غالبا من نستخدم في تناولاتنا النقدية كلمة اشكال او اساليب او صور ، لكن هنا في هذه المقالة
استخدمنا طبقات لغرض بياني سيتضح بجلاء .
ان النثروشعرية و ان كانت مصطلحا ابتدعناه ابتداعا من دون
سابق مرجعية لا عربيا و لا عالميا ، الا انه في الواقع هو غاية كل كاتب قصيدة نثر ، و لقد اشار رواد كتاب قصيدة
النثر العالميين بحلم كتابة شعر بصورة نثر و كان ذلك همهم الاكبر .
النثروشعرية تعني و ببساطة كتابة الشعر بصورة نثر . اي ان
ماتراه على الورقة هو نثر ، و التوزيع
المكاني للجمل و الفقرات هو بشكل النثر . حيث الفارزة و النقطة و السرد و تكسير
الموسيقى و الابتعاد عن كل التوظيفات الشعرية الشكلية . وهذا هو التجلي الاكمل
للنثر ، لكن من خلال المعاني و الترميزات يتحقق الشعر .
ان رسالة مؤسسة تجديد هو ترسيخ مفهوم قصيدة النثر المكتوبة
النثروشعرية الكاملة حيث الشعر الكامل ينبثق من النثر الكامل .
صدام غازي من الكتاب المميزين لقصيد ة النثر الافقية و
بالنثروشعرية الكاملة ، و كل متابع و قارئ له يدرك ذلك تماما ، بل لو انّا اردنا
ان نعطي مثالا نموذجيا للنثروشعرية فان قصائد صدام غازي ستكون في مقدمتها .
هنا سنتناول الاشكال الفنية و الصور الموضوعية للنثروشعرية
، و مميزاتها و اختلافاتها التي تجعل منها مستويات مختلفة و طبقات كتابية و
تأليفية مختلفة . و من الواضح انا نتحدث عن اسلوب كتابة و ليس عن عالم دلالات و لا
عالم الروح و لا الذات و الفكر الكوني ، و انما نتحدث عن اسلوب بلاغي شكلي .
سنورد هنا نماذج من شعر صدام غازي و نتبين الاختلافات
الاسلوبية في طريقة تجلي و تكوين النثروشعرية اي كيفية انبثاق الشعر من النثر .
في قصيدة ( خدعة أم ...) يقول الشاعر
(( لم تكن تلك عينه
, حين نظر أول مرة . أتى يصهل كالخيل , فرس جامح له ضياء يشبه القمر . لم ينكسر
شيء سوى نظرة عينه , وبلا استفسار جمع شظايا نظرة عينيه المتساقطة ومضى . لم تثبت بوصلته بعدها , كأنما أصيبت بوصلته
بالتمغنط . أستنتاج هو كل ما في الأمر .
الحتمية مفقودة . أشعل شمعة في الظلام كي ترى , فديوجين لم ير في النهار شيئا
, حين أوقد الشمعة , و حين رفض ظل الأسكندر , لم تستح الشمس وتتركه رأفة به .
كل ما أنت به وحولك مجرد ميتافيزيقا أنت البطل فيها . لا
يوجد عدو فلا تشهر مسدسك الكولت , واغمده أفضل , فالصراخ في الفراغ لا يولد من
رحمه سوى طفل الصدى ولو صرخت الف عام . فأنا لست في عيد الهالووين عندما عرضت علي
الخدعة أم الحلوى ، فأرتديت رأس اليقطين
ولم أعلم .))
لقد عمد الشاعر الى اساليب متعددة لكسر الشعرية الشكلية و لكي
يتجلى النثر و يبرز نقيا و كاملا على الورقة .
اول تلك الاساليب
وهو الشرط الذي من دونه لن تكون هناك نثروشعرية اصلا هو استخدام الجمل و الفقرات ،
و استخدام الفارزة و النقطة ، بدل الكتابة الحرة ، و لقد بينا مرارا ان االمفهوم العالمي المعاصر لقصيدة النثر كصنف
شعري و كشكل ادبي استقر على ان تكون مقطوعة مكتوبة بشكل جمل و فقرات و بالفارزة و
النقطة ، و ان غير ذلك لا يعد قصيدة نثر ، و انْ كان شعريا نثريا ، و الشعر النثري
اي غير الموزون الذي لا يحقق شروط قصيدة
النثر يسمى ( القصيدة الحرة او الشعر الحر ) .
الاسلوب الثاني هو
( البناء الجملي المتواصل ) اي الكتابة النثرية السلسة المتواصلة كما تكتب
القصة ، من دون فراغات و لا سكتات و لا توقفات ، كما نجده متجاليا عند انور غني و
عادل قاسم ، وهو ايضا من شروط النثرية وقد
تحدثنا عنه مستفيضا في مناسبة سابقة .
الاسلوب الثالث هو السردية الشديدة التي تحوم حول القص لكن
بـ ( السردية التعبيرية ) تنقل تلك السردية من مجال القص الى مجال الشعر .
الاسلوب الرابع
طبيعة الافكار ، و صدام غازي غالبا ما يختار افكار كونية لكنها منطلقة من
الجو الخاص وهذه هي ( التعبيرية ) اي تقديم رؤية ذاتية للكون ، و هذا الاسلوب حاضر
و جلي في كتابات صدام غازي و ليس في هذا النص فقط .
الاسلوب الخامس هو تعمد كسر الشعر شكليا ، مع ابقاء الروح و البعد الخلفي شعريا ، وهو ما يسمى عالميا ( الشعر ضد الشعر ) وهو استخدام الفاظ غير شعرية في الشعر و افكار
غير شعرية في الشعر و عبارات غير شعرية فيه
، وهو من الكتابات الصعبة و انا اعتبرها من المستويات العالية للنثروشعرية
و نجد هذا الاسلوب ايضا عند فريد غانم و كريم عبد الله . فانا نلاحظ و كل متتبع
لصدام غازي يلاحظ انه يستخدم الفاظ غير شعرية ، فمثلا هنا يستخدم ( بوصلة ،
استنتاج ، ديوجين ، التمغنط ، ميتافيزيقيا ، مسدسك الكولت ، عيد الهولووين ،
خدعة ام حلوى )
من الواضح ان الاسلوب الاول اي اسلوب ( الجمل و الفقرات و
الفارزة و النقطة ) و الثاني وهو ( البناء الجملي المتواصل ) هما من شروط النثروشعرية
و قصيدة النثر ، فمن دونهما لن يكون هناك نثروشعرية و لن يكون هتاك قصيدة نثر .
وهذه هي الطبقة الاولى للنثروشعرية . و باقي الاساليب التي اشرنا اليها هي طبقات
اخرى تكمليلة و متى اجتمعت تحقق النثر الكامل الذي ينبثق منه الشعر الكامل .
ان قصيدة النثر و بالاساليب التي ذكرناها هي الان المفهوم التصنيفي الادبي عالميا ، و هي
المستقبل للكتابة الادبية كما ارى لذلك فانا ارى ان الكتابة بالقصيدة الحرة على
انها قصيدة نثر لا يتوافق مع الواقع . و
هنا طرحنا نموذجا للنثورشعرية و اساليبها و يمكن تتبع تلك الاساليب في
كتابات صدام غازي السردية الافقية و كتابات باقي شعراء تجديد في قصائدهم السردية
الافقية .