المعرفة البشرية دوما هي انفعال
بالأشياء، وليس للبشر ان يعرفوا ما لا ينفعلون به من إدراك سواء مباشر بالحس او
غير مباشر بالإخبار. وفي الواقع جميع الادراكات ترجع الى الاخبار وان المعرفة تصور
اخباري نهائي عن الأشياء وهذا هو مبدأ شيئية المعرفة.
ان معرفتنا في واقعها تصور امين عن
الأشياء، وسعي حثيث نحو ادراكها بواقعيتها وحقيقتاها، الا ان ادراكها يكون دوما
بمركزية الأشياء في علاقات. وقوة العقل وقوة انتزاعه كعامل للتعامل يعطي تمييزا
لأشياء اعتبارية وهذا وظيفي وليس بحسب ادراكه الاساسي فان العقل لا ينتج حقائق ولا
يولد اشياء انما هو يدرك ويميز ويصنف وينتزع من الخارج، فالأحكام هي امور لها تشكل
في الخارج وتتكثر بتكثر مصاديقها، وامتثالها يكون بفعل خارجي شيئي، وكل معنى
اعتباري ينحل بالنهاية الى اشياء جوهرية حقيقة في علاقة وتلك العلاقة هي شيء خارجي
وان كان غير مستقل وهو متصور ومنتزع من وجود شيئي خارجي. فالاعتباريات ليست أمورا
جعلية فقط بل تشكلات خارجية بين اشياء مستقلة ورابطة.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في
الفقه العرضي
المعرفة ليست صنعا للأشياء بل كشف
وانفعال بأشياء موجودة.
ان المعرفة الشيئية تميز بين الأشياء
كذوات، ومن الخطأ تصور مسمى من دون ذات، فكل وضع لاسم هو وجود ذات. ومن الخطأ تصور
ان هناك ذاتا ليس لها حقيقة شيئية، بل جميع الذوات المعرفية لها حقائق شيئية، ان
الانسان يعرف الأشياء بانها ذوات في علاقة وحتى تلك العلاقة هي ذات في نهاية الامر
وهذا هو مبدأ ذاتية المعرفة.
الأشياء تدرك احيانا مستقلة وأحيانا
غير مستقلة. فعندنا اشياء حقيقية خارجية حقيقتها وخارجيتها مستقلة هي التكوينيات
واشياء حقيقية خارجية حقيقتها وخارجيتها غير مستقلة وتسمى الاعتباريات. لكن
الاعتباريات أيضا أمور خارجية بل وذوات ولها غايات ومقاصد اذ ان لكل ذات غايات
واغراض ومقاصد. تكمن اهمية هذا المبدأ الذاتي للمعارف ان إدراك الذاتية والحقائقية
للشيء الاعتباري او الخارجي تعطيه بعدا ذاتيا في الوجود وغاية وقصدا ووعيا، وقيمة
اخلاقية. اذن لدينا موجودات هي أشياء وكلها حقائق وكلها ذوات حتى الأوهام هي حقائق
في نفسها وليست في الخارج. اذن لدينا موجودات كلها أشياء وكلها حقائق وذوات ومنها
ما هو مستقل خارجا هي التكوينيات ومنها ما هو غير مستقل خارجا هي
الاعتباريات. ولا ريب في ظهور القصور
الاشاري للعناوين الأخيرة لذلك يكون من المفيد تقسيم الأشياء الى مستقلات خارجية
وهي التكوينيات وغير مستقلات خارجية وهي الاعتباريات او الى ذوات مفردة وهي
التكوينيات وذوات مركبة أي أشياء في علاقة وهي الاعتباريات.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في
الفقه العرضي
كل المعارف هو حقائق وذوات ومنها
مستقل في الخارجي ومنها ما هو غير مستقل.
معرفتنا تفاعل مع الموجودات، أي مع الحقائق الموجودة في الخارج وهذا
هو مبدأ حقائقية المعرفة. والوجود معرفة
حقائقية مفهومية تتقوم بطبيعة الموجود أي لا تنفصل ولا ينفك عن طبيعة الموجود
فانتزاعها ملحوظ فيه الموجود نفسه، وهذا ينقسم بانقسام الحقائق ويتكثر بتكثرها الا
ان المهم هو التمييز بين نوعين من الوجود الحقائقي أحدهما زماني حدثي وهو وجود
المخلوقات ووجود ازلي سرمدي لازماني هو وجود الخالق الله تعالى، فالله تعالى موجود
حقيقي خارجي لازماني ولا مكاني ازلي وهذا ما يتفرد به تعالى ولا يشاركه به شيء ولا
يتداخل معه شيء تعالى الله علوا كبيرا.
