ينقل عن الفيزيائي
البريطاني ستيفن هوكينغ قوله ان أعظم
عدو للمعرفة ليس الجهل بل توهم المعرفة (1) . وهذا كلام صحيح الا ان هذا
المحذّر نفسه قد سقط فيما حذّر منه ، فبعد
ان عُرف عنه اقراره بوجود خالق للكون ،كما في كتابه تاريخ موجز للزمن (1988) و فيه ان فكرة الإله الخالق لا تتعارض
مع الفهم العلمي للكون. (2) ، فانه
في كتاب له اخير عنوانه ( التصميم العظيم 2010)
يقول : إن الفيزياء الحديثة لا تترك مجالا للإيمان بأي خالق للكون.
(3) . و الغريب انه يدعي الدليل العلمي لفكرته
الجديدة مع انه لم يأت بجديد يذكر في هذه الفترة بين الكتابين (3) ، فالامور التي
يتحدث عنها في انكار الخالق كانت موجود و تحدث عنها عند اقراره بوجود الخالق ،
فاين هو الدليل الذي دفعه للانكار؟ و لقد
اورد مجموعة امور قال انها تفيد بامكانية ان يوجد الكون نفسه ، لكن هذه الامور
كلها مع انها غير مفيدة و لا تدل على
مراده فانها ليست جديدة كما اشار الكثيرون كتعدد الاكوان و نظرية الاوتار و نسختها المطورة
(نظرية ام) و التي لا يعرف الى ماذا يشير الحرف ام (3) .
ان لدى من يتوهم
المعرفة فكرة توهمية عظيمة الخطأ هي ان الدين
يعارض العلم ، وهذا شيء لا اصل لها اصلا (4) لا
من حيث الطرق و لا من حيث النهايات ، فمع ان الدين يعتمد الايمان فانه ايضا قال
بالاسباب و حثّ على العلم و تفسير الامور و اعطى للعقل و التحليل مكانته ، بل ان
الحجة الدينية هي حجة عقلائية ، و ليس في الدين حجة تعارض العقل حتى انه قد اشتهر ان الشرع لا يخالف العقل و ان ما يحكم
به العقل يحكم به الشرع . فمن حيث الطرق و الادلة لتحصيل المعرفة فالدين يعتمد
الاحتجاج العقلي و من حيث النهايات المعرفية و الاحكام فان الدين يحكم بالعرفيات و
ما تميل له النفس الانسانية من صفات حميدة و يحكم به العقل البشري و اعتماد
الاسباب و التحليل ، فاين التعارض ؟
وهناك توهم اخرهو
اعتقاد ان العقل يعني العلم وهذا ليس خاطئا فقط بل وساذج ، لاننا نعلم قطعا ان
هناك امورا يدركها العقل لكن لا تفسّر
علميا ، كما ان هناك امورا يقطع العقل باعدم امكانه ادراكها . من هنا يكون واضحا
ان التعالم او الساينتزم
(scientism ) بادعاء التفسير العلمي الشامل للكون و الحياة و الانسان ليس فقط توهما
للمعرفة بل انه يحطّ من شأن العقل البشري و الوجدان الانساني كما انه يفشل كثيرا
في تلبية المتطلبات الروحية و الاخلاقية للانسان ( 3،4) .
و ايضا هناك توهم
واضح و مكتسب هو التعميم اللاعلمي بالخلط
بين النص الديني و فهم بعض المتدينين ، و
خصوصا من يقدَّمون على انهم الواجهة الرسمية للدين او انهم هم من يمثلون الدين ، فمثلا ينظر من يعايش المسيحية بان ما يطرحه
رجال الدين المسيحيون هو الدين و العلم الذي عند كل الناس ، وهكذا في الطوائف ، و الامر ليس كذلك فهناك
فهم متابين بل و خاطئ عند من يتصدون للمعارف الدينية (4) .ان التعميم اللاعلمي يشير و بكل وضوح الى
قصور منهجي في تناول البعض للواقع الديني
و المتدينين .
