أزمة الفقه الأصولي؛ زواج المسيار نموذجا
ان الزواج او النكاح امر معروف عرفا لدى البشرية في وجدانهم ولا يظهر من الشرع تخصيص او استحداث بشأنه فمتى ما حقق ما هو مفهوم فهو صحيح والا لا يصح ان يسمى زواجا ونكاحا بالمعنى الحقيقي، ولقد اكدت مضامين قرآنية على ذلك منها قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً [الروم/21]) ، وقوله تعالى (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة/187]) وقوله تعالى (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ [النساء/24] و قوله تعالى (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ [النساء/25]، وهذا كله تعبير عن المعنى الوجداني للزواج الراسخ في وجدان البشرية وفكرها وليس فيه شيء مستحدث استحدثه الشرع. فيكون مما لا ريب فيه ان تلك الامور والتي هي عقلائية وجدانية معتبرة في معنى وصحة الزواج شرعا كما هي كذلك عرفا، وكل نكاح يخل باي من تلك الامور الواضحة وجدانا وعرفا لا يمكن الحكم بصحته، بل لو قلنا ان البشرية لا تعرف الا صورة واحدة للنكاح والتي هي معروفة للصغير والكبير لكان صحيحا، ولو ان نكاحا حقق كل ما يطلب في العقد الشرعي الا انه لا يحقق المفهوم العرفي الوجداني فمن غير الصحيح القول بصحته، بل لو ان نكاحا حقق غايات ومقاصد وومفهوم النكاح وجدانا وعرفا حكم بصحته وان اخل ببعض الشروط التي توضع للعقد كما في صور النكاح عند بعض الشعوب التي لها صيغ خاصة به وان كانت تلك الصيغ باطلة شرعا فان النكاح صحيح لتحقيقه الصورة والمفهوم المطلوب وجدانا وعرفا الراسخ في ضمير البشرية منذ القدم.
ومن هنا فكل نكاح يخال بتلك الغايات والشروط والحالات الوجدانية البشرية والعرفية العقلائية لا يصح القول بصحته، ولا يكفي بحث البيانات الشرعية بخصوص شروط العقد وضيغه فان كل ذلك ليس بيانا للحقيقة بغض النظر عن الحقيقة المتشكلة في اذهانا الناس بل هو ارشاد وتعريف بما هو مرتكز ومعهود ومعروف عند الناس، فلو ان نكاحا حقق تلك الشروط المبينة في العقد من باب الاحكام الفقهية وكان غير محقق للغايات والمقاصد التي في اذهان العرف بخصوص النكاح لم يكن النكاح صحيحا، ومثاله زواج المسيار، فانه يقال بتحقيقه وفق الفقه الاصولي اللفظي لشروط العقد الشرعي لكنه يخل ببعض الحالات او الغايات المرتكزة في اذهان العرف كالسكنى والنفقة، ولهذا قيل بجوازه، وهذا خطأ بين بل وفادح وسببه المنهجية الاصولية اللفظية غير الناظرة الى العلاقة الارتكازية والشرحية بين الشرع وبياناته وبين ما لدى البشر من حقائق ومفاهم. فالزواج حقيقة وجدانية عرفية بشرية ظهرت منذ ظهور البشرية ولم يكن الشرع في مقام استحداث احكام بخصوصها بل هو اراد شرح ما هو معروف ومفهوم ومرتكز، لذلك فما ليس له شاهد ومصدق يحقق ما يفهمه ويدركه الناس عن الزواج عرفا لا يصح الحكم بصحته ولا جوازه مطلقا وهذا الذي يشير اليه ويحث عليه الفقه العرضي الذي يوجب الاتساق المعرفي وانّ الصدق من شروطه الاتساق والتناسق والشواهد والمصدقات وليس استظهارات لفظية، وان الظهور مهما كان ثابتا وحجة لفظيا فانه لا يحتج به بل ولا يثبت ما لم يكن مصدقا وله شواهد وهذا هو الظهور العرضي التصديقي المحكم بخلاف الظهور اللفظي الاصولي الذي سبب ازمات ومشكلات. بل يمكن القول ان الحقائق والمفاهيم الراسخة في وجدان البشرية وضميرها لا يمكن القول بتحققها شرعا ما لم توافق ما هو معهود معروف عند البشر ومنه الزواج وان قيل انه استوفى شروط العقد كما في زواج المسيار ونحوه من صور الزواج التي تطرح كالمتعة والمصياف ونحوهما.