د انور غني الموسوي
لقد ادى الخلط الشائع بين الفنية و الجمالية الى تدني في مستويات الابداع . اذ ليس اي منهما هو الابداع ، و رغم اشتراكهما في بعض العناصر الا ان التمييز بينهما مهم جدا لأجل الحفاظ على درجات متطورة من الابداع .
ان الفنية عملية تقنية و صنعة و لها متطلبات معهودة او محافظة و الاقرار بتحقق فنية جديدة يحتاج الى وعي نوعي ، بينما الجمالية ظاهرة انسانية تتميز بالفردية العالية . , اذا استدعى الوجود او الانجاز الجمالي الى احداث تجديد فني فانا نكون اما لغة عبقرية تجديدية .
الابداع ليس الفنية وحدها و لا الجمالية وحدها ، بل هو محصلة تفاعلية بينهما اضافة الى عامل ثالث هو الرسالية . ان العملية الابداعية في حقيقتها تفاعل تشكيلي بين ما يلبي الوعي النوعي اي الفنية و ما يلبي الوعي الفردي اي الجمالية ، ولها شكلان العملية الابداعية القوية و التي يكون فيها تكامل في الجهتين اقصد الجمالية و الفنية و العملية الابداعية الضعيفة و التي يكون فبها اعلاء لاحد الجهتين على حساب الاخرى . وكلا الشكلين موجود ومن الشكل الاول الابداع العالي او قمم الابداع و الذي تبلع فيه الفنية و الجمالية مستويات عالية و كذلك منه الابداع العبقري المحقق للتجديد .
اما الابداع الضعيف فانه شكل من اشكال التطرف و هو اما ان يركز على التقنية و الحرفية مع ضعف الجمالية او يميل نحو التجريب مع ضعف في الفنية .
من الاول مثلا العمل عالي التقنية و غير المحقق للجمالية المعتبرة، وهذ بفعل الانظمة المحافظة قد يكون الواجهة الرسمية و الاكاديمية للفن المعين ، و من الشكال الثاني لغة التجريد المنغلق ، و الذي قد يبلغ درجات من التخلي عن لغوية اللغة حتى نصل الى لغة اللامعنى ، كل ذلك بحجة الجمالية . في الحقيقة بخلاف الفن التشكيلي الذي تكون المجانية و التجريدية متأصلة فيه فان ادعاء تحقيق لغة تجريدية امر يصطدم بكثير من الحقائق الوجدانية .
اذن ليس تغليب الفنية و الانجاز النوعي على الجمالية و الانجاز الفردي صحيحا ولا العكس هو الصحيح ، بل ان من تلك الممارسات ما يخرج بالكلية عن عملية الابداع . الابداع الحق هو المتجه نحو كمالية في الفنية و الجمالية ، والارفع من ذلك هو الابداع العالي المحقق لمستويات عالية منهما حتى يصل الى العبقرية التجديدية الاصيلة .
بمعنى اخر ان الابداع يتناسب مع مقدار الفنية و الجمالية و الرسالية .
العنصر الاول : الفنية
عناصر الفنية اما ان ترجع الى الاصالة او الى المعاصرة و الاصالة تكون بتوفير المتطلبات المطلوبة او ما نسميه الشرط الفني و الى الاتقان ، و الشرط يشتمل على التعريف و البحث في توفر متطلباته ، و المعاصرة تتناسب مع الابتكار المتمثل بما يتميز به النص من ابداع فني متفرد و الاقناع و هو اخراج العمل الفني بمكوناته الفنية و الابتكارية بصورة متسقة سلسة .
العنصر الثاني الجمالية
الجمالية في أي عمل فني ترجع الى نظام التكامل بين البوح و التجريد .
البوح يرتكز على التعبير و التجربة حيث تتجلى بالرؤية و الموقف و بالاسلوب ومنه العنونة و التصوير و النسيج و بالقاموس اللفظي و المعنوي .التعبير اما مباشر توصيلي او رمزي او ايحائي او تجلياتي ، و التعبير ايضا ينحو الى تجسيد المعاني او التجلي بعملية التوظيف و اعتماد التاريخ الخارجي ، و ايضا بصناعة تاريخ داخلي للمعنى . فلدينا في محث التعبير اصناف التعبير من توصيلي و رمزي و ايحائي و انظمة التعبير من تجليات و توظيف و تاريخ داخلي .
و التجريد يتحقق بالخيال و الامتاع ، و الخيال اما شكلي بتجلي اللغة من وظيفية ( المنطقية ) الى لامنطقية ( التجريد ) الى لاوظيفية ( التجريد العالي ) او معنوي و هو اما قريب او بعيد او غامض، و الامتاع اما ان يكون باستجابة شعورية ظاهرية ( الهزة ) او بالاستجابة الشعورية العميقة ( الابهار ) او بكليهما .
العنصر الثالث : الرسالية
الرسالية مهمة جدا في قيمة العمل الفني ، و التخلي عنها يجعل العمل خاويا و بلا روح . رسالية العمل الفني اما ان تكون بالرسالة الجمالية او الجماهيري ، و الاولى تتناسب مع الرؤية و الابتكار و الثانية تتناسب مع التعاونية أي التركيز على المتلقي و درجة التمثيل للانتماء و الموقف من شخصي او اممي او انساني او كوني .