من المهم جدا التمييز بين وجودية الشيء و تحليليته، فان هذا التمييز يحل كثيرا من المسائل التي فيها تردد واضطراب. كما انه من المهم التمييز بين شكلين من العلوم، العلوم الوجودية و العلوم التحليلية، والمقصود بالعلوم الوجودية هي التي تكون معطايتها الاساسية وجودية لا تحليلية لانه لا يمكن لعلم من العلوم ان يستغني عن التحليل.
حينما تكون اسس العلم ومعطياته الموضوعية الاولية تحليلية فان العقل هنا يكون فعالا ويكون مستقلا في الاحكام كما في الرياضيات و المنطق ونحوهما فان المعطيات ومواد العلم واسسه كلها تحليلية. اما اذا كانت اسس العلم ومعطياته الاولية وجودية كالطب و الشريعة فان العقل لا يستقل بالاحكام وانما يقتصر دوره على التحليليات، بمعنى انه لا وجود لمستقلات عقلية هنا. وانما جميع احكام العقل هي غير مستقلات. ومن هنا يتبين بوضوح انه لا وجود لمستقلات عقلية في علم الشريعة.
وسبب عجز العقل عن ان يكون مستقلات في الشريعة لان احكام العقل تحليلية، والاحكام التحليلية لا توجد عناصر وجودية وانما تنتزع منها ولا يمكن ان تسبقها وانما هي دوما بعدها وتابعة لها، فحينما تكون العينة العلمية وجودية يعجز العقل في الاستقلال بادراكها وهذا واضح وجدانا. ويعتقد ان الاحكام اعتبارية لذلك فان العقل يمكن ان يسنقل وهذا خطأ فان اعتبارية العينات لا يعارض وجودياتها، فان الاعتبار الشرعي جعل والجعل وجود وليس تحليلا وان كان يقع ضمن اصول الحكمة والعدالة. واستناد العقل الى تلك الاصول هو تحليلي غير استقلالي.
فاستقلالية الحكم و الادراك هي الوجودية والعقل قاصر عن ذلك واما التحليل و الاستنتاج فانها كلها تحليلية غير وجودية.