مبدأ التصديقية

 


 

ما كانت الشريعة ولا غيرها من مصادر المعرفة ان تقول بالغيبيات لولا وجود الدلائل العقلائية المصدقة لها والكافية جدا في اثباتها، ولولا ان تلك الغيبيات حقائق.  ان الشواهد المعرفية الواقعية المصدقة للخبر كفيلة بإخراجه من الظن الى العلم، وان هذا العلم تصديقي والمعرفة الحاصلة به صدق، وهذا ليس من التعبد او توسعة العلم والصدق بل هو كشف واضاءة من المعرفة العرفية والعقلائية عميقة وراسخة في وجدان العقلاء بالتصديق لما هو مستقبلي عن المشاهدة والعيان. وهذا هو مبدأ (تصديقية المعرفة).

وما موجود في المعارف الشرعية هو بالضبط كهذا النظام فهناك معارف دينية لها رسوخ عند المؤمن يلحقها بالشهود والعيان وهي محكم القران وقطعي السنة وهناك معارف دينية لها شواهد وآيات يكون وصفها وحالها حال المعارف الغيبية الايمانية الآياتية. فالمتحقق بمنهج العرض هو تصديق وبيان الشواهد والحجج والآيات التي في المعارف الراسخة كالشهود والعيان اي قطعي القران والسنة على المعارف الاخرى التي تحتاج الى تصديق ومصدق كما هو حال المعارف الغيبية والايمانية. وبهذا يتبين ان العلمية والواقعية واليقينية التي يحققها التصديق والمصدقية بالتوافق والتناسق والاتساق هي علمية عقلائية عرفية وجدانية وما يكون هو يقين وواقع عرفي عقلائي ووجداني وليس من استحداث او توسع في العلم في البين.

 

البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية غير مصدقة بما هو ثابت ومعلوم.

ان  المصدقية وعدم الاختلاف له جذر عقلائي وهي من اهم الاسس لمنهج العرض حيث انها تتضمنه والآيات ظاهرة في ان المضمون والمعرفة المصدقة لما قبلها ولما هو خارجها من معارف حقة امر معتبر في الايمان وصدق المضمون وانه حق وعلم. 

ان محورية القيمة المتنية للخبر مما يصدقه بل وأقره سلوك العقلاء في تعاملاتهم والشرع جرى على ذلك، ولحقيقة كون الشرع نظاما له دستور وروح ومقاصد ورحى وقطب تدور حوله باقي اجزائه وانظمته كان الرد والتناسق والتوافق اوليا واساسيا فيه. فكل ما يخالف تلك الروح والمقاصد والثوابت لا يقر. ولا يتحقق اطمئنان او استقرار انتسابي واذعان تصديقي الا بان تكون المعارف متناسقة متوافقة يشهد بعضها لبعض وهذا مطلب عقلائي ارتكازي.

لا بد من التأكد والتذكير دوما ان الشرع نظام معرفي واضح المعالم والحمد لله وهي حصانة له، وفيه معارف ثابتة قطعية لا يصح مخالفتها لأنه من نقض الغرض ومن الاخلال بالنظام.  فالأخبار الظنية مهما كانت صحة سندها خاضعة لعملية الرد والعرض والى وجوب تبين مدى الموافقة والتناسب ومدى الاقتراب من جوهر الشريعة او مدى ابتعادها وشذوذها. وهل يعرف غرابة وشذوذ ما ينسب للشرع بظنون نقلية من تفسيرات لآيات او تأويلات او روايات احاد الا من خلال الرد والعرض، بل ان سيرة المتشرعة حمل ظواهر الأحاديث المشكلة على ما يوافق الثابت بل ان ظواهر الايات المتشابهة يحمل على محكمها، وهذا كله من تطبيقات العرض والرد. 

فالتقييم المتني متجذر وعميق في الوجدان الشرعي كما هو حال اي نظام معرفي دستوري اختصاصي يحتكم الى عمومات وقواعد ثابتة ظاهرة هي روح النظام وجوهره لا يقبل الا ما توافق معها ويرد ما خالفها، وعلى ذلك المعارف الشرعية الثابتة بل الارتكاز الشرعي المصدق بسيرة العقلاء بل وفطرتهم. فمن الجلي جدا ان ما يخالف ما هو قطعي من الشرع يكون مشكلا بل احيانا يحكم بانه منكر وأحيانا يحكم بانه كذب. ولقد رد او كذب السلف والاعلام ومن لا يشك في ورعه وتقواه معارف كانت بهذه الصفة ليس الا انهم طبقوا الرد والعرض.

 

البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية غير مصدقة.