إحكام
المحكَم
رسالة
في المحكم والمتشابه
أنور
غني الموسوي
إحكام
المحكم
رسالة
في المحكم والمتشابه
أنور
غني الموسوي
دار
أقواس للنشر
العراق
1441
مسألة: الاحكام بالمعرفة الشرعية
مسألة: المحكم والمعارف الاختصاصية
مسألة: التشابه صفة للمتلقي حقيقة
التشابه
ليس في النَصّ وانما في عقولنا.
أنور
غني
المقدمة
بسم
الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. اللهم صل على محمد واله الطاهرين.
ربنا اغفر لنا ولجميع المؤمنين.
هذه
الرسالة في بحث مسألة المحكم والمتشابه الا انها ومن حقيقة ان النص الشرعي لا يقبل
التشابه وان التشابه هو بسبب العقول سرعان ما تنطلق نحو افق اوسع يخص اتقان
المعرفة ودرجات اتقانها، ومن ثم تفتح الباب مشرعا امام فهم بناء للمتشابه. فهذه
الدراسة توعد بتكامل الانسان المعرفي وبلوغه درجات عالية من الاحكام والاتقان
وتحثه على التطوير وانه لا دوام لتشابه المعارف بل الاحكام حتمي لكنها تذكره دوما
ان فوق كل ذي علم عليم، فمهما بلغ الانسان من احكام لمعارفه واتقان فانه يبقى في
مستوى أدني من الكمال فان الكمال لله تعالى وحده.
مدخل
هنا
اشارات:
الاولى: فكرة الادراك
من
نعم الله تعالى علينا انه جعلنا نعيش في الحقيقة وليس الوهم. وهذا الواقع وبإدراكاتنا
البشرية محكم بل في غاية الاحكام بل اننا كبشر لا نقبل بفطرتنا ووجداننا الا
باحكام الواقع، ولذلك فالعقل لا يقبل معرفة غير محكمة أي معرفة متقنة وصادقة و
العقل يستهجن و يستنكر المعرفة غير المتقنة وغير المحكمة ويعتبرها عيبا ونقصا، وهل
سعي البشرية وجهدها ونضالها في الدنيا الا لإحكام واتقان طريقة عيشها في الحياة، و
انني بوجه من الوجوه اعتقد ان الاخرة هي وجود اكثر اتقانا واحكاما من جهة المعرفة
والادراك بالخارج، فالتغير حينها ليس في الخارج فانه متكامل في نفسه دوما وانما
يحصل تكامل في ادراكتنا، فالفرق بيننا الان وبيننا في الاخر هو تكامل ادراكتنا،
ولو اننا افترضنا امكانية ان يحقق مخلوق سبقا ادراكيا فانه يمكنه ان يدرك ادراكا
اخرويا لما هو دنيوي، فالفرق بين الدنيا والاخرة ليس زمنيا في الاساس بل ادراكينا،
الا انه فرق يحتاج الى نقلة لا تكون الا بإذن الله تعالى كأن تكون بصورة البعث و
الاحياء لتتم كلمات الله ومشيئته.
ان
صانع هذا العالم حكيم فجعل وجود الاشياء محكم والعلم بها محكم لان هذه افعاله
وهباته، لكن وبفعل القابلية المحدودة للمتلقي كان هناك مجال لعدم الاحكام الا انه
طارئ ومؤقت كما ان اللطف والعون الالهي والرحمة الالهية تمنع من استمرار عدم
الاحكام المضموني. فالاشياء محكمة في نفسها وادراكاتنا الواقعية لا يمكن الا ان
تكون محكمة والعقل لا يقر الا بالمحكم المتقن من معرفة ولذلك ولان طريق العقل الى
المعرفة هي العلم فان للحقيقة ثلاثة اوجه، وجه من جهة الاشياء واخر من جهة المعرفة
بها وثالث من جهة اكتساب المعرفة. فواقع الاشياء في نفسها محكم والمعرفة الراسخة
عن الاشياء محكمة ايضا لأن العقل لا يقبل الا المحكم ولا يستقر الا على محكم وهذا
ما ينتج الواقع والحقيقة واما المعارف الوهمية فإنها طارئة ولها اسباب اهمها
اعتماد الظن الا انها تزول ولا تستمر حتى عند الفرد لذلك فمعارف الانسان بالأشياء
تكاملي تطوري وحقيقي. اما من الجهة الثالثة وهي جهة اكتساب المعرفة فانه يمكن ان
يكون العلم غير محكم بسبب عوامل متعددة اهمها ادخال الظن في العلم.
ان
واسطة العقل المعرفية يمكن ان تكون غير محكمة بسبب الظن وربما بسبب التجريب او
الفرضيات او المسلمات غير الواقعية لكن الاحكام غريزي واولي للأشياء لان العالم
صنع حكيم فلا يقبل الا الاحكام لذلك فالواقع يظهر دوما بأقوى تجلياته وأبهى صوره
واكثرها سلطة وقهرا ولا مجال للوهم ولا لاستمراره، ولو قلنا ان عالمنا لا يقبل الا
المحكم لكان صحيحا ولكن ولو بعد حين. كما ان ما لا نستطيع او ما ليس بمقدورنا ان نحكمه
الان في الدنيا فإننا سنحكمه في الاخرة مع انه لا تكامل حتى هناك. ففي الحقيقة ان
الاشياء تحب ان تتجلى وتحب ان تدرك وان يكون ذلك بأكمل صورة وبأبهى صورة الا ان المعرفة
قاصرة دوما والعقل قاصر دوما عن ذلك وللأحكام والاتقان درجات، ودرجات لامتناهية
كما ان الاحكام الكامل متعذر على العقل لكن ما يظهر للعقل ويتجلى هو حق ومحكم ومن
هنا فكل معرفة حقة هي محكمة وهي في الوقت ذاته متشابهة ولا احكام مطلق الا عند
العالم المطلق سبحانه.
ان
الانسان يميز بقوة بين الحق والباطل وحينما يكون على الحق يعرف انه على الحق وانه
ممتلك للحقيقة بوسائل وجدانية ظاهرة وجلية وليست بالغاز واسرار كما يصور بعض
اللاواقعيين العرفانيين او كما يتصور بعض الواقعيين الفلسفيين، بل الحقيقة نور
بيّن ظاهر بل هي ابين من ان تحتاج الى سر او لغز او تحير، وهذه الممارسات كلها
مصدرها الظن. وللحقيقة علامات كفيل الوجدان وكفيلة الفطرة بمعرفتها والاستدلال بها
عليها وما النص الشرعي و الوحي الالهي الا لطف ومعين والا فان الحق و الحقيقة ظاهر
للإنسان الا ان التحيز الفكري و القصور المعرفي واعتماد الظن والميل الى مخالفة
الواقع وتبريره كلها تنتج حالة من الارباك لدى البشر والذي كان ينبغي الا يحصل.
الثانية:
فكرة الواقع
من
الواضح ان واقع الشيء الحقيقي لا يتحصل بالكامل الا للمحيط به علما، ولذلك ولأجل
احكام المعارف فان الواقع الذي نعرفه هو تصور صادق عن الواقع الا انه ليس كاملا،
بمعنى اخرى ان العلم بالواقع منه ما هو كلي تام وهذا مختص بالعلم المحيط ومنه ما
هو نسبي تسخيري لاجل الواقعية والوظيفية في التعامل وهو ما يدركه العقل وتتفاوت فيه
الناس من حيث العلم والجهل. فالجهل انما هو من صفات علم العقل وهذا التصور الجزئي والادراك
النسبي للأشياء، واما العلم الكلي التام المحتاج الى عالم محيط فلا يقبل الجهل،
كما انه مطلق وغير محدود ولذلك فحينما نصف الله تعالى بالعليم وحينما يصفه النص
بالعليم ليس لإنه يقبل الجهل وانما هو تقريب وجعل اسم وفهم يمكننا من خلاله قصده
تعالى.
ان
طريق الانسان بما هو عاقل الى المعرفة وسائطي وهذا شكل من القصور و الحاجة ، فلا
علم عقلي الا بوسائل وادوات، فالتفكير وهو عمل العقل وهو يعتمد على امور خارجية
حتى الاستنتاج، فهو محتاج الى معرفة وفكر وهذه المعرفة ايضا متأتية من اكتساب، لكن
هناك قوة اولية في العقل تمكنه من توليد معارف تعتمد على الخارج وتستقل عنه. هذه
الوسائط والادوات العقلية التي يستخدمها العقل في الادراك وفي العلم بالأشياء يمكن
ان نفهمها على انها ادوات تعبيرية، أي الطريقة العقلائية لكي يعبر الشيء عن نفسه ولكي
يعبر العقل بها عن الشيء ولكي يعبر الواقع بها عن الاشياء. وهذا الفهم أي قصد
وادراك غايات للعقل و للشيء وللواقع حقيقي الا انه يحتاج الى تأمل وهو ناتج عن
غاية الظهور و التكامل في الكون وفي كل جزء من جزئياته، بل ان هذا يجري ايضا على
القول و النص الكتابي فان هناك غايات القارئ وغايات النص و غايات المفردات، اهمال
أي منها يؤدي الى تشابه ولا واقعية، والتشابه ليس خلالا في الواقع بل في فهمه.
ان
معرفة الواقع شيء غريزي وقهري، ليس غريزيا للعاقل بل للشيء وللواقع، وهذا الفهم
للغريزة اساسي لفهم فكرة الحقيقة وفكرة الواقع، ان اعطاء صفة الوعي للخارج ليس
وهما بل حق وليس لغزا كما انه ليس تعبدا بالنصوص المشير الى ذلك بل هو معرفة تتجلي
بأدنى التفات الى غايات وجود الكون واشيائه وملخصها ان كل شيء لم يخلق الا بالحق
أي لغايات، وان التسخير لا يمنع ولا يتعارض مع غايات للأشياء في نفسها وكوننا لا
نلمس ذلك في واقعنا لا يعني اننا لا نمتلك ادوات لمعرفة ذلك فالواقع ليس فقط امورا
مادية حسية بل هو اوسع من ذلك بكثير فهو حسي ولا حسي، بل هو معلوم ولا معلوم بل هو
معقول ولا معقول. فمن غير الحسي ما يعلم بالدلالات الظاهرة البينة كالخالق الصانع
القديم كروح الانسان وكعقله المدرك فان هذه الاشياء ليست حسية الا انها في غاية
الظهور و التجلي، ومن الامور ما لا نعلمه سواء كان حسيا او غير حسي وهذا بشهادة
الوجدان، ومن الاشياء ما لا نعقله وهو الاشياء التي لا تحتكم للزمن أي التي تتصف
بوجود لازماني. ومن هنا فاهم حقيقة يعرفها كل عاقل ان العقل يعجز وبشكل صريح وتام عن بلوغ الكمال الكمال لأمور تكوينية ظاهرة
للوجدان والفطرة وهذا العجز من اهم الآيات على وجود الله تعالى وتفرده بالملك
والتدبير.
اذن
فالعلم وسيلة تعبيرية عن الواقع، وهذه الوسيلة التعبيرية للعلم بالواقع من قبل
العقل قد ينتابها خلل من جهتين؛ الاولى من جهتها هي في نفسها بان تكون غير متقنة
او غير صادقة اصلا فتكون ادعاء، والثانية من جهة العقل الجزئي الفردي بسبب قصور
المرجعيات العلمية او بسبب التحيز الفكري.
اما
ادعاء الحقيقة وعدم صدق تعبير العقل عن الواقع او عدم اتقانه أي عدم احكامه فواضح خللها
بل ومكشوف ويكفي الوجدان والفطرة لإسقاطه وان زين وزخرف. واما القصور العلمي للإنسان الذي لا يمتلك
المعلومات الكافية بخصوص المضمون او الحكم الذي تحمله الوسيلة التعبيرية او
التعبير عموما بما فيه النص فهو سبب لعدم بلوغ فكرة صحيحة عن المراد، و اما التحيز
المعرفي فامر حقيقي ومؤثر على الفرد وسببه ان المنظومة المعرفية مهمة لاجل تحقيق
الفكرة عن الشيء او الحكم والاخلال بها يؤدي الى اخلال بالفكرة عن الواقع. ولكن
خطر التحيز الاكبر هو حينما يشيع في المجموعة فتتحقق حالة الجهل غير المميز ويصبح
الجهل علما و الباطل حقا لان للإدراك الجمعي سلطة على النفوس وهو سبب استمرار
الأباطيل في المجتمعات رغم ظهور سفاهتها وسخافتها ووضوح بطلانها وهو اخطر انواع
التسافل المعرفي و السبب عن الكواثر الجمعية والظلم الذي تمر به البشرية.
