من
الظاهر لكل متابع لما تطرحه فكرة القراءة التفكيكية ،لا يجدها الا عبارة عن تكلفات
و افتعالات و اوهام ، التي لو سئل عنها كاتب النص الاصلي فضلا عن غيره لما
استطاع ان يتيقن وجود ما قيل في نصه من قبل الناقد التفكيكي ، ان انطلاق التفكيكية
من فكرة الشك و عدم التصريح و تاجيل البوح و ان النص يخون مؤلفه و غيرها من
الابتعادات عن الفطرة و السلوك السوي للانسان القصدي ،ما هو الا سير في الظلام
دون هدى ، ان هذا الانحطاط في القراءة و التلقي اسبابه مفهومة و هو
نابع من الانحطاط العام في الاخلاقيات العالمية و سيادة النفاق و الكذب و الخيانة
و الوهم ، اذ لا ريب انا نعيش في عالم منافق و خائن يقول ما لا يفعل و يفعل ما لا
يقول ، لكن هذا لا يعني ان ان كل خطاب يكون قد بني على النفاق و
الخيانة.
من
الغريب فعلا ، اعتبار ان العمل الفني مجرد عملية بوح ، و قد قلنا ان ذلك ايضا من
المصائب التي خلفها اقحام اللسانيات في النقد الادبي ، و مطالبتها المستمرة بالبوح
و الحكاية و التوصيل ، لكن كلنا يعلم ان الامر ليس كذلك ، العمل الفني منظومة
عظيمة من الانظمة و الكيانات و الجهات و الابعاد ، و الكل فيها يسعى نحو اكبر قدر
من الظهور . ان غاية اكبر قدر من الظهور و الحضور ، هو نزعة فطرية و صفة متاصلة في
كل شيء ، كل شيء في الوجود يتجه و بقوة نحو التجلي و الظهور و الحضور و
التاثير ، و عندما يكون لدينا نظام مكون من اطراف متعددة ، تشكل كيانات
محتلفة فان جميع تلك الاطراف و جميع تلك الكيانات تميل و بشدة نحو التجلي و الظهور
. وهذا هو الاساس الفكري للجمالية التجلياتية ، التي تؤمن ان سر عظمة الابداع
انه فضاء لتجلي ذوات اطرافه التي يكون بها ، ان العمل الفني اللغوي مثلا هو
فرصة و ساحة لتجلي ذات الكاتب و لتجلي ذات القارئ و لتجلي عالميهما و موروثيهما ،
و تجلي الزمان و الحاضر و الماضي و المكان
، و تجلي اللغة الكلمات و الحروف ، و شكل اللغة و عمقها ، كلها تتجه نحو الحضور الصادق و
التاثير الصادق . ان هذا الذي نراها هو الموافق فعلا لما يحصل من حضور قوي
للعلم ، و العلم ما هو الا اداة التاثير ، ان القراءة التجلياتية تؤمن ان
هناك عوالم و فضاءات و بناءات خلف الظاهر ، الا انها ليست على خلافه لان ذلك خلاف
الفطرة و السلوك الانساني السوي و خلاف اصالة الصدق و الوفاء ، بل انها تكون به و
تتحقق به وهو نور يرشد اليها .ان في القراءة التجلياتية يكون النص نور على
نفسه ، انها بناء على بناء متواصل و
متوسع اشعاعي ، يكون محور الجميع الصدق و
الوفاء و التعاون لاجل وجود اكمل و ظهور افضل ، .و لو راجعنا وجداننا نجد ذلك
هو الراسخ و هو ما نراه و نحسه به في تعاملنا مع الاشياء و ما تعنيه
بخلاف دوامة الشك و الوهم و الادعاء و الخيانة و الهدم التي تتباها التفكيكية .
ان
ادعاء وجود دلالات و بوح و اشارات مغاير لقصد الكاتب و على الضد من قصده
نتجت بلاوعي رغما عنه و غير ذلك من الادعاءات و راء ما يمكن تلقيه على خلاف
الظاهر الذي يفهمه المتلقي على اختلاف مستوياته ، و غير مرتبط بقصد الكاتب
هو ادعاء لا يصدقه الواقع بل و يكذبه . و من الغريب ان هناك من يريد ان
يقنعانا ان الانسان مهما كان صادقا فانه بلاوعي يكذب و ينافق و يقول غير ما نرى و
نفهم و ان نصه يفضحه و انه ليس امامنا سوى الشك ،.طبعا لو سحب هذا الكلام على
النصوص الدينية فانه سيحل الخراب في فهمنا لها و يحل الشك المريع في اليقين
بالغيبيات و الذي هو من اهم ملامح التفكيكية . و مع ان هذا الفهم الذي تتبناه هذه الحركة ليس له واقعية فانه ايضا يعتمد على نزعة عدائية
مستشرية عالميا تجعل من كل تلك الادعاءات مقبولة بسبب الواقع العالمي المنافق ، ان
هكذا قراءة تجر العالم و الانسان الى مستويات اكثر كذبا و وهما و تؤسس و تشرعن
لعدم الوفاء و لعدم الاخلاق.
كل ما
تقدم مع اهميته المعرفية و الانسانية الا ان ما يخص النقد الادبي فان التفكيكية
تمثل اعلى درجات اللاعلمية ، و تقدم النقد كعملية جمالية ، وهذا الفهم وان كان
مغريا في ظاهره الا انه خلاف مقاصد النقد ، و من يصر على ذلك فليسمي هذا العمل
بشيء اخر غير النقد . ان العملية و الواقعية و المصداقية و
الحقائقية من الغايات المتاصل في النقد ، بل ان اسمه و مفهومه قائمان على
ذلك و مشتقان من تلك المفاهيم . هذا من جهة و من جهة اخرى فان التفكيكية لا
تقرتب ابدا من جماليات النص الابداعي ، فانها كما هي اختها البنوية لا تتجاوز
حدود البوح بالصورة ، و لا تتفهم عمق الانظمة و الوجودات الفنية و الجمالية
المتجاوزة لذلك المجال ، و طبعا سبب ذلك مفهوم لان اصل تلك الحركات لغوي
متاصل فيها المطالبة بالتوصيلية و البوح ، بحيث لا يفهم العمل الانساني الا
باعتباره عملا توصيليا ، و خير دليل على ذلك ان التفكيك لم تتجاوز ابدا حدود
الكتابة كموضوع لها .
يقول مجدي
ممدوح 2011
) شبكة الادب و اللغة )
لقد
تجاوز النقد التفكيكي الدراسة النقدية التقليدية وطرح ما يسمى بالنص النقدي الذي
أصبح له كينونته المستقلة عن النص الإبداعي ، في بعض الأحيان ربما يلجأ الناقد
التفكيكي إلى تأسيس نص شعري - الى
ان قال - فالممارسة التفكيكية قد ذهبت بعيداً في تجاوز النصوص الإبداعية حتى
أصبح من العسير على المبدع أن يتعرف على نصه الإبداعي داخل النص النقدي ، وكأن
النص النقدي يتكلم عن نص آخر لا علاقة له بنصه. ) هذا الكلام واقعي جدا و هو يشير الى ان التفكيك ليس قراءة و انما
ابداع نص جديد ، كما انه يشير و بصراحة في نهاية كلامه الى الوهم و الادعاء
و الابتعاد في مثل هكذا ممارسة .