مقدمة في النقد التعبيري









رغم ان علماء اصول الفقه كان لهم السبق في دراسة العلامة و دلالتها الا ان البروز و الظهور كان للغوين الغربيين في ترسيخ علم العلامات  ، و مع ان السيميائية اشارت الى محورية العلامة و الدلالة في تحليل الرسالة و النص   الا انها بتركيزها على المعنى كمدلول  لم تقدم نظرة متقدمة في علم الجمال ، و اخفقت كثيرا في الاجابة عن السؤال المحوري في النقد الفني و الجمالي الملخص في عبارة ( لماذا هذا العمل او النص جميل او مدهش ؟)  و الامر الاخر الذي لم تتلمس السيميائية غايتها فيه انها نقلت مجال التحليل كله الى عقل المتلقي ، و صارت الدلالة التي عند القارئ و المتلقي هي الحاكم و المشخص و هي بذلك تخفق في رؤية موطن الابداع الحقيقي المتمثل بالنص . و لقد حاولت الاسلوبية التخفيف من هذا الطغيان فاشارات الى مجال دلالة اكثر نوعية و عمومية   و كذلك حاولت التقليل من سلطة المعنى و الاتجاه الى مجال مدلولي اوسع   . لقد حققت الاسلوبية نجاحا ملحوظا  من خلال تشخيصها و معالجتها لاخفاقات المناهج السيمائية النقدية  و خصوصا البنيوية و التفكيكية   ، الا انه اضافة الى عدم تقديمها  افكارا نظرية  او اجرائية في النقد الادبي  فانها ايضا عانت من شكل من التطرف في طغيان الشكلانية و النصانية فيها بيناه في مقالات سابقة اهما مقالنا الاسلوبية و ما بعد الاسلوبية .
من خلال الانطلاق من السؤال الاهم في النقد  الادبي وهو ( لماذا هذه النص مدهش ؟)  ، فان المناهج السيميائية و الاسلوبية و رغم تقديمها افكارا اكثر علمية في هذا المجال ، الا انها و لحقيقة كونها نظريات عامة و شاملة في المعارف الانسانية  و انها غير مختصة بالفن و الابداع بل تسعى نحو ترسيخ العلمية ، و لما بيناه ايضا فيما تقدم فانها  تعاني من الاشكالات   ، و من هنا و بالاستفادة من الموروث النقدي لتلك المناهج الواسعة ، تحققت لدينا رؤية خاصة و دقيقة بخصوص العنصر الاساسي الذي يميز النص الادبي عن غيره ، انها القدرة التعبيرية ، حيث يكون لكل وحدة تركيبية نصية  فعل تعبيري مميز يميزها عن وجودها العادي .
ان النقد التعبيري اضافة الى كون فكرته تنطلق من رحم الابداع الفني و الادبي و تهتم بالظاهرة الجمالية  شخص الخلل الذي عانت منه المناهج المتقدمة ،  و التي اضافة الى ما تقدم فانها اعطت محورية طاغية للمعنى كمدلول ، و الحقيقة ان ما يحقق جمالية الادب ليس المعنى و انما دلالة وعلاماتية الوحدة الادبية على الظاهرة الجمالية ، بمعنى آخر ان المدلول الجمالي للعلامة الادبية  لا يكون في المعنى و انما يكون في النظام الجمالي الانساني الذي يثر و يدهش . وهنا تكمن ابداعية الادب ، حيث ان القارئ للادب لا يبحث في قراءته له عن مدلول معنوي بالقدر الذي يبحث عن مدلول جمالي يثير .
ان المدلول الجمالي و الذي تلمسنا اشكاله و صوره في مقالاتنا النقدية المتعددة ، يحقق طيفا واسعا و تنوعا كبيرا من الوجود و الطبائع ، فقد يكون شكليا و قد يكون معنويا و قد يكون شعوريا ، و قد يكون في جهة المؤلف او القارئ او النص  وهكذا كثير .
من هنا يظهر بجلاء ان القراءة التعبيرية  للتعبير الادبي ليس بحثا عن معنى او عن شعور ، و انما عن نظام جمالي قد يكون معنويا كما بينا في مقالاتنا السابقة في نظام الانثيال و تجلي اللغة و قد يكون انسانيا كما بينا في قصدية المؤلف و رساليته و قد يكون نصيا كما بينا في تعبيرية التراكيب و قاموس الالفاظ و عنوان النص و نحو ذلك و قد يكون في جهة القارئ بما بيناه في القراءة التعبيرية ، و وسط كل ذلك لا يكون دال و لا علامة على ذلك غير الوحدة النصية .
الوحدة النصية اللفظية او الاسنادية او الجملية او الفقراتية او النصية كلها يمكن ان تكون دوال جمالية ، تدل على المدلولات الجمالية . ان فكرة الدلالة الجمالية بالدال الجمالي و المدلول الجمالي تفتح افقا واسعا وجديدا حقا ليس امام الناقد فقط بل اما القارئ و المؤلف و النص نفسه .