ان أي متتبع غيرمتحيّز
سيجد و بسهولة ان المعايير و المقاييس الاحتجاجية التي وضعها المختصون بالعلوم
الدينية لا تختلف ابدا عما يعمل به غير المتدينين ، كما ان فيها ما هو اكثر علمية
و ثباتا و دقة في الامور الفكرية . و بالقدر الذي يكون فيه فهم نسبي للمتشرعة لنص
فان هناك ثبوت نسبي للحقيقة العلمية . بمعنى آخر انه لا ثبوت مطلق الا للخطاب
الالهي الواقعي ، و انما يتوصل العقل المتشرعي الى الفهم النسبي من باب العذر و
الاقرار بالمحدودية . لذلك فانه لا سلطة و لا قدسية للفهم المتشرعي للنص مهما كان
، و انما يكون الاتباع و المماشاة من باب العذر و انسداد باب العلم بالواقع . وهذا
شيء يتوهم البعض من اللادينيين خلافه
بتوهم ان الفهم المتشرعية يعطى لنفسه صفة قدسية كما هي للنص الواقعي (4) .
ان النسبية في
المعرفة العلمية القائمة على التجريب و الشعور العميق بالمحدودية العلمية و
العقلية يقابله ايضا نسبية في الفهم المتشرعي و المتديني للنص ، قائم على باب
العذر و انسداد باب العلم بالواقع ، و شعور عميق بالقصور عن ادراك الواقع ، لذلك
تعددت الاجتهادات الدينية كما تعددت النظريات العلمية ، و كما تتغير المعارف
العلمية فان الاجتهادات الدينية تتغير . و بالقدر الذي تنفى القدسية عن الفهم
المتشرعي للنص فانه يجب نفي القدسية عن المعرفة العلمية و عدم محاربة الدين كله و
النص الالهي باسم العلم انطلاقا من تلك الشمولية و الراديكالية التقديسية للمعارف
التي نعلم جميعا انها نسبية ، بل يعلم المختصون بالعلوم الطبيعية ان اكثر المعارف
نسبية و تغيرا هي المعارف الرياضية و الفيزيائية ، فكيف يصح معارضة النص الالهي و
تخطئته بنظرية و تجريب و معرفة نسبية . ان من الخطأ الاحتجاجي الكبير معارضة معارف
ثابتة و التي يمثلها النص الالهي المنقول بشكل صحيح بمعارف نسبية نعلم جميعا انها
ستتغير اجلا ام عاجلا .
ان اهم اعتمادات
الفهم الديني للنص الالهي و للعالم و الحياة هو من خلال سيرة العقلاء و
خبرتهم و وجدانهم كما هو مسطور في كتب اصول الفقه . و من الواضح
ان سيرة العقلاء لا تكون الا اعتمادا على التجربة و التحليل ، لان كيان الانسان
قائم على ذلك ، لذلك فان الحقيقة الدينية المنقولة بشكل صحيح غير محرف لا يمكن ان
تتعارض مع الحقائق الكونية و العلمية الصحيحة الثابتة ، بل ان كل معرفة علمية
صحيحة و حقة هي اثبات للمعارف الدينية .و ان المعرفة العلمية الصحيحة الثابتة غير
المتوهمة لا يمكن ان تعارض الخطاب الديني الواقعي لانهما من مصدر الحقيقة فلا يمكن
التعارض . من هنا يكون من المفيد ادراك التكامل
الدينيعلمي بدل التناحر المتوهم و اضفاء
القدسية العلمانية على التجريب النسبي و جعل العلم في مضادة مع الدين . ان مصطلح
العلمانية في ذاته توهم ، لانه يستعمل في مضادة الدين ، و في الواقع هناك توافق و
تكامل دينيعلمي و ليس تضادا كما يصوره
التوهم المعرفي .
1-
http://www.alriyadh.com/913704
2-
http://bh-truth.blogspot.com/2011/09/blog-post_2829.html
4-
http://www.farhang.gov.ir/ar/cultural/cultural5