بحمده تعالى اتممت كتاب ( التجريدية في الكتابة) بنسخته الالكترونية وهو الكتاب الحادي و الثلاثون لي . يتناول تجربة الكتابة التجريدية تنظيرا و نصوصا .
كتاب ( التجريدية في الكتابة )
و هنا نسخة PDF
مقدمة في فلسفة اللغة التجريدية .
كتاب ( التجريدية في الكتابة )
و هنا نسخة PDF
مقدمة في فلسفة اللغة التجريدية .
التجريدية هي شعور تجريدي بالاشياء و نفوذ عميق الى جوهرها النقي
المجرد و في المعاني و الكلمات هو ادراك العمق الشعوري و الاحساسي فيها و لا
يتعارض هذا ابدا مع عذوبتها و قربها الرمزي كما اثبتته الكتابات الشعرية السردية
مابعد الحداثوية في تجريدياتها.
اذا ما علمنا ان فلسفة التجريد في الابداع الانساني هو النفوذ عميقا
الى حقائق الاشياء و الاتجاه و بقوة نحو الكلي فيها و تجاوز الشخوصية و الجزئية ،
حينها نعلم ان الرمزية المتعالية و
الهذيانية انما كانت محاولة في التجريد و ليست هي التجريد بالضرورة . يقول كولنز (
ان الأدب العام يظهر التجريديين التعبيريين بانهم بدائيون بوهيميون و مهاجرون
فائقو الذكاء هجروا مجتمعا ماديا و لا عاطفي ) (1) . ما هو مطلوب فعلا في التجريد هو الوصول الى تعبيرية العناصر الاساسية
للمكونات الابداعية ، و ادراك ذلك العمق التعبيري
لها ، يقول كاندنسكي ( من بين جميع الفنون فان التجريدية اصعبها انها تتطلب
ان تكون رساما جيدا و عالي الحساسية و الادراك بالالوان و التراكيب و ان تكون
شاعرا حقيقا . و السرط الاخير اساسي ) (2)
و اذا ما كان ذلك يسيرا في اللون و الصوت لانها مجانية بطبيعة حالها فان
ذلك صعب جدا في الكلمات لان الوظيفية مترسخة فيها في الوعي ، لذلك لجأت المحاولات
الحداثية في التجريد الى الرمزية المتعالية و التعدد التأويلي و الى التشظي
التعبيري ، و الابهام و الانغلاق . ان
العمق اللامجاني للمعاني و الكلمات جعل المحاولة الحداثية في التجريد تعتمد على
الرمزية و الهذيانية و النص متعدد التاويلات و الانغلاقية ،. و صار من اشكال
التجريدية الحداثية المعروفة الرمزية التجردية و التجاورية التجريدية ، لكن قد
عرفت ان ذلك ليس واجبا لاجل التجريد فضلا عن ان يكون هو التجريد في الكتابة . و قد
حاول النقد تبرير كل هذا حتى وصل الى اللامعنى و الهذيان . و حينها ارتكبت الحداثة
اكبر خسارة انسانية بايصال النص الى تلك المراحل من الجفاف و الجفوة و الخواء ،
بينما نصوص ما بعد الحداثة المتعمقة في الانسانية و الهم الانساني فانها فهمت
التعبيرية و التجريدية كفلسفة و نظام لا يجب ان يتعارض مع روح الادب و رسالته ،
فالتعبيرية ليست انغلاقا بل عطاء و التجريدية ليست تاويلية و رمزية مغلقة بل عذوبة
و نفوذا في النفس . يقول ديفد غويللو احد
رواد الادب التجديدي ( ان الادب التجديدي سري و لغز الا انه يمكن ان يكون
تجربة عميقة و صادمة لكل قارئ )
ان الميزة الاهم و الخاصية المميزة للكتابة التجريدية او العمل الفني
التجريدي عموما هو الاعتماد على الثقل الشعوري و العمق الفكري و النفوذ في الوعي
للعناصر الفنية ، بعيدا عن التشكل و التشخص ، فلا يرى المتلقي شخوصا و اشكالا بل
ليس هناك سوى احاسيس و مشاعر منقولة عبر الاداة الابداعية من لون او صوت او كلمة .
و فيما يخص المعاني فان التجريدية تعمد الى تقليل الاعتماد على
توصيلية الكلمات و منطقيتها و وعيها الافادي و التفهيمي ، و في المقابل فانها
تعتمد على ثقل الكلمات الشعوري و زخمها الاحساسي و طاقتها التعبيرية بذاته ، لذلك
فان الاحساس و الشعور و العمق الفكري و لاجل تجلي هذه الامور بقوة في الكتابة
التجريدية فانها تصل الى المتلقي قبل المعاني و قبل الفهم ، فيحس المتلقي و يدرك
النظام الشعوري و الاحساسي قبل ان يدرك الافادات
المعنوية و التفهيمية المركبة .
