الغلو في المعارف في عصر الغلو

الغلو هو من المغالات وهي المبالغة و معناها مجانبوة الاعتدال والوسطية  واظهر صورها التطرف و التشدد.
ومن الواضح ان الانسان كائن صاحب فكر وموقف، وان الموقفية والمبدأئة غريزية فيه، وهذه المواقف والمبادئ تكون بسبب المعارف. 
لكن هناك حقيبقة لا بد من ادراكها وهي ان الحقيقة غير الاعتقاد، وبينهما فارق واسعة والعلاقة بينهما لا كلية ولا جزئية بل تداخلية اي بعض الاعتقادات حقيقة وبعضها ليس حقيقة.
والمعرفة اما انها حقيقة او اعتقاد، و معارفنا اعتقادات وليس حقائق الا اذا دل العلم والصدق على ذلك.
ومن هنا فاية حالة اختلاف توجب التأمل و تخدش في حقيقية الاعتقاد. وهذا لا يعني ان الاعتقاد ليس حقيقة او ينبغي ان لا يعامل كحقيقة، بل هو يعامل كحقيقة لحجية العلم والاعتقاد الا انه لا ينبغي ترتيب اثار الموقف.
بعبارة اخرى للاعتقاد اثران عمليان الاول بخصوص الذات و الثاني بخصوص الاخر ، ومجرد حصوصل الاعتقاد يكون الاثر الشخصي متحققا اما الاثر الاجتماعي فلا بد ان يتحقق عندك انه الحقيقة.
ومن هنا فلو قلنا انه لا يصح اعتماد الاعتقاد كموقف الا في حالة الاتفاق لكان صحيحا.
ما يحصل في عصرنا هو الغلو في الاعتقادات ، فيحصل ابداء الموقف من الاخر على كل اعتقاد. وبمجرد ان يحصل للانسان اعتقاد فانه يعتبره هو كامل الحقيقة و على ضوئخه يتخذ مواقف تجاه من يخالفه من حيث التبري و التولي.
وهكذا ايضا في الانشغال بالمعرفة فالواجب ان الانسان ينشغل بالعمل و ليس بالمعرفة وما تجده من غلو في طرح الافكار و مناقشتها و صرف الوقت وتخصيص القنوات و المواقع لاجل ذلك هو من الغلو بل ينبغي التقليل من ذلك الى اقل حد.
وايضا من الغلو هو الغلو في المعرفة العلمية، بان تجعل المعرفة العلمية هي الحقيقة المطلقة وهذا ليس صحيحا حتى على مستوى الدين لان الحقيقة التامة هي عند الله تعالى ومن هو متصل به وانما العلوم هي حجج سواء حجج تجريبية او حجج تسليمية والا فان الحقيقة شيء اخر، ومن مظاهر الغلو العلمي هو اتخاذ موقف من المخالف على ضوء نص وربما هذا النص مختلف في ثبوته او مختلف في دلالته.
من اسوء انواع الغلو والتطرف و التشدد هو ان تتبرأ او تتولى على ضوء نص من حديث او رواية ليست قطعية في ثيبوتها ودلالتها بل ربما مختلف فيها ثبوتا ودلالة وهذا ما يحصل عادة بين ابناء المذاهب الدينية.
ان ما نراه من استفحال ظاهرة الغلو في جوانب كثيرة من الحياة بيمكننا من وصف عصرنا بانه عصر الغلو. حتى انك تجد الكثير من الناس لا يريد معرفة المعلومة لكي يعمل بها او يطور نفسه بل لكي يناظر بها او يجادل او يحاجج اي يردها لاجل الموقف وليس لاجل العمل.