(عمل تجلياتي )*
إنّه فضّي كحلمي ، هذا الشتاء الذي بدأتُ أشعر
به بقوّة و كأنّه قصيدة هادئة. ربما لأنني غرقتُ أخيراً في نهر ناعم مصنوع من ألوان ساحرة . و ربما لأنني عثرتُ على حقل رطب في زوايا حلمه
المسائي فتيان حفاة مصنوعون من النسيم ، يتقافزون فوق الحشائش كسناجب تتلفتُ بين الاغصان . ليتك رأيتَ الغروب
في عيونهم الباسمة، كانت تنشد أغنية شفافة
كتلميذة ذهب بها الصباح الى مدرستها القريبة. كنتُ حينها ورقة خضراء بلّلها المطر.
هامش
* القصيدة عنوانها الأصلي ( كتابة في
بداية الشتاء ) أو ( احساس ببداية الشتاء ) ، الا اني جعلت النص دالّا عليه بدل
التصريح . و في الحقيقة هذا النصّ محاولة في النص التجلياتي وهو من ( الفن
التجلياتي ) الذي تحدثت عنه قديما (مقالات في فن التجلي في موقع كتابات انور غني الموسوي ) ، وهو العمل العابر لأجناس الفنون
فيختلط الرسم بالموسيقى بالكتابة بالسينما ، حيث يتشكل العمل في حقيقة الأمر من
عناصر غير مادية غير اللغة و غير الالوان غير التمثيل ، بل من وحدات جمالية و شعورية ، و تكون الافكار و المعاني في
الكتابة مثلا وسائط و وسائل لابراز تلك المكونات غير اللغوية المتجلية . و يعتمد
صدق النص على مقدار تجلي تلك العناصر الاحساسية و الجمالية و طغيانها و
استحواذها على المكان بدلا من المعاني و
الافكار فتكون الافكار و المعاني امورا ثانوية و هامشية لأجل تجلي تلك
المكونات وهو من فن التجريد كما لا يخفى
. و لقد كانت لنا محاولات في هذا الصدد
منها قصيدة ( الواحة ) ، الا انني أرى أنّ هذا العمل هو انضجها من حيث تجلّي
العناصر الشعورية و الجمالية و طغيانها و استحواذها على المكان و على القارئ . و
تكمن صعوبة المعرفة بتحقيق العمل التجلياتي لغاياته هو الحاجة الى الحيادية التامة
في القراءة من قبل المؤلف ، أي ان يتجرد المؤلف عن موقع مؤلفيته و يكون في مقع
القارئ الغريب عن النص ، وهذا عمل صعب ، و لربما يكون الاستقراء طريقا آخر لاختبار
هذا العمل و جديته الا انه وسيلة غير متيسرة و غير حيادية في هذا الزمن .