التجريدية ترتكز على
استعمال اللغة و الالفاظ بشكل تعبيري غير معهود ، اي ليس لأجل نقل المعنى و توصيل
الفكرة و الحكاية ، و انما لنقل الاحساس و الشعور ، و جعل المشاعر و الاحاسيس هي
ما يتجلى بالالفاظ و ليس المعاني و المغزى ،فتكون الالفاظ و الجمل كالوان مجردة من
دون تشكل محاكاتي اي بشكل الوان في لوحة تجريدية تعتمد في تأثيرها على الاحساس و
الشعور و ليس المحاكاة و المعنى .
اذن التجريدية في التعبير و اللغة هو استعمال اللغة في نقل الاحساس و
الشعور و ليس الحكاية ، فتتخلى الالفاظ عن وظيفة نقل المعنى الى نقل الاحساس المصاحب
له كمركز للتعبير ، فيرى القارئ الاحاسيس و المشاعر المنقولة اكثر مما يرى المعاني
.
و انطلاقا من فكرة انّ الابداع اللغوي و خصوصا الشعر لا يتجه
بالأساس نحو البناء المعرفي و المفاهيم ، و انّ محور الابداع هو عالم المعنى
و الشعور و الاحساس ، فاننا يمكن فهم اللغة التجريدية بانها اتجاه عميق نحو
صور خالصة و مجردة وكلية لموضوعات الادب و عوالم الجمال و الشعور و
الاحساس و المعنى ، التي تعصف بنفس الشاعر و تلهمه ، و تختلف هذه التعبيرية بشكل
واضح عما يتجه نحو الجزئي من تجرية و جماليات و موضوعات قريبة ، و ينعكس ذلك
بشكل ملحوظ على لغة التعبير لان خصوصية الموضوع لها تاثيرها الحاسم في شكل اللغة
التي تتحدث عنه ، فبينما الجلاء و الوضوح و القرب و الاحتفاء و المجاز
التعبيري وحتى الرمزية الموظفة من سمات اللغة المعبرة عن التصورات الجزئية
لموضوعات الابداع و الجمال الجزئية بلغة تعبيرية جزئية تشخصية ، فان
التجسيد الخالص ، و التصورات الكلية و الرمزية المبتكرة و التحليق
الحر و العمق البعيد من سمات اللغة التي تتجسد فيها التصورات الكلية
لموضوعات الابداع و الجمال الكلية بلغة تعبيرية كلية تجريدية .
لا بد من القول و بشكل حاسم و واضح ان الانطلاق بالكتابة من العوالم العميقة و الكلية للمعنى و الشعور لا يكفي لتحقيق التجريد ، بل لا بد من ان يظهر اثر ذلك في اللغة ايضا ، و لا تكفي الرمزية مع توظيفها و حكايتها و وصفيتها ، بلا لا بد ان تكون في وضع الاشعاع و التوهج المرئي بدل الحكاية .
بالاضافة الى عناصر الابداع من الفنية و الجمالية و الرسالية التي يجب توفّرها في العمل الشعري الناضج ، لا بدّ ان تتصف اللغة التجريدية بصفات محددة اهمّها ان تكون تعبيرا عن عالم عميق للمعاني و الاحاسيس ، بوجوداتها الخالصة الحرة ، البعيدة عن التشكل و القصد ، ببوح كلي و كوني و انساني عميق ، بمفردات و تراكيب لا ترى فيها الا تجليات و تجسيدات لتلك العوالم و عناصرها من خفوت شديد للقول و الحكاية و التوصيل ، بلغة تشع و لا تقول . حينها نكون امام لغة تجريدية لغة الاشعاع التي تتجاوز مجال القول و التشخّص .
لا بد من القول و بشكل حاسم و واضح ان الانطلاق بالكتابة من العوالم العميقة و الكلية للمعنى و الشعور لا يكفي لتحقيق التجريد ، بل لا بد من ان يظهر اثر ذلك في اللغة ايضا ، و لا تكفي الرمزية مع توظيفها و حكايتها و وصفيتها ، بلا لا بد ان تكون في وضع الاشعاع و التوهج المرئي بدل الحكاية .
بالاضافة الى عناصر الابداع من الفنية و الجمالية و الرسالية التي يجب توفّرها في العمل الشعري الناضج ، لا بدّ ان تتصف اللغة التجريدية بصفات محددة اهمّها ان تكون تعبيرا عن عالم عميق للمعاني و الاحاسيس ، بوجوداتها الخالصة الحرة ، البعيدة عن التشكل و القصد ، ببوح كلي و كوني و انساني عميق ، بمفردات و تراكيب لا ترى فيها الا تجليات و تجسيدات لتلك العوالم و عناصرها من خفوت شديد للقول و الحكاية و التوصيل ، بلغة تشع و لا تقول . حينها نكون امام لغة تجريدية لغة الاشعاع التي تتجاوز مجال القول و التشخّص .
1-