وهناك انتزاع معرفي للوجود نفسه يراد به صفة الموجودات بالفهم
الاخطاري من مفهوم الوجود أي المعنى الاشاري الالتفاتي وليس الحقائقي وانتزاعه لا
يلحظ فيه طبيعة الموجود ولا يتقوم بطبيعة الموجود وهذا لا يختلف بين موجود واخر
فهو واحد، وهو ي يرادف الشيئية فالله تعالى شيء وموجود كما ان غيره من الأشياء شيء
وموجود، وعلى هذا المعنى يجب ان يحمل قول من قال بالوحدة فهي الكثرة بالمعنى
الحقائقي الخارجي.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي
ان جميع أجزاء ومكونات المعرفة تشير الى موجودات حقائقية.
مبدأ المعرفية
المعرفة هي ما يعرفه الانسان عن
الأشياء، فهي التصورات المتكونة لدى الانسان عن شيء بسبب من أسبابها من مشاهدة او
إخبار او تأمل. والمعرفة والتصورات مبدأها الادراكات الجزئية ومن خلال الادراكات
ينتزع العقل تصورات جامعة عن الشيء. ومن هنا تتضح العلاقة بين ثلاثة أمور هي
المعرفة والعلم والحقيقة. فالحقيقة هي ما موجود فعلا في الخارج، والعلم هو طريق
معرفة الحقيقة والمعرفة هي صورة تلك الحقيقة عند الانسان. وأحيانا يستعمل العلم
بمعنى المعرفة وهو غير تام، فالعلم طريق المعرفة. كما ان الواقع هو المعارف
المكتسبة المتناسقة المشتركة بخصوص الأشياء وحينما تتبدل معرفة معين تكون ظاهرية
وتحل محلها المعرفة الجديدة الواقعية.
فلدينا مبدأ مهم هو مبدأ (تصورية
المعرفة) بخصوص الحقيقة وليست هي الحقيقة، الا ان المعرفة حق وواقع حتى ينكشف الخلاف
فتصبح ظاهرا. ان هذا التمييز مهم جدا في كثير من الأمور التي تخص تقييم الأشياء
والاحكام. واهم هذه الأمور هو الفرق بين الحقيقي والمعرفي، والواقع والظاهر
والمقدس ومعرفة المقدس والشريعة ومعرفة الشريعة. فالشريعة لها وجود حقيقي محفوظ لا
يقبل الالتباس ولا الاختلاف ولا التغير، بينما المعرفة بها غير ذلك، كما ان
الشريعة مقدسة الا ان معرفتنا بها ليست مقدسة.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في
الفقه العرضي
التعامل مع المعرفة انها تصور عن
الشريعة وليست الشريعة، والتمييز بين الشريعة المقدسة المعصومة ومعرفتها البشري المتغير
وغير المقدسة.
ان الإنسان يهتم بواقعية المعارف ولا يبدو واضحا اهتمام الناس بمعارف
عليا كلية او عقلية وانما يكون السؤال عنها من باب حب الاطلاع والا فان الصلابة
المعرفية البشرية هي في واقعية الأسباب والنتائج وهذا بسبب الغريزة الواقعية في
الانسان وهذا هو مبدأ (واقعية المعرفة). لهذا كان الايمان مستمدا من الواقع
والوجدان واهم أسباب الايمان بالغيب هو الواقع فالعقل لا يذعن لغيب ليس له حقيقة
او إثر واقعي، ولولا ان العقل يرى الواقعية في المعارف الشرعية الغيبية لما اذعن
اليها.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي
عدم قبول ما هو غير واقعي،
والواقعية تشمل الدلائل الواقعية على الفرضية.
و كما اننا نعيش في واقع متجانس
متناسق فان المعرفة هي صورة لهذا الواقع ولا تقبل الا بالتجانس والتوافق ولا يعني
هذا معرفة الحكمة والسبب دوما بل يعني معرفة التناسب والتناسق دوما بل أحيانا لو
بينت وفرضت الحكمة في شيء وكان لا يتناسب وجوده مع غيره فان العقل لا يذعن. ان
التوافق والتناسب أكثر قوة واقناعا للعقل من التبرير. لذلك فالمعارف الغيبية التي
لا يوجد ما يدل عليها من الواقع فهذه كلها ظنون ومن هنا فشلت الفلسفة المثالية
حينما انفصلت عن الواقع والصحيح هو ان يكون الانسان واقعيا في فلسفته وفي معرفته،
والحقيقة هو ان جميع معارف الانسان الدينية وغير الدينية هي معارف واقعية ومن هنا
تجد الانسان لا يذعن بسهولة الى المعارف الخارقة للعادة وحينما تتعلق بالإعجاز
يطالب بدليل علمي وهذا من الواقعية فلا يكفي الظن في هكذا أمور وفي الحقيقة كل
معرفة لا تتوافق مع الواقع لا بد من دلائل قوية للقول بها لان اذعان العقل
للغيبيات لا يمكن ان يكون بالظن ولقصور محدودية العقل في الرد هنا فيكون الاعتماد
على الخبر ومن هنا فان من واقعية الشريعة الا يعتمد في الأمور الغيبية الا النقل
العلمي جدا.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير واقعية.
