مبدأ العرضية

 


كل معرفة يستقبلها الانسان يردها الى ما يعرف من معارف بعرضها عليها وعلى قدر التوافق والتناسب يطمئن لها والا كانت في حيز النكارة والشذوذ حتى يجد لها تبريرا لتقبلها. عملية العرض هذا راسخة ومتجذرة في الادراك البشري الا انها تجري بشكل غير محسوس والا فانه لا يتم إدراك أي معرفة صغرت او كبرت الا بإجراء الرد عليه وهذا هو مبدأ (عرض المعرفة).

والشريعة تجري في هذا السياق فتعرض المعارف الجديدة على ما هو معلوم من محكم القران ومتفق السنة التي هي اصول المعارف الدينية واليها يرد غيرها من معارف سواء دلالات او نقولات فيكون عدم النكارة وعدم الشذوذ عاملا حاسما في تعيين الحق والصدق.

إذا واجه العقل معرفة شاذة ليس لها شاهد او مصدق مما يعرف فانه يصفها بانها غريبة، حيث ان للمعرفة حقولا والرد اهم عوامل الاستقرار في المعرفة العقلية. وتلك المعرفة الغريبة إذا كانت تخالف وبصراحة معارف معلومة فان العقل يصفها بالمنكرة. فلدينا المعرفة الغريبة وهي التي ليس لها شاهد او مصدق فهي ظن، والمعرفة المنكرة وهي التي تخالف ما هو ثابت من معرفة فهي كذب. هذا الفهم مهم جدا في أسس عملية العرض الشرعي ومفهوم الموافقة في الفقه العرضي. فالموافقة ليس عدم المخالفة بل الموافقة وجود شاهد ومصدق.

 

البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

وجوب عرض المعارف على بعضها وعدم قبول معارف شرعية الا بعد عرضها على ما هو ثابت وتبين وجود شواهد لها.

 

 ان العقل البشري كفوء جدا في الرد المعرفي ككفاءته في تحصيل المعنى من النص، رغم تعدد جوانب الملاحظة والمعاني التي تحضر عند الرد، وغالبا ما يحصل الرد مباشرة عند تلقي المعنى فيكون هناك قبول او ارتياب او عدم تبين الحال. وهذا يعود لسببين اولا كفاءة العقل في الرد وثانيا رسوخ المعارف الثابتة بخصوص المعارف وخصوصا المعارف الدينية. ان عرض المعارف الجديدة على ما هو معلوم من الشريعة صفة مميزة ومهمة لاجل حصول معارف متسقة متوافقة. ان الرد عملية عفوية عرفية عقلائية بسيطة الا انه احيانا يلتفت اليها وتعتبر وأحيانا لا يلتفت اليها. منهج العرض وتقييم النصوص بالعرض يعني الالتفات الى عملية الرد وليس القيام بها في الواقع. ومن هنا فمنهج العرض ليس امرا غريبا على الوجدان والفطرة والعقلائية بل هو مصدق ووجه لعلمية الرد العقلي. ما يحصل أحيانا هو تبريرات  تدعي العلمية تتجاوز الرد الا ان الوجدان يبقى غير مقتنع بما يترتب وينتج عن تلك الادعاءات ولو ان الفقه استمع لصوت الوجدان ولداخل الانسان لما رغب عن منهج العرض ابدا.

قد بينت في منسابات كثيرة ان العرض يكون للمعرفة الظنية، وهنا امران؛ الاول الظنية للكلام المنقول لها جهتان الاول ظنية النقل وظنية الدلالة، اما ظنية النقل فهي مختصة بالحديث ظني الصدور واما آيات القران والسنة المتفق عليها فليست موضوعا للعرض بل هي ما يعرض عليه. والغرض هنا اخراج الحديث الظني الى حالة العلم فيصبح حديثا معلوما بالتصديق والشواهد.

واما من جهة الفهم فالمعروض ايضا الفهم الظني، فالفهم فهمان فهم قطعي متفق عليه بين المسلمين له أصل عرفي وعقلائي ومعرفي وفهم لا يتصف بذلك، الفهم المتفق عليه لا يعرض بل هو ما يعرض عليه هو المعرفة المعروض عليها غيرها، وانما العرض للفهم الظني. وهذا الفهم الظني قد يكون لنص قطعي كآية او حديث ثابت او لنص ظني كحديث ظني الصدور.

حينما يبلغ العقل مضمون معين فانه يعرضه على ما يعرف، فان وجد له شاهدا ومصدقا من المعارف التي عنده سابقا فانه يقر ويذعن بالنقل والظاهر والا توقف او رفض المضمون. ان الاصل في النقل عند العقل هو الظن، فان وجد شاهدا ومصدقا صار علما واقر والا بقي ظنا.  ومن الواضح ان القرآن الكريم ظاهر في ان الاعتبار بخصائص المضمون المنقول بالمطابقة للحق بعلامات ذاتية، فيصح نسبة النقل الى النبي صلى الله عليه وآله بتحقيق صفات المصدقية والموافقة للقران والسنة الثابتة.

البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية غير عرضية او تعارض عرض المعارف الشرعية على بعضها.