ضلع الجسر الوحيد.

الم نترك لك الباحة الخلفية لتكفر بنا وتلقي بأجسادنا في فوضاك أيها الحكيم الذي تبعناه مثل قطيع لنعبر صوب ضفة الحريق.. صوتك نسمعه على الجدار معلق كصورة لنا ونحن نرقص من وجع الرحيل
شعرنا بالبرد
شعرنا بوخز الندى نحن
شعرنا بك وانت تلقي لسمك المتعة المفترضة.. فوق أوراقك ترسم لنا طريق الذهاب ونحن نفكر بالرجوع لدفء قديم قرب جسدها
أنت تفكر بالذهاب
ونحن نفكر بالرجوع
ذهبت أنت
وعدنا نتلفت
خشية أن تجمعنا البلاد التي تتنفس رائحة انخدوانا وهي ترش عطر معبدها فوق جسد الحديقة

ظل
يفكر
كثيرا بالكرة
وهي تذهب وحيدة الى منزله
ظل يفكر باللعبة
والهدف الاخير
هو يلهث وحيدا في الساحة
يركض يلم بقاياه
وماتناثر من احلامه
حلم هناك
واغنية تتحدث عن الفوز
تعثرت خطواته بصورة سلفي
هي صورتهم الاخيرة
قبل الكأس
وصفارة الحكم العجول
لماذا انهيت لعبتنا
لماذا لم تمنحنا وقتا مضافا
شوطين اخرين
لماذا
تركتنا
في الساحة
نلم بقايانا
لماذا توقفت في بداية اللحظة
واشرت لنا
ان نتجمع قرب موتنا بانتظام
هدايانا بسيطة جدا
كأس صغير
وكرة ملونة بدمنا
كل ماكنا نركض وراءه
وقت المباراة
هكذا
انت اوقفت اللعبة
بفوز الجميع
انتشرت على طرقات المعبد صورنا ونحن نلهث خلف عربة تقودنا اليه ذلك الذي نجهله لكننا كنا نخافه حين نقترب من اسواره كم كنا اطفالا في الاسئلة.
المتفرجون يصفقون لنا بينما هو ينظر من شرفته التي زينتها ادعية الامهات بعودتنا مبكرا لكننا فضلنا ان نسمع موسيقى الحريق وهي تلوكنا الواحد تلو الاخر حتى اقتربنا منه وهو يدمدم وحيدا لااحد يراه ولايقترب من وحدته سوانا نحن ابناء الحرائق المتتالية في الملاعب والطرقات الواسعة والمفتوحة للمتربص باحلامنا.
تعطلت ساعاتنا ونحن ننظر الى الوقت بعين مثقوبة ورأس يدور في ساحة فارغة الا من الحريق يركض خلف امنية وحيدة ظلت مختبأة تحت قميص ملون لاحدنا قبل ان نبدأ تركها لعله حين يعود يعثر على وردة هكذا قلنا لبواب فتح لنا باب العالم السفلي لترانا انانا نحمل كرة ملونة واحلام صبية اخطأ الوقت بهم.
(انانا) تلطم على وجهها وتصيح …ابتسمنا لها وقلنا كنا نمرن انفسنا على الموت امام بوابة عشتار لم نكن ندرك انه كان معنا وحين التفتنا لنركض وجدنا انفسنا نبحث عن امنية خبأها احدنا.
من يعيد لنا ركضنا في حقول فرحنا.. السهر ونحن نطارد الحبيبات المفترضات في رؤوسنا هو الان هناك يتفرج علينا ونحن نلح بالسؤال ونلج حقولا جديدة من الاسئلة تقول انخدوانا تعالوا نتعلم من جديد كيف نخط السهر على جدران المعبد ونحن نصيح لامعابد هنا هو الذي يمنحنا انفاسنا ويكتب القصائد على وجوهنا المفزوعة والهاربة من مرايا ما حدث.
بلا امل عيوننا تغزل للامهات صورا جديدة تعلق على جدران صبرهن .
............
