مفهوم اللاتوافق التعبيري

 

لدينا في الادب شعر ونثر، وبينما تتقوم النثرية بالمنطقية والتماسك، فان الشعرية تتميز باللامنطقية واللاتماسك اي التشظي . في النثر لدينا اجمالا السرد القصصي ولدينا النثر الفني، بينما في الشعر فعلى الاجمال لدينا الشعر الغنائي و الشعر السردي.

في الشعر السردي كاطروحة عامة لدينا الشعر السردي التقليدي الذي يميل الى الحكاية وفي الحقيقة هو (سرد شعري) ، ولدينا القصيدة المعتمدة على اسلوب التعبيرية السردية، اي السرد الممانع للسرد antinarrative)) أي السرد بقصد الرمز والايحاء ونقل الشعور لا بقصد الحكاية والوصف. السرد التعبيري يكون بوحدات وعناصر شعرية في حدث، فبدل عناصر قصصية تترتب في الزمان والمكان لدينا في التعبيرية السردية عناصر شعرية تتناثر في الزمان والمكان، فيكون الشعر وتكون القصيدة بالنثر والسرد، وهو ما ابدعت فيه مجموعة تجديد الأدبية، وهنا مقالات اسلوبية تسلط الضوء على التقنيات السردية التعبيرية في قصائد شعراء مجموعة تجديد والتي تجعل السرد شعرا وليس قصة.

في  جميع اشكال الكتابة الا السرد التعبيري هناك توافق بين البنية الفهمية السطحية والبنية الانثيالية العميقة، الا ان كل واحد  من اجناس الكتابة يختلف عن الاخر بخصائص بنيته – أي البنيتين بعد توافقهما تكون كالواحد- ففي السرد القصصي البنية منطقية متماسكة حدثية تخيلية و في النثر الفني هناك منطقية متماسكة بيانية و في الشعر الغنائي البنية انحلالية متشظية. و كذلك في الشعر السردي الغنائي فان البنية سردية حدثية الا ان الوجود الشعري يكون بشكل وجود مصاحب و على مستوى الشكل.

اما في الشعر السردي التعبيري ( القصيدة السردية التعبيرية) هناك عدم توافق بين البنية السطحية والبنية العميقة، فعدم التوافق حاصل بين البنية الفهمية والبنية الانثيالية الواعية او غير الواعية، حيث تكون البنية الفهمية سردية متماسكة منطقية الا ان البنية التحليلية الانثيالية فانحلالية متشظية. بعبارة اخر؛ في السرد التعبيري، البنية السطحية سردية منطقية بينما البنية العميقة فغنائية، و بهذا يختلف السرد التعبيري عن جميع اشكال الادب، ويختلف بالخصوص عن السرد الغنائي ( الشعر السردي المعروف) بان غنائية وشعرية السرد التعبيري في بنيته بينما غنائية وشعر السرد الغنائي في شكلانيته.

فالخلاصة انه في جميع اشكال الكلام الفني و غير الفني منه هناك توافق بين البنية الفهمية – القراءاتية- السطحية و البنية الاستقرارية التحليلية والانثيالية العميقة، و الشكل الوحيد الذي يختلف عنها في ذلك هو السرد التعبير حيث تكون البنية الفهمية السطحية مختلفة عن البنية التحليلية العميقة.

من خلال هذا الفهم يتبين كيف لقصيدة النثر ان تحقق الشعر؟ انها نثر على مستوى القراءة و الفهم و الكتابة ؛ اي البناء السطحي وهي في الوقت ذاته شعر على مستوى الانثيال والتحليل و الدلالة أي البناء العميق.

من خلال الجمع بين بنية سطحية نثرية جدا؛ منطقية متماسكة، وبين بنية عميقة شعرية جدا لامنطقية ومتشظية فان القصيدة السردية التعبيرية تجسّد التوافق بين النثر والشعر يأبهى صوره بدل التضاد بين النثر والشعر. ان قصيدة السردية التعبيرية تقدم (التوافق النثروشعري) بدل ما هو مستقر وراسخ من (التضاد النثروشعري) وتتجاوز باشواط كبيرة وكثيرة القصيدة التقليدية والقصيدة الحرة التي تسمى قصيدة نثر خطأ وتحقق نموذج ما بعد قصيدة النثر. انها قصيدة المستقبل القصيدة التي لا تعرف حدودا في عالم سردي تعبيري شعري مطلق.