في الكتابات الأدبية لدينا ما يسمى بالكتابة الابداعية من شعر و قصة و
نحوهما و لدينا ما يتناول هذه الكتابة من نقد أدبي و غيره . الا انني وبعد ان اقتربت من اكمال الجزء الرابع من كتابي ( التعبير الأدبي )
، المكرس لبحث ظاهرة الأدب و جماليته ، و لا ريب ان البحث في الظاهرة الادبية مهم
و جميل ، الا انه ثبت لي و بعد مراجعات مستفيضة انه
لا يوجد شيء اسمه نقد ، و انما هناك نظرية أدب فقط ، و لا يوجد ناقد بل هناك (
باحث او منظر أدبي ) . فمرة يتكلم الباحث فيها نظريا و يسمى خطأ ( النقد النظري )
و مرة يتكلم بها عمليا على النصوص و يسمى خطأ ( النقد التطبيقي ) ، لكن الحقيقة لا
يوجد الا كلام و بحث واحد هو نظرية الأدب . و من هنا فهناك منظر أدبي و باحث أدبي
او حتى عالم أدبي ، و لا واقعية لصفة ( ناقد ) .
و هذا الفهم اضافة الى كونه تصحيحا في الكتابة عن الابداع ، فانه
ايضا يتخلص من العبء التقييمي و السلطوي للنقد كما انه يفتح الأفاق نحو كتابة بحثية
أدبية علمية ، بمعنى آخر يفتح الباب مام علم الأدب . حيث ان العلم هو البحث في
موضوع معين وفق منهج معين للوصول الى قواعد متناسقة بخصوصه . و من المعلوم ان
الكتابة عن الابداع الادبي سواء كان نظريا ام تطبيقيا هو بحث في موضوع معين و
بمنهجية معينة لاجل الوصول الى نتائج متناسقة بخصوص الابداع حتى في البحث التطبيقي
حيث انه يسعى الى بحث تحقق التصور الكلي في ذلك الجزئي المبحوث .
من الباحثين من يشتغل على القصة و منهم من يشتغل على الشعر بل ،
منهم لا يستغل الى على جزء متميز من ذك الجنس الادبي كالذي يعمل على القصيدة
الموزونة و الاخر الذي يعمل على قصيدة النثر ، وهذه كلها اختصاصات و نظريات و يمكن
مع فكرة الوصول الى قواعد متناسقة الدخول الى مجال العلمية . و قد يقال ان اختلاف
مناهج التناول ( النقدي ) للنص من اسلوبية او بنيوية او غيرهما يعقد المشهد ، الا
ان ذلك ليس صحيحا ، لأمرين مهمين الاول وهو الاهم و الاوضح ان البحث المادي
الاستقرائي التفصيلي و التتبع التطبيقي التفصيلي في الكتابة الأدبية و استفادة
الكليات من هذا الاستقراء هو الصفة المشتركة لجميع اشكال البحث الادبي او ما يسمى
بالنقد ، و الامر الاخر انها جميعا تشترك في فكرة بحث الابداع على انه ظاهرة
خارجية عن ادوات البحث و ليست جزء من النقد و هذا هو المقصود بالمنهجية الواضحة،
حيث ان المنهج في البحث في نظرية الادب هو منهج استقرائي يتعامل مع الابداع كظاهرة
، و اما اختلاف الاسلوب المتبع فانه لا يؤدي الى الاخلال في طبيعة النتائج ، و
انما يحقق اختلافا في الجهة المبحوثة ، ففي واقع الامر ان ما يتصور انه مناهج
مختلفة في بحث الظاهرة الادبية من بنيوية و تفكيكية و اسلوبية و نحو ذلك ، ليس في
طبيعة الاداة بالضبط كما يتصور و انما هو اختلاف في الجهة المبحوثة من النص ، و
مثله النقد الثقافي و مثله البحث النفسي و التأريخي . فهذه كلها اختلافات في الجهة
المبحوثة اعتمادا على منهج استقرائي ظاهراتي تقريري و اقعي كما هو واضح وهذا هو
المنهج المعين المحقق لاحد شروط العلمية .
من الواضح و بعد هذا الارث الكبير من البحث الأدبي ، و الوصول في
جوانب منه الى تدقيق كبير جدا و تقريرية كبيرة و نوعية صارمة تتجاوز الفردي ، اقول
اصبح واضحا امكانية الانطلاق نحو على الأدب و ان شاء الله سيكون هذا مشروعنا في
المستقبل و ان كان يتطلب جهد لاجل جمع ما توصل اليه من قواعد خاصة بالاجناس
الادبية و اشكالها ، تلك القواعد التي تتسم بالواقعية و الموضوعية و التي لا يشك
في صدقها . الا انني في المستقبل القريب و لأجل توفر الامكانات القريبة سأهتم بجمع
القواعد الخاصة ( بقصيدة النثر ) في محاولة او مقدمة لبيان نظرية قصيدة النثر ، و
اعتبارها مدخلا الى علم الأدب و مدخلا الى علم قصيدة النثر .