دوما هناك سؤال : ما هي القراءة الصحيحة ؟ بل ان النقد في جانب من بحث منهجياته انما
يحاول ان يجب عن هذا السؤال ، و ان
النظرية النقدية انما تقدم كنموذج للقراءة
الصحيحة .
و ربما يمكن اعادة السؤال : كيف نعرف ان قراءتنا للنص صحيحة ؟
للاجابة الواضحة و الصحيحة عن هذا السؤال
لا بد من تذكر امرين :
الاول : ان الصحة و النموذجية امور
تطورية ، لذلك من الخطأ تصور وجود قراءة
صحيحة خالدة و دائمة ، كما انه لا بد من اليقين انه ليس هناك قراءة صحيحة اكثر من
القراءة المعاصرة .
الثاني : ان للنص غايات تتجلى فيه هي : اللغة و النص نفسه و قصد المؤلف ، كل منها يتجلى
بمظاهر واعية و غير واعية ، و حينما تكون
تجربة الكاتب ناضجة و متكاملة تكون مظاهر تجلي تلك الغايات على درجة عالية من
الفنية و الرقي و الثراء . هذا الثراء
يحتاج الى قراءة مخلصة تتبع جهات الادباع في النص في كل مستوياته .
في ضوء ما تقدم تكون القراءة الصحيحة
متسمة بصفتين اولا المعاصرة و ثانيا الاخلاص ، لانه من دون قراءة معاصرة تكون
قراءة متخلفة و مسيئة للنص ، و اما
الاخلاص ، فمن دونه لن يكون هناك مجال لتبين اوجه الابداع في غايات النص المتقدمة
، فتكون القراءة ناقصة ايضا .
النص المعاصر لا يريد فقط الحكاية و
التوصيل و النقل ، لكي يكتفى في قراءته بعملية قراءة واحدة ، بل هو ساحة للإيحاء و
الرمزية و التقنية و الفنية و الثقل المعرفي و اللغوي و البعد الجمالي و تمثل
القضية و الانتماء و النفس و الايغال في عمق التجربة و عالم المعنى . ان الكتابة
الفنية المعتبرة - و ليست التسويقية طبعا
- تتمتع بعدد كبير من الجوانب الابداعية في مستويا متعددة و مختلفة ، فهناك عوامل من الوعي و عوامل من اللاوعي ، و
هناك عوامل من النص ذاته و من اللغة الراسخة بفعل البيئة و الثقافة في نفس الكاتب
.كلها تعمل على التجلي في بناءات و تراكيب فنية مناسبة تلائم ما ترسخ و تراكم في
تجربة المؤلف ، وهذه الحقيقة ليس فقط المؤلف يدركها بل القارئ ايضا .
من هنا لاجل ان نحقق قراءة صحيحة لا بد من
تتبع مظاهر الابداع في جهات متعددة و مستويات قراءاتية مختلفة ، و في القراءة
الفنية للناقد ،ربما يكون واقعا ظهور حالة ( النقد المفتوح ) و الذي ينفتح على
جميع امكانات النص بجميع ما يتاح من ادوات وصلت الى الناقد المعاصر ، و حينها يكون
من التعسف القول بان منهجا معينا و مدرسة معينة هي التي تفي بحق الظاهرة الابداعية
.