البدلة العمياء ، القبعة العمياء ، النداءات العمياء تلتهم المكان ، تبني في قلبه انشودة نصر سوداء
، لقد أسرت جداول قريتي ، لم يبق في حلمها شيء من الرحيق . انظر الى ذلك الوجه
الكالح ، يا للحضارة التعسة تتعثر بكل شيء
، يداها سائبتان تحطم كل شيء ، الشوارع
خاوية ، كأنها خريف قديم . ليتها تعي شيئا ، هذه الحضارة العمياء
، ليتها تتعلم أغنية أخرى ، العمى
يأسر المكان لا يدع للبلابل صوتا . لقد زرعت في حديقتي كل شوكة و كل ألم فضيع ،
لقد أهدتني حكايات مرة ، أخبرتني أني سفر مؤجل ، و أن الدفء شيء من السراب . يا
للحضارة العمياء .
·هامش: لغة المرايا و النص الفسيفسائي
عنصر المشاهدة الواحد امامنا ، اذا اختلفت زاوية الرؤية
اليه اختلف شكله ، هكذا هي المعاني و الاحاسيس ، و لو اعتبرنا الألفظ نواقل
للمعنى و الاحساس ، و ان للتعبير زوايا ، فان طرح الفكرة ذاتها بتراكيب لفظية
مختلفة يمكن من القول اننا نظرنا للشيء الواحد من زوايا متعددة ، و من هذه الحيثية
يمكن وصف النص بانه متعدد الزوايا ، الا انه لو نظرنا الى التراكيب فيما بينها
فانا سنراها تركيبة فسيفسائية يكون كل تركيب بشكل مرآة لذاك يمكن وصف هذه اللغة
بلغة المرايا و وصف النص بالنص الفسيفسائي .
ماذا تعني لغة المرايا كتعبير
لغة المرايا تعبير مغاير للمألوف
في اللغة وعند اهلها ، حيث ان الراسخ في اللغة و عند مستعمليها ان لكل نقطة معنوية
تعبير لفظي واحد هو الاكثر تشخيصا و تعبيرا عنها ، ما تفعله لغة المرايا هو
الانطلاق من معنى واحد و بوحدات لفظية متعددة ، بمعنى اخر ان نص المرايا او
الفسيفسائي يعني وحدة المعنى و تعدد اللفظ بخلاف النص المفتوح الذي يكون بوحدة
اللفظ و تعدد المعنى ، فيكون لدينا في النص الفسيفسائي تناص داخل النص ، اي تناص
بين وحدات النص نفسه و ليس بين نصوص مختلفة .
فائدة لغة المرايا
تحقق لغة المرايا و النص
الفيسفسائي تجلّ اكبر للفكرة و المعنى المقصود كما انه يرسخه و يعمقه في نفس
المتلقي . الفائدة الثانية ان تعدد صور الفكرة يحقق الحركة ، لذلك يكون النص حركيا
بدل سكونه وهي بذلك تشابه المستقبلية في الرسم .
مخاطر لغة المرايا
نتيجة لتقليب الفكرة و طرحها في
اكثر من صورة لا بد من توفير عناصر الادهاش
الاقناع و الاضافة ، و الا اصبح في النص زيادات و ترهلات ، طبعا يمكن
التغلب على ذلك بتنويع الاسلوب ودرجة الرمزية
و الانسيابية و ارجاع الوحدات الكلامية الى نقطة واحدة ليكون في التركيب
المغاير اضافة .
فسسيفسائية نص ( العمياء ) ولغة
المرايا فيه
في نص ( العمياء ) المتقدم يمكن تمييز
اربع وحدات تركيبية فقراتية
1- البدلة العمياء ، القبعة
العمياء ، النداءات العمياء تلتهم المكان
، تبني في قلبه انشودة نصر سوداء ، قد أسرت جداول قريتي ، لم يبق في حلمها شيء من
الرحيق .
2- انظر الى ذلك الوجه الكالح ، يا لحضارتها التعسة تتعثر بكل شيء ، يداها سائبتان
تحطم كل شيء جميل ، الشوارع خاوية ، كأنها خريف قديم .
3- ليتها تعي شيئا هذه الحضارة العمياء
، ليتها تتعلم اغنية اخرى ، العمى
يأسر المكان لا يدع للبلابل صوتا .
4- لقد زرعت في حديقتي كل شوكة و كل الم فضيع ،
لقد اهدتني حكايات مرة ، اخبرتني اني سفر مؤجل ، وان الدفء شيء من السراب . يا
للحضارة العمياء .
لو لاحظنا فان كل واحدة من هذه
الفقرات او الوحدات الكلامية التركيبية
المتقدمة تشير الى فكرة واحدة و تنطلق من فكرة واحدة ،وهو ذم الحضارة
المعاصرة و حالتها التعسة و اثارها السيئة ، فلدينا تراكيب كلامية مختلفة منطلقة
من نقطة معنوية و فكرية واحدة ، انها تعمل على التأكيد و الترسيخ ، و بذلك تتجلى
الفكرة و تتجذر عميقا في النفس ، كما ان التراكيب تلك ستكون بشكل مرايا مختلفة
لشيء واحدة ، و تكون وحدات تناص فيما بينها فيتحقق التناص في داخل النص الواحد
،كما ان النظر الى النص من خارج سيتحقق النص الفسيفسائي المرآتي .