تكامل المعرفة و تعاظم الخطئية في عصر العولمة

بعد ان انقرض عصر الخطابة و الشكلانية في فترة ما قبل الحداثة الى ما قبل مائتي سنة ، و بعد تجاوز البشرية لعصر التجريب و التمردالذي اتسم به عصر الحداثة لمدة مائتي سنة تقريبا ، و دخول البشرية في عصر حضاري جديد هو عصر العولمة و ترسخ العلمية في نفوس الناس ، و اخضاع كل شيء للرياضيات و تدخل الفكرة العلمية في كل شيء ، و لما امتاز به هذا العصر عصر العولمة من تواصل عال بين البشر ، تجلت ظاهرة مهمة جدا هي تكامل المعرفة ، اقصد ابتذال المعلومة ، فما عاد الناس بحاجة لمن يعلمهم ، بل الكل صار يعرف و يفهم ، حتى ان ظاهرة الجهل صارت معدومة تقريبا ، الا انه بازاء هذا الوضع نجد انحطاطا في العمل الانساني و تدني في الانجاز الفعلي ، و هذا ناتج عن تخلف التصورات عن الوضع الحالي .
ان الخبث الذي تمتاز به الحضارات العمياء يحاول دائما شرعنة الاعتداء و التجاوز و اغتصاب الحقوق و اضفاء العلمية ، و طبعا هم لا يخدعون احد بذلك ، و انما اعطاء فعلهم المنحرف صبغة علمية استجابة لمتطلبات العصر . الكل يعلم بانحراف المعتدين و تجاوزهم على الحقوق ، و الكل يعرف عدم العدالة و الظلم ، الا انه في الوقت نفسه لا نجد  رد مناسبا على هذا التدني العملي .
كلنا يعلم ان عظم الاثم و الخطئية يتناسب مع مقدار المعرفة ، فكلما كان الانسان اكثر معرفة بالحق كان ذنبه اكبر و خطيئته اعظم ، و ما نراه من تكامل المعارف و تطور مبهر في المعلوماتية و التواصل المعرفي بين البشر ، وما يقابله من انحطاط في العمل و الامتثال لتلك المعرفة ، يعني و بلا شك ان الجريمة اعظم و ان الذنب اكبر مما يتصور . ونؤكد مرة اخرى ان ازدياد المعلوماتية مع ازدياد التخلف العملي يعني جرأة خطيرة على العدل ، و درجة  مرعبة من الظلم ، قد تكون ممهدة لرفع الرحمة الالهية و العباذ بالله ، فيصير الناس يخوضون في ضلالهم على علم .
ما عاد الواجب هو تعليم الناس لان الناس لديهم معلومات كافية ، انما الواجب هو البحث في سبب تخلف العمل عن العلم ، و البحث في طرق النهوض بالعمل .