من الغريب جدا انا الى الان نجد من يتناول
قصيدة النثر بكونها اشكالية ادبية . و لو تفحصنا الاسباب الحقيقية وراء استمرار
الحكم عليها بالاشكالية عند البعض ، نجده ناتج عن امرين مهمين ، الاول هو القصور
في العقل النقدي و الاداة النقدية ، التي فشلت الى الان في طرح صورة منظمة و
علمية لجمالية الشعر النثري عموما و قصيدة النثر بالخصوص ، يصاحبه قصور
استيعابي ليس لقصور ذاتي في المتناول و انما لعلو مستويات الجمالية في قصيدة النثر
.الامر الثاني هو مطالبة الشعر النثري بعناصر جمالية اعتيادية انطلاقا من كون الاستجابة
الجمالية امر عرفي قائم على ظاهرة الانفعال ، الا ان هذه المطالبة باطلة و ما لم
يتحرر المتلقي من هذه المطالبة فانه لن يكون هناك فهم حقيقي لجماليات قصيدة النثر
.
اذن نحن امام دعوة لاجل الترقي في البناء
التحليلي الجمالي لكي يتناسب مع الجمالية المتفردة لقصيدة النثر ، و مطالبون ايضا
بفهم انساني تطوري لجماليا قصيدة النثر . اي اننا امام معرفة جمالية الشعر
النثري ، و نتكلم هنا بصورة عامة عن الشعر النثري لان قصيدة النثر في كثير من
جمالياتها تشترك مع الشعر النثري الذي يمكن ان يفهم كعام طبيعي لها ، الا انها
تتفرد بخصائص جمالية مميزة .
ان الشعر كلغة هو لغة شعرية ، وللشعرية ملامح ،
و للشعر جمالية هي ليست الشعرية ، و الجمالية غير منحصرة بالعمل اي النص انما هي
متحققة في عملية التلقي ، فجوهر الجمالية الشعرية ليس في القصيدة بل في عملية
قراءة القصيدة ، و القراءة ليست عملية فهم للنص الفني و انما هو عملية تعرف و
اكتشاف للجمالية التي فيه ، و بعد كل ذلك تتوج العملية بالاستجابة الجمالية
الشعورية التي تكون ظاهرية متمثلة بالنشوة و الطرب و الهزة الشعورية او تكون عميقة
متمثلة بالانس الذهني و اللذة الفكرية و المشاعرية العميقة .
اذن لدينا ثلاث جهات للتعرف على جمالية قصيدة
النثر و لفهمها و استيعابها .
الجهة الاولى : الشعرية : وهي امر لغوي بحث فني
تركيبي الا انه لا يقتصر على الشكل و التركيب اللفظي و لا يقتصر على البناء الجملي
بين المفردات بل يشمل البناء الاكبر الذي يكون بين الجمل ، ان عوامل الشعرية
اللغوي المهمة تتمثل بالمجازية و اللاسردية و اللامنطقية النحوية و اللالفة
التركيبية و الايحائية ، و التصويرية كما و كيفا ، وبقدر ما ما
تتوفر في العمل الفني عدد اكير من هذه العناصر و ظهور اكبر لها فيه تزداد شاريته
.، و الشعرية الجزئية ظاهرة تكون و لا تصنع .
الجهة الثانية : الجمالية : وهي امر تفاعلي
ناتج عن القراءة للقصيدة ، فلا هو في القصيدة بمعزل عن القراءة و لا هو في القراءة
بمعزل عن القصيدة ،ان العمل اللغوي الجمالي يتكون من مقومين الصورة و
التجربة ، و في مجال الصورة لدينا العناصر التصويرية و في مجال التجربة
لدينا العناصر التجرباتية ، و لكل منهما مظاهر كمية و كيفية ، و لقد بينا في
مقالتنا ( المحصلة الجمالية) العوامل التصورية و التجرباتية و نذكرها هنا
باختصار: ان القصيدة انجاز تصويري متلقى ، يتميز فيه جانبي الصورة و التصوير
، و التجربة والايحاء .و هناك ثلاثة اشكال من التصوير ، التصوير التواضعي و
التصوير المجازي و التصوير التعجيزي وهو ان تكون التجاوري بين
المفردات و الجمل على درجات متفاوتة من اللاارتباطية .
اما في جانب التجربة فان الانتقال من
الصورة الى عالم التجربة يتخذ اشكالا قصدية ، منها المباشر و يمكن
التعبير عن ذلك بالايحاء المنطقي المباشر ، و الشكل الثاني هو الرمزية بحيث تتميزة
التجربة عن الصورة الا ان الايحاء يكون بمنطقية لا مباشرية ، و الشكل الثالث
هو الايحائي الحر الذي لا يراعي المنطقية .
مع هذا التنوع الكيفي للصورة و التجربة فان من
عوامل الجمالية هو الكم الصوري و الكم التجرباتي ، فان بامكان التصوير ان يكون
ضيقا يتمحور حول صورة او صورتين او تجربة او تجريتين ، و قد يكون واسعا يتضمن عددا
من الصورة او من التجارب المحققة بالتركيب اللفظي الواحد ، وهذا ما يشار اليه
بتعدد التصويرات و تعدد الايحاءات . و العنصر الثالث في الصورة و التجربة هو
المحتوى ، و كلما كان المحتوى متقارب التصوير كان القصيدة اكثر خطابية و كلما كان
المحتوى متعدد و متباعد في المكاونات الصورية ة كانت القصيدة كتابية لا
خطابية .و اما محتوى التجربة فانه قد يكون واسعا او متقاربا من حيث
الفضاء و الابعاد ، و من الواضح ان الهزة المشاعرية و النشوة الظاهرة تلازم
المحتوى التصوري الخطابي المتقارب ، و اما العواطفية و المشاعرية في قصيدة الكتابة
فانها عميقة ذهنية باطنية .
ان التدقيق و التطبيق و التصديق بهذه العناصر
الجمالية ، و التجربة التكرارية و صدق التوقع الابهاري و الادهاشي المصاحب كفيل
بان يولد قناعات ان عناصر الشعر النثري و منه قصيدة النثر ظاهرة و حقيقية و ليس
فيها اشكال او غموض .
خاتمة في جماليات قصيدة الهذايان و الفوضى التركيبية ،
ان جمالية هذه القصيدة تتمحور حول بوحية اللامعنى ، اي ان الشاعر يريد ان يبوح لنا
بسره و تجربته وان يوصله لنا بطريقة لامعنوية و لا توصيلية ، وهذا ما نسميه
تضائل البيان التصويري ، فيكون التعبير عن التجربة بالتجربة ، اي انه يتجاوز
خدود اللغة و التصوير ، فتكون الحروف او لكلمات مناسبة لتجلي التجربة
ببذاتها ،و في الحقيقة هكذا حالة من التلقي غير متوفرة الا لمن لديه مستوى
عالي من الايحائية ، و ليس بالضرورة ان يكون شاعرا الا ان من الضروي ان تكون
لديه تجربة جمالية مناسبة