هذا أصل
قطعي ثابت من أصول الشريعة ودلت عليه نصوص ومعارف قطعية منها قوله تعالى (فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) وقال تعالى (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ
إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) تعليق وهنا حسن فطري عقلائي. وقال تعالى (اللَّهُ
نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) وقال تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمً). والحسن هذا كله ارتكازي عقلائي ووجداني.
كما ان القران اعلى شأن العقل واعماله؛ قال
تعالى (لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). وقال تعالى (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ
الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). وقال تعالى (وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). وقوله تعالى (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ
مُصْبِحِينَ، وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ). فخاطب الله العقول بل حصر
الاهتداء الى الحق باهل العقول، فاستعمال العقل لأجل الاهتداء وتبين الحقائق والايمان
والاعتقاد السليم من جوهر الشريعة وهو يدل على وجوب ذلك عينيا. كما انه خص التذكر
والادبر بأولي الالباب فقال تعالى (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)
وقال تعالى (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ
وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) وقال تعالى (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو
الْأَلْبَابِ). بل ان الكفر والنفاق هو من علامات عدم العقل والفهم؛ قال تعالى
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ). وقال تعالى (وَأَكْثَرُهُمْ لَا
يَعْقِلُونَ) وقال تعالى (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ
الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ). وقال تعالى (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ
وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ). وقال تعالى (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى
الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) والعقل هنا هو التعقل والتدبر والتمييز الفطري الهادي
الى النور وحقائق الايمان.
ان
موافقة الحق للفطرة وتصديق الوجدان لها وأنها وفق نهج العقلاء كلها امور راسخة في
المعارف الشرعية لذلك هي ملحوظة في اصول الشريعة وفي المعارف الثابتة التي يرد اليها
الحديث، فان مخالفته للفطرة والوجدان والعقلائية يعني انه مخالف للقران والسنة بلا
ريب. والعقل هنا هو التعقل والتدبر والتمييز الفطري الهادي الى النور وحقائق
الايمان وليس الابحاث العقلية الدقية التي لا يتعقلها العرف ولا يعرفها الانسان
العادي. هذا وان العقل لا يهدي الا الى الايمان فكلما ازدادت قوة التمييز والادراك
ازداد الادراك بحقائق الايمان وازدادت المعرفة الا ان الهوى والميول والاحكام
الموروثة قد تؤدي الى تشويش وارباك واخلال في جانب الايمان فترى الانسان على درجة
عالية من الذكاء والتمييز والتحليل بل والعبقرية الا انه لا يهتدي الى الايمان.
ومن هذا حاله هو بحكم من لا عقل له لان العقل الحقيقي هو الهادي الى الخير، ومن
اهم سبل الخير الايمان والتقوى، فمن لا ايمان له ولا تقوى هو ناقص عقل مهما بلغ من
ذكاء او عبقرية. وهذا الحكم ليس بشواهد نقلية شرعية فقط بل هو بأسس عقلائية لان
تمام العقل متقوم بمعرفة الخير وعمله، والايمان والتقوى من اهم اشكال الخير بل لا
خير حقيقة من دونها والكلام عن دليل الحكم الاخير له مكان اخر ليس هذا محله.
كما
ان فطرية وحكمة وعقلائية المعرفة تدل بوجه من الوجوه توجه الخطاب القرآني الى
الانسان مباشرة من دون واسطة وهذا من نعم الله تعالى فيكون على الانسان ان يتفكر
ويتعقل ويتدبر القران بنفسه والا يميل الى اخذ المعارف بواسطة أيا كانت. من هذه
النصوص المخاطبة للإنسان والحاثة له على التدبر قوله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ
الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ
فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ
بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وقال تعالى (هُوَ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ
يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا
وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى
وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
وقال
تعالى (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ
بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وقال تعالى (فَقُلْنَا
اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ
آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وقال
تعالى (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ) وقوله
تعالى (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (*) وَبِاللَّيْلِ
أَفَلَا تَعْقِلُونَ) وقال تعالى (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ
أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ). وقال تعالى
(وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ)
وقال
تعالى (وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) وقال تعالى (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ
اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) وقال تعالى (وَمِنْهُمْ
مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا
يَعْقِلُونَ) وقال تعالى (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ
اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) وقال تعالى
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ
الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) وقال
تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ
النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)
وقال
تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ
وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ
وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ)وقال تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ
آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)
قال
تعالى (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ
الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ
نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ). وقال تعالى
(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) وقال تعالى (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ
فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا
تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ
الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ
بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ)
قال
تعالى (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ
آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) قال تعالى (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ
مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا
يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)قال تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ
حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ
لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ) وقال تعالى (لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). وقال تعالى (قَدْ
بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). وقال تعالى (وَيُرِيكُمْ
آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). وقوله تعالى (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ
عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ، وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ). قال تعالى (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ
مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) وقال
تعالى (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) وقال تعالى (أَفَأَنْتَ
تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ). وقال تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ
يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا
يَعْقِلُونَ)
وقال
تعالى (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ
الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) وقال تعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وقال
تعالى (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ
بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ
وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) وقال تعالى (أَمْ تَحْسَبُ
أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ
بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا و قال تعالى (وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً
بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وقال تعالى (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ
إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً
وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُون).
ان
هذه النصوص الكثيرة والمثيرة للدهشة في كثرتها في حث الانسان على التعقل والتفكر
والتدبر بالنص مسلما كان ام كافرا مؤمنا كان ام منكرا، لا تدع مجالا للاتكال على
الغير ولا تسوغ تقليده وتوجب على الانسان ان يجتهد بنفسه في معرفة الحق ومن هنا
كانت الأسس التي بني عليها المعارف الحقة في (عامية الفقه) و( الوجوب العيني
للاجتهاد) والتي بينتها مفصلا في كتب خاصة بها.