الأعمى


قصيدة بوليفونية *


أنا من هناك،  من مدن الثلج، مسافر رملي، في قلبي صوت ماء. أتعثّر في بحور حيرى، لا تستريح إلا عند كل شاطئ ينشد أغنيات قديمة. أنا مجرد ذكرى جاءتنا من جهة بعيدة ، تحكي لنا قصّة الغياب. إنّها ما زالت تعيش في أوراق  متربة، و ما زالت  تنظر في المرأة بغرابة. كانت دوماً تقول لي  أنّ الهباء شيء غريب يوهمنا بالحقيقة، إلا أننا حينما نخلد الى النوم نراه بوضوح، و نواجهه وجها لوجه، فيحكي لنا قصصه الباردة. ألا ترى هذا المكان بيديه الفضّيّتين يضيق على أنفاسنا، يصنع منها طابوراً طويلاً من صخور تحلم بطرقات باهتة. و هذا الزمان كم هو شاحب و حُرّ ، يتطاير من دون رجعة، إنّه يقهقه ساخراً من عيوننا الجاحظة . أنا لست واهماً كبيراً، لكنني أشعر بالعمى لذلك تجدني أدور في الغابة أبحث عن كلّ زهرة فريدة  لا يراها سوى الأعمى، و كلّما عثرت على واحدة تقول لي : يا رجل الرمل ـ أحيانا لكي ترى بوضوح ، عليك أن تكون أعمى . إنني أسمع صوتها و أراها بقلبي لأنني رجل أعمى.




* البوليفونية : هي تعدد الأصوات في النص فلا يطغى صوت المؤلف بل تظهر اصوات اخرى كشخصيات و كيانات في النص لها صوت و ارادة و رؤية .