لكن
الشيء الباعث على التفاؤل والامل هذه الامر للعقلاء كفاءة عالية في التعامل معها
لذلك فهي لا تستمر، ولذلك فان من المتوقع ان الجهل المعرفي بالاشياء سيقل والباطل
المعرفي سيقل الا ان ما سيظهر هو الجهل العملي و الباطل العملي وربما سيكون
الاتقان المعرفي -العلمي- سببا للعجب و الاستكبار والاصرار على الجهل العملي.
ان
العقلاء وبسبب تراكم خبرة طويل وبمعونة ادوات وجدانية وفطرية يتمكن من وضع او
انتزاع اصول للاشياء، وهذه من خصائص العقل الفطرية والتي لا يمكن منعها حتى
الشريعة لا يمكن ان تمنع ذلك لانه امر فطري فالعقل بطبيعة حاله وبفطرته يولد معارف
من كل معرفة يكتسبها و يعتبر تلك المعارف المتولدة من المعرفة الاصلية، فتفريع
الفروع من الاصول عملي عقلي فطري ولا يمكن منعه ومن هنا يظهر الخلل في قول من منع
من الاستنباط والاجتهاد بهذا المعنى ولا بد ان ينحصر المنع في الادعاء ويظهر الخلل
ايضا في استعمال كلمة الاجتهاد في الادعاء بل الصحيح وكما جاء في النص من قران
وسنة وصف الادعاء بالرأي وحصر استعمال الرأي في الادعاء غير المستند الى حقيقة لا
اصلا ولا فرعا واما ما يستند الى الحقيقة بادراك اصلي او فرعي فهو حق واستنباط
واجتهاد في التفريع وهو علم.
هذا
الذي تحدثنا عنه كله هو الواقع، فالواقع ليس محصورا فقط بالحس ولا بالخارج بل هو
اوسع من ذلك بكثير، ولقد اهتم العقلاء بمظهر الحقيقة وبوظيفية التعامل معها
ومعالجة حالة التخاطب وتبادل الافكار، فكانت اللغة التي هي أعظم انجاز للبشرية ومن
اللغة ابتكر الانسان نظام الخطاب وهو من اهم اسباب عصمة المعارف واكثرها كفاءة.
والخطاب هو الذي يلاحظ ويراعي جميع اوجه الواقع وعناصره الانية والبعيدة والعميقة
والظاهرة، فكان نظام التخاطب عملا انسانيا يستحق كل التقدير والاجلال. ان التمييز
بين اللغة وهو نظام الاسماء وبين التخاطب وهو نظام استعمال الاسماء من اهم مداخل
الفقهم للنص وفقه الشريعة بالأخص وما الاختلاف والخلط وخصوصا عن اهل التفسير الا
بسبب عدم التمييز بين لغة النص وتخاطبيته، فالنص عنصر تخاطبي وليس لغوي فقط وستجد
هذا الفهم حاضرا في مناقشاتي التالية.
ان
للتخاطب عند العقلاء اصول ظاهرة وجدانية اهما ان الصل في التعبير ووسائل الخطاب ومنها
القول والنص؛ الاصل فيها الصدق والاتقان لان الاصل في الاشياء الحقيقة والاحكام وكذلك
الاصل في العقل صحة المعرفة وصحة الفهم لان الاصل في المعرفة الاحكام. لذلك حينما
يظهر التعبير كالنص بظاهر غير محكم فالاصل ان سببه المتلقي، فلا نتهم علم المتكلم
ولا نتهم التعبير ولا نتهم المعرفة المشتركة وانما نتهم اولا علم المتلقي، ويحتاج
القول بخلاف ذلك الى علم ولا يكفي الظن. هذا في التعامل العقلائي بين الناس الذين
تعبيراتهم لا توصف بالحكمة الدائمة واما إذا كان مصدر الخطاب حكيما دوما كالخالق
تعالى فانه يمتنع عدم الاحكام لا في علمه ولا في تعبيره فيكون سبب التشابه وعدم
الاحكام في النص السماوي هو الخلل في علم المتلقي سواء كان بقصور او تحيز. وكون
التشابه النص السماوي بسبب خلل في فهم المتلقي فرديا كان او جمعيا لا يكون من
الاصل بل من الحقيقة غير القابلة للتحول والتبدل، فما هو أصل في التعامل مع نص
بشري هو حقيقة ثابتة في التعامل مع النص السماوي. ان هذه الحقيقة الجلية تجعل جميع
كلامنا التالية تفسيرا لها وتصحيحا لمقولات السابقين وافكارهم والا فان هذا الجلاء
لا يحتاج الى بحث نصوص او اقوال.
الثالث:
فكرة التشابه
لاجل
اسباب الاختلاف الممكنة بين الناس وخصوصا العلم والجهل المعلوماتي ولاجل امكانية
ان يتغلب الشيطان على عقل الانسان وان يحرفه عن الطريقة السوية للمعرفة وطلب الخير
فانه من الممكن ان يحصل هناك تشابه في فهم التعبير و عمل بهذا التشابه عن عمد او
غير عمد، فيحل الجهل العملي، وهو ما يقابل الجهل العلمي والذي اما ان يكون بقلة
المعلومات الجهل المعلوماتي او بخلل فكري ومعرفي وهو الجهل التحيزي الفكري. اذن
فمن الواقعي الاشارة الى امكانية العمل بالمتشابه وانه جهل عملي وسببه جهل علمي
معلوماتي او جهل علمي فكري. ويكون التحذير منه حسنا وبيان خطأه وعدم العذر للعامل
به، وهذا ما حصل حينما وصف القران بعض الايات بالمتشابهات مع حقيقة انها محكمة في واقعها
وانما التشابه جاء بسبب المتلقي الذي يعاني اما من جهل علمي معلوماتي او جهل علمي فكري،
قد يسبب التشابه أي الجهل التعبيري وهو اما من جهة الفهم فهو جهل فهمي او من جهة
المعبر المفهم فهو جهل تفهيمي والاخير ممتنع على القران كما بينا فانحصر التشابه
القراني في الجهل الفهمي للقائم بعملية الفهم. فتشابه القران هو خلل فهمي لنص محكم
بسبب قصور فهمي للقائم بعملية الفهم.
وبعد
ان بينا ان خطاب الله تعالى لا يقبل الا الاحكام وان التشابه لا يكون مصدره الا
المتلقي فان البحث عن المحكم والتشابه ينتقل وبسرعة من النص الى المتلقي وتكون
أكثر النظريات التي تحدثت عن تشابه النص في نفسه فاشلة وباطلة قطعا ولا تسلم الا
ما تحدثت عن ان التشابه سببه المتلقي أي الانسان وعقله. فالتشابه ليس في النص
وانما في عقولنا.
الرابعة:
فكرة الاحكام
اننا
ندرك ونعرف ونشعر ونحس ونوقن بوجداننا ان هذا العالم محكم وان كل ما فيه محكم، وان
احكامه دلالة على الصانع المحكم، وان احكام الكون والواقع الذي نعيشه يصدق ويشهد
لما جاء في الكتاب السماوية ان الله هو خالق هذا الكون. ومع ان النص من قران وسنة
دل على ان هذا الكون وهذا الواقع خلق محكما في اعلى درجات الاحكام الا ان هذه
الاشارة النصية هي توكيدية تقريرية لما نعرفه وندركه بعمق وقوة.
كما
ان هذا الحكيم الذي احكم كل شيء بما في ذلك اعظم الاشياء واكبرها وهي السماوات وما
لا يعلمه الا الله واصغر شيء مما لا يعلمه الا الله مما حارت العقول في احكامه
فانه لا يمكن ابدا ان يكون كلامه الا محكما ورسالته الا محكمة و كلماته الا محكمة
وتعابيره الا محكمة. ومن هنا فما ورد من وصف بعض ايات القران انها متشابهة انما هو
بلحاظ المتلقي وليس من حيث هي. فالايات من حيث هي محكمة في اتم الاحكام وانما
التشابه يدخل على المتلقي لقصوره، سواء كان ذلك قصورا فرديا ام جماعيا. وهكذا كان
التعبير عنها بانها متشابهة والا ففي الحقيقة هي محكمة، الا انها تتشابه على
البعض، ووصفها القران تحذيرا من الذين يتبعون ما يتشابه عليهم و يتركون المحكم. فالإشارة
كانت للتحصين والتحذير من ان يتبع البعض المتشابه عندهم فان هذه المتشابهات عند
البعض او الاكثر. وهذا المتشابه يحكم بالرد الى المحكم فلا يبقى متشابه حتى عند من
تشابه عنده اولا. فالقران وان قال انه يمكن ان يحصل تشابه عند البعض بالنسبة الى
ايات هي محكمة في واقعها الا ان هذا التشابه يعلم بالعلم فلا يجوز اتباع المتشابه
كما ان هذا التشابه الطارئ عند البعض يزول بالرجوع الى المحكم فلا عذر مطلقا لمن
يتبع المتشابه. وكلام الله تعالى كما هي افعاله جميعها محكمة متقنة وفي اعلى درجات
الاتقان وان احكام الايات واتقانها لا تحتاج الى نص ليقابل به هذا التشابه بل
لانها معرفة حقيقية راسخة بان فعل الله تعالى لا يمكن الا ان يكون محكما ومنه
كلامه وايات كتابه فكلها وجميعها من اولها الى اخرها محكمة ولا يمكن مطلقا ان تكون
متشابه، وانما وصف القران بعضها بالمتشابه بلحاظ بعض المتلقين الذين يحصل لهم
تشابه لقصور فيهم وليس لان الايات متشابه، فمن يستند الى النص لبيان التعارض بين
احكام الكل وتشابه البعض انما هو يريد ان يقرر معرفة راسخة وجدانية ان كل افعال
الله محكمة بما فيها كل اياته، وهذا هو العلم وهذه هي الحقيقة.
فمن
كان لديه قصور فيحصل له تشابه فيجب ان يكون قصورا طارئا وعليه ان يطور نفسه بسرعة
و يخرج من حالة التشابه الى حالة الاحكام، والاحكام يكون برد المعرفة كلها الى
اصولها واسسها وجوهرها وغاياتها، فعلى المتلقي ان يعرف اولا اسس المعرفة و جوهرها
وغاياتها وعليه ان يعرف ان الصدق هو ما كان له مصدق وشاهد واتساق وتوافق مع تلك
المعارف المحورية، فهو اما ان يرى المعرفة الجديدة متسقة مع المحور والا فانه
يحملها حملا يوافق المحور وهذا هو احكام المعرفة ويعمل يجد حتى يجد علما يمكنه من
تجاوز التشابه من الاصل بعد ان تجاوزه بالحمل، فالإحكام اصلي اولي استقلالي او
ثانوي فرعي توفيقي.
بعد
هذه الاشارات المختصرة يكون لنا وقفة ومناقشة وتوجيه لكلمات من سبق وحمل لها على
ما هو محكم وواضح مما قدمنا. هذا وان سبب التشعب والتطويل في هذا البحث هو ان بعض
الابحاث تنطلق من جهات طرفية للدخول الى الموضوع وتحاول ان تحل مشكلة النص، وفي
الواقع لا الانطلاق الطرفي للموضوع صحيح ولا النظر الى النص كمشكلة مدخل مفيد،
وانما الحل الحقيقي لكل مشكلة معرفية و العاصم والحصن هو الانطلاق من محور المعرفة
مما هو راسخ وثابت ومن ثمة انارة النص و غيره بنور تلك المعرفة العاصمة فيسهل
الصعب و يتبين المظلمة. في الحقيقة حينما ننطلق من الراسخ والثابت فانه لا يبقى
عويص ولا مختلف ولا متشابه ولا مشكل الا ان الكثيرون درجوا وتعودوا الانطلاق من
الطرف ومن الظن ومن الفرع وهذا خطأ واضح. وهنا مواضع للكلام:
الموضع الاول: في الاحكام
مسألة:
معنى الاحكام والمحكم
وهنا
اشارات:
اولا:
الاحكام في وجدان اللغة هو الاتقان، وهذا واضح لا لبس فيه لذلك لا داعي لبحث معنى
الفعل (احكم) فضلا عن غيره.