التوظيف للرموز العامة ، الخارجية ذات التأريخ العام و المترسخة في الوعي المكتسب العام حاضر في القصيدة  منها ( انانا ، المعبد ، اللالهة ، انخدوانا ،  بابل ، حنطة ، بوابة عشتار ، كلكامش ) و غيرها  . و الامكانات و القدرات التي توفرها التوظيفات الرمزية طرقناها في مناسبات عدة و هنا تتجلى بوضوح و تعظيم طاقات اللغة واضح بها ، وبحث ذلك مفصلا يحتاج الى دراسة خاصة ، لكنا سنركز هنا على الرمزية النصية  في القصيدة باعتبارها اداة تعبيرية و اسلوبية و ابداعية و مدى قدرتها  التعبيرية و طبيعة و شكل تحققها في النص .
انّ الميزة الأهم للسردية  في الشعر ـ انها  تحقق مجال التطور النصي للمفردات الرمزية الشعرية فتصبح كشخوص متطورة ، لها تأريخ و تخلق وعيا مكتسبا نصيا  ، هذا اضافة الى كثير من العناصر الجمالية و التأليفية التي تحققها القصيدة السردية ، بل و الحضارية من حيث تمثيلها روح العصر و مزاجه ، فانها تحقق مجالا خصبا لتفجير طاقات اللغة و عبقريتها ربما يصعب ان لم يكن متعذرا توفير ذلك في القصيدة الحرة الصورية ، المعتمدة على التشظي و الصورة الشعرية .
التطور النصي للمفردة ، و الاضافات النصية عليها ، و علاقاتها مع باقي مفردات النص بالحركة الزمانية و المكانية الداخلية تتحقق للمفردات المتطورة فيه تأريخا و رمزية خاصة في النص و في وعي القارئ ، و ترتدي ثوبا و معنى و تأريخا و رمزية اخرى غير التي لها خارجه و هذا هو ( الرمزية النصية )    . و الرمزية النصية و التأريخ النصي لمفردات متعددة  يتجلى بوضوح في قصائد ة   ( يبشر بحرائقه قرب بوابة عشتار)  منها مفردة ( الحرائق ، الجدران ، الشجر ) سنتتبع الحياة و التأريخ النصي لهذه المفردات و  و تفاعلاتها و و وجداتها و احوالها في القصيدة .
باعتبار النص تأريخا نجد الوقفات التالية في حياة مفردة ( الحرائق النصية )
1-(  في اللحظة \ التي اغمضت انانا عين الباب المطل على المعبد القديم \اشتعلت الحرائق في قلبها ) وهنا اشار الى البعد و الأثر المأساوي العميق للحرائق في جسد هذي الارض و وجود هذا الشعب . فهنا الحرائق في وجود لها وجه دمار لـاريخ و وجود أمة .
 2-( قالت انانا لاخندوانا دعينا نكتب القصائد التي تمجد بابل وهولاء العشاق للعقائد والفقر الذي سور الجدران واعتلاها كعشب لاتقترب منه سوى الحرائق.) و هنا تحضر الحرائق كجار و ظل و رفيق تأريخي لتلك الجدران و التي أيضا لها حياة و تأريخ نصي و لها بعدها الرمزي النصي في القصيدة  .
