(( مُداراة )
لغة حرّة ، نص حرّ
د أنور غني الموسوي
القهوة التي جاء بها إنكيدو من عوالم الرمل ، تبيّن مؤخراً أنها شقيقة الربيع . الخبر لم
يثر استغراب الكثيرين ، لأننا تعودنا
أمورا كهذه في هذا العالم الأعمى الذي ما عاد له نكهة.
لم يعترض أحد حتى الزهور ، و الطيور المغرّدة مراعاةً
لمشاعر القهوة و حبّاً بالربيع ، و مداراةً للمنظمات الانسانية و تقاريرها العمياء
.
لقد جاء في التقرير أيضا و
كما نقل إليّ - فانا حينها كنت طفلا أسطوريا لا أعرف الكثير عن هذا العالم
الرخيص - قالوا حينما ترفع ركبتيك عن أسفلت الذلّ أعدهما الى مكانهما مراعاة لمشاعر
الاسفلت . و حينما تصفعك الريح المتجبرة ، المس يدها برفق مداراة لمشاعرها و
احتراما لمقام السلطان الجاثم على صدورنا. و قيل أيضا ان في التقرير قصّة محزنة عن الحريّة في الزمن الماضي ، حكمت
الجماهير على أصحابها بالنفي و القتل . مرحى كم هو بارد و مأجور تأريخ الانسانية .
ألا ترى الأعراض تنتهك و المدن تدمّر ؟ و الكل صامتون مداراة لمشاعر الملك و ما خلفه
من أصابع طويلة . كم نحن دمى رخيصة ؟ نخرب بيوتنا بأيدينا .
في الحقيقة لقد ملئت جيوبنا بالخيبات ، إنهم لم يتركوا لنا
شيئا لنخسره ، لذلك نحن مناضلون و ثوار . )
هامش
بعد ظهور الشعر الحر ، صار الشعر يقسّم بشكل نموذجي الى شعر
موزون وفق البحور الشعرية ( عمودي ) و شعر حر لا يخضع لها سواء كان محتفظا بالوزن
فقط كما في شعر التفعيلة او انه لم يحتفظ بالوزن كما في القصيدة الحرة التي تكتب
بالنثر و تسمى قصيدة نثر و هي ليست كذلك واقعا ، انما هو شعر صوري بتقنيات الشعر
الا انه حر .
و بعد ظهور قصيدة النثر التي تعتمد تقنيات النثر ، صار
الشعر يقسّم بشكل عام الى 1- شعر موزون ومقفى حسب البحور ( العمودي ) و 2- الشعر الحر ( قصيدة التفعيلة و القصيدة الصورية
الحر ) و 3- قصيدة النثر ، و ابرز صورها
الان قصيدة النثر الامريكية التي تكتب وفق تقنيات السرد التعبيرية و تقنيات النثر
بالفقرات و الكتلة الواحدة .
ان قصيدة النثر رغم انها بلغت مديات واسعة من التطور
الكتابي و مثلت مرتبة عالية من الابداع الادبي ، فانها سرعان ما صارت لها صور و
اشكال نمطية مميزة وهذا امر جيد و مهم ،
الا ان التطور الحاصل في اللغة في العقود الاخيرة و النظريات اللغوية و التطور
الحاصل لدى القارئ استدعى حرية اكبر تتجاوز النمطية و التقنينية ، و صارت هناك
دعوات جادة و واقعية نحو لغة ابداعية حرة ، تقترب من اللغة النثرية اليومية ، من
دون تزويق او اضافات و انما يتحدث المبدع بها باللغة النثرية العادية و يمكن ان
نسميها نص النثر العادي او النص الحر .
لم يعد الفرق بين الشعر الصوري و الشعر النثري في كون الاول موزونا و الثاني نثرا ، و انما
الفرق الجوهري هو في طبيعة الكتابة ، فالشعر الصوري يعتمد الصورة الشعرية كمرتكز
سواء كتب موزونا ام نثرا ، و قصيدة النثر تعتمد تقنيات النثر و اهمها السرد
التعبيري .
ان اللغة الحرة و النصوص الحرة العابرة للاجناس و التي
ستكون و بلا شك الشكل المستقبلي للادب لن
تاخذ شرعيتها بسهولة و بفترة قصيرة لأمور كثيرة اهمها تجاوزها الاجناس الادبية و
تحطيمها لأعراف سائدة في اللغة و الادب . لقد بقي الادب يعاني من سطوة الناشر فكان
يفارق رغبة المؤلف و رغبة القارئ لاجل ان يعجب الناشر فاهدر الكثير من الوقت و
الجهد لتلبية تلك الارادات اللافنية و اللاعلمية ،اما الآن و بفضل النشر
الالكتروني و امكانية النشر بشكل حر و تحرر مواقع نشر كثيرة من تلك الافكار ، صار
الوقت مناسبا لظهور الادب الحر و اللغة الحرة و النص الحر العابر للاجناس ،فلا
يكون امام عين القارئ سوى ما يريد ان يقوله و لا شيء سوى اللغة التي يريد
استعمالها ،من دون وصاية لا فكرية و لا موضوعية و لا سلوبية ، بلا و لا ادبية
فالمهم الكتابة و لا يهم ما جنسها و ما تصنيفها ، و الجمهور هو الحكم. لقد انتهى
عصر الوصاية الادبية و بدا عصر الادب الحر و اللغة الحرة.
لقد اثبتت الكتابات الأدبية في العشرين سنة الأخيرة انه لا
اهمية تذكر لتجنيس النصوص ، و صارت الكتابات الأدبية تتداخل حتى انها تصل الى حد
لا يمكن تصينف النص الى جنس ادبي معين و يختلف في تجنيسه ، ممل مهّد لظهور النص الحر العابر للاجناس . و
السردية التعبيرية بامكانتها الواسعة يمكن ان تكون البوابة الواسعة نحو النص الحر
. و لا بد من تأكيد الفرق بين النص الحر العابر لاجناس الادببية و بين القصيدة
الحرة ، التي تعتمد نمطيات و تقنيات الشعر الصوري . نعم النص الحر قريب جدا من قصيدة النثر ، الا انه ليس قصيدة نثر حرة ، بل هو نص ، قد
يراه البعض شعرا و البعض قصة و البعض خاطرة و الاخر رسالة ، ان النص الحر يحرر
المؤلف و القارئ و يحرر نفسه .