علم الدلالة الأصولي (Usulic Semantics )


د أنور غني الموسوي .
تمهيد
من العلوم ان النصوص الشريعة من القرآن و السنة ليست فقط رسائل و خطابات نثرية عادية ، و انما اشتملت على فنية و ادبية عالية .
البحث الاختصاصي من علماء المسلمين للنصوص الشرعية انقسم الى مجموعتين ؛ مجموعة اهتمت ببلاغة النصوص و ادبيتها ، و مجموعة اهتمت بخطابية النصوص و دلالتها .و المجموعة الاخيرة ايضا على قسمين ؛ قسم مال الى البحث التأويلي و القراءة المتعددة مع الجزم بوحدة الخطاب و الرسالة الواقعية  و يمثله جماعة من المفسرين ، و القسم الثاني اهتم بالوصول الى الرسالة و الخطاب الواقعي بعيدا عن التأويل و يمثله الفقهاء و علماء اصول الفقه ، و  غالبا ما يكون الفقيه عالم  بالاصول ايضا .
و نتيجة لادراك الحاجة الى ابحاث مستقلة تختص بالادلة عموما و النصوص النقلية خصوصا صار علماء التحقيق يحررون المسائل الاصولية في مكان مستقل ، و صار الفقه تطبيق لقواعد العلوم الاخرى و تطبيقها على النص الجزئي .
في علم الاصول (Usul  )  أدرك المختصون اهمية المقدمة اللغوية للابحاث الاصولية ، فجعلت الابحاث اللفظية مستقلة و مقدمة لباقي الابحاث ، و كان الغرض الاساس تشخيص دلالات الالفاظ و التراكيب الخاصة المهمة في النصوص الشرعية ، و لقد بلغ الاصوليون في ذلك درجات متقدمة من التحليل و البناء المفاهيمي و التصورات المدعومة بالادلة ، كانت جديرة بان تكون محط نظر و بحث و استفادة اللسانيين المعاصرين .
اضافة الى ما حققه الاصوليون في مباحث الالفاظ من بناءات و مفاهيم لغوية و دلالية عالية ، فانها تجاوزت مرحلة النظرية و الفلسفة و الظنية التي تعاني منها علوم العلامات و اللغة و اللسانيات الحديثة ، اذ ان اعتبار الدليل و الحجة ، و عدم الاكتفاء بالفرض و النظرية من اهم مميزات المنهج الاصولي الدلالي ، و بهذا تحققت منظومة من القواعد و المسائل التي تتصف بالعلمية الحقة مما يمكن وصف تلك المنظومة  بعلم  الدلالة الأصولي (Usulic Semantics  ) .
سنحاول في هذه المقالات بيان ملامح علم الدلالة الاصولي و  نبحث ببحث دلالي مقارن  ( comparative semantic  (  أوجه الشبه و الاختلاف بين علم الادلة الاصولي و علم الدلالة الحديث الغربي في مجمله .