من العلوم ان النصوص الشريعة من القرآن و السنة
ليست فقط رسائل و خطابات نثرية عادية ، و انما اشتملت على فنية و ادبية عالية .
البحث الاختصاصي من علماء المسلمين للنصوص
الشرعية انقسم الى مجموعتين ؛ مجموعة اهتمت ببلاغة النصوص و ادبيتها ، و مجموعة
اهتمت بخطابية النصوص و دلالتها .و المجموعة الاخيرة ايضا على قسمين ؛ قسم مال الى
البحث التأويلي و القراءة المتعددة مع الجزم بوحدة الخطاب و الرسالة الواقعية و يمثله جماعة من المفسرين ، و القسم الثاني
اهتم بالوصول الى الرسالة و الخطاب الواقعي بعيدا عن التأويل و يمثله الفقهاء و
علماء اصول الفقه ، و غالبا ما يكون
الفقيه عالم بالاصول ايضا .
و نتيجة لادراك الحاجة الى ابحاث مستقلة تختص
بالادلة عموما و النصوص النقلية خصوصا صار علماء التحقيق يحررون المسائل الاصولية
في مكان مستقل ، و صار الفقه تطبيق لقواعد العلوم الاخرى و تطبيقها على النص
الجزئي .
في علم الاصول (Usul ) أدرك
المختصون اهمية المقدمة اللغوية للابحاث الاصولية ، فجعلت الابحاث اللفظية مستقلة
و مقدمة لباقي الابحاث ، و كان الغرض الاساس تشخيص دلالات الالفاظ و التراكيب
الخاصة المهمة في النصوص الشرعية ، و لقد بلغ الاصوليون في ذلك درجات متقدمة من
التحليل و البناء المفاهيمي و التصورات المدعومة بالادلة ، كانت جديرة بان تكون
محط نظر و بحث و استفادة اللسانيين المعاصرين .
اضافة الى ما حققه الاصوليون في مباحث
الالفاظ من بناءات و مفاهيم لغوية و دلالية عالية ، فانها تجاوزت مرحلة النظرية و
الفلسفة و الظنية التي تعاني منها علوم العلامات و اللغة و اللسانيات الحديثة ، اذ
ان اعتبار الدليل و الحجة ، و عدم الاكتفاء بالفرض و النظرية من اهم مميزات المنهج
الاصولي الدلالي ، و بهذا تحققت منظومة من القواعد و المسائل التي تتصف بالعلمية
الحقة مما يمكن وصف تلك المنظومة
بعلم الدلالة الأصولي (Usulic Semantics ) .
سنحاول في هذه المقالات بيان ملامح علم
الدلالة الاصولي و نبحث ببحث دلالي مقارن ( comparative semantic ( أوجه الشبه و
الاختلاف بين علم الادلة الاصولي و علم الدلالة الحديث الغربي في مجمله .