الاشراق و التجلي في النصوص التقليلية









(أفتش عنك....     \  ........خلف عوالم الشمس  )
شيخ التقليلية رجب الشيخ .

النص التقليلي الذي يعتمد الاقتصاد اللغوي و اداء الفكرة بأقصر خط لغوي ، اي اعتماد الخط المستقيم في التعبير ، هذا النص القصير تعبيريا لا بد لأجل تحقيقه الادهاش ان يشتمل على حالة التجربة غير العادية ، و نقصد بذلك النفوذ العميق الى مكامن النفس و الشعور الانساني و اقتناص اللحظة المؤثرة التي لا تترك مجالا للقارئ الا الدهشة و الانبهار  . ان الشاعر التقليلي ( minimalist  )  يعبر و يكشف عن تجربة انسانية يدركها الكل لكن لا احد يتناولها او يعبر عنها كما يقول المتنبي ( القائل القول لم يترك و لم يقل ) . هذا هو الاشراق الشعري انه الكشف عن الخفي و التجربة العميقة في النفوس ، انه الاطلاع على المعارف و التجارب الجمالية الادبية العميقة و التي ليس لكل احد تناولها و بلوغها . انها بلوغ الينابيع السرية للجمال و الاطلاع على الشعور الانساني العميق . التقليلية (   ( minimalismاشراق عميق و ليس تعبيرا أدبيا شاعريا فقط .
النص التقليلي ليس شعرا عاديا و لا بوحا  شفيفا فقط و لا تجربة فنية معهودة ، انه تحطيم للحجب و التوجه بسرعة فائقة نحو بلوغ مسافات عميقة في النفس . لا بد لأجل التقليلية من تجاوز حالة الوساطة اللغوية و المرآتية ، و تقديم الفكرة الجوهر مجردة ، و كأن القارئ لا يرى حروفا و لا كلمات و انما يرى الفكرة و هي تتجلى ، ان التقليلية تجل عظيم للجمال .   ليست التقليلية  اقتصادا لغويا فقط بجمل خالية من النعوت و الشرح و التفصيل مكتفية بالاشارة و التلميح ، بل ايضا لغة عميقة  ، انها اقتصاد لغوي و تعبيري يتجه و بسرعة فائقة نحو العمق الانساني  . 
اذن التقليلية هي التجلي الاشراقي الاكبر للفكرة الجميلة العميقة  النافذة في النفس و الشعور .
يقول شيخ التقليلية رجب الشيخ
((حينما ولدتني أمي \  شربت ماء النهر \ فتعلمت سر الحياة \ ورحلة الخلود \ وعرفت أني مخلوق \ من طين... الطين سر وجودي ))
في نص سردي تعبيري ، معبأ بالشاعرية العالية من استعارات و رموز قريبة تحمل القارئ بسرعة الى فكرة النص و جوهره دون زيادات او رتوش ، محققا التجلي الكامل للفكرة ، مع نفوذ عميق في النفس و عالم الشعور ، باشراق تعبيري  اسلوبي و بيان مصرح به في متن النص .  ان النص يحقق غاياته التقليلية بالتجلي الاشراقي لجوهر الفكرة مع سردية تعبيرية  . فيقدم لنا رجب الشيخ نموذجا للسردية التعبيرية التقليلية وهي تجربة شعرية نادرة . كما هو حال تحقيق التقليلية السردية  البوليفينية في نص (أقنعة ) للدكتور انور غني الموسوي
((    أخبرتني أمّي  أن أتسلّق الجبل   \ و حينما و صلت منتصف الطريق  \وجدت رجلا  في كوخ و بين يديه  أقنعة بشعة . \قلت له لمَ  أنت هنا ؟   قال  : لقد طردني القبح من مدينتكم \و هذا الأقنعة ابعث بها الى كلّ جميل  \ ليرتديها فلا يطرد منها مثلي . ))
و بلغة مقتصدة جدا او ما نسميه التقليلية الشديدة تحقق اللغة غاياتها التقليلية في نص للشاعر القدير  عادل قاسم
(الموتى..  \  حالمونْ...  )
هنا صورة شعرية و استعارة فذة تحقق شاعرية عالية و بمعادل كمي جمالي ، يبهر و يدهش ، و يحقق غايات النص المفتوح ، وهو ما اشرنا اليه في مواضع سابقة ان التقليلية الشديدة تتمحور حور النص المفتوح و ان كان بكلمة واحدة  كما في قصيدة الكلمة الواحدة  ، مع تحقيق الاشراق و التجلي .
كذلك نجد التجربة  في نص لعامر الساعدي
((الظلمة داكنة  \  الليلُ تتوحل أرجلهُ  \ الليل وحدهُ يتحمل الصمت \  الخريف يبكي \ والاشجار لا تكف عن لومهِ ))
الفكرة بجوهرها تتجلى هنا ، ليس فقط تتجلى بوجه وصورة واحدة بل تتجلى بعدة صور ، و هذا التجلي متعدد الصور في النص الواحد هو من اساليب لغة المرايا ، و التناص الداخلي و مع الاشراقية العميقة بالنفوذ الى التجربة الانسانية الخفية و الكشف عنها للقارئ ، يحقق النص تقليلية فسيفسائية ، وهو نموذج نادر بالكتابة .
و نجد المجال الشعوري العميق متجليا في نص تقليلي لرشا السيد احمد
((  لست محمومة هذا المساء  \  فقط .. المشكلة أن ذاكرتي يقظة جدا هذه الليلة . ))