3- ( قالت سيولد لنا من هذا الحريق طفل ندعوه الخلاص من محنة الحرائق ساحمله بيدي واسير به في شوارع ارواحكم فلا تنتبهوا لضحكته وجمال اصابعه وهي تشير. ) هنا يحضر فكر الديالكتيك و انه من وسط الخراب و الماساة يولد الخلاص و النجاة لانهاء الظرف الرزمكاني . فالحرائق في جهة ظرف و وسط زمكاني لتولد منه الحياة و في نظرة اخرى ظرف و وسط زمكاني مأساوي و بغيض جاش و مشتمل على مصير ( الأنا ) المتكلمين . و في الحقيقة في تقابل صوت الخلاص مع صوت الخراب بخصوص عنصر واحد هو الحرائق تتحقق حالة تعدد الاصوات ( البوليفونية ) في هذا المقطع . و هكذا نجد ملامح البوليفونية وتعددّ الاصوات  في مقاطع اخرى بادنى تأمل .
 4-  ( الاثر الوحيد لها وهي تشرق كل صباح في وجه انثى تتمايل من وهج طفولتها الكامنة تحت ظلال بوحها بالسر لحبيب ينظم الحياة قرب بوابة عشتار يبشر بحرائق قادمة دون ان يحترس الالهة من هدم الجدار وانهيار الصور القديمة ) هنا تحضر الحرائق بوجه آخر و انها نبوءة  لراء و صوت ، و بملاحظة ما هو موجود من حاضر حرائقي فان ّ تلك النبوءة تعني تعاظم تلك الحرائق ، و نظرة تشاؤمية للمستقبل  .
 5- ( من شدة الحريق ترسم وجهها شجرة تراقب نبضنا. ) هنا الحرائق عنصر فاعل في رسم وجه و وجود شجرة لها حياتها النصية و تأريخها النصي و بعدها الرمزي النصي كما هو ظاهر في القصيدة .
6- ( لنزيل طعم الحريق من افواهنا اكتشفنا عشبة نمضغها ونمضي لمحنتنا مبتسمين  ) هنا للحرائق وضع تعبيري أشدّ تكثيفا و رمزية ، بل يمكن أن نقول أنّ هنا بدأت حالة توالد الرمزية النصيّة فالحرائق التي لها طعم في الفم ، انما صح هذا التعبير نتيجة التراكم التأريخي النصي و نتيجة الوعي المكتسب النصي الذي حققه النص ، و بذلك صار ظاهرا انّ الحرائق بكل ما تقدم تمسّ حياتنا اليومية و كلماتنا و اصواتنا و تمتد الى كل ما هو تفصيلي في وجودنا ، و هذا المقطع قد حققت فيه السردية التعبيرية قدرة تعبيرية كبير و حصل تراكم معنوي و احضار لمعاني سابقة . و هذه الظاهرة الابداعية و التي نجح الشاعر في تحقيقها هي ما اشرنا اليه في احدى المناسبات ( باللغة ثلاثية الابعاد ) أي التركيب اللفظي الذي يستطيع ان يستحضر اضافة الى معناه المنطوقي و الدلالي القريب ، معان و دلالات قد حققتها مفرداته المركزية و المتمثلة بالحرائق هنا . فهذا النص يفتح الباب لأحدى الطرق النصية الاسلوبية في تحقيق لغة ثلاثية الابعاد من خلال توظيف الرمز النصي . وهذه الخاصية  أكثر تجليا كفعل نصي و عطاء نصي من توظيف الرمز العام الخارجي .
7- (    هل حان الوقت لنراقب الحريق وتلك التي نحلم بها على اسوار بابل تنتظرنا وتكتب القصائد من اجلنا تقول مالكم تنتظرون استخدموا قصائدكم لاخماد الحريق. ) في ما تقدّم من بيان و حديث كانت ( الحرائق ) هي السائد ، و هي المسيطر ، لكن هنا في هذا المقطع او في هذه الحقبة التأريخية النصية ، تظهر الارادة و الامكانية و الطريقة للخلاص و التخلص من الحرائق ، أي ظهر صوت آخر مخلص و واضع للحرائق في موضع الضعيف . و بهذه الانتقالة التعبيرية أي انتقال ( الحرائق ) من وضع وجودي الى آخر تتحقق حركة داخلية في النص ، و لا بدّ من الاشارة ايضا انّ الرمزية النصية و حياة المفردات التطورية في النص تحقق حركة قهرية داخلية في النص وهذا ما يحقق ( النص المستقبلي ) المعتمد على الحركة .
