النص فوق النص ، نقد ناظم ناصر القريشي نموذجا




لقد برزت دعوات عالمية لأن تكون الكتابة النقدية كتابة ابداعية اضافة الى معرفيتها و دليلتها . و قد يعتقد ان ذلك يشتمل على تناقض لانّ اللغة الابداعية خيالية شعرية و اللغة المعرفية تقريرية ،  الا انّ الحق ان تلك الدعوة لا تشتمل على تناقض  و انما تشتمل على صعوبة و تحتاج الى مهارة و لقد اثبت ذلك نقد ناظم ناصر القريشي  بلغته القريبة و العذبة الكاشفة عن جماليات النص في جهات متعددة بحرفية و هدوء . انه  نقد بالقدر الذي يتسم بالبساطة و القرب و العذوبة فانه ايضا يسعى حثيثا لكشف جماليات النص باحترافية.

ان المقالات النقدية من حيث مراعاتها للقارئ   يمكن تقسيمها الى ثلاثة اشكال : النقد القريب و النقد المتعالي و النقد التكلّفي الافتعالي  . يتميز الاخير باقحام المصطلحات الحرفية الغربية و التوليدية و التركيبة من غير مسوغ او ضرورة ، و يتميز النقد المتعالي بتعقيد التراكيب و علو المصطلح و اللغة الاختصاصية البحتة التي لا شأن للقارئ بها ، و لا ريب ان كل ذلك يعاني من اهمال عميق للقارئ و قصور تداولي حاد ،  و ربما يمكن ارجاع ابتعاد القارئ  عن الادب بسبب هذا الطرح المتعالي الذي اتسمت به كتابات عصر الحداثة . و من الواضح انه مع وجود دعوات ما بعد حداثوية في الكتابة بلغة قريبة تراعي القارئ فان النقد المتعالي يعد ادبا متخلفا الان و هو من مخلفات نقد الحداثة و لا يواكب افكار ما بعد الحداثة تلك عن الكتابة و القارئ   .
ان اهم ما يحققه النقد القريب هو ارجاع القارئ   الى الادب وهذا من اهم مهام و اهداف ادب ما بعد الحداثة ، و لا علاقة ابدا بين المدرسة النقدية و بين اسلوب الكتابة النقدية ، فقد تتبني تقنيات الاسلوبية و ما بعد الاسلوبية وهي احدث التقنيات النقدية و اكثرها تعقيدا فكريا ، و تطرح بلغة قريبة واضحة خالية من التعالي و التعقيد .
ان اللغة القريبة المميزة لنقد ناظم ناصر المحقق لاهدافه يعد منهجا متفردا و ابداعا فذا ، يدعونا و بقوة الى مراجعة القاموس الكتابي الذي تعج به المقالات النقدية العربية و التي رغم مادتها المعرفية الا انها تفشل في طمر الهوة بين الكاتب و القارئ   ، و تخفق في تحقيق الادب الممتع .
الميزة الاخرى المهمة لنقد ناظم ناصر انه يكتب مقالا نقديا ابداعيا بجانب النص الاصلي و ربما هذا عائد في بعض جوانبه الى شاعرية ناظم ناصر و كونه يكتب الشعر الهامس العذب .
حينما يقرأ الانسان  نقدا لناظم ناصر  فانه يتمتع  بالنقد بالقدر الذي يتمتع فيه بالنص الذي ينقد  ، وهذا انجاز مهم ، و هل اهداف الكتابة الا الامتاع و توسيع افكار القارئ ،   و قد حققها ناظم ناصر بكتاباته النقدية  العذبة الفنية الابداعية .