الاتساق هو الأساس للواقعية والحقائقية، وهو العلامة الواضحة لصدق
المعرفة. ان العقل البشري لا يقر الا بالمعرفة المستقرة، واما المعرفة القلقة فلا
يقر بها مهما كانت مصادرها، ولأجل استقرار المعرفة في العقل لا بد ان تكون لها
شواهد ومصدقات وان تكون في تناسق وتوافق مع باقي حقول المعرفة. فعدم الشواهد وعدم
المصدقات هو علامة المعرفة القلقلة. ولا بد من شواهد مصدقة وتوافق تناسقي للمعرفة
مع ما هو ثابت ومعلوم لاستقرارها، وهذا هو مبدأ (اتساق المعرفة). وهذا يجري في
المعرفة الشرعية، فلا بد لأجل الحكم بواقعية المعرفة الشرعية وحقائقيتها وانها حق
وصدق لا بد ان تكون متوافقة متناسقة مع ما هو معلوم ولها شواهد مصدقة منه.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي
عدم قبول معارف غير متسقة.
ان الشريعة كمعرفة هي منظومة معارف مستقلة لها مظهرها واستقلالها
ولونها المعرفي المتميز بخصائص واضحة تستفاد من مواد الشريعة أي ادلتها والتي هي
القران والسنة، وتعتمد كما هو حال غيرها من معارف على التوافق والتناسق والتشابه
والاتصال والاعتصام. وتعرف المعرفة من كونها شرعية بعلامات التوافق والتناسق
والاتصال فتصبح علما وحقا شرعيا وصدقا واعتصاما. قد يعتقد ان الشريعة هي النص او
دلالته وهذا لا مجال له بل الشريعة معرفة مستقلة في مستوى خارج النص ودلالاته وان
كان النص ودلالاته مقدمة وطريقا اليها، بل حينما يكون النص غير موافق للشريعة فانه
يكون متشابها ويعالج بطريقة او بأخرى حتى يتوافق معها فيحكم، وما هذا الا بسبب
استقلال الشريعة عن النص.
ان الاتساقية الشرعية لا تطرح الموافقة كحل لمشكلة العلم وانما تطرحها
كعلامة للعلم ولذلك فالمتسق والموافق هو العلم والصدق أي هو صورة الحقيقة وصورة
الواقع. ومن هنا فلا مجال لتقسيم المعرفة الى ظاهرية وواقعية من جهة الثبوت وانما
كل المعرفة الثابتة واقعية الا انه حين يتبدل العلم أي يتبين الخلاف فان العلم بالواقع
ومعرفته تتبدل. ان الحقيقة والواقع الشرعي محفوظ ومعصوم ونحن البشر ليس لنا الا
معرفته والعلم به وهذا العلم يمكن ان يتغير. ومن هنا يتبين ان الواقع واقعان؛ واقع
حقائقي وواقع معرفي ونحن نتعامل مع الواقع المعرفي يمكن ان يتغير اما الواقع
الحقائقي فلا يتغير ويحتاج الى معرفة محيطة، فما ندركه هو المعرفة وليس الحقيقة.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير متسقة.
الانسان كائن واقعي، بمعنى انه يبني
معارفه على منطقية واضحة وعلى تناسق واتساق ولا يقبل التخلخل والوجود غير المبرر.
لذلك فالإنسان دوما ينطلق الى المعرفة مما لديه من معلومات ومعطيات ولا يبدأ بها من
مكان منعزل، حتى الفرضيات هي دوما تكون منتزعة من الواقع أي من خبرات الانسان.
فالمشاهدة والادراك دوما تتأثر بما هو معلوم سابقا، فالمعارف السابقة تؤثر في
طبيعة المشاهدة او المعرفة الجديدة أي الادراك الجديد وهذا هو مبدأ (معرّفية
المعرفة). ولذلك فالعقل يعرّف المعرفة
ليعرفها ومن دون تعريف بشاهد ومصدق فلا تعرف وهذه هي معرفة المعرفة.