8- ( هكذا نحن وقفنا تحت كومة الحريق لم نركب زورقا لينجينا   ) هنا عودة و نزول من حالة الانتفاضة و الثورة الى الخمود و تحضر الحرائق هنا الى وضع سائد و مسيطر ، مع اشارة تضادية دقيقة بتعبير ( كومة الحرائق )  حيث تشمل من جهة الى كثرة الحرائق و من جهة انها فعل لفاعل ، حيث ان الكومة عادة ما تكون لشيء جامد و بفعل فاعل الذي يجمع الكومة . وهو ايضا الى انّ الوضع المأساوي و البقاء تحت ظل الحرائق ليس بفعل الحرائق و انما بفعل ضعف الارادة  للخلاص ، وهو شير الى انّ استمرار الحرائق ليس لانها قوية و انما لانّ الراضخ لها ضعيف ، كعلاقة الشيطان بالانسان ، فالشيطان ليس قويا و انما الانسان هو الضعيف فيتمكن منه الشيطان .  و يؤكد هذا المعنى المقطع التعبيري التالي :
10-  ( لكننا فضلنا ان نسمع موسيقى الحريق وهي تلوكنا الواحد تلو الاخر ) حيث من الظاهر وظوح ارادة الرضوخ و البقاء في عالم الحرائق مع اشارة الى تناغمية و تناسقية و انجذاب . وهذا اقسى درجات التماهي و التلاشي في الوجود غير الطبيعي الشاذ وهو ان يتناغم الانسان و يتعايش مع الوضع الشاذ فيكون وضعه الطبيعي ، وهو يشير الى خلل كبير في داخل الانسان . حتى يتوج هذا الصوت و هذا التعبير بلفظة ( ابناء الحرائق ) في المقطع التالي :
11-  ( حتى اقتربنا منه وهو يدمدم وحيدا لااحد يراه ولايقترب من وحدته سوانا نحن ابناء الحرائق المتتالية في الملاعب والطرقات الواسعة والمفتوحة للمتربص باحلامنا. ) هنا يصل النص ذروته التطورية بخصوص مفردة ( الحرائق ) و حياته النصية ، فبعد تلك التسلسلات و الوجودات الثنائية بين  الذات ( ال نا ) المتكلمين  و الحرائق ،  ثم الرضا  ثم التعايش ، ثم التناغم  حتى تصل النوبة الى ان التوالد ، ثم تنتهي بان التوحد و تكون الحرائق هي الوجود الوحيد لهذا الشعب كما في المقطع التالي :
11- ( تعطلت ساعاتنا ونحن ننظر الى الوقت بعين مثقوبة ورأس يدور في ساحة فارغة الا من الحريق   )  هنا لا وجود الا للحرائق و لا شيء سوى الحرائق ، و توحد كامل بين الذات  .
لقد كان تجلّي الحياة النصية لمفردة ( الحرائق ) ظاهرا جدا في القصيدة ، و كان ها تأريخا نصيا و تنقلات احوالية و ظرفية و فعلية و تفاعلية ، كما انّ لها تشكلا واضحا في الوعي النصي و ما يترسب في نفس القارئ ، حتى تصل عتبة ( الرمز النصي ) الذي يوظف تعبيريا في النص ، مع ما حققه من أدوات تعبيرية اسلوبية من خلال هذا التوظيف .
  