ثانيا:
المحكم بفتح الكاف أي المتقن بفتح القاف وهو واضح وجدانا لا لبس فيه، واحكم يعني
اتقن وهو واضح وجدانا وعرفا ومعه لا داعي لبحث غيره من الالفاظ.
ثالثا:
الفعل (حكم) له معان مختلفة، وليس في أحدها الاتقان. وفي الواقع انما يصار الى
تبين جذر المعنى للفظ عند خفائه او التباسه اما عند وضوحه فلا موجب لذلك.
رابعا:
المحكم او الاحكام متصل اشتقاقيا بالفعل (احكم) وليس له اتصال مباشر بالفعل (حكم)،
فالفعل (احكم) متوسط بينهما، ومن غير المفيد بل من المضر اغفال الوسط الاشتقاقي.
خامسا:
الوسط الاشتقاقي جوهري وحقيقي في فهم المعنى وعبوره يؤدي الى تضييع الفهم.
سادسا:
الاشتقاقات نظام اجراء الهيئات على الكلمات وليس على المواد فالأحكام مشتق من احكم
وملاحظ فيه معنى احكم وليس معنى الفعل حكم فضلا عن مادة ( ح ك م ).
سابعا:
التداخل بين المشتقات اما ان يكون متوازيا بان يكونا متأخرين عن غيرهما او ان يكون
أحدهما متأخر عن الاخر وفي كلا الحالتين يكون حتما عدم ملاحظة معنى احدهما عند وضع
الاخر، ف (الاحكام او الحكمة) متأخران عن الفعل (احكم) لكنهما متوازيان.
ثامنا:
لدينا في الاشتقاق اشتقاق طولي ترتيبي و اشتقاق عرضي متوازي. ولأهمية الوسط
الاشتقاقي يكون من المهم تبين أي النوعين هو الاشتقاق.
تاسعا:
كثيرا ما يبحث (معنى المادة) لكن في الواقع هو شيء انتزاعي ذهني وليس واقعيا اذ
المعنى هو صفة للكلمات (أي مادة بهيئة) ولا وجود لمعنى لمادة بلا هيئة.
عاشرا:
الذهاب الى جذور المعنى ومادتها اهمال لخطابية الاشتقاق ومدخليه الوسط المعنوي.
العادي
عشر: ليس منع الاحتمال شرطا في الاحكام انما شرط احكام الكلام هو عدم اشتباه ظاهره
بالمراد.
الثاني
عشر: مجمل من المحكم ان كان الظاهر مرادا.
مناقشة
قال في تفسير الميزان - العلامة
الطباطبائي : مادة حكم تفيد معنى كون الشيء بحيث يمنع ورود ما يفسده أو يبعضه أو
يخل أمره عليه، و منه الإحكام و التحكيم، والحكم بمعنى القضاء، و الحكمة بمعنى
المعرفة التامة و العلم الجازم النافع، و الحكمة بفتح الحاء لزمام الفرس، ففي
الجميع شيء من معنى المنع و الإتقان، و ربما قيل: إن المادة تدل على معنى المنع مع
إصلاح. تعليق (ت): الاحكام في وجدان اللغة هو الاتقان، وهذا واضح لا لبس فيه لذلك
لا داعي لبحث معنى الفعل (احكم) فضلا عن غيره. والمحكم بفتح الكاف أي المتقن بفتح
القاف وهو واضح وجدانا لا لبس فيه، واحكم يعني اتقن وهو واضح وجدانا وعرفا ومعه لا
داعي لبحث غيره من الالفاظ. واما الفعل (حكم) فله معان مختلفة، وليس في أحدها
الاتقان. وفي الواقع انما يصار الى تبين جذر المعنى عند خفائه او التباسه اما عند
وضوحه فلا موجب لذلك. والمحكم او الاحكام متصل اشتقاقيا بالفعل (احكم) وليس له اتصال
مباشر بالفعل (حكم)، فالفعل (احكم) متوسط بينهما، ومن غير المفيد بل من المضر
اغفال الوسط الاشتقاقي، فالوسط الاشتقاقي جوهري وحقيقي في فهم المعنى وعبوره يؤدي
الى تضييع الفهم. وفي الحقيقة الاشتقاقات نظام اجراء الهيئات على الكلمات وليس على
المواد فالإحكام مشتق من احكم وملاحظ فيه معنى احكم وليس معنى الفعل حكم فضلا عن
مادة ( ح ك م )، كما ان هناك ترتيبا في المشتقات يجعل البعض سابقا على غيرها و
يجعل الاخر متقدما بل يمتنع ان يلحظ المشتق
مع اخر بكونه متقدم ومتأخر ،
فالتداخل بين المشتقات اما ان يكون متوازيا بان يكونا متأخرين عن غيرهما او ان
يكون احدهما متأخر عن الاخر وفي كلا الحالتين يكون حتما عدم ملاحظة معنى احدهما
عند وضع الاخر، ف ( الاحكام او الحكمة) متأخران عن الفعل ( احكم) لكنهما
متوازيان، فلدينا اشتقاق طولي ترتيبي و
اشتقاق عرضي متوازي. وكثيرا ما يبحث (معنى المادة) لكن في الواقع هو شيء انتزاعي
ذهني وليس واقعيا اذ المعنى هو صفة للكلمات (أي مادة بهيئة) ولا وجود لمعنى لمادة
بلا هيئة. فمعنى المادة شيء منتزع من الكلمات وعندما يشتق بهيئة يلحظ معنى الهيئة
مع معنى الكلمة المشتق منها وليس معنى المادة. فمحكم واحكام مشتق من احكم وليس من
مادة (ح ك م) وملحوظ فيه معنى (احكم) وليس معنى الفعل (حكم) فضلا عن مادة (ح ك م).
والبحث عن الاحتفاظ على معنى المادة في المشتقات بحث جميل لكن ينبغي ان ينتبه الى
انه بحث عن امر ذهني منتزع متفرع تبعي وليس امرا أصليا يتفرع منه وينتزع منه.
مناقشة:
قال تفسير الأمثل - مكارم الشيرزي : «المحكم» من «الإحكام» وهو المنع. ولهذا يقال
للمواضيع الثابتة القويّة «محكمة» أي أنّها تمنع عن نفسها عوامل الزوال. كما أنّ
كلّ قول واضح وصريح لا يعتوره أيّ احتمال للخلاف يقال له «قول محكم». ت: وتمامه
غير واضح فالاحكام الاتقان، والمحكم المتقن والكلام المحكم المتقن تعبيريا، واما
الذهاب الى جذور المعنى ومادتها فهو من اهمال خطابية الاشتقاق ومدخلية المناسبات
في اضافة معان مختلفة كما بينا، وليس منع الاحتمال شرطا في الاحكام انما شرط احكام
الكلام هو عدم اشتباه ظاهره بالمراد. ولذلك فالمجمل من المحكم ان كان الظاهر
مرادا.
مسألة:
الكتاب محكم كله
وهنا
اشارات:
اولا:
قوله تعالى (احكمت اياته) يعني انه محكم كله.
ثانيا:
الاحكام للكتاب هو الاتقان تركيبا وبيانا.
ثالثا:
الاصول المعرفية التي بينها تثبت ان الكتاب كله في غاية الاحكام.
رابعا:
الاحكام بالأساس متعلق بالتعبير وصفة للنص وليس للمعرفة، واما البعد المعرفي فانه
ايضا كاملا الا انه ليس من مباحث الاحكام بل هو من بحث المعرفة فعدم الفساد وعدم
التناقض وعدم الاختلاف كلها صفات لمعارف الكتاب وليس له كنص.
خامسا:
القران كاملا معرفيا بموجب حكمة الحكيم وسعة علمه ولإنه خبير والنص المشير الى ذلك
توكيدي.
سادسا:
خاتميه الرسالة بالقران يعني بالضرورة امتناع تطرق الخلل اليه لا من داخله ولا من
خارجه، والنص المشير الى ذلك توكيدي.
سابعا:
التحريف ممتنع على القران لما بينا، فمن يعتقد التحريف فالتحريف في عقله وليس في
القران.
مسألة: فهم المراد بالظاهر
وهنا اشارات:
اولا: قوله تعالى (منه ايات محكمات)،
دال على ان بعضه محكم وبعضه متشابه كما سيصرح، وهذا بلحاظ المتلقي وليس وصفا
واقعيا في النص نفسه كما بينا.
ثانيا: حينما يفهم المتلقي المراد من
الظاهر يكون النص محكم بالأصل.
ثالثا: حينما لا يصل المتلقي الى
المراد بظاهر النص فانه يكون متشابها عنده، والسبب ليس في النص بل في معارف
المتلقي.
رابعا: الخلل المضموني والمعرفي
للمتلقي لا يشترط ان يكون فرديا بل يمكن ان يكون جماعيا، فالحكم بتسابه المتشابه
القرآني الجماعي لا يعني انه متشابه فعلا في نفسه وانما يعني ان الجميع لهم ادراك
متشابه للمحكم.
خامسا: يعرف المحكم بتوافقه مع
المعلوم الثابت ويعرف المتشابه بمخالفته وتعارضه مع المعلوم الثابت، وهذا الاختلاف
والتعارض ليس حقيقيا في النص بل هو تفاعلي ناتج بفعل قصور في معرفة المتلقي.
سادسا: ا يصح مطلقا اهمال كون النص
له قارئ ومتلق يؤثر على ظهوره و وضوحه، فالقراءة عنصر مهم في تكوين النص. القراءة
جزء من النص.
سابعا: مهما كان النص واضحا فان قصور
المتلقي يجعله مبهما ومهما كان النص محكما فقصور المتلقي يجعله متشابها.
مناقشة: قال في التبيان في تفسير
القرآن - الشيخ الطوسي: في (منه ايات محكمات)، قال ووصفه بان بعضه محكم، وبعضه
متشابه ما أشرنا اليه، من ان بعضه ما يفهم المراد بظاهره فيسمى محكما ومنه ما
يشتبه المراد منه بغيره وان كان على المراد والحق منه دليل فلا تناقض في ذلك بحال.
ت: ان كان يريد ان ذلك بفعل المتلقي فهو حق وان اراد ان هذا
بفعل النص فهو غير تام لان النص السماوي لا يقبل التشابه في نفسه بل التشابه بفعل
المتلقي. ولا يصح مطلقا اهمال كون النص له قارئ ومتلق يؤثر على ظهوره ووضوحه فمهما
كان النص واضحا فان قصور المتلقي يجعله مبهما ومهما كان النص محكما فقصور المتلقي
يجعله متشابها.
مسألة:
الاحكام بالمعرفة الشرعية
وهنا
اشارات:
اولا:
الاصل في العبارة وحدة الدلالة وعند تعدد الدلالة بحسب اللغة فان التخاطب يوحدها
من القرائن الكلامية والمعرفية.
ثانيا:
الاصول اللغوي للفهم هي المرجعيات اللغوية والاصول المعرفية لفهم هي المرجعيات
المعرفية، واذناء عملية التخاطب يحضر الاثنان، فلا فهم ولا تخاطب من دون لغة
ومعرفة.
ثالثا:
الخطأ الشائع في الخلل بابحاث الغرباء عن الفن هو انهم ليسوا محيطين بالمرجعية
المعرفية للكلام الخاص به لذلك فانهم يعتمدون على المرجعية اللغوية مع توجيه شخصي
فيحصل الخلل، لذلك لا يصح الوثوق باقوال غير المتدينين بخصوص الدين الا بالعلم
انهم يعرفون ما يكفي من المعارف الدينية الخاصة بالشريعة.
رابعا:
الدلالة ذاتية للتعبير، فلا كلام بلا دلالة، فماذا يتحقق الفهم فلا بد من دلالة،
والقول باحتياج الدلالة الى معرفة اضافية باطل، انما يحتاج الى معرفة في فهم
المراد وليس فهم الدلالة.
خامسا:
التفسير ليس لبيان الدلالة المعنوية لانها حاصلة لكل عارف باللغة انما التفسير
ليبين كونها المراد فتصبح محكمة او انها ليست المراد فتكون متشابهة.
سادسا:
وظيفة التفسير تمييز المحكم من المتشابه بعرض الدلالة اللغوية (الظاهرية) على
المعارف الثابتة فيحكم باحكام المتوافق معها وتشابه المخالف لها.
سابعا:
الظاهر ان وافق المعارف الثابتة فهو المراد وهو المحكم والظاهر ان خالف المعارف
الثابتة لا يكون هو المراد فيكون متشابها.
ثامنا:
علاجات التخاطب واصول المعرفة تمكن من توجيه دلالة المتشابه فيصبح محكما بعلم وليس
بظن.
مناقشة:
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي : على أن كل من يرعى نظره في آيات القرآن من
أوله إلى آخره لا يشك في أن ليس بينها آية لها مدلول و هي لا تنطق بمعناها و تضل
في مرادها، بل ما من آية إلا وفيها دلالة على المدلول: إما مدلول واحد لا يرتاب
فيه العارف بالكلام، أو مداليل يلتبس بعضها ببعض، و هذه المعاني الملتبسة لا تخلو
عن حق المراد بالضرورة و إلا بطلت الدلالة كما عرفت، و هذا المعنى الواحد الذي هو
حق المراد لا محالة لا يكون أجنبيا عن الأصول المسلمة في القرآن كوجود الصانع و
توحيده و بعثة الأنبياء و تشريع الأحكام و المعاد و نحو ذلك، بل هو موافق لها و هي
تستلزمه و تنتجه و تعين المراد الحق من بين المداليل المتعددة المحتملة، فالقرآن
بعضه يبين بعضا، و بعضه أصل يرجع إليه البعض الآخر. ت: قوله (و تعين المراد الحق
من بين المداليل المتعددة المحتملة) هو التوجيه المعرفي و الاحكام المعرفي للنص.
وقوله (ما من آية إلا و فيها دلالة على المدلول:) هو ما اشرنا اليه ان الدلالة
اللغوية متحصلة لاي انسان و انما التفسير ليس لبيان الدلالة المعنوية بالمرجعية
اللغوية بل لبيان كون هذه الدلالة هي حقيقة المراد فتكون الاية محكمة او انها ليست
المراد لاجل تعارضها مع المعارف الثابتة فتكون متشابه وهذه هي الدلالة المعرفية
التي تحصل بالمرجعية المعرفية. ثم تحكم بردها الى المحكم وهو ما اسميناه ( الدلالة
المعرفية).
مسألة:
المحكم والعقل
وهنا
اشارات:
اولا:
المحكم حجة وهو مستقل بالدلالة ولا يسلبه الحية شيء اخر الا دليل.
ثانيا:
المحكم حكم على النص بعد اجراء كل عمليات التوفيق والعرض فالمحكم موافق للعقل
والعرف والوجدان.
ثالثا:
المعارف البشرية معارف واقعية عقلائية، كما انها وجدانية فطرية، فهذه صفات متجذرة
في كل معرفة شرعية وكل نص شرعي لا بد ان يتصف بتلك الصفات.
رابعا:
اذا نسب نص الى الشرع فلا يقبل الا ان يكون متصفات بالعقلائية والوجدانية.
خامسا:
النص القطعي الذي ثبت بنفسه ان بدا انه غير متوافق مع العقلائية او الوجدانية يكون
متشابها لان العقلائية والوجدانية شرط في شرعية النص. فيجب حمله على ما يوافقهما
لان الاحكام في ذلك.
سادسا:
العقلائية والوجدانية عامة نوعية لا تخضع للفردية ولا تؤثر فيها الفردية ولا
تضعفها بل هي بينة دوما. والاعتبار بها وليس بالفردية.
مناقشة:
قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي : ان قيل: كيف يكون المحكم حجة مع
جواز تقييده بما في العقل؟ وفي ذلك إمكان كل مبطل أن يدعيه فتذهب فائدة الاحتجاج
بالمحكم؟ قلنا: لايجب ذلك من قبل أن التقييد بما في العقل إنما يجوز فيما كان ردا
إلى تعارف من جهة العقول دون مالا يتعارف في العقول بل يحتاج إلى مقدمات لا
يتعارفها العقلاء من أهل اللغة، والمراعى في ذلك أن يكون هناك تعارف من جهة العقل
تقتضيه الحكمة دون عادة أو تعارف شئ لان الحجة في الاول دون الثاني، ومن جهة
التباس ذلك دخل الغلط على كثير من الناس. ت: موافقة المحكم للعقل تامة ومن كل جهة
ليس لان النص المحكم دل على ذلك بل لان الشرع روحه الحكمة وهي الحال الحسنة في
الاشياء والشرع اساسه ذلك، و ليس المقصود بالعقل المعارف الدقية الفلسفية وانما ما
هو واضح وراسخ في الوجدان بحيث يكون واحدا و مبثوثة في النفس الانسانية.
مسألة
: المحكم و اللغة
وهنا
اشارات:
اولا:
يجوز تقييد دلالة النص الظاهر بما هو معروف ومتعارف عند اهل اللغة من اصول وهذا هو
التوجيه اللغوي للنص.
ثانيا:
انما يصح التوجيه اللغوي بما هو متعارف ومعروف ومعهود وليس بالشاذ والنادر وغير
المعهود.
ثالثا: الافراط والتفريط في تحصيل الدلالة مضر،
فاعتماد ظاهر النص دون توجيه لغوي ومرجعية لغوية وكذا توجيهه بموجهات غير معتبرة
كلاهما خطأ ضار ومخل بالفهم والحقيقة.
رابعا:
تخاطبية النص تعني ان دلالة النص على المعنى والمراد انما يكون بمراعاة ما في
اللغة من تعهدات وما بين المتخاطبين من معهودات.
خامسا:
تجريد النص من مرجعياته التخاطبية وتحويله الى نص خال من البعد المعرفي امر خطير
يؤدي الى معارف مختلفة متعارضة.
سادسا:
اعتبار التخاطبية والمعرفية سبيل عصمة المعارف المستفادة من النص.
سابعا:
تخاطبية النص لا تقبل الا بالتناسق والتوافق وترفض الاختلاف والتعارض.
ثامنا:
تعدد الاحتمالات اللغوية للنص ترتفع بفعل التخاطب فتتوحد في دلالة واحدة هي
المراد. والتفاوت في ذلك ليس بسبب النص ولا بسبب المعرفة وانما بسبب القصور او
التقصير المعرفي.
مناقشة:
قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي : ان قيل: كيف يكون المحكم حجة مع
جواز تقييده بما في العقل؟ وفي ذلك إمكان كل مبطل أن يدعيه فتذهب فائدة الاحتجاج
بالمحكم؟ قلنا: لايجب ذلك من قبل أن التقييد بما في العقل إنما يجوز فيما كان ردا
إلى تعارف من جهة العقول دون مالا يتعارف في العقول بل يحتاج إلى مقدمات لا يتعارفها
العقلاء من أهل اللغة، والمراعى في ذلك أن يكون هناك تعارف من جهة العقل تقتضيه
الحكمة دون عادة أو تعارف شئ لان الحجة في الاول دون الثاني، ومن جهة التباس ذلك
دخل الغلط على كثير من الناس. ت: ان دلالة النص على المعنى والمراد انما يكون
بمراعاة ما في اللغة من تعهدات وما بين المتخاطبين من معهودات، والتجريد النص من
ذلك يؤدي الى تجريده من خطابيته و تحويله الى نص خال من البعد المعرفي وهذا امر
خطير يؤدي الى استفادة معارف لا تتناسق ولا تتوافق مع المعروف تخاطبيا و تدخل النص
في مجال الاحتمال اللغوي والذي لا يجري في التخاطب، فان اللفظ مهما كان محتملا
لمعنى ومهما تعددت احتمالاته المعنوية فانه في الخطاب يصبح باتجاه واحد. فالفرق
بين النص بحسب اصل اللغة والنص نفسه في مجال الخطاب انه في اصل اللغة يكون متعدد
الاتجاهات دلاليا بينما يكون ذو اتجاه واحد في مجال الخطاب، و اكثر الخلاف هو بسبب
تجريد النص الشرعي من خطابيته.
مسألة:
المحكم والعرف
اولا:
لا قيمة لعرف الناس في فهم الخطاب لان الوجدان اللغوي اكثر تجذرا من العرف وارادة
العرفي تحتاج الى قرينة.
ثانيا:
للعقلاء طريقة واضحة في التعامل مع النص وهذه راسخة ومتوارثة وتنقل مع الاجيال
كوجدان وهو الوجدان اللغوي وهو معتمد في الفهم.
ثالثا:
للنص العلم محيط معرفي ينقل بواسطة الاجيال مع النص يكون كافيا في فهمه وهذا هو
الوجدان العلمي وفي الشرع هو الوجدان الشرعي لذلك لا يمكن ابدا ادخال ما ليس من
الشرع فيه لان الوجدان الشرعي يرفضه وهذا هو أصل العرض على الوجدان.
رابعا:
الوجدان اللغوي ليس امرا فرديا كما يعتقد بل هو صنعة العرف العقلائي، وهو يميز بين
العرف العقلائي و عرف العادة و الثقافة، و المخاطب يعلم انه يجب مراعاة عرف
العقلاء ووجدانهم الانساني في التخاطب، و لا يعتني بعرفهم الثقافي والتعودي كمستند
للفهم.
مناقشة:
قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي : ان قيل: كيف يكون المحكم حجة مع
جواز تقييده بما في العقل؟ وفي ذلك إمكان كل مبطل أن يدعيه فتذهب فائدة الاحتجاج
بالمحكم؟ قلنا: لايجب ذلك من قبل أن التقييد بما في العقل إنما يجوز فيما كان ردا
إلى تعارف من جهة العقول دون مالا يتعارف في العقول بل يحتاج إلى مقدمات لا
يتعارفها العقلاء من أهل اللغة، والمرعي في ذلك أن يكون هناك تعارف من جهة العقل
تقتضيه الحكمة دون عادة أو تعارف شئ لان الحجة في الاول دون الثاني، ومن جهة
التباس ذلك دخل الغلط على كثير من الناس. ت: النص الشرعي يلاحظ طريقة تعامل الناس
وعرفهم بما هم عقلاء في حياتهم وفي تحدثهم، والمعنى انه في النصوص الخطابية تلاحظ
طريقة العقلاء في جميع الجهات، ومن هذا العرف يتكون الوجدان فالوجدان ليس امرا
فرديا كما يعتقد بل هو صنعة العرف العقلائي، وهو يميز بين العرف العقلائي وعرف
العادة والثقافة، والمخاطب يعلم انه يجب مراعاة عرف العقلاء ووجدانهم الانساني في
التخاطب، ولا يعتني بعرفهم الثقافي والتعودي كمستند للفهم. و حينما نقول لا يعتبر
اي من جهة انه مصدر للفهم و معرفة تراعى في الخطاب و ليس انه لا يعتبرها من حيث
التعامل و الاهتمام كموضوع وقضية.
مسألة:
المحكم والمعارف الاختصاصية
وهنا
اشارات:
اولا:
المعارف الخاصة (المقدمات) ليست مرجعا للفهم ولا تحكم النص.
ثانيا:
في العلوم هناك تعارف وعرف وهو مقدمة فهم اشاراته ومها ما هو خاص ومنها ما هو عام
والشرع من النوع الثاني، فهو علم الا انه عامي اصطلاحا ومقدمات.
ثالثا؟:
لا يمكن لاي مقدمة تفرض او تدعة ان تحكم على دلالات النص الشرعي لانه نص عامي و ليس فيه اسرارا او الغازا او ابحاث
دقيقة ومعقدة كما يتصور.
رابعا:
ان النص الشرعي هو نص في نظام وضمن منظومة معارف متناسقة متجانسة متوافقة، تحقق
فكرة العلم.
خامسا: ان النص وفائدته ومعناه لا يتغير بتغير المعارف
الاختصاصية ولا بتطور في جانب من العلوم الطبيعية، وانما ما يتفاعل و يتاقلم مع
تلك التطورات هي تغير عنوان الاشياء بتلك الاكتشافات. لان الاحكام الشرعية انما
تتعامل مع المواضيع و المواضيع واحدة لكن مصاديقها تتغير
سادسا:
الشيء نفسه اذا حقق شرط الحكم فهو موضوع و
اذا فقد الشرط لا يصبح موضوعا للحكم. فالحكم الشرعي حكم على موضوع عام يتطلب شروطا
اذا تحققت الشروط كان الموضوع، فتجد الشيء نفسه احيانا يكون موضوعا واحيانا لا
يكون موضوعا .
مناقشة:
قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي : ان قيل: كيف يكون المحكم حجة مع
جواز تقييده بما في العقل؟ وفي ذلك إمكان كل مبطل أن يدعيه فتذهب فائدة الاحتجاج
بالمحكم؟ قلنا: لا يجب ذلك من قبل أن التقييد بما في العقل إنما يجوز فيما كان ردا
إلى تعارف من جهة العقول دون مالا يتعارف في العقول بل يحتاج إلى مقدمات لا
يتعارفها العقلاء من أهل اللغة، والمراعى في ذلك أن يكون هناك تعارف من جهة العقل
تقتضيه الحكمة دون عادة أو تعارف شئ لان الحجة في الاول دون الثاني، ومن جهة
التباس ذلك دخل الغلط على كثير من الناس. ت: ان النص الشرعي هو نص في نظام وضمن
منظومة معارف متناسقة متجانسة متوافقة، وهو ينظر و يراعي العوامل الانسانية
العميقة في القهم كالفطرة و الوجدان وعرف اللغة وعرف العقلاء، اما غير ذلك من
معارف فيعتبرها العقل امورا خارجية من حيث نظام الفهم و التفهيم و الفائدة و
الافادة، و لذلك فان النص وفائدته ومعناه لا يتغير بتغير المعارف الاختصاصية ولا
بتطور في جانب من العلوم الطبيعية، وانما ما يتفاعل و يتاقلم مع تلك التطورات هي
تغير عنوان الاشياء بتلك الاكتشافات. لان الاحكام الشرعية انما تتعامل مع المواضيع
و المواضيع واحدة لكن مصاديقها تتغير، فالشيء نفسه اذا حقق الشرط فهو موضوع و اذا
فقد الشرط لا يصبح موضوعا للحكم. هذه الحقيقة مهمة جدا لفهم علاقة الاحكام الشرعية
بالاشياء. وهذا لا دخل له بفهم النص ولا بافادته المعنوية. والحكم الشرعي حكم على
موضوع عام يتطلب شروطا اذا تحققت الشروط كان الموضوع، فتجد الشيء نفسه احيانا يكون
موضوعا واحيانا لا يكون موضوعا ، و هكذا ايضا يتغير التكليف تجاه ذلك الموضوع.
وهذا كله لا علاقة له بالافادات و الفهم.
مسألة
: المحكم والقرينة
وهنا
اشارات:
اولا:
الاحكام والتشابه وان كان صفة عامة للمعارف الا انه في البحث القراني هو صفة
للقول.
ثانيا:
احكام القول وتشابهه يعرف من خلال قرائن تخاطبية.
ثالثا:
القرائن التخاطبية واضحة وجلية الا انها احيانا تهمل ومنها القرينة اللغوية أي طريقة
اهل اللغة في التعبير ومنها القرينة المعرفية أي ارتكاز الدلالة على المرتكز
المعرفية في التعبير.
رابعا:
علاقة القرينة بالدلالة الاتصال دوما، بمعنى انه لا دلالة واقعية من دون القرينة،
وما يفهم قبل توجيه القرينة ليس هي الدلالة.
خامسا:
الطهورات والدلالات التي تفهم من دون توجيه القرينتة لا قيمة تخاطبية لها وانما
الاعتبار كله للمحصلة الدلالية التي توجه بالقرائن.
سادسا:
الاصل في الظاهر انه المراد، وانما يعرف انه غير مراد أي متشابها بقرينة تخاطبية
لغوية او معرفية.
سابعا:
للكتاب ايات هن امهات معارفه وهن من المحكمات واليها يرد غيرها و يعرف بها، فما
وافقها كان محكما وما خالفها كان متشابها يحمل عليها.
سابعا:
ان موافقة امهات المعرفة اصل في شرعية المعرفة ولذلك فالمعارفة الظنية التي لا
توافق امهات الكتاب لا تنسب الى الشرع.
ثامنا:
التشابه لا يكون صفة للظني أي الاخبار الاحاد مثلا وانما هو للقطعيات من ايات
واحاديث قطعية، فهذه هي التي تحتمل التشابه وينبغي ان تحمل على المحكم.
مناقشة:
قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي: المحكم هو ما علم المراد بظاهره
من غير قرينة تقترن إليه ولا دلالة تدل على المراد به لوضوحه، نحو قوله: " إن
الله لا يظلم الناس شيئا " . ت: اقول ان كان يقصد ان الظاهر هو المراد فهو
تام وان اراد ان اراد انه لا بد من قرينة تدل على ان الظاهر هو المراد فغير واضح
فان الاصل ان الظاهر هو المراد، وانما ما يعرف بالقرينة هو المتشابه.
مناقشة:
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي : ثم إن هذا الناظر إذا عثر بعد هذه النظرة
على قوله تعالى: منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات، لم يشك في أن
المراد بالمحكمات هي الآيات المتضمنة للأصول المسلمة من القرآن و بالمتشابهات
الآيات التي تتعين و تتضح معانيها بتلك الأصول. ت: اقول المحكمات هنا ناظرة الى
التعبير باحكام التعبير والرد اليها لان دلالاتها مرادة، واما اصول المعارف فهي من
المعارف وليس من التعبير واصول معارف الدين فليس فقط تحصل من دلالة اية او ايتين
او ثلاث بل بمجموعة كبيرة من الادلة والمعارف بحيث تجعلها معرفة لها وزنها كالجبل
العظيم، فاصول معارف الدين هي جباله العظيمة الثابتة الراسخة التي لا توصف. ووصفه
كله هو لامهات الكتاب أي محاور الشريعة، و المحكمات ليس المسلمات قطعا وانما
التعابير الواضحة في انها مرادة وليس من قرينة تثير الظن بكون ظاهرها غير مراد.
وهذا القول يعني ان التشابه صفة حقيقة للايات وهذا ممنوع، بل هو صفة للمتلقي وانما
الرد دائم الى امهات الكتاب المحكمات، فان وافقها ظاهر النص كان محكما وان لم
يوافقها كان متشابها، وهنا ينبغي حمله على ما يتوافق مع المحكم.
مناقشة:
تفسير الأمثل - مكارم الشيرزي : الآيات المحكمات هي الآيات ذات المفاهيم الواضحة
التي لا مجال للجدل والخلاف بشأنها. ت: بشأنها أي بشأن المفاهيم لان جعل الجدل
والخلاف في الاية مخالفا لاحكامها باطل جدا لا يصح حمل كلامه عليه. واما المفاهيم
فان وصفها بالتشابه غير تام الا اذا كان المقصود ظاهرها، فالمفهوم الذي لا يعلم
يسمى مجهول سواء كان بجهل تام او جهل اجمالي والاجمال علم فيه جهل وليس تشابه.
المفاهيم المجهولة كما الامور التي لا يحاط بها ينبغي التسليم بها والايمان يبها
ورد علمها الى الله تعالى وهي لا تسمى متشابه لانها لا تشتبه بغيرها والمفاهيم
ليست الايات، وليس بالضرورة جهل المفهوم يعني تشابه الاية اذا ان للمفهوم دائرة من
المعنى يكفي في تصور المعنى الاساسي منه لتصور معنى التعبير، فالاية التي فيها
مفهوم مجهول الحقيقة يكفي فيه اساس المعنى الذي يكفي لخطوره و لحاظه بجهة من
الجهات ولو جزئية فان للعقل قدرة على الاشارة الى الاشياء بملاحظات كثيرة غير تمام
المفهوم والمعنى. فجهل المفاهيم ليس بالضرورة يعني تشابه التعابير، وجهل حقيقة
مفهوم في ايات ليس بالضورة تشابه الايات. بل قطعا هناك مفاهيم مجهولة الحقيقة في
ايات محكمة.
مسألة:
الاحكام والتفصيل
اولا:
قوله تعالى ("كتاب أحكمت ءاياته ثم فصلت) أي وضحت، وليس فرقت ، فهي متقنة
موضحة فثم هنا رتبية وليس زمنية.
ثانيا:
وصف الاحكام للآيات جميعها حقيقي و نفسي و
التفصيل هو التوضيح وهو نفسي وحقيقي ودائم.
ثالثا:
الإحكام يكون من حيث التعبير و الدلالة و التوضيح من حيث المعرفة و الافادة.
رابعا:
الاحكم والتشابه في بعض الايات هي انها متشابهة من وجه ومحكمة من وجه، فهي في
الواقع محكمة الا انها متشابهة عند بعض المتلقين. وهي متشابهة عند هؤلاء في الدلالة
الاولية اللغوية لكن بردها الى المحكم تصبح محكمة.
مناقشة:
قال في تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي: إنه تعالى وإن وصف كتابه بإحكام
الآيات في قوله: "كتاب أحكمت ءاياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير"، لكن
اشتمال الآية على ذكر التفصيل بعد الإحكام دليل على أن المراد بالإحكام حال من
حالات الكتاب كان عليها قبل النزول وهي كونه واحدا لم يطرأ عليه التجزي والتبعض
بعد بتكثر الآيات، فهو إتقانه قبل وجود التبعض، فهذا الإحكام وصف لتمام الكتاب،
بخلاف وصف الإحكام والإتقان الذي لبعض آياته بالنسبة إلى بعض آخر من جهة امتناعها
عن التشابه في المراد. وبعبارة أخرى لما كان قوله منه آيات محكمات هن أم الكتاب
وأخر متشابهات مشتملا على تقسيم آيات الكتاب إلى قسمي المحكم والمتشابه علمنا به
أن المراد بالإحكام غير الإحكام الذي وصف به جميع الكتاب في قوله: كتاب أحكمت
ءاياته الآية. ت: وصفت الآيات بالإحكام و فصلت أي وضحت وليس فرقت، و لو اريد احكام
الكتاب ثم تبعضيه لكان الوصف للكتاب بان يقول ( كتاب احكم ثم فصل) فوصف الاحكام
للآيات حقيقي و نفسي و التفصيل هو التوضيح، والاحكام مشتمل على معنى البيان والوضح فالمعنى بينت و وضحت معرفيا، فالإحكام
من حيث التعبير و الدلالة و التوضيح من حيث المعرفة و الافادة. واما التداخل في
المصداق بان الكل محكم والبعض متشابه مما يعني ان البعض محكم ومتشابه فان الاحكم
والتشابه في البعض هي انها متشابهة من وجه ومحكمة من وجه، فهي في الدلالة الاولية
متشابه لكن بردها الى المحكم تصبح محكمة. ولقد صرح هو بذلك في موضع من كتابه فقال
(أن المتشابهة من الآيات تصير بإرجاعها إلى المحكمات محكمات مثلها). من هنا يتبين ان ليس لكلامه هنا لا مصدق نصي
ولا معرفي.
مسألة:
(هن أم الكتاب)
اولا:
المعرفة قائمة على حقيقة التمايز بين الراسخة وغيره، وكلاهما علم الا انهما
يختلفان في طبيعة العلم بهما وقوته.
ثانيا:
المعارف الراسخة هي محور المعرفة والعلم بها مستقل عن كل قرينة او مساعد وهي التي
تكون محور المعرفة التي يرد اليها غيرها.
ثالثا:
المعارف المحور هي التي تعطي الشكل واللون والصبغة والاتجاه و الميزة العامة
للمعرفة ككل وبها يعرف غيرها.
رابعا:
المعارف المحورية مهمة جدا لانها هي التي تكون المرجع في عملية التوافق والاتساق،
فان الاتساق بالاساس يكون معها.
خامسا:
المعارف المحورية الراسخة في الشريعة لا بد ان تكون قطعية من القران والسنة متفق
عليها لا يشك فيها احد ولا يناقش.
سادسا
: قوله تعالى (هن ام الكتاب) والام هي الاصل وهو ناظر الى الكتاب بمعارفه، فهن اصل
المعارف، واصل معارف نظام هو محوره ودستوره الذي فيه مضامين وفقرات، وهذا واضح
عرفا ووجدان ولا يحتاج الى بيان والمطالبة بتوحيد الصفة والموصوف مطلب لغوي
والقران نص خطابي.
سابعا:
المعرفة المحورية هي الاصل وبها يعرف غيرها ثبوتا او دلالة فيكون فرع سواء كان
متشابها او محككما.
ثامنا:
بالاتساق مع المعرفة المحورية يبثت الظني من الحديث فيصبح علما.وتتميز الدلالة
المرادة من بين مرادات متعددة في الاحتمال اللغوي وتتميز الدلالة المرادة المغاير
للظاهر في المتشابه التعبيرية.
تاسعا:
الاتساق بين المعارف اساسي لتعريف المعرفة وهناك الاتساق الاولي الاصلي مع المعارف
المحورية والاتساق الثانوي الفرعي مع المعارف الفرعية.
عاشرا:
المعرفة تتميز في الصدر كعالم متجانس متوافق وهي شيء راسخ يتكون بفعل الادلة في
قلب المعتقد والمؤمن.
الحادي
عشر: حينما تكتسب المعرفة فانها تكون بلون واحد فلا تتميز من حيث طريق استفادتها
أي لا تتميز من حيث كونها قرانية او سنية او انها اصلية او تفرعية او محورية او
فرعية وانما تعرف على انها معرفة شرعية.
الثاني
عشر: معرفة المعرفة وتعريف المعرفة بالرد و العرض ونحو ذلك وتبين الاتساق والتوافق
كلها عمليات وجدانية يقوم بها المؤمن والمعتقد باي مستوى كان بل هي من الضروريات
الغريزية التي لا يمكن منع حدوثها، فالعرض و التمييز والتعاريف للمعرفة وظيفة كل
عاقل ولا تختص بفئة معينة من الناس كالمفسرين مثلا.
الثالث
عشر: المعرفة في مستقرها في الصدر انما تعرف انها معرفة من دون تمييز من جهة
الاكتساب الا انها حينما ينظر اليها من الخارج او من حيث ادلتها وثبوتها تتميز الى
القرآني و السني والمحوري و الفرعي، و الاصلي و التفرعي والنصي والاستنباطي وهذا
التمييز هو من بحث (معرفة المعرفة او ما يسمى " ميتا المعرفة) ومن هنا يحسن
ان يكون هناك علم اسمه "ميتا الشريعة" .
الرابع
عشر: من اهم المعارف المحورية في الشريعة بعد معرفة الله ورسوله والايمان
بالملائكة والكتاب واليوم الاخر هو قيام الشريعة على العد والاخلاق فانها تعطي
للمعارف الشرعية صفة الوجدانية والواقعية.
مناقشة:
قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي : في (هن أم الكتاب) معناه أصل
الكتاب الذي يستدل به على المتشابه، وغيره من أمور الدين. ت: كونها اصل الكتاب أي
محوره فهو تام الا ان ذكر الكتاب من باب المظهر للمعرفة أي ام معارف الكتاب، أي
انها ام المعارف الشرعية ومحورها ،
والاصلية هنا المحورية، فان المعرفة الاصلية هي كل معرفة تثبت وتستقل بنفسها في
الثبوت والفرعية ما تعرف بالرد اليها من متشابهات ومحكمات وهناك معنى للأصلي هو
النصي ومنه يتفرع الفرع وهو الاستنباطي.
مناقشة:
قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي : قيل في توحيد أم الكتاب قولان:
أحدهما - أنه قدر تقدير الجواب على وجه الحكاية كأنه قيل: ما أم الكتاب؟ فقيل هن
أم الكتاب كما يقال: من نظير زيد؟ فيقال: نحن نظيره. الثاني - أن يكون ذلك مثل
قوله: " وجعلنا ابن مريم وأمه آية " بمعنى الجميع آية ولو أريد أن كل
واحد منهما آية على التفصيل، لقيل آيتين. ت: الام هي الاصل وهو ناظر الى الكتاب
بمعارفه، فهن اصل المعارف، واصل معارف نظام بشكل الدستور الذي فيه مضامين وفقرات،
وهذا واضح عرفا ووجدان ولا يحتاج الى بيان والمطالبة بتوحيد الصفة والموصوف مطلب
لغوي والقران نص خطابي.
مناقشة:
قال في تفسير الأمثل - مكارم الشيرزي : الآيات المحكمات تسمّى في القرآن «أُمّ
الكتاب» أي هي الأصل والمرجع والمفسّرة والموضّحة للآيات الأُخرى. ت: الاية جعلت
ام الكتاب صفة لايات محكمات وهو تنكير والتنكير لا يدل على الكلي بل هو دال على
الجزئية، فالمعنى ان من تلك المحكمات ما هو ام الكتاب لان القران فيه تشابه معرفي
أي تصديق وتداخل وتضمين وتكرار. و يؤيد ذلك قوله بعد ذلك (المرجع والمفسّرة
والموضّحة) وهو كاشف عن الاصل المعرفي وهي المرجع الذي يرد المتشابه اليه، كما انه
ما يعرف به المتشابه، وهذا يعني ان ام الكتاب واصل معارفه معارف راسخة بينة واضحة
وهذه لا تكون الا من نصوص و معارف و افهام، فالمراد علم تلك الايات وليس فقط
الفاظها واليها يرد غيرها من الايات والمعارف الاخرى غير القرانية، وبعرض النص من
اية او حديث على تلك الاصول ( ام الكتاب) يعرف كون النص محكما اذا وافقها ظاهره او
متشابها اذا خالفها ظاهره، فيحمل على محمل يوافقها. وانما قلت ذلك لان الظاهر
يقابله ظاهر فلا مزية لاحدهما على الاخر، فلماذا يجب ان يكون هذا هو المحكم وليس
ذاك، و ما الترجيح الا لسبب معرفي، فالوضوح في المحكم ليس وضوحا تعبيريا بل وضوحا
معرفيا. فالمحكم هو ما كان راسخا او موافقا للراسخ، و المتشابه ما كان ظاهره
مخالفا للراسخ من معرفة هي ام الكتاب واصل معارفه فيحمل على وجه وعلى معنى لا
يخالفها والا ترك ان كان ظنا.
مناقشة:
قال في تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي: قد وصف المحكمات بأنها أم الكتاب،
والأم بحسب أصل معناه ما يرجع إليه الشيء، وليس إلا أن الآيات المتشابهة ترجع
إليها فالبعض من الكتاب وهي المتشابهات ترجع إلى بعض آخر وهي المحكمات ومن هنا
يظهر أن الإضافة في قوله أم الكتاب ليست لامية كقولنا: أم الأطفال، بل هي بمعنى
من، كقولنا نساء القوم وقدماء الفقهاء ونحو ذلك، فالكتاب يشتمل على آيات هي أم
آيات أخر، وفي إفراد كلمة الأم من غير جمع دلالة على كون المحكمات غير مختلفة في
أنفسها بل هي متفقة مؤتلفة. ت: ان استعمال الكتاب من استعمال المظهر وارادة
معارفه، أي من استعمال تمظهر المعرفة وارادة المعرفة، والمعرفة في حقيقة الامر لا
تتعدد ولا تتميز وانما كلها تكون باوصاف موحدة من حيث اللون، ففي مستوى المعرفة لا
توجد معارف قرانية او سنية و لا معارف محورية او غير محورية ولا اصلية وتفرعية بل
كلها معارف، وانما في الخارج وعن الحديث عنها تصبح متميزة. بعبارة اخرى عند الحديث
عن المعرفة في بحث ( ميتاالمعرفة) تتميز المعارف اما هي نفسها وبما هي حديث عن
الاشياء فانها لا تتميز ومن هنا ينبغي التمييز بين حديث المعرفة عن الاشياء
والحديث عن المعرفة.
الموضع الثاني: في التشابه
مسألة
: في معنى التشابه
هنا
اشارت:
اولا:
التشابه من تشابه أي اختلط فهو من صفات الناظر وليس المنظور ووصف المنظور بها من
جهة كونه موضوع لنظر الناظر.
ثانيا:
الايات متشابهة بنظر الناظر، فالتشابه ليس صفة في المتشابهات بل صفة في الناظر
اليها.
ثالثا:
المتشابهون هم من يظهرون بشكل متشابه أي مختلط وهو ليس من شبه فان الشبه يكون
للجزء فنقول هذا يشبه هذا في كذا ولا نقول هذا يتشابه مع هذا في كذا بل نقول هذا
تشابه مع هذا عندي.
رابعا:
التشابه للكل مع الكل والشبه هو للاجزاء اساسا فالتماثل في الاجزاء هو الشبه والذي
قد يؤدي الى التشابه.
خامساك
التشابه جوهره الاختلاط، فوصف جميع الايات بالتشابه أي انها مختلطة في المعارف أي
ان معارفها متشابهة.
سادسا:
عندما توصف بعض الايات بالتشابه في قبال الاحكام أي انها غير محكمة أي انها مختلطة
تعبيريا.
سابعا:
الاختلاط التعبيري ان التعبير له ظاهر يدل على مراد يشبه المراد الحقيقي، بمعنى ان
ظاهر العبارة ليس المراد بل يشبهه فتتشابه الدلات أي تختلط.
ثامنا:
التشابه بمعنى الاختلاط التعبيري في القران هو بسبب المتلقي ومن صفاته حقيقة وانما
توصف الايات به بلحاظ الناظر لان الايات كلها محكمة.
تاسعا:
من يحصل تشابه في الايات أي اختلاط تعبيري عليه ان يردها الى المحكم فتحكم وهذا هو
الاحكام الثانوي.
عاشرا:
قوله تعالى (كتابا متشابها) أي كل اياته وهذا هو التشابه المعرفي أي الاختلاط
المعرفي أي كللها تتشابه في معارفها فلا تختلف بل يصدق بعضها بعضا.
الحادي
عشر: قوله تعالى (واخر متشابهات) أي ان بعض اياته متشابهة، وهو التشابه التعبيري
أي الاختلاط التعبيري، بان يختلط ظاهر هذه المتشابهات مع المراد، أي يشبه ظاهره
المراد لكنه ليس المراد.
الثاني
عشر: تشابه جميع الايات هو من حيث المعرفة وهذا هو (التشابه المعرفي) أي يختلط
بعضها ببعض أي يصدق بعضها بعضا وتشابه بعض الايات هو من حيث التعبير وهذا هو
(التشابه التعبيري) أي يختلط ظاهر التعبير بالمراد أي يشبه ظاهر التعبير المراد
لكنه ليس المراد. فيكون لدينا ايات محكمة من جهة (المضمون) ومتشابه من جهة
(التعبير).
ثالث
عشر: فايات القران للمتلقي قسمان قسم محكم مضمونيا ومحكم تعبيريا وقسم محكم مضمونيا
الا انه متشابه تعبيريا، وحينما يرد المتلقي هذه الاخيرة تعبيريا الى المحكم
التعبيري تصبح محكمة وهذا هو الاحكام الثانوي والاحكام الاول هو الاحكام الاولي.
الرابع
عشر: التشابه كصفة للايات غير حقيقي وانما هو صفة للمتلقي كما انه طارئ له فيزول
ان ردها الى المحكم فتحكم جميعها عنده. وبهذا لا يبقى في مستوى المعرفة متشابه.
الخامس
عشر: التشابه المضموني هو من مظاهر الاتساق الشرعي وهو مدخل الى نظرية الاتساق
الشرعية والتي سأفرد لها كتابا خاصا ان شاء الله.
مناقشة:
قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي : في ( كتابا متشابها) ووصفه بانه
متشابه أنه يشبه بعضه بعضا في باب الاحكام الذي أشرنا اليه، وأنه لا خلل فيه ولا
تباين ولا تضاد ولا تناقض. ت: قوله في باب الاحكام ، أي في باب المضامين، والمصدق
ان التشابه هنا هو انه يصدق بعضه بعضا و يشهد بعضه لبعض وليس فقط عدم التضاد وعدم
التناقض وعدم التباين، واما عدم الخلل فان اراد به الصدق والحق فهو ثابت للقران
الا ان هذا ليس مقتضى التشابه هذا وانا اراد الاتساق و التوافق فهو حق، وفي الحقيقة
التشابه المضموني المعرفي هذا هو من مظاهر الاتساق الشرعي.
مناقشة:
قال في تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي : التشابه توافق أشياء مختلفة و
اتحادها في بعض الأوصاف و الكيفيات، و قد وصف الله سبحانه جميع القرآن بهذا الوصف
حيث قال: "كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم" و
المراد به لا محالة كون آيات الكتاب ذات نسق واحد من حيث جزالة النظم، و إتقان
الأسلوب، و بيان الحقائق و الحكم، و الهداية إلى صريح الحق كما تدل عليه القيود
المأخوذة في الآية، فهذا التشابه وصف لجميع الكتاب، و أما التشابه المذكور في هذه
الآية، أعني قوله: و أخر متشابهات، فمقابلته لقوله: منه آيات محكمات هن أم الكتاب،
و ذكر اتباع الذين في قلوبهم زيغ لها ابتغاء الفتنة و ابتغاء التأويل، كل ذلك يدل
على أن المراد بالتشابه كون الآية بحيث لا يتعين مرادها لفهم السامع بمجرد
استماعها بل يتردد بين معنى و معنى حتى يرجع إلى محكمات الكتاب فتعين هي معناها و
تبينها بيانا، فتصير الآية المتشابهة عند ذلك محكمة بواسطة الآية المحكمة، و الآية
المحكمة محكمة بنفسها. ت: الاستدلال بالنص على المعنى اللغوي لا مجال له، وانما
أكثر ما يقال ان اللفظ استعمال في هذا الموضع بمعنى كذا، فالمعنى الاستعمالي اوسع
بكثير من المعنى الوضعي بل واللغوي و التخاطبي. والتشابه من تشابه أي اختلط فهو من
صفات الناظر وليس المنظور ووصف المنظور بها من جهة كونه موضوع لنظر الناظر،
فالايات متشابهة بنظر الناظر، فالتشابه ليس صفة في المتشابهات بل صفة في الناظر
اليها، والوجدان اللغوي ان المتشابهين هم من يظهرون بشكل متشابه أي مختلط وهو ليس
من شبه فان الشبه يكون للجزء فنقول هذا يشبه هذا في كذا ولا نقول هذا يتشابه مع
هذا في كذا بل نقول هذا تشابه مع هذا عندي. فالتشابه للكل مع الكل والشبه هو للاجزاء
اساسا فالتماثل في الاجزاء هو الشبه والذي قد يؤدي الى التشابه. اذن التشابه جوهره
الاختلاط، فوصف جميع الايات بالتشابه أي انها مختلطة في المعارف أي ان معارفها
متشابهة، وعندما توصف بعض الايات بالتشابه في قبال الاحكام أي انها غير محكمة أي
انها مختلطة تعبيريا، والاختلاط التعبيري ان التعبير يدل على مراد يشبه المراد
الحقيقي، بمعنى ان ظاهر العبارة ليس المراد بل يشبهه فتتشابه الدلات أي تختلط وليس
هنا تردد في المعنى كما اشار. اما المحكم فليس فيه تشابه دلالات. وقلنا ان هذا التشابه
اولي ويحكم بالرد الى المحكم فتصبح الاية المتشابه ابتداء محكم بالنهاية. فتشابه
جميع الايات من حيث المعرفة وهذا هو (التشابه المضموني) و تشابه البعض من حيث
التعبير وهذا هو ( التشابه التعبيري).
مناقشة:
قال في تفسير الأمثل - مكارم الشيرزي :
«المتشابه» هو ما تتشابه أجزاؤه المختلفة. ولذلك فالجمل والكلمات التي تكون
معانيها معقّدة وتنطوي على احتمالات مختلفة، توصف بأنّها «متشابهة». وهذا هو
المقصود من وصف بعض آيات القرآن بأنها «متشابهات»، أي الآيات التي تبدو معانيها
لأوّل وهلة معقّدة وذات احتمالات متعدّدة، ولكنّها تتّضح معانيها بعرضها على
الآيات المحكمات. ت: التشابه عادة ما يكون صفة عند العرف بين الاشياء لا بين
اجزائها وان كان هذا تشابها، واما الجمل المعقدة والتي تنطوي على احتمالات فهي
مجملة وليس متشابهة، ولا توصف الايات التي تحمل معان متعددة بالمتشابه قطعا، وانما
توصف بالتشابه ما يفهم بعض من ظاهرها امرا ليس هو المراد، فيشبه ظاهرها المراد عند
أولئك. وهذا الظاهر يحكم برده الى المحكم وحمله على المحكم.
مسألة:
التشابه صفة للمتلقي حقيقة
اولا: قوله تعالى (واخر متشابهات) أي عند المتلقي
وليس في نفسها.
ثانيا:
التشابه كوصف لبعض الايات في قبال المحكم هو التشابه التعبيري أي اختلاط الظاهر
بالمراد فيبدو ان الظاهر مرادا هو ليس مرادا.
ثالثا:
يعرف المتلقي ان هذا الظاهر ليس مراد بقرائن تخاطبية اما لغوية او مضمونية.
رابعا:
معرفة المحكم والمتشابه بالقرائن العرفية المعلومة وليس بالباطن ولا الاسرار ولا
الالغاز.
خامسا:
معرفة المتشابه من مهمات العلم وهي مهمة كل مسلم ولا ينبغي لمسلم ان يعمل بمتشابه
لانه ليس المراد وسبب عمل البعض بالمتشابه هو بسبب قصور علمي او تحيز فكري.
قال
في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي : في (واخر متشابهات)، قال: ووصفه بان
بعضه محكم، وبعضه متشابه ما اشرنا اليه، من ان بعضه ما يفهم المراد بظاهره فيسمى
محكما ومنه ما يشتبه المراد منه بغيره وان كان على المراد والحق منه دليل فلا
تناقض في ذلك بحال. ت: قوله ( ومنه ما يشتبه المراد منه
بغيره) هو مقابل لقوله (بعضه ما يفهم
المراد بظاهره ) فيكون مراده ( ومنه ما لا يفهم المراد بظاهره) وهذا ليس هو
المتشابه التعبيري وانما هو الاجمال لكن هو لا يريد ذلك كما بينا فعبارته الثانية
اقرب للواقع وهو قوله (( ومنه ما يشتبه المراد منه بغيره) أي ما يشتبه المراد منه بمراد غيره بسبب ظاهر بان يكون ظاهره دالا على
المراد الاخر، ومعناه ان منه ما يكون
ظاهره دالا على غير مراده، فيكون معنى قوله (بعضه ما يفهم المراد بظاهره ) أي بعضه
ما يكون ظاهره هو المراد. هذا هو المحكم من قوله رضوان الله تعالى عليه وهو افضل
من كتب في المحكم والمتشابه حقيقة.
مسألة:
علة وجود المتشابه
وهنا
اشارات
اولا:
سبب وجود المتشابه في القران هو انه لا يوجد متشابه في القران وانما التشابه في
عقل المتلقي، فالمتشابه ليس في القران وانما في عقول الناس. فهو وصف للايات بلحاظ
المتلقي.
ثانيا:
سبب وجود التشابه في عقول بعض الناس هو بسبب القصور واما ان يكون قصورا علميا او
تحيزا فكريا أي هوى.
ثالثا:
اشارة القران الى المتشابهات تنبيه على هذا النوع من الادراك عند البعض وتحذير لهم
من اتباع ما يعتقدون انه المراد وليس هو المراد.
رابعا:
اشارة القران الى المتشابهات لكي يعمل من حصل لديه التشابه على رفعه برده الى
المحكم.
خامسا:
التشابه نقص تعبيري فلا يمكن وصف ذات القران به ولا يمكن توجيهه تحت أي عذر، وكل
ما قيل لا ينفع، ولم اجد احدا تنبه الى ذلك، وانما جمدوا على النص وجعلوا التشابه
حقيقيا وذاتيا في الايات وهو ليس كذلك.
سادسا:
كان ينبغي الالتفات الى ان النص خطاب الى متلق ووصف بالاحكام والتشابه. اذن فالاحكام
في نفسه والتشابه في المتلقي كما هو الحال بالنسبة للاشباء فان الشيء في نفسه
يختلف عن ادراكه والخلل لا يكون في الشيء انما في ادراكه.
سابعا:
ان المسالة هنا بالضبط كمسالة الشيء وادراكه وان الشيء في نفسه وفي الواقع هو
بمثابة المحكم وان ادراكه واختلاف ادراكه عن الواقع هو التشابه.
مناقشة:
قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي : ان قيل: لم أنزل في القرآن
المتشابه؟ وهلا أنزله كله محكما ! قيل للحث على النظر الذي يوجب العلم دون الاتكال
على الخبر من غير نظر، وذلك أنه لو لم يعلم بالنظر أن جميع ما يأتي به الرسول حق
يجوز أن يكون الخبر كذبا، وبطلت دلالة السمع، وفائدته، فلحاجة العباد إلى ذلك من
الوجه الذي بيناه، أنزل الله متشابها. ت: هذا غير مصدق وسبب المتشابه هو اللغة
والخطاب والمتلقي ولا علاقة له الحث على النظر. كما ان العلم بالحق والصدق هو من
الحق ذاته ومن علاماته وليس للتشابه دخل فيه. وهذا يشير الى حقيقية التشابه وهو باطل.
مناقشة
: قال في تفسير الأمثل - مكارم الشيرزي : من أسرار وجود المتشابهات في القرآن
إثارة الحركة في الأفكار والعقول وإيجاد نهضة فكرية بين الناس. وهذا أشبه بالمسائل
الفكرية المعقّدة التي يعالجها العلماء لتقوية أفكارهم ولتعميق دقّتهم في المسائل.
ت: من غير المصدق تعرض القران لهذا الامر عن طريق المتشابه، وسبب المتشابه نسبي
وسببه الجهل. وهذا الكلام يشير الى حقيقية المتشابه وقصديته وهو باطل.
مناقشة
: قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي : ان قيل: لم أنزل في القرآن
المتشابه؟ وهلا أنزله كله محكما ! قال
لولا ذلك لما بان منزلة العلماء، وفضلهم على غيرهم، لانه لو كان كله محكما لكان من
يتكلم باللغة العربية عالما به، ولا كان يشتبه على أحد المراد به فيتساوى الناس في
علم ذلك. ت: هذا غير مصدق بل ومخالف للمعارف الثابتة، والتشابه هو ما يقتضيه اللغة
والخطاب والمتلقي ولا علاقة له ببيان فضل العلماء.
مناقشة:
قال في تفسير الأمثل - مكارم الشيرزي :
النقطة الأُخرى التي ترد بشأن وجود المتشابهات في القرآن، وتؤيّدها أخبار
أهل البيت (عليهم السلام)، هي أنّ وجود هذه الآيات في القرآن يصعّد حاجة الناس إلى
القادة الإلهيّين والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والأوصياء، فتكون سبباً يدعو
الناس إلى البحث عن هؤلاء وإعتراف بقيادتهم عملياً والإستفادة من علومهم الاُخرى
أيضاً. ت: هذا السبب والاشارة انما هي كمصداق للحاجة وليس كونها السبب والغرض ومع
انها تشير الى حقيقية التشابه بحسب قوله الا ان الحقيقة هو ان التشابه يحصل بسبب
عدم الرجوع الى العالم في الفهم وبسب الراي و الاستحسان الفردي غير المستند الى
العلم ، وهناك اسباب كثيرة تدعو الى الرجوع الى الوصي لا تنحصر بالشبهة فقط.
والرجوع الى الوصي هو بالرجوع الطبيعي العقلائي العرفي أي الى تعاليمه و كلماته
وارشاداته واما اللقاء فليس ضروريا، واما من جهة تدخله في الامور التي توجب ذلك
فهذا قطعي و حينما يكون لقاء ظاهري ينقل عنه بشكل ظاهري والا نقل عنه بشكل خفي كما
في غيبته. ومن هنا فحينما يجب على الوصي رد
شبهة او أي شيء يؤدي الى ضرر في الاسلام فان الوصي يرده ويبين ويعلم ويبثه ويوصله الى المسلمين بنقل ناقل اما ظاهر
عند ظهوره او خفي عند غيبته. والمسلمون حينها يعتمدون تصحيحه بشكل او باخر بتوفيق
من الله وان كانوا لا يعلمون بالضبط كيف وصلهم او وصلوا اليه بل وان بدا انه
بطريقة التحصيل و التعلم فانه يبثه بينهم بطرقه. فالمسلمون مسددون ببركة الوصي
وتدخله وعنايته وتصحيحه الدائم وان كانوا لا يشعرون بذلك او لا يدركون طريقه
وطريقته وصورته وكيفيته.
مناقشة:
قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي : ان قيل: لم أنزل في القرآن
المتشابه؟ وهلا أنزله كله محكما ! قال على أن المصلحة معتبرة في انزال القرآن، فما
أنزله متشابها لان المصلحة اقتضت ذلك، وما أنزله محكما فلمثل ذلك. ت: هذا كلام يتم
ان كان يقتضي نقصا في غير ما يتعلق بارادة الله تعالى بل ارادته كلها محكمة
والتشابه التعبيرية خلل تعبيري وليس مصدقا ان تكون هناك مصلحة في ان يطال ما هو
متعلق بارادة الله وراجع اليه بالتشابه كما ان الاحكام اصلي و اساسي فيه واشار
اليه نصا فلا ينبغي الركون الى ما هو متشابه وكان ينبغي الالتفات الى ذلك وهو ان النص له قاري والنص
وصف بالاحكام و التشابه اذن فالاحكام في نفسه والتشابه في المتلقي كما هو الحال
بالنسبة للاشباء فان الشيء في نفسه يختلف عن ادراكه والخلل لا يكون في الشيء انما
في ادراكه، ورغم تبحر البعض وغوصهم في الفلسفة ونظرية المعرفة الا انهم لم يلتفتوا
الى ان المسالة بالضبط كمسالة الشيء وادراكه وان الشيء في نفسه هو الواقع الحق
المحكم وان ادراكه المغاير له هو المتشابه الظن الباطل.
مناقشة:
تفسير الأمثل - مكارم الشيرزي : يمكن أن تكون النقاط التالية هي السرّ في وجود
المتشابهات في القرآن : أوّلاً : إنّ الألفاظ والكلمات التي يستعملها الإنسان
للحوار هي لرفع حاجته اليومية في التفاهم. ولكن ما إن نخرج عن نطاق حياتنا
الماديّة وحدودها، كأن نتحدّث عن الخالق الذي لا يحدّه أيّ لون من الحدود، نجد
بوضوح أنّ ألفاظنا تلك لا تستوعب هذه المعاني، فنضطّر إلى استخدام ألفاظ أُخرى وإن
تكن قاصرة لا تفي بالغرض تماماً من مختلف الجهات. وهذا القصور في الألفاظ هو منشأ
الكثير من متشابهات القرآن. إنّ آيات مثل (يد الله فوق أيديهم) أو (الرحمن على
العرش استوى) أو(إلى ربها ناظرة)التي سوف يأتي تفسيرها في موضعه، تعتبر من هذه
النماذج. وهناك أيضاً تعبيرات مثل «سميع» و «بصير»، ولكن بالرجوع إلى الآيات
المحكمات يمكن تفسيرها بوضوح. ت: اقول هذا الكلام لا يمكن حمله على ظاهره والمقصود
حتما ارادة المعاني والافهام وليس التحدث والاستعمال فاننا نتحدث عن ايات القران
وكلمات الله فالله المتحدث والمستعمل، فالمعنى ان المعاني التي عندنا قاصرة عن
بيان حقيقة الفاظ القران وهذا ايضا غير تام لانه القران يعتمد على فهمنا و عقلائية
تخاطبينا وواقيعته ولا يستعمل الفاظا يقصر فهما. والتشابه سببه الجهل العلمي
المعلوماتي او الفكري، واما قصور الفهم فليس الموجود قصور في الفهم لان كل انسان
يفهم القران يجميع اياته وبشكل من الاشكال لان القران قيل ليفهم وليس لكي لا يفهم
وانما هناك جهالة في حقائق معانيه ، وقد بينا ان هذا لا يعني قصور فهمنا ولا تشابه
اصلا. فالفهم يعتمد المعنى الاخطاري الاشاري اللفظي ولا يحتاج الى علم مفاهيمي او
حقائقي، و التشابه هو كون الظاهر مخالفا للمراد وهذا لا علاقة له بالمفاهيم وانما
هو متعلق بالفهم والتفاهم وليس بالحقائق.
مناقشة:
قال في تفسير الأمثل - مكارم الشيرزي : يمكن أن تكون النقاط التالية هي السرّ في
وجود المتشابهات في القرآن : ...ثانياً : كثير من الحقائق تختصّ بالعالم الآخر، أو
بعالم ما وراء الطبيعة ممّا هو بعيد عن أُفق تفكيرنا، وإنّنا ـ بحكم وجودنا ضمن
حدود سجن الزمان والمكان، غير قادرين على إدراك كنهها العميق. قصور أُفق تفكيرنا
من جهة، وسمّو تلك المعاني من جهة أُخرى، سبب آخر من أسباب التشابه في بعض الآيات،
كالتي تتعلّق بيوم القيامة مثلاً. وهذ أشبه بالذي يريد أن يشرح لجنين في بطن أُمّه
مسائل هذا العالم الذي لم يره بعد، فهو إذا لم يقل شيئاً يكون مقصّراً، وإذا قال
كان لابدّ له أن يتحدّث. ت: والتشبيه بمحادثة الجنين شيء غريب وفيه مخالفة من
المحدث له للحكمة ولا يمكن قياس الواقع عليه بوجه. وبداية كلامه بل كل كلامه مبني
على كون التشابه هو الاحتمال وقد بينا ان هذا اجمال وليس تشابه انما التشابه هو
فهم ظاهر غير مراد. وكون الحديث عن الاخر يسبب الاجمال المضموني لا يعني انه
متشابه وانه غير موصل للرسالة وان كان يعتمد على التمثيل والتقريب. وقد اشرت مرار
ان الاجمال المعنوي والجهل المفهومي الحقائقي لا تضر بعلمية الفهم والتفهيم بل لها
ضرورتها و اغراضها وان الفهم لا يتوقف على ذلك بل لا يصل الى ذلك وهو كفوء جدا في
تخطي الاجمال و وصول الرسالة ولو اجمالا بل الفهم قائم حقيقة على الرسالة
الاجمالية الاخطارية الواسعة الطيف. ان ما يعطي عملية الفهم تلك السعة والثبات بين البشر رغم عددهم الهائل واختلاف عقولهم هو ليس توحد
المعاني فقط بل لان عملية الفهم واسعة الطيف عميق الشمول، فالجملة الواحدة لو
ترجمة لمئة لغة وقرأها مليون شخص فانهم سيفهمون ذات المعنى ليس لوحدة المعاني و
وحدة الفكر الانساني بل لان العقل في عملية الفهم يعتمد طريقة كفوءة ووظيفية هي
الشمول والسعة والعمق.
مسألة:
الاقوال في المتشابه
اولا:
المتشابه المقابل للاحكام هو تعبير يكون ظاهرا غير مراد، ويعلم ذلك بقرينة تخاطبية
اما لغوية او مضمونية، واللغوية اما منفصلة او متصلة.
ثانيا:
المتشابه نسبي وهو حقيقة من صفات الناس، كما ان المتشابه عند شخص الان قد يصبح
محكم عنده بالرد او التتبع او التعلم.
ثالثا:
التشابه لا ينبغي ان يستمر عند الشخص وعليه ان يجد حلا له اما بالرد او التعلم ليعلم
احكامه.
رابعا:
المتشابه لا وجود له في واقع النص ولا في واقع المعرفة وانما هو صفة للفهم وفي
مرحلة تناول النص وعلى مستوى الافراد، فالنص الشرعي في نفسه والمعرفة الشرعية في
نفسها كمعرفة لا تقبل التشابه. والمصدق انه لا تخلوا الارض من انسان يعلم النص و
الشريعة من دون تشابه لانه اخلال بالغرض.
خامسا:
للتشابه سبب واحد وهو عدم العمل بالقرينة التخاطبية الدالة على الاحكام اما جهلا بها او تجاهلا لها.
مناقشة:
قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي :
المحكم الناسخ، والمتشابه المنسوخ. ت: هذا لا علاقة له بالمتشابه مطلقا لان
المنسوخ استقل بالدلالة على المراد.
مناقشة
: قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي : المحكم ما لا يشتبه معناه، والمتشابه ما اشتبهت
معانيه. ت: ان كان يراد به التشابه مطلقا ولو بقرينة خارجية فهذا ليس متشابها بل و
تعبير خاطئ وقاصر ، و ان اريد به يتشابه ابتداء او على من يجهل القرينة فهذا بيان للمتشابه بصفته و ليس بحقيقته،
فالكلام المتشابه حينما لا يستقل بنفسه على بيان المراد و يكون ظاهره دالا على غير
المراد قد يشتبه على البعض و يظن ان المراد الظاهري هو المراد الواقعي حينما يجهل
القرينة او ينكرها. فهذا التعريف وان بدا انه الاقرب لحقيقة المتشابه لكن المتشابه
ليس قاصرا في دلالته على ظاهره ومراده الظاهري و انما هو يدل وقد لا يشتبه بظاهره
لكن هذه الدلالة لا تكون هي المراد بقرينة خارجية، فالمتشابه لا يعرف من نفسه و
انما من سبب خارجي تخاطبي من قرينة لغوية تخفى على المتلقي او قرينة مضمونية تخفى
عليه. والتشابه هو بسبب خفاء او اهمال القرينة التخاطبية.
مناقشة:
قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي :
المحكم ما لا يحتمل إلا وجها واحدا، والمتشابه ما يحتمل وجهين فصاعدا. ت:
هذا يراد به المجمل ودلالة المجمل على المراد مستقلة و المتشابه هو ما لا يستقل
بالدلالة.
مناقشة:
قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي : المحكم: هو الذي لم تتكرر
ألفاظه. والمتشابه هو المتكرر الالفاظ. ت: هذا في التشابه المضموني وليس المتشابه
التعبيري.
مناقشة
قال في التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي :
المحكم: ما يعلم تعيين تأويله، والمتشابه مالا يعلم تعيين تأويله. ت:
التشابه قضية تعبيرية وليس مضمونية ولا حقائقية وانما ما لا يعلم تاويله ان كان
نسبيا فهو غيب وان كان مطلقا فهو ما لا يوصف. ودلالة اللفظ على معناه الغيبي او
معناه اللامعقول (الذي لا يوصف) دلالة مستقلة. والتاويل ليس توجيه للدالة عرفي او
غير عرفي بل تحقق وتجسد للمعرفة في الخارج وهذا يحتاج الى بحث مستقل.