للنص الادبي ابعاد ثلاثة ، فاضافة الى بعده الكتابي البنائي كنص بمفردات و جمل و فقرات متجاورة ، فان له بعدا ابداعيا اسلوبيا يتمثل بالفنية و الجمالية و الرسالية ، و له ايضا بعد لغوي دلالي يتمثل بتجلّي اللغة و النص و المؤلف و القارئ . ما يحصل اثناء الكتابة هو تقاطع خطوط هذه الابعاد و تقابلها و تلاقيها في النهاية في نقاط تعبيرية . بينما يكون تتبع عناصر البعد الابداعي الاسلوبي هو من القراءة الاسلوبية ، و تتبع عناصر البعد اللغوي الدلالي هو من القراءة الدلالية اللغوية ، فان تتبع نقاط تلاقيهما التعبيرية يكون بالقراءة التعبيرية بادوات النقد التعبيري . و من هنا يتجلى الفرق الواضح واصالة النقد التعبيري و تميزه عن الابحاث الدلالية و الاسلوبية و ان كانت جزء منه و مستفيدا من ادواتهما .
و من هنا ايضا يظهر ان التصور السائد كون النص كيانا زمانيا ترتب عناصره في الزمن لا يتسم بالواقعية ، بل ان النص كيان ثلاثي الابعاد ، بعد كتابي نصي و بعد لغوي دلالي و بعد اسلوبي ابداعي . يعتمد وضوح و تجلي هذا الشكل على مدى ظهور و قوة نقاط ابعاده المتقدمة اثناء القراءة .
حينما تحدث عملية القراءة فانها تتطور من مستوى المفردة الى مستوى الاسناد او التجاور المفرداتي الى مستوى الجملة الى مستوى الفقرة ثم الى مستوى النص بكله . اثناء كل مستوى يحضر البعد اللغوي الدلالي و البعد الابداعي الاسلوبي ، و بمجموع ما يتم من انظمة احتكاك و تقابل و التقاء و تقاطع و بفعل مستوى النقطة التعبيرية لكل بعد تحصل في الفكر و النفس مواضع تعبيرية لكل وحدة كتابية فيه يقابله بعد رابع خاص بالقارئ هو البعد الشعوري و الاستجابة الجمالية ، بعبارة اخرى بينما يكون النص ككيان مكتوب شكلا ثلاثي الابعاد ساكنا لا حراك فيه ، فانه ككيان مقروء يكون كيانا متحركا له اربعة ابعاد البعد الرابع هو البعد الشعوري ويمثل بعد الحركة الذي يخرج النص من السكون . فتكون القراءة هي العملية التي تعطي للنص روحا و تخرجه من الموت الى الحياة ، وهذا ما نسميه ( حركة النص )
ان النظام الجامع للأبعاد الثلاثة في القراءة التعبيرية يتجلى بالوحدة التعبيرية المتكونة من علامة تعبيرية ( كيان تعبيرية او معادل تعبيري ) يحدث الاثارة التعبيرية ( كيان شعوري او معادل شعوري ) بواسطة عملية فكرية و عقلية تحليلية هي الوسط او العامل التعبيري ) . الوحدة التعبيرية يمكن ان ينظر اليها من جهة جمالية باعتبار المعادل التعبيري معادل جمالي ، و بواسطة العامل الجمالي يحدث الاثارة الجمالية ، وهذا ما يمكن ان نسميه الوحدة الجمالية . ان الوحدة الجمالية و الوحدة التعبيرية هي غير الوحدة الكلامية او الكتابية او الاسلوبية او الدلالية . واهم ما يشير اليه نظام الوحدة التعبيرية ان الاثارة و الانبهار بالنص لا يقتصر على الاثارة الجمالية و الذوقية و انما هناك اثارة فكرية تعبيرية قد اشرنا في مواطن عدة الى صور تجليها كالتنقل بين حقول المعنى و الدلالة و نحو ذلك من انظمة عميقة فكرية .
القراءة ما هي الا عملية مشاهدة و تلقي تبحر فيها النفس في عوالم النص و الكتابة ،و الفكر و اللغة ، و الخيال و الابداع ، و الشعور و المتعة . هذه العوالم الاربعة الحاضرة دوما في الكتابة الابداعية هي التي تضرب في عمق النفس و تجعل الكتابة الادبية مميزة ، و بمقدار تجلي عناصر و اشياء تلك العوالم و تلك الابعاد يتحدد وقع القراءة و مقدارها التعبيري . النقد التعبيري هو المجال الذي يبحث الانظمة المتحققة من تفاعل تلك الابعاد و ما ينتج عنها من مواضع و قيم تعبيرية في فضاء الكتابة و عوالمها . ان التشخيص الدقيق و عالي الكفاءة للبعد الجمالي للكتابة بواسطة ادوات النقد التعبيري و تحديد المقادير الكمية و التشكلات الكيفية للبعد الجمالي للنص يمكن من تشخيص عالي المستوى لقيم النصوص جماليا مما يعد مدخلا علميا للظاهرة الجمالية و الاستجابة الشعورية تجاه الجمال .