ان العقل والوجدان لا يقبل الا بالمعرَّف
من المعارف، فلا يقبل المعرفة النكرة. وتعريف المعرفة يكون بأدوات التعريف
المقبولة، ومنها وجود معرّف معرفي كوجود الشاهد المصدق للمعرفة، فانه يحقق تعريفا
للمعرفة، فبالضبط كما في الاسماء هناك نكرة ومعرفة فان المعرفة منها نكرة ومنها معرفة
(معرَّفة)، وكما ان هناك ادوات لتعريف الالفاظ فان هناك ادوات معرفية لتعريف
المعرفة؛ وتعريف المعرفة يكون بالشاهد. فنقول هذه معرفة معرَّفة بشاهد وهذا معرفة
نكرة ليس لها شاهد معرِّف. تعريف المعرفة بشاهد يؤدي الى معرفة المعرفة ويخرجها من
النكارة. فالأصل في المعرفة النكارة ولا بد من التعريف من معرِّف وهو الشاهد
المعرفي.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في
الفقه العرضي
عدم قبول معرفة غير معرفة بما هو ثابت
ومعلوم من المعرفة الشرعية.
ما كانت الشريعة ولا غيرها من مصادر
المعرفة ان تقول بالغيبيات لولا وجود الدلائل العقلائية المصدقة لها والكافية جدا في
اثباتها، ولولا ان تلك الغيبيات حقائق. ان
الشواهد المعرفية الواقعية المصدقة للخبر كفيلة بإخراجه من الظن الى العلم، وان
هذا العلم تصديقي والمعرفة الحاصلة به صدق، وهذا ليس من التعبد او توسعة العلم
والصدق بل هو كشف واضاءة من المعرفة العرفية والعقلائية عميقة وراسخة في وجدان
العقلاء بالتصديق لما هو مستقبلي عن المشاهدة والعيان. وهذا هو مبدأ (تصديقية
المعرفة).
وما موجود في المعارف الشرعية هو
بالضبط كهذا النظام فهناك معارف دينية لها رسوخ عند المؤمن يلحقها بالشهود والعيان
وهي محكم القران وقطعي السنة وهناك معارف دينية لها شواهد وآيات يكون وصفها وحالها
حال المعارف الغيبية الايمانية الآياتية. فالمتحقق بمنهج العرض هو تصديق وبيان الشواهد
والحجج والآيات التي في المعارف الراسخة كالشهود والعيان اي قطعي القران والسنة
على المعارف الاخرى التي تحتاج الى تصديق ومصدق كما هو حال المعارف الغيبية
والايمانية. وبهذا يتبين ان العلمية والواقعية واليقينية التي يحققها التصديق
والمصدقية بالتوافق والتناسق والاتساق هي علمية عقلائية عرفية وجدانية وما يكون هو
يقين وواقع عرفي عقلائي ووجداني وليس من استحداث او توسع في العلم في البين.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في
الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير مصدقة بما
هو ثابت ومعلوم.
ان المصدقية وعدم الاختلاف له
جذر عقلائي وهي من اهم الاسس لمنهج العرض حيث انها تتضمنه والآيات ظاهرة في ان
المضمون والمعرفة المصدقة لما قبلها ولما هو خارجها من معارف حقة امر معتبر في
الايمان وصدق المضمون وانه حق وعلم.
ان محورية القيمة المتنية للخبر مما
يصدقه بل وأقره سلوك العقلاء في تعاملاتهم والشرع جرى على ذلك، ولحقيقة كون الشرع
نظاما له دستور وروح ومقاصد ورحى وقطب تدور حوله باقي اجزائه وانظمته كان الرد
والتناسق والتوافق اوليا واساسيا فيه. فكل ما يخالف تلك الروح والمقاصد والثوابت
لا يقر. ولا يتحقق اطمئنان او استقرار انتسابي واذعان تصديقي الا بان تكون المعارف
متناسقة متوافقة يشهد بعضها لبعض وهذا مطلب عقلائي ارتكازي.
لا بد من التأكد والتذكير دوما ان
الشرع نظام معرفي واضح المعالم والحمد لله وهي حصانة له، وفيه معارف ثابتة قطعية
لا يصح مخالفتها لأنه من نقض الغرض ومن الاخلال بالنظام. فالأخبار الظنية مهما كانت صحة سندها خاضعة
لعملية الرد والعرض والى