العقل الوجداني يبني المعارف بشكل مرتب ومتناسق ومنتج ولذلك هو ينفي
الاختلاف والاحتمال والتعدد فدوما هناك معرفة واحدة ممكنة لشغل الاستفادة فأي
إدراك سواء كان بنص او غيره فان الاستفادة هي متاحة لعنصر معرفي واحد. وإذا مثلنا
للاستفادة بالمحل او المكان وعنصر المعرفة هو الحال فيه او الشاغل له فانه دوما
هناك محل واحد لا يتسع الا لشاغل واحد أي عنصر معرفي واحد، وهذا هو مبدأ وحدة
المحل. فمهما تعددت الأدلة واختلفت فليس هناك الا واحد ممكن للعقل قبوله وهذا يبطل
واقعية التوقف والتخيير، فتكون امورا ظاهرية. ويكون تعيين ذلك الاختيار الواحد
بواسطة وسائل العرض. فلا تعدد وإذا اراد التغيير فلا بد ان يستبدل المعرفة التي
شغلت المحل وليس هناك طريق اخر. فالعقل
يجعل مكانا فارغا يقبل عنصرا واحدا لأنه يريد ان يتقدم بواسطته في بنائه والبناء العقلي
دائما طولي في الجهة الواحدة وانما العرضية تكون بجهة اخرى والجهة حقيقة هي المحل
المتميز.
هذا في جهة العمل اما في جهة العلم والاعتقاد فالامر اوضح بالمنع من
التوقف والتخيير ليس شرعا فقط بل عرفا ووجدانا. والحديث كله من جهة الاحكام وليس
من جهة متعلقاتها فالحكم الواحد المشتمل على تخيير لا يحتاج الى اكثر من محل.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول شرعنة الاختلاف او التمهيد للاختلاف بل لا بد من توحيد
المباني والمعارف كوكون الانتهاء الى معرفة موحدة أصل.
كل محل متميز معرفيا هناك عنصر واحد يشغله. ولهذا فعرض المعرفة وتعريف
المعرفة ومعرفة المعرفة لا تقبل الا شكلا واحدا فلو جاءت أحاديث بألفاظ متعددة وقد
علم وحدة الجهة من حيث المتكلم والتكلم فان العرض لا يقبل الا لفظا واحدة هو ما
يكون له شاهد معرفي وغيره يصبح معتلا. الشريعة
معرفة والمعرفة كالواقع لا تقبل التعدد وكون دليل الشريعة قولي و مفاهيمه
اعتبارية لا يجوز القول بإمكان التعدد كما ان في الشريعة أصولا عامة معلومة
تفضيلية كاختيار الأسهل والأهنأ و الايسر
ونحو ذلك من الاصول التي تعين الاختيار، لذلك لا يكون هناك دليلان موافقين للمعارف
الثابتة ، بل دوما هناك واحد وهو صاحب الشواهد، ومن هنا فإمكانية ان يكون هناك
نصان متعارضين وكلاهما موافقان للقران والسنة لا مجال له لان المعرفة لا تتعدد حتى
ظاهرا ولأنه لا بد ان احدهما له شاهد ومصدق يعينه فيكون هو الشاغل الوحيد للمحل
الوحيد المتاح وهذا هو مبدأ وحدة الشاغل.
ان المعرفة لا تتعدد والعرض العرفي الصحيح لا يجعلها تتعدد ومن هنا
فلا تصل النوبة الى التوقف او التخيير بل دوما هناك تعيين. فاذا عرض عليك حديثان
متقاربان فعليك ان تختار الموافق للأصول من حيث اليسر والسهولة وهو المتعين. كما
ان المعرفة تستدعي العمل فكل ما علمت عملت ولا يتأخر العمل لاحتمال وجود معارض الا
انه حين يعلم المعارض ويترجح يجب تعديل المعرفة والاعمال السابقة صحيحة وهذه هي
سهولة الشريعة وسعتها. ان الفقه العرضي كفوء جدا في تعيين ما يجب ان يشغل المحل
الواحد فلا يبقى مجال للتوقف او التخيير. فالتوقف والتخيير من مقولات الفقه
الاصولي وليس الفقه العرضي. والحديث كله
من جهة الاحكام وليس من جهة متعلقاتها فالحكم الواحد المشتمل على تخيير لا يحتاج
الى اكثر من محل.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول تعدد المعرفة لا دليلا ولا دلالة ولا مدلولا ولا مجال للتوقف
او التخيير.