عوالم النور \ الفصل الثالث :
الزهراء (عليها السلام )
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال : أول ما خلق الله نوري .
أنور
غني الموسوي
منذ زمن بعيد و أنا أنظم
بلّوّرات الحقيقة ، أصنع منها قلادة للإنسانية
. منذ زمن بعيد وأنا أنشد تراتيل سماء صافية ، منذ زمن بعيد و أنا نداء غريب و لحن
غريب .
حينها كانت زنبقةُ نور،
و بسمة تنعش قلب الرحمة ، من عبق الفردوس طينتها
، زهراءٌ بتولٌ ، ملأت
واحات المعرفة بضياء أخّاذ و أنشودة مطر .
علياء ، تحت كسائها الفضّي غفت أسرار
الملكوت ، و في زوايا بيتها الطينيّ ، تناثرت
أسارير الخليقة . لقد رأيت البيت الطيني ، رأيته ذات مرة ببئره التي تسقي عطاشى الحقيقة
، كانت أحجاره من ياقوت مجلّلة بالأنوار و
السلام الكبير.
ليتني حبّة شعير تحت رحى ذلك البيت
، أشمّ عبق القلوب المعلّقة بالسماء
السابعة ، عسى أن تتطهّر روحي من الصدأ و المُرَّير . ليتني كنت طحينا في كسرة خبز ملأت عالم السائل و المحروم ، ثلاثة أيام إختصرت
تأريخ الكون ، ثلاثة أيام فاضت باللانهاية ، بفضاء عريض .
يا سيدة الكونين ، يا
سيدة الرحمة الكبيرة ، من كفّيك الكريمتين يولد الضياء ، و من وصاياك العليّة كانت
ألف قصيدة نور ، و ألف ألف نداء.يا سيدة الينابيع الغارقة في الضوء و النهارات العظيمة ، نحوك تتجه أناشيد العفّة
و الحياء الرفيع ، و من خلف حجابات
الوقار ، كانت شمس تنير الطريق . من تلك الكوّة
من ذلك البيت الطيني ، خرجت الرياحين الفوّاحة
و أرواح المعرفة البيضاء . كان عمر الكون ثمانية عشر ربيعا ، يفيض بالنور ، ثمانية عشر ربيعا صمدت حكايات الحقيقة فوق سطح الأرض الكؤود
قبل أن تغتالها أيدي الخراب ، ثمانية عشر كنت أنت ، و ليس غيرك أيتها الروح المقدسة
.
ليتها رأتك عبون الزمن
الناعسة ، أه أيّها النقاء الكبير ، أعنّي عسى أن أكون حجارة على جانبي الطريق ، يمرّغ وجهي غبار أقدام خيول المركبات الرفيعة ، علّني أحيا الى زمن الانتظار، و لو كنبة صحراوية يابسة تتنفس وهج الحقيقة و تنعم بنور الشموس البهية . هنا حيث القلاع الفياضة
بالأسارير ، تمرّ بي
ضحكات الغد البرّاقة على أجنحة الملائكة ،
لقد رأيتها تحطّ كاللقالق الكبيرة ، تتمدّد بين الفراتين ، على جبل آذرايّ ، يفيض بالخضرة ، حيث
الشجرة الزيتونية ، مشكا ة الصباح القاهر لليل . و البرديّ العائم في فضاءات خلابة
، هناك تتطاير ترانيم العشق الإلهيّ في قلوب
معلقة بالفردوس ، فتنبعث بين خافقي رغبة للنداء
، أفيقي ايتها الأرض الكؤود .
أيّتها الانسانية الصماء
، أما آن لك أن تنظري الى سفينة النجاة ، لقد سئمتْ
بهجتُك الغياب ، وجهك شاحب يرتجف ، لم تسعفه ثياب روما الحمراء ، و ستارة المسرح القرمزي ، تجوبين في وديان
الظلّ ، خلف قهقهات الزيف ،و خلف الحكايات الباهتة، يا للوداعة القاتلة ، يا لأسنان المحبّة وهي تخطف أنفاس الزهر بعناوين برّاقة ، لا تحمل رؤوسها سوى الخواء.
أه أيتها الأرض الكؤود ، متى تكفّين عن إحراق بيوت
الفردوس ؟ ، تغتالين بقع النور في قميصك المظلم
؟أنظري الى كفيّك ، الى حقول القمح السوداء المحترقة ، الى الغربان تأسر
سطوح البهجة ، تنعق بكل صوت مرير ، الأنهار تيبّس قلبها ، الأشجار جرداء في موسم البِذار، الأبقار
هزيلة ، و الأغنام لا تلد ، لا زهر و لا عصافير
تزقزق ، و الذهب الأسود في رحمك ، خرج إبنا عاقا أكل بهجتك و نادى على خفافيش الظلام
الصفراء . يا لتعاستك المريرة . أيتها الارض
الكؤود متى ترين سفينة نوح ، متى تتسلقين سلّم الحياة ، نحو الفجر نحو عالم فسيح .
لو أنّك تعلمت شيئا من
حكمة الريح العائمة فوف ضفاف النهر الأرجواني ، لو أنّك أخذت شيئا من أوراق الحقيقة
المودعة في قلب العصور ، لو أنّك رأيت أغصان شجرة السدر المقدسة ، وهي تتدلّى كأمّ حنون
.
آه منك أيتها الأرض العرجاء
، أقدامك غارقة في وحل الغروب ، تخبرينني
عن التمرّدات الوثّابة ، وعن قميص متهرّئ يغرق
في الشحوب السخيف . و كأنني لم أكن أتمشى قرب جدول السنونو ، حيث الأرانب و النعامات
. تخبرينني عن لون أخر للشمس ، كأنني لم أكن حاضرا ولادتها البديعة .كنتُ حينها
أسبّح للقدرة العظيمة .
أيتها العرجاء ، هنا في هذا البيت الربيعي المملوء بالخضرة و السوسن
الكريم ، هنا في هذا البيت الذي رأته عيناك يوم أُعطيت كتاب الأبدية ، لقد نسيتِ كتبتك النازلة من قلب الفردوس ،لقد نسيتِ و كلمات السماء ،عجبا كيف لم تعد تحكي
لك الجنيّات الصالحة و ذلك الزقاق المتبجّح
قصّةَ النور ؟!! كيف أنّها لم تعد تجيد
الحقيقة ، و لا حكايات الحياة ؟!!