 


معرفة الحديث ((جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام فقال له: أخبرني عن ربك متى كان؟ )

تقابل الحضور و الغياب كاداة تعبيرية عند وداد الواسطي



ان الانجاز المهم للمؤلف المبدع لا ينحصر فقط في ابتكار طريقة تعبيرية جديدة و انما ايضا في التكامل في الطرق التعبيرية.   و توظيف صور الحضور و الغياب في التعبير عن الزخم الفكري و الشعوري معروف الا انّ المؤلف المبدع الناجح هو من يستطيع ان يتكامل في توظيف تلك الصور لأجل توصيل الرسالة الى المتلقي  .   انّ ثنائية الحضور و الغياب الدلالية  تبحث عادة كحالة من التخفّي و تأجيل الخطاب و الايحاء البعيد  مما يستدعي اثارة التساؤلات بفعل ما هو حاضر  عند القراءة و الاجابة الافتراضية بفعل وعي القارئ ، الا انّ هذه النظرة النقدية و التي تتكئ على قواعد فكرية و اديولوجية لاايمانية معروفة غير نافعة في بيان جمالية الظاهرة الادبية و الابداعية و التي تتجه بالنظرية الادبية نحو الفردانية و التاويلية و التشكيكية اللاعلمية ،   و هي ليست مقصودة هنا مطلقا، بل ما نقصده هو اسلوبيات نصية مادية واضحة بتجلّي خطاب المؤلف و رسالته من خلال القاموس المفرداتي الصادق و الصور الشعرية التعبيرية و التي من خلال بناء واضح و جلي تحقق دلالات و ايحاءات رمزية حقيقية لاتشكيكية مصدره الصدق و الايمان بالنص و رسالته و ليس مجرد ادعاء و افتراض وهذا ما يمهد الى نظرية ادب علمية  رصينة لا تتدخل فيها الفردية و الفرضيات الشكية . فحضور الشيء هو وجوده الحاضر  و قوته   و تجلّيه و فاعليته و ايجابيته ، و غيابه هو انعدامه و خفاؤه و عدم فاعليته و سلبيته . و التعبير عن ذلك قد يكون على مستوى المفردات و قد يكون على مستوى الصور الشعرية ، كما انّ كلا من الحضور و الغياب قد يكون للذات او للآخر او للزمان او للمكان او لاي شيء له اثر في الوعي الانساني المحلي او العام الكوني .
في مجموعة ( ما تبقى لي من كفنى ) 
( ما تبقى من كفني ) مجموعة شعرية للشاعرة العراقية وداد الواسطي ، صادرة عن المركز الثقافي للطباعة و النشر ( العراق- بابل ) سنة 2016 ،     تشتمل على قصائد حرّة متوسطة الطول بواقع ثمانين عنوانا  في 134 صفحة . اشتملت على توظيفات معبّرة و فذّة لصيغ تركيبية نصية ذات دلالات تعبيرية عن الحضور و الغياب و على المستويين المفرداتي و الصورة الشعرية.
 على مستوى العنوان وهو العتبة المهمة و أحد الموجهات الدلالية للقارئ بخصوص الرسالة و النص، فانّ عنوان المجموعة ( ما تبقى لي من كفني ) وهو عنوان احدى القصائد ، حافل بثنائية تضادية من حيث الحضور و الغياب ، او بمعنى أدق هو الحضور الغائب ، و بمطالعة النصوص و التأمل فيها فانا نجد انّ عنوان المجموعة كان عتبة دقيقة و ناجحة في ايصال و اختزال الرسالة ، انها رسالة الخراب ، و المجموعة بمجملها و بأهمّ النصوص فيها تتحدّث عن الخراب ، حيث حضور الغياب و غياب الحضور للذات و الآخر .
عناوين النصوص تتوزّع بين هذين الموضوعتين الحضور و الغياب كما انّ بعض العناوين اشتملت على الثنائية التضادية بينهما كما بينا في عنوان المجموعة ( ما تبقى لي من كفني ) و ( خدعتني و انت ابي ) و (الحب و الحزن ) و( اسئلة مؤجلة ) و (لعبة الهروب ) و ( ناصية الظلام ) و ( أنت تغادر ) و ( و أنا المغدور ) . و اما عناوين الغياب قمنها  ( رغم الغياب )  و ( السقوط الحر ) و ( دفتر قديم ) و ( سنين الانتظار ) و ( تداعيات غريق) و ( الحلم قضية ) و ( قد) و  ( لا شيء ) و  ( لا شيء يبدو ) .و اما عناوين الحضور  فمنها (نحن ) و ( مثل فراشة ) و ( يا صاحب الدار ) و ( و رسمت كتبت ) و ( ساهزّ عالمك ) و ( نهر الحياة ) و ( كل هذه الوجوه ) و ( ثمة شيء ) و ( حجر في بركة ) و ( أنا و أنت ) و ( يوميات مدينة ) و ( مثل ظلك ) .
و في الوقت الذي تتوسع دائرة الحضور و الغياب في فهمنا فتشمل السلبي الكلي للغياب و الايجابي الكلي للحضور فتنطبق هذه الثيمات و بشكل كامل على نصوص المجموعة و تحقق الوحدة المرجوة من كتاب و مؤلف واحد  فلا يعدّ مجرد تجميع لنصوص متعددة الخطابات و الرسائل كما يحصل احيانا ، بل انّ نصوص هذه المجموعة على تماسك اسلوبي و رسالي و موضوعي واضح و تحقق بذلك التكامل التأليفي . أقول اضافة الى تلك العناصر التناسقية و التناسبية و التناغمية بين النصوص فانّ الشاعرة ادخلت و وظفت مفردة جعلتها محورا في نصوص كثيرة ان لم تكن القاعدة العامة لجميع النصوص لو تأملنا الخيوط البنيوية العميقة لها الا و هي مفردة ( المدينة ) . فانّ المدينة تحضر و بقوة في النصوص و مع انّ لغة الخراب و الفقدان و عدم تحقيق الاحلام المرجوة و الخيبة التي تتصف بها مدينة هذه المجموعة الا انّها ايضا كانت عاملا موحدا و شمس عالية لتكون هذه النصوص تجتمع تحت نورها . و من خلال التركيب الخطابي الجامع بين البوح و الشكوى بين الحلم المفقود و الغياب المخالف للامل و فقدان الحضور و بين المدينة و الاشياء ، فانّ المزاج العام للنصوص ينتج قاموسا تعبيريا عن المدينة الخراب .
في القصيدة الاولى ( خدعتني و أنت أبي ) التقابل بين الحضور و الامل و الحلم و بين الغياب و الخراب و الفقدان حاضر و جلي في العنوان و النص . تقول الشاعرة
( ما زلت هنا \ تحدثني عن مدينتي \ عن الوطن \عن تلك الألفة \ عن عالم ودريّ \ و اناس طيبين \ عن شوارع \ لا يشوبها التراب ..... الى ان تقول ( وهنا حالة التقابل )... حدثتني حتى صدقتك \ باكية انا اليوم \ فلقد خدعتني \ شوهت ذاكرتي \ فالوطن لم يعد ملاذا \ و الناس مختلفون \لم يعد ايماني مطلقا \ انتظر القاد من الايمان \ اجل القرفصاء \ انتظر القادم \ احاول ان انهض من يأسي \ أرمم عالم الطفولة \اعيد ترتيب الماضي \ لعلي اجدك صادقا ....الى آخر النص )
هذه القصيدة الحرة المعبرة تختزل و تختصر الكثير مما تريد الشاعرة قوله و ايصاله الى الاخر بهذه المجموعة و ما اشتكلت عليه من ذكريات و امنيات و حكايات جميلة و واقع مر و مؤلم هو الصبغة العامة للنصوص التي يتقابل فيها الحضور و الغياب ، و انك لتجد في كل صورة و في كل مقطع حلم و ذاكرة جميلة  مفقودة و غائبة و وواقع و عالم مر و مؤلم حاضر .
 في القصيدة التي عنونت بها المجموعة ( ما تبقى من كفني ) يحضر التقابل بين الحضور و الغياب حيث تقول الشاعرة :
( ما تبقى من كفني \يوم سرت وحيدا \ يتبعني ظلي \ نبكيني ايامي \ تلحق بي آخر خطواتي \تشدني الى بلاد مهجورة \ يسكنها الموت\ يخطفها في ومضة \ ماتبقى من كفني \و أنا القي آخرشباكي \لاكي أصطاد حلما\ اقتنص أملا\ أحاكي نجمة\ ما تبقى من كفني \ و أنا أحذوا حذو أبي \ أردد عباراته \ يتقمصني ذات حلم \و تلك الامنية \ما تبقى من كفني \و انا احلم بعباءة امي \ و شالها الاسود و حمرة تنورها \ وهي تلفظ رائحة البخور \ نطرد عنا اشباح الفقر\ ما تبقى من كفني \ و أنا أ ودع مدينتي\ أعشق اسفلتها \ اقبل جدرانها \ أحلّق مع طيورها \ أشدّ على يد من أمنياتها \ و أنا أحلم بـ ......)
النص مزيج من حلم و ذاكرة و أمل و حسرة و واقع مر و يحضر هنا التقابل بين الحضور و الغياب و تحضر المدينة كما هو الحل في جلّ نصوص المجموعة التي تنفذ عميقا الى حلم الانسانية و أملها و ما يقابله من خيبات الواقع المرّ و  المدينة والعالم الخراب . 




التعبيرية البصرية في مملكة العظام


( مملكة العظام ) مجموعة شعرية من صفحة واحدة  للشاعر أحمد ضياء صادرة عن المركز الثقافي في بابل عام 2016 . و اضافة الى اجربة الصفحة الواحدة ، فانّ القصائد فيها من تقليلية و غيرها كتبت و وضعت بشكل تعبيري بصري ، كما انّ الصورة الخلفية لخارطة العالم كانت ذات ايحاءات و اشارت الى مواكبة النص العولمة و الى ان المملكة الخراب هو العالم أجمع .

 انّ المجموعة ذات رسالة واحدة و ربما اختصرت في النص المكثف و البارز بعد العنوان ( كل الاشياء لا تحي بشيء ) انه الخواء عالم من الخواء التام ، كما انها اشتملت على عبارات يومية حياتية ( كابينة ، المقص ،العائلة و غيرها ).

لقد كتبت او رسمت النصوص و العبارات بشكل هندسي بصري مكاني ، و مقارب جدا للقصيدة الكونكريتية ن بل انها تقع ضمن تعريف القصيدة اللوحة او القصيدة الكونكريتية .
ان قصيدة الكونكريت او قصيدة  الشكل(concrete poem , shape poem )هي ترتيب العناصر اللغوية في شكل يكون التأثير البصري و الطباعي اهم من التأثير المعنوي .  و رغم ان لفظ ( القصيدة الكونكريتية ) حديث،  الا ان فكرة استعمال التأثيرات البصرية لأجل  تعظيم معنى  القصيدة  ليس جديدا  بل يعود للقرن الرابع قبل الميلاد  في الحضارة الاغريقية حيث كانت  قصائد بشكل بيض او اجنحة لسيمياس روديس (Simmias of Rhodes ) .(1)  و القصيدة الكنونكريتية تعتمد التأثير البصري ، و اهم الكتابات العربية الجدية فيها في العصر الحديث كانت بعض الشعراء المغاربة في السبعينيان مثل بنسالم حبيش و احمد بلبداوي و محمد بنيس (2) .
ان القصيدة الكونكريتية قصيدة المكان و بدل الفضاء   الميت في القصيدة اللغوية فان فضاء القصيدة الكونكريتية مشكل و مزين و ملون بدلالات بصرية و بلاغة بصرية (3) . اذن فالقصيدة الكونكريتية لها بلاغة بصرية تعتمد الايقونية و دلالات الفضاء و الاشكال بدل بلاغة المعنى و دلالاتها المعروفة . و في الجانب الذي تناقض فيه القصيدة البصرية القصيدة المعنوية و تعتمد على التاثير بالبصري فانها يمكن ان تلتقي معها في قصيدة تتناغم فيها المعاني و الاشكال ، و تشترك العناصر في تحقيق نظام دلالة موحدة ، وهذا ما اشرنا اليه في فن التجلي و تداخل الفنون ، بالاعمال التجلياتية العابرة للفنون (4)  ، و القصيدة  اللغوية الكونكريتية  هي من اشكال الفن التجلياتي   .
 في قصيدة ( كل الاشياء ) كان للترتيب البصرية طاقة تعبيرية مستقلة ، حيث ان العبارات تتصاغر حتى التلاشي ، وهو الموافق و المعبر عن رسالة النص و ان كل الاشياء لا تةحي بشيء . و كذلك ترتيب النصوصو بشكل سور هو خارطة العالم فانها توحي الى المملكة ، و وسط الكم الهائل من تعابير الموت و الخراب و الخواء ، و تلاشي النصوص نحو نهايات انسيابية تتحقق التعبيرية البصرية و الدلالة على رسالة الخراب و الخواء في مملكة العظام .


4-     http://anwerganiblog.blogspot.com.tr/2014/11/blog-post_97.html


المعنى العميق في النص الشعري التقليلي

توسيع الدلالة و العمقُ في نصوص أحمد الحلي الشعرية .

نيسان (شعر)

النص العابر للأجناس ؛( الوصية رقم بلا نموذجا)

(ذكر عند الصادق عليه السلام الجدال في الدين )