د انور غني الموسوي الحلي
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ربّ العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و اله الطيبين الطاهرين .
النقطة الاولى : قد بينا في محله في علم اصول الفقه ان الشرع قد جرى في قبول الاخبار وفق سلوك العقلاء ، .و انا اذا راجعنا وجداننا و عرف العقلاء نجدهم يميزون بين من يطمان اليه في الاخبار و من لا يطمان اليه فيه ، فبينما نراهم يعملون بالقسم الاول و يرون تركه غير مبرر ، فانهم يتحفظون بخصوص القسم الثاني ، و على ذلك النقل الظاهر كما هو ظاهر.
النقطة الثانية : لحقيقة ان الشرع نظام واضح المعالم فيه معارف ثابتة قطعية لا يصح مخالفتها ، فان الاخبار الظنية مهما كانت درجة الاطمئنان بصدورها فانها خاضعة فيه للتقييم المتني كما هو حال اي نظام معرفي اختصاصي يحتكم الى عمومات وقواعد ثابتة ظاهرة هي دستور النظام و عموده وعلى ذلك ظاهر الاخبا المستفيضة بل المعارف الشرعية الثابتة ،. و من الجلي جدا ان في الشريعة معارف ثابتة لا يصح قبول ما يخالفها ، و يكون المخالف لها مشكلا ضعيفا و غير المخالف قويا و بعبارة ثانية كما ان سند الخبر يمكن ان يكون ضعيفا او قويا فان متنه يمكن ان يكون ضعيفا و قويا ، و من غير الواقعي و لا العرفي بل ولا العلمي الاقتصار على احد التقيمين في قبول الاخبار دون النظر الى الاخر .
مسالة : من الواضح ايضا من عرف العقلاء انهم يرتبون الاخبار القوية حسب درجة الاطمئنان لها ، فانهم يميزون بين ما يرويه صحيح العقيدة المامون عن رواية الممدوح و المسكون الى نقله منهم و هذا عن رواية فاسد العقيدة المقبول خبره ، و يميزون بوضوح بين خبر كل من هؤلاء وهو القوي نقلا عندهم و خبر من جهل حاله او وردهم في نقله طعن وهو الضعيف نقلا عندهم ، .و بالبيان المتقدم يكون من الواضح امكانية تدرج رواة الاخبار في نظام النقل الشرعي الى الدرجات التالية :-
1-راو من الدرجة الاولى : هو الثقة الامامي .
2- راو من الدرجة الثانية :هو الامامي الممدوح
3- راو من الدرجة الثالثة : هو الامام المقبول الرواية
4- راو من الدرجة الرابعة : هو غير الامامي الموثق
5- راو من الدرجة الخامسة : هو من غير ما تقدم لكن لم يرد فيه قدح
6- راو من الدرجة السادسة : هو من كان فيه قدح .
ملاحظة : درجات الروات مبينة بالتفصيل في كتابنا ( المشكاة في بيان درجات الرواة ) ، وان درجة السند تابعة لادنى درجة روائية فيه لان الاطمئنان العقلائي المحصل بسلسة من النقلة يتبع ادناها درجة كما هو ظاهر .
النقطة الثالثة : لحقيقة ان التمييز بين اخبار من يطمان اليهم انما يكون عند المقارنة لا في مجال اصل الاعتبار و كذا الحال بين المجهول و الذي فيه قول كان الترتيب بينها مرتبيا لا تدرجيا .فيكون لدينا درجتان للاخبار على مراتب فيهما كما يلي :-
اخبار الدرجة الاولى ( الاخبار القوية سندا )
ا- المراتبة الاولى : (الصحيح ): وهو كل خبر متصل السند جميع رواته امامية لا ريب في وثاقتهم .
ب- المرتبة الثانية : ( احسن ) : وهو كل خبر متصل السند فيه راو او اكثر ممدوح و الباقون من رجال الصحيح
ج- المرتبة الثالثة : (المحسن ) : وهو كل خبر متصل السند فيه راو او اكثر مقبول و الباقون من رجال الصحيح او الحسن .
د- المرتبة الرابعة ( المقبول) : .وهو كل خبر متصل السند فيه راو او اكثر ثقة غير الامامي والباقون من رجال الصحيح او الحسن او المحسن .
2- اخبار الدرجة الثانية ( الاخبار الضعيفة سندا )
ا- المرتبة الاولى ( الضعيف المرتبة الاولى ) : وهو كل خبر فيه راو او اكثر من الدرجة الخامسة و الباقون من رجال الصحيح او الموثق او الحسن او المقبول.
ب- المرتبة الثانية ( الضعيف المرتبة الثانية ) : وهو كل خبر فيه راو او اكثر من الدرجة الخامسة اي فيه قدح .
النقطة الرابعة :قد بينا في محله في ابحاث اصول الفقه ، ان من الامور التي لها مدخلية في تقييم الخبر عند العقلاء في الانظمة القانونية الدستورية واضحة المعالم هو مدى مقبولية مضمونه وموافقته للمعارف الثباتة فيها و يؤكد ذلك المعارف الظاهرة من الاخبار الواردة عن الائمة الاوصياء عليهم السلام في مجال قبول الاخبار التي تدل على عدم جواز قبول ما يخالف الكتاب والسنة الثابتة و عدم جواز نسبة مثل ذلك اليهم كما بيناه مفصلا في محله .و ان ذلك يجعل من المقبولية المضمونية عاملا في تدرج الاخبار وهو الموافق لسلوك العقلاء ، فان ما يصل الى المتلقي العقلائي من معطيات تخص نظاما ذا ملامح معينة يلحظ فيه بالاضافة الى درجة الاطمئنان للنقل درجة مقبولية المضمون و موافقته للملامح لعامة لذلك النظام وهذا من الواضحات عرفا و وجدانا ، فليس من العقلائي قبول كل ما كان بطريق قوي بغض النظر عن مضمونه ، بل لا بد من ان يكون المضمنون على درجة معينة من المقبولية في نظامه .و من هنا فكما ان للسند درجتين القوي و الضعيف فان المتن ايضا قد يكون قويا و قد يكون ضعيفا ، و القوي وهو النقي وهو اما ان يكون مصدقا او منفردا و الضعيف متنا فاما ان يكون شاذا مخالفا للاعلى درجة الذي دلت الاخبار على رد علمه الى قائله وعدم انكاره او يكون مخالفا للقران و السنة الثابتة وهذا هو الزخرف الذي يجب طرحه مهما كان درجة سنده .و على هذا فالاخبار تترتب بحسب المضمون المتني بالشكل التالي :
المتن من الدرجة الاولى ( القوي او النقي )
ا- المرتبة الاولى ( المصدق): خبر نقي مصدق بالمعارف الشرعية الثابتة .
ب- المرتبة الثانية ( المنفرد) :خبر نقي بلا مصدق من معرفة شرعية ثابتة .
المتن من الدرجة الثانية ( الضعيف غير النقي )
ا- المرتبة الاولى ( الشاذ ) خبر غير مخالف للثابت من الشرع لكنه مخالف للاعلى درجة.
ب- المرتبة الثانية ( الزخرف ) خبر مخالف للقران و السنة الثابتة ،خبر زخرفي يجب طرحه .
ملاحظة : :يتحقق التصديق بكل موافقة و تصديق بحيث يكون الكتاب و السنة الثابتة مصدقا و شاهدا للخبر ، فلا يعتبر في التصديق ان يكون بالمطابقة المعنوية فضلا عن المطابقة اللفظية .
ماحظة : اذا كان المتن مركبا من مضامين مختلفة كانت قيمته المتنية تابعة لادنى درجات تلك المضامين فلو كان متن مركبا من مضمونين احدهما مصدق و الاخر منفرد وصف الحديث بمجمله منفردا لكن لكل مضمون درجته الاعتبارية و لا يتاثر بما هو مقترن معه من المضامين فلو كانت رواية مركبة من مضمونين مصدق و مشكل ، جاز الاحتجاج بالمضمون المصدق و ان كان المضمون الاخر المقترن به مشكلا،وهذا واضح في سلوك العقلاء في نظام العمل بالاخبار .
النقطة الخامسة : من كل ما تقدم يتبين ان درجة الاعتبار النقلي للخبر عرفا و شرعا تتناسب مع درجة الاطمئنان بالطريق النقلي اي الدرجة السندية و درجة الاطمئنان بالمضمون اي الدرجة المتنية وهو من الواضح عرفا و وجدانا.و يمكن ان نسمي ذلك بقانون اعتبار الخبر حسب المعادلة التالية
اعتبار الخبر = درجة اعتبار سنده * درجة اعتبار متنه .
النقطة السادسة : في ضوء ما تقدم يكون للخبر بحسب الاعتبار ثلاث درجات
الدرجة الاولى : الخبر القوي متنا و ستدا ( الخبر النقي القوي ) خبر معتبر يوجب العلم و العمل . وهو من حيث السند يترتب الى الصحيح و الحسن و المحس والمقبول .
الدرجة الثانية : الخبر القوي متنا الضعيف سندا ( الخبر النقي الضعيف ) خبر غير معتبر لا يوجب بذاته علما ولا عملا لكن يصح ان يخرج شاهدا .
الدرجة الثالثة : الخبر الضعيف متنا بغض النظر عن حال سنده .( الخبر غير النقي ) خبر غير معتبر لا يفيد علما و لا عملا ، فان كان شاذ غير مخالف للقران و السنة الثابتة وجب رد علمه الى اهله و لم يجز انكاره و اما ان كان زخرفيا فانه يجب طرحه و لا يجوز نسبته لاهل البيت عليهم السلام .
و هذا الكتاب جامع لما كان من الدرجة الاولى من الاخبار القوية سندا من صحيح و حسن و محسن و مقبول و النقية متنا، فغير هذه الاخبار اما ضعيف سندا او مشكل متنا ،ولا يصلح لمعارضتها و لا ادعي التكامل و بلوغ الغاية في تحقيق تلك الاهداف ، الا اني بذلت قصارى جهدي لاجل ذلك ، مع غرض ترسيخ هذا النهج و التقدم فيه بامل ان تتكامل الاعمال في هذا الاتجاه و يزداد الوعي الخاص و العام بهذا المنهج و الله المسدد و الله المعين . واني اسال الله تعالى ان يتقبل مني هذا العمل و ان يجعله ذخرا لي يوم القاه وان يجعله من الحسنات التي يكتب لي بها حسن الثواب انه كريم جواد ، و ان يغفر لي و لوالدي ولولدي و لاهل بيتي و المؤمنين انه واسع كريم ، و الحمد لله رب العالمين .