أنا أراك رغم هذا الصّوت الأرجواني للحزن، ورغم ثوب
الموت الزّاهي، فأنا ما زلت استطيع أن أراك. لا تقلق إنني أراك، على سريرك الوفير،
تحلم بالغد غير آبه بالموت، وعيناك تتأمّلان الوجه القبيح لهذا العالم الأعمى،
عالم نتن يفيض بشاعة، يسرق دمي وأطفالي وفتياني الجميلين، ويحرق بلدتي، ومدرستي
وسيارتي الصغيرة.
أنا أراك تخرج من خاصرة الانفجار
شيئًا لا ينكسر، شيئًا يذكّرني بالقصب، يذكّرني بجدَّتي. لقد اعتادت أن تخبرني
كلَّ صباح أنّ انفجارًا جديدًا وخنجرًا جديدًا وحقدًا جديدًا قد غرزوه في خاصرتك
البهيّة، وتخبرني أيضًا عن الأطفال وعن الدِّماء، وأنا أعلم أنَّك وطن يفيض
بالدّماء، ويفيض بالصَّخب كشمس الظّهيرة وكشط الحلة والإوزّات فيه تملأ النّفوس
بالضَّجيج. فأطرب لصوتها العالي كفراشة صغيرة ترى الصَّباح لأوَّل وهلة. ثمّ أعود
إليك بحرًا من عشق، فأنا عاشق أسطوريٌّ، أنا بقايا شبحٍ خالد وحكاية منسيّةٍ قد
عادت إلى حديقة جدِّها باسمةً قبل المساء. هكذا أعود بصمتي النَّديّ وردائي
الشَّتويّ المتهرئ أنفذ الى بشرتي المتفحمة وسيَّارتي المتفحِّمة وقلبي المتفحِّم،
فأجدك نهرًا طويلًا جدًّا بعدد النجوم وبعدد الذين جاؤونا من حقول القمح وبعدد
الجراح التي صنعتَ منها سفينتك الباهرة، الباهرة جدًّا .