من الملاحظ ان الكتابات النقدية بدأت تميل بشكل شبه كامل الى طريقة
الأطروحة النقدية ، بحيث يكون البحث ثيميا مركزا ، و يكون القصد من المقال النقدي
استعراض جوانب تلك الثيمة المعينة من دون النظر او التوسع في غيرها من الامور
الفنية و الجمالية في النص . لذلك حتى في حال اختيار نص لاجل الدراسة فانه لا يكون
لاجل النص باجماله و كليته ، و انما لاجل ثيمة معينة قد حققها ذلك النص ، و الذي
قد يشترك معه نص آخر .
هذه المنهجية النقدية رغم فائدتها المهمة و قدرتها التطويرية و وضوح و
تفصيلية نقاط البحث فيها الا انها قد
تتعرض الى سوء التطبيق ، و ذلك بلوي النص ، و اقحامه فيما ليس فيه ، فتكون كتابة
لا واقعية .
حينما يؤسس و ينظّر لثيمة معينة ، و عنصر جمالي و فني معين ، فان تطبيقه
على النص يجب ان يكون صادقا و حقيقيا ، و ليس و هما و ادعاء . اذ ان الاقناع ضروري
في الكتابة النقدية كما ان الوضوح و الصحة ايضا مطلوب ، لان المقال النقدي و ان
كان ادبيا و حرا الا انه يطرح فكرة و معرفة و يؤسس لبناء و اضافة .
كما ان البحث الثيمي لا يصح ان يقتصر على تطبيق ما استقر من معارف و ان كان
ذلك مفيدا ، الا ان التجريبية في الادب محدودة ، و عناصر وجهات الابداع غير محدودة ، لذلك لا بد من متابعة النص
، و الانطلاق منه دوما ، حتى في البحث الثيمي ، اذ لا معارضة بين البحث الثيمي و
الانطلاق من النص كمصدر للمعرفة و الفكرة .
ان التطبيق التعسفي للفكرة الموضوعية المعينة على النص ، و لويه و تقريب
معطياته من متطلباتها ، ليس فقط يمثل خروجا عن العلمية و الواقعية ، وانما يعد
انتهاكا لشخصية النص ، و عبورا على حقيقة الابداع الكامنة فيه .
ان جهات الابداع متعددة و غير مقتصرة على جهة بحثية معينة و لا مستوى بنائي
معين في النص ، لذلك يكون من المناسب اعتماد النقد الحر الذي يتلمس عناصر الابداع
في النصوص و ينطلق منها نحو رؤية ثيمية معينة ، و ليس العكس و خصوصا حالة الاقحام
و الادعاء فانها خسارة لواقعية النقد و لشخصية النص ، و اذا ما اريد تلاسيخ فكرة و
ثيمة معينة في ابحاث و دراسات متكررة فمن الواجب اختيار النص الذي يمثلها خير
تمثيل ، و ليس مجرد تكرار الاداة النقدية على نص لا تتوفر فيه فانه مجانبة للصدق و
الواقع .