هنا لغة ترتكز على الابهار العميق و الكشف و الاشراق الفائق السرعة ، ان الكلمات تتجه و بقوة نحو مكامن الشعور العميقة  بلغة قوية تحقق غايات التكامل النثروشعري  . فالكمال النثري بالسردية القوية و النثرية الجلية مقرونة و مصحوبة بشعرية   تنفذ الى الاعماق و تبحر بالقارئ الى المنابع الجوهرية و تحقق التوافق النثروشعري بنص تقليلي .
ونجد الشعرية  العالية ايضا في نص  تقليلي فذ بقيمة تعبيرية كبيرة لرياض ماشي الفتلاوي
(( هدير همسك ...  \   أثقب مسامعي   ...))
ليس يسيرا تحقيق التقليلية بشعرية متقدمة ايضا ، فنجد هذ النص التقليلي   تجليا و اشراقا اشتمل على صورة شعرية فذة ، فقدم لنا رياض الفتلاوي نصا تقليليا  بثنائية تجلي جوهرة الفكرة ، و الصورة الشعرية العالية ، و لقد تكلمنا في موضع سابق ان لكل تعبير ادبي قيمة جمالية كمية  وصفناه بالمعادل الكمي ، يعتمد على مدى ما يحققه النص من عطاء و ثراء تعبيري ، ما يحقق علمية و موضوعية للثراء  النصي و لا يبقى مسالة وجدانية و ذوقية ، وهذا النص يحقق قيمة كمية جمالية عالية اضافة الى معادله الشعري الكيفي العالي ايضا .  
و نجد التقليلية المصحوبة بالصورة الشعرية في نص هالا الشعار
(الأمطار  \  شهيق الأرض  \ زفيرها الأشجار  )
و من الواضح تأثير النفس الهايكوي  و التغني بالطبيعة في شاعرية هالا الشعار لتقدم لنا قطعة   شعرية باستعارة فذة تحقق غايات النص التقليلي بتجلي الفكرة و اشراقها .
و في تقليلية سردية  لحسن المهدي يقول فيه
((  منذ ثلاث عقود  \  و  \ نيف ... \ كلما صعدت الجبل \ لألقاك .. هناك لاهثا \ ..اجدك قد وصلت اسفل الوادي \ ....... \ الغريب اننا لم نكن نرى بعضنا  \ في اجتيازنا  \ منتصف المسافة  \ مهما تكرر الامر................. ))
ان هذه اللغة القوية المحققة للتوافق النثروشعري تنفذ في النفس و تتجلى فكرتها بوضوح مقتنصة اللحظة الانسانية و الشعرية الخفية فتكشف عنها ببوح رفيع  محققة التجلي و الاشراق التقليلية بسردية تعبيرية .
و في نص يعتمد البوح الصادم تقول جانيت لطوف
((قيدوا قصيدتي ضد مجهول  \ تعرت بنات أفكاري وأصبحت يتيمة ))
النص يتجه نحو الفكرة بخط تعبيري مستقيم ،  بتوظيف استعاري قريب ، ينفذ الى اعماق النفس و الشعور بسرعة كبيرة ، فيحقق النص غاياته التقليلية  بتجل و اشراق للفكرة .
و في نص مشرق يقول محمد عبيد الواسطي
((  ما زلت أتبعه.. \  ما \  لا \ يأتي ))
ان الشاعر هنا استخدم توظيفات تعبيرية فذة قريبة للكشف  و ايصال الفكرة ، و اعتمد النص على التجربة العميقة و الانسانية العالية ،  فالنص يبلغ مستوى عال جدا من الاشراق ، و بلغة مقتصدة يتحقق نص تقليلي عالي المستوى فعلا .
و يقول محمد يزن في نص تقليلي 
((  أتلذذ بالنوم واتعذب بالحلم ))
انك لا تكاد ترى الكلمات ، و انما ترى الفكرة ، تراها بجوهرها المجرد ، لقد نجح النص في تحقيق التجلي ، كما ان النص يطرق اعماق النفس بتجربة انسانية تمس  الاعماق و يصدقها الوجدان ، مع تحقيق حالة كشف و اقتناص ، و بهذا ينجح النص في تحقيق الاشراق . ان في هذا النص تجل و اشراق للفكرة المجردة بتقليلية  فنية كاملة .
و في نص تقليلي لقيس خضر
((نسيت قلبي  \ على طاولة \  بائعة الزهور ))
التقليلية واضحة لغة مجردة من دون زوائد و لا تفاصيل خط تعبيري  مستقيم جدا  ، الفكرة تتجلى بجوهرها من دون مقدمات و لا وسائط   . النص ينفذ الى عمق القارئ من دون تنقلات رمزية او دلالية ، فيتحقق التجلي المجرد للفكرة ، و تنفذ الى اعماق النفس و الى المواطن الخفية في الشعور ، و اقتناص تجربة انسانية شاعرية بالكشف و الاقتناص فيتحقق الاشراق . ان النص يبلغ غايات التقليلية بالتجلي و الاشراق لجوهرة الفكرة العميقة المجردة .

و بالأسلوب الرمزي و الاستعارية نجد تحسين فالح في نص تقليلي يبلغ غايات التقليلية
((عندَ انتفاضة الخيال \ تُرفعُ صُورُكِ العالقة.. \وَيُهتَفُ بتغريد العصافير.. \ليُعلَنَ زقزقة العشق.. ))

النص زاخر بصورة شعرية عالية و استعارات فذة ، كما انها قطعة في الميتاشعر ، قريبة تنفذ و بسرعة من دون توقف الى العمق ، فتتجلى الفكرة و يتحقق الاشراق باقتناص هذه اللحظة الانسانية و الشعورية الخفية و العميقة .