التناص الازلي و التقارؤ الازلي






متى تبدأ قراءة النص ؟ كيف نجيب عن هذا السؤال : متى نبدأ قراءة النص ؟ و خصوصا ان رولاند بارت نفى ان تكون هناك قراءة أولى ( ر بارت 1990 ) ، بل كل قراءة هي اعادة قراءة لما سبق ، كما ان مقولة  كون ان القراءة الاولى هي الاستثنائية و الخالصة  قد عفا عليها الزمن ( اندرو بنييت 2004)  . وهذا السؤال يستتبعه سؤال اخر ، وهو متى يبدأ النص ؟ من اول فكرة ام اول حرف ام من حين القراءة  ؟. وما هو الاصل فيه هل هو المؤلف ام النص ام القارئ ؟ .
في ضوء ما تقدم و ما قيل من التناص الازلي و ان القراءة الاولى انما هي تكرار لقراءات سابقة ( اندرو بنيت 2004 )   ، فانه يمكن القول كما ان هناك تناصا (inertextuality  )  ملازما لكل نص او كتابة ، فهناك اعادة قراءة  او تقارؤ (    ( interreading  ملازم لكل قراءة   ، فكما انه ليس هناك كتابة نقية ، فانه لا وجود لقراءة نقية ايضا ، فنحن حتى في قراءتنا الاولى لنص ما فاننا نعيد قراءة ما قرءناه سابقا و ما قرءه الاسلاف .
وفق هذا الطرح الجوهري يبدو جواب هذا السؤال مستعصيا ، لكن لو تأملنا قليلا في حقيقة الأصل للكتابة و القراءة ، و ان فكرة التناص الأزلي و التقارؤ الأزلي غير معقولة و لا مقبولة وانما هي محض فرضية و ادعاء بلا ادنى اثبات ، فان لدينا ما هو اكثر وضوحا و قوة الا وهو العامل المعرفي المكون اساسا من  البيئة المعاصرة و الموروث ،  فان الوجدان و الواقع و الحقائق كلها تدل و بصورة لا تقبل الشك ان المؤلف و القارئ و الكتابة و القراءة و النص و الفهم كلها وليدة العالم المعرفي الذي يتحقق وسطه ذلك النظام ، سواء من معارف معاصرة او موروثة ، وهو المقدار المتيقن من المؤثر على تلك العوامل الاساسية في انتاج النص ، و لحقيقة ان الموروث انما يكون بشكل مادة منقولة ، فيمكن بهذا المعنى ان تكون من البيئة المعرفية ، اذن ليس هناك تناص ازلي مطلق و انما هناك تناص مقيد بيئي معرفي ، و ليس هناك تقارؤ ازلي مطلق و انما هناك تقارؤ مقيد بيئي معرفي . اذن يمكننا ان نقول ان الكتابة و القراءة تبدأ من البيئة المعرفية للمؤلف و القارئ . فالاصل في النص ليس المؤلف و لا القارئ و لا النص و انما البيئة المعرفية لهم .
 ان ما قلناه من حقيقة تأثّر بل و تكوّن القراءة بفعل الزخم المعرفي للقارئ هو الراسخ في وجدان كل انسان بل هو كالبديهة التي يكون النقاش فيها محض وهم . كما ان هذا الفهم يؤشر و بقوة الى وجود استقلالي للنص بما هو وليد معرفة المؤلف في قبال الانتاج القراءاتي للنص بما هو وليد معرفة القارئ ، وفي حال تفاوت القرّاء يظهر لنا وسط ثالث متميز الا وهو النص في ضوء القراءات المتعددة ، كما انه لو تعدد المؤلف ايضا يظهر لنا النص في ضوء التأليفات المتعددة .
من هنا يكون واضحا ما هي نقطة بداية النص كما انه يكون واضحا نقطة بداية القراءة ، و بذلك يكون واضحا المنهج الواجب اتباعه في تعريف النقد الادبي و نقطة بدايته .