الصلاة والصوم في البلاد التي لا تغيب فيها الشمس

 

ان القرآن الكريم جاء بنصوصه الصريحة وفق ما هو شائع ومعروف وغالب، واما الأمور النادرة او التي تبعد عن اذهاب العرف آنذاك فلا يتعرض اليها بالنص وهذا منطقي وانما يحكم تلك الصور النادرة الأصول والقواعد العامة. ومن ذلك مسألة الصوم والصلاة في البلاد التي لا تغيب عنها الشمس او يطول النهار او الليل بشكل غير اعتيادي.

ولا بدا أولا من التأكيد ان الصلاة والصوم من مقاصد الشريعة بل سميت اركانا ولهذا فان نصوص وجوبها لا تسقط من الإمكان.  بمعنى مادام ممكنا اتيانها اتى بها.

ومن هنا فلا بد من صلاة خمس صلوات في اليوم ولا بد من صوم شهر رمضان في تلك البلدان، ويجري عليها أصول التمكن والاستطاعة ونفي الحرج. كما ان أوقات الصلوات الخمس ليست فقط مرتبطة بالأوقات تلك بل التباعد بين الصلوات ملحوظ أيضا، لان تلك الأوقات تعطي مساحة وفسحة للتباعد بينها لاجل تكرار الذكر.

والمدخل الى ذلك الإمكان وتلك الاستطاعة ونفي الحرج هو ان الأوقات المعروفة ليست هي الأوقات الحقيقة وانما هي علامات، ولا موضوعية لها، فاذا تعذر ادراكها جاز الاستعاضة بما هو علامة للأوقات الحقيقية. ولأجل عدم تخلف تغير موضع الشمس في السماء وتغير الإضاءة أمكن اعتماد تلك التغيرات وبما يتقارب مع الأوقات الظاهرية لو كانت موجودة. فمثلا الزوال هو الانتقال من الصعود الى النزول في الدرجة ومنتصف الليل على عكسه هو الانتقال من النزول الى الصعود، والفجر والعشاء والمغرب والعصر، هو ما يحقق الدرجة الظاهرية بإضافة او إنقاص عدد ثابت، نسميه عدد التصحيح. فمثلا إذا كان الشفق 18 درجة تحت الأفق والشمس لا تصل اليها اما في الأعلى او في الأسفل فانه يطرح من درجتها او يضاف اليها عدد يصحح ذلك.

وهذا الامر يجري على من لا تغيب عنده الشمس او لا تشرق أصلا او انه تشرق او تغيب لأكثر من المعتاد مما يسبب مشقة وان كان هناك غروب وشروق، وهذان الغروب والشروق ظاهريان وليسا حقيقيين من ناحية الشرع بل ربما حتى من ناحية العرف عندهم إذا ارتبط بساعات الدوام والاستراحة اعتمادا على النهار والليل مثلا. ولا بد من الإشارة ان هناك صلوات في النهار وصلوات في الليل راعى الشرع فيها البعد الزمني فمن غير المنطقي جعل ثلاث صلوات منها في ساعتين مثلا، لذلك فجعل الساعتين مقياس للعمل بالتقدير غير تام، والصحيح ان المقياس هو الحرج الذي لا يتحمل عادة ومراعاة تباعد الصلوات بغاية تكرار الذكر بتباعد.

ومن خلال عنصري الحرج عند الاغلب بالنسبة للصوم وتباعد الصلوات للصلاة يكون هذا هو المقياس المعتبر للتقدير، بان لا يكون الصوم مسببا لحرج عند الاغلب وان تكون التباعد بين الصلوات منطقيا مقاربا للمعتاد. فاذا كان طول النهار يسبب مشقة عند الاغلب او كانت الصلوات تتقارب بشكل مخل بالتباعد فانه يجوز التقدير. ولربما يكون الغالب هو تحمل 18 ساعة ويحتاج الامر الى استقراء كما انه محقق لغاية التباعد في الصلوات مع ملاحظة سنة صلاة الليل.

وقيل ان التقدير يكون بحسب أقرب بلد وهو ضعيف ولا وجه له، وقيل يعتبر توقيت مكة وهذا أضعف وقيل انه مادام هناك شروق وغروب التزم بهما وقيل يسقط الصوم وهذان القولان الاخيران من أضعفها وهما من الظاهرية الحشوية المخالف لمقاصد الشريعة وبطلانهما واضح.