لا ريب ان كل قول اما ان يكون صدقا او كذبا، حقا او باطلا ، حقيقة او وهما ، ولا ثالث له. لكن هذا بحسب الشيء في نفسه اي بما هو اما من حيث العلم به فالامر ليس كذلك. فان العلم يغير المعادلة كليا حيث ان هناك علم وهناك عدم علم.
فهناك علم بالشيء وهناك علم بضده وهناك عدم علم باي منهما وهذا هو الاحتمال الثالث.. فتصبح الاحتمالات ثلاثة، العلم بالشيء ، العلم بضده و عدم العلم باي منهما.
فملاث الصدق و الكذب: فالقول اما ان يعلم انه صدق او يعلم انه كذب او لا يعلم لا صدقه ولا كذبه، وهكذا في الحق و الباطل و الحقيقة و الوهم.
بمعنى
اننا اذا لم نعلم صدق القول فهذا لا يعني انه كذبا، بل قد يكون لا صدقا ولا كذبا.
بمعنى ان هناك قول صادق وضده قول ليس صادقا ، و هذا القول ( غير الصادق) لا يعني انه كاذب بل يعني انه ليس كاذبا و ليس صادقا.
فالكذب ليس ضد الصدق، وانما ضد الصدق هو عدم الصدق كما ان ضد الكذب هو عدم الكذب.
وهكذا الكذب، فهناك قول كذب، و ضده و قباله قول ليس بكذب، ولا يعني انه صدق بل يعني انه لا صدق و لا كذب.
ومن هنا يتضح الامر وحال الاضداد:
فالصدق - في نفس الامر - ضده الك\ذب.
والصدق - في مجال العلم - ضده عدم الصدق لا الكذب.
والكذب - في مجال العلم - ضده عدم الكذب لا الصدق.
وهكذا الحق و الحقيقة.
ولا يقال ان النص الشرعي قال هو اما صدق وكذب، فان هذا الكلام هو بخصوص الشيء في نفسه والا فان الشرع قرر ان الامور ثلاثة و ليس اثنان، علم بالحق و علم بالباطل وعدم علم بهما.
ان دخول العلم بيننا و بين الاشياء يغير كثيرا مفهوم الضدية و تتحول الاضداد الوجودية الى مطلق العلم و ليس الضد الوجودي.
اي في مجال العلم لا وجود لضد وجودي بل هناك العلم بالشيء و عدم العلم به.
حتى الوجود والعدم : فانا اما ان نعلم ان الشيء موجود او نعلم انه معدوم او لا نعلم لا وجوده ولا عدمه.
ان دخول العلم في عالم الحقيقة يحول الضدية الى ثلاثية و يحول النقيض الى مركب من نقيضين، فالصدق لا يجتمع مع الكذب و لا يجتمع مع عدم الكذب وعدم الصدق، فالعلم بالصدق لا يجتمع مع العلم بالكذب وهما لا يجتمعان مع عدم العلم باي منهما.