السرد لا بقصد السرد
، السرد الممانع للسرد ، السرد لا بقصد الحكاية و القصّ ، السرد بقصد الايحاء و
الرمز و نقل الاحساس و العاطفة ، هذه هي ( السردية التعبيرية ) .
لقد صار واضحا انّ
السردية التعبيرية مقوم أساسي لقصيدة النثر المعاصرة ذات الكتلة النثرية الواحدة (One block ) ، حيث ينبثق
الشعر من رحم النثر و يحصل الشيء العجيب ، بسرد واضح قريب مليء بالايحاءات و
الرموز و الاحساس ، كتلة نثرية ما إن تصل القارئ حتى تتحول الى كم هائل من
الايحاءات و الدلالات و الرموز و العواطف
و الاحساسي ، مخترقة موطن الشعور و
الاحساس بالجمال .
الشعر التصويري و الشعر
السردي
مما
لا شك فيه ان الشعر و الى فترة قريبة كان معتمدا في قوامه على عنصرين مهمين هما المجاز
و الصورة الشعرية ،فبعد تخلي الشعر عن الموسيقى الشكلية و الاوزان برزت الصورة الشعرية
و المجاز كمميز و معرف للشعر .
ببروز
الشكل المميّز لقصيدة نثر ما بعد الحداثة بالكتلة النثرية الواحدة و خصوصا في القصيدة الامريكية المعتمدة على السرد
،اصبحت وظيفة المجاز كمحور ضعيفة ، و صارت
الصورة الشعرية كمقوم للشعر في وضع اهتزاز و حرج ، بل ان مظاهر تخلي الشعر عن الصورة
الشعرية صار واضحا.
اذن
بالسردية التعبيرية يدخل الشعر مرحلة جديدة و تجديدية حقيقية و ذلك بالتخلي عن الصورة
الشعرية و التقليل من مركزية المجاز فيه ،
و بروز السرد التعبيري كمظهر و عنصر و معرف شعري .
من المهم
التأكيد اننا هنا لا نتحدث عن الجمالية التي هي شيء اخر عن الفنية بل نحن نتحدث عن
الفنية و عن الشرط الذي يجعل الكلام المعين شعرا . ببروز السرد التعبيري لم تعد الصورة
الشعرية هي الشرط في تعريف الشعر ، و دخل مقوم اخر و معرّف اخر هو السرد التعبيري . و من هنا فبدل التمييز القديم
بين الشعر الموزون و شعر النثر ، صار الان تمييز اخر هو الشعر التصويري و الشعر السردي ، يعتمد الشعر التصويري
على الصورة الشعرية بينما يعتمد الشعر السردي على السردية التعبيرية .
قصيدة النثر بالكتلة الواحدة و قصيدة النثر الحرة
بالسردية التعبيرية ،
صار وجه القصيدة اكثر نثرية ، وصارت الرغبة ملحة بالكتابة بلغة واضحة سهلة بلغة يومية
، و بالنثر اليومي ، الا ان وسط هذه السهولة و القرب و النثرية و السردية ، و بفقرة
واحدة متصلة من دون تشطير ، تحدث الشعرية . انه الشعر في قلب النثر انه الشعر في داخل النثر ، هذا الشكل المتميزة بمقطوعة
نثرية واحدة من دون تشطير و لا ابراز للنَفَس و السكونات اللفظية . و بهذا تختلف
عن القصيدة الحرة التي تعتمد على التشطير و الشكل المعهود .
السردية التعبيرية و السردية القصصية
ان ما
يقابل الشعر هو النثر و ليس السرد كما يعتقد البعض ،السرد يقابله التصوير ، و الشعر
حينما يكتب بشكل نثر فانه بالنهاية سيكون شعرا ، و المميز بين النثر و الشعر ليس الوزن
كما هو معلوم ،و لا الصورة الشعرية و المجاز العالي كما
اثبتته قصيدة النثر السردية بالكتلة النثرية الواحدة ، انما المميز بينهما ان الشعر
يشتمل على السردية التعبيرية و لا يقصد الحكاية او التوصيل ، بينما النثر اما قصصي حكائي يقصد الحكاية او توصيلي
بشكل خطاب و رسالة. بمعنى اخر ان الفرق بين الشعر و القص و اللذين يشتملان على السرد
، ان
السرد في القصة حكائي قصصي يقصد الحكاية و الوصف
ولو خيالا ،بينما السرد في الشعر تعبيري هو سرد لا بقصد السرد هو السرد الذي
يمانع و يقاوم السرد ،انه السرد بقصد الايحاء و الرمز ونقل العاطفة و الاحساس لا الحكاية
و الوصف.
السرد الشعري و السرد التعبيري
قصيدة
القصة قديمة و تمثلها الملاحم وقد توصف ايضا
بمصطلح حديث بالقصيدة السردية ، و هي من مظاهر الشعر السردي و مثله النظم الذي يحكي
قصة ، اما السرد الشعري فغالبية هذا الوصف
هو للنثر الذي يطعم بتقنيات سعرية من مجاز ونحوه للعذوبة و هو نثر في النهاية و قصة
،و استعمل مصطلح السرد الشعري للتعبير عن سردية القصيدة المعاصر ، الا ان هذا الاستعمال
غير جيد مع النظر لاستعمالها الاول في السرد الحكائي المنظوم ، بل السردية في قصيدة
النثر هي السردية التعبيرية بقصد الايحاء لا الحكاية .
قصيدة نثر الحداثة و قصيدة نثر ما بعد الحداثة
يينما
لازمت قصيدة نثر الحداثة العطاء و الريادة الفرنسية وخصوصا برتران و بودلير و تأثير
الرمزية و التصويرية بقصيدة نثر حرة ، فان قصيدة نثر ما بعد الحداثة تجتلت بالابداع
الامريكي وخصوصا رسل ادسن و سيميك ، بالسرد التعبيري الواضح و القريب بكتلة نثرية
واحدة .