الشعر بين التقليلية و البوليفونية












في دراسات متعددة معمقة (1،2،3) بُيّن الفتح الجديد  في الشعر المكتوب باللغة الانكليزية على يد الشاعرة الامريكية اميل لويل (1874–1925 ) الحائزة على جائزة بولتزر عام 1926 (4)  باكتشافها النص البوليفوني في مجموعتها (قلعة كان كرانديس  (2018 ) ،  مما اعتبر تجديدا عميقا في الشعر المكتوب باللغة الانكليزية  باعتماد العمق الصوتي و اعتماد نظام الاوركسترا الصوتية و النثر البوليفوني (1،3)  وتنازل المنولوج الشعري عن عرشه، مما حدا البعض بتوجيه الاشكالات الى اطروحة ميخائيل باختين بحصر الحوارية و البوليفونية في الرواية ، وفكرته عن احادية الشعر ( 5،6)  حيث يقول اليزا ستنبي و تنتي كلابور   ان مصطلحات باختين البوليفونية  في الرواية تتعارض مع فكرته عن الشعر بانه عمل مونولوجي و انه يمثل فاشية الشاعر و الواعي الواحد ( 6) و ينقلان قول باختين (  في لغة الشعر ، حينما يبلغ الشاعر اسلوبه ، فانه يصبح فاشستيا و عقائديا و محافظا ، و يسحب نفسه من تاثير ما هو خارج الادب من صراع اجتماعي (7)   .
رغم ان اللغة التقليلية راسخة في عملية الكلام البشري الساعي نحو التكثيف و الاختزال  و الاقتصاد حتى ان العرب يفتخرون بالمعاني القصيرة في حجمها الكبيرة في مدلولها ، الا انها لم تستقر بشكل مذهب في الشعر  الا بعد انجازات ستيفن الشعرية (  ستيفن كرين  1871-1900) و الهايكو الياباني ( 8) .
و قد يتصوروجود ملازمة بين التقليلية و الصوت الواحد ، كما قد يتصور ذلك ايضا بخصوص التعبيرية  والتي تهتم كثيرا في طرح المادة الفنية معبأ بالاحاسيس الفردية و الرؤية الخاصة  للمؤلف تجاه العالم ( 9) كردة فعل على الانطباعية و الخشية من ضياع النفس و الروح الانسانية وسط مادية العالم الخارجي بتاكيدها على الذات و القيم (10)  . الا ان هذه التصورات لا واقع لها لان التقليلية و البوليفونية ما هي الا وسائل تعبيرية و ادوات نصية  ، و في مستوى اخر غير مستوى التعبيرية .
و من هنا  لا يظهر اي تضاد  بين البوليفنوية التي تعني تعدد الاصوات و الرؤى في النص و التقليلية و التي تعني التكثيف و الاختزال   ، بل ان التقليلية تضاد الطول في النص  و البوليفونية تضاد المنولوج في النص ،  نعم يكون من الصعب اداء النص البوليفوني بلغة تقليلية ، الا ان لدينا نص تقليلي لستفين كرين مشتمل على اكثر من صوت و رؤية  في قصيدة  ( في الصحراء ) :


في الصحراء 
رأيت مخلوقا
يجلس القرفصاء 
ممسكا قلبه بيديه
وهو يأكل به
قلت له ( هل هو طيب يا صديقي ؟ ( فاجابني ( انه مرّ مرّ )
لكنني أحبّه
لأنّه مرّ 
ولأنّه قلبي
و يتجلى ايضا تعدد الاصوات في قصيدة تقليلية حاكيت فيها قصيدة كرين هذه عنوانها اقنعة
( أقنعة )
لقد أخبرتني أمّي  أن أتسلّق الجبل باكرا
و حينما و صلت منتصف الطريق
وجدت رجلا  في كوخ و بين يديه سلال أقنعة بشعة .
قلت له لماذا أنت هنا ؟ و لمن هذه الأقنعة .
قال لقد طردني القبح من مدينتكم
و هذا الأقنعة ابعث بها الى كل جميل
ليرتديها فلا يطرد منها مثلي .

و بهذا يتضح و بجلاء  ان التقليلية و البوليفنوية هي مظاهر اسلوبية و تقنيات تعبيرية ، بمعنى اخر انها تقع في مستوى اخر مغاير لمستوى التعبيرية و قصد المؤلف و فكرته العميقة و نقله احساسه و نظرته تجاه العالم  ، و مغاير لمستوى رؤيته للاشياء ، لذلك فان كل منهما انما هو وسيلة تعبيرية و مظهر تعبيري ، فيمكن للشاعر التعبيري نقل احساسه بالاشياء عن طريق نص تقليلي او عن طريق نص بوليفوني متعدد الاصوات .  
هناك امر  اكثر جوهرية ، اذ بينما تكون التقليلية دائما في موضع تعبيري و ايحائي و رمزي متميز   مما يضمن شعريتها ، فان البوليفنوية و بفعل تعدد الشخوص و الرؤي   ستكون قصا و حكاية لا اكثر  ان لم تشتمل على بعد تعبيري ، و سيفشل السرد البوليفنوي في تحقيق الشعرية ان لم ينطوي على بعد تعبيري يلبسه ثوب الرمزية و الايحاء . من هنا يظهر و بوضوح ان التعبيرية ليست شيئا ممكنا مع البوليفونية  فحسب و انما ضرورة لتحقيق السردية التعبيرية في قصيدة النثر .
 
المصادر

1-            John Gould ,  Fletcher ,  Miss Lowell's Discovery: Polyphonic Prose , Poetry , Vol. 6, No. 1 (Apr., 1915), pp. 32-36
Published by: 

2-            Amy Lowell  1874–1925 biography  , poetry foundation

3-             Georgina Taylor H.D. and the Public Sphere of Modernist Women Writers 1913-1946: Talking Women , oxfordpress

4-             Wikipedia   . Amy Lawrence Lowell was an American poet of the imagist school from Brookline, Massachusetts, who posthumously won the Pulitzer Prize for Poetry in 1926.
5-              by Liisa Steinby, Tintti Klapur  ,   Bakhtin and his Others: (Inter)subjectivity, Chronotope, Dialogism , Anthem Press
6-              Michael Eskin and Jerry , Bakhtin on Poetry , poetic todays .
7-                The Problem of Bakhtinian Terminology and Poetry  (   The language of poetic genres, when they approach their stylistic limit, often becomes authoritarian, dogmatic and conservative, sealing itself off from the influence of extraliterary social dialects. Therefore such ideas as a special ‘poetic language’, a ‘language of the gods’, a ‘priestly language of poetry’ and so forth could flourish on poetic soil.(Bakhtin 1981, 273)
8-            Wikipedia ,  Literary minimalism  
9-            Art movement , expressionism
10-         Art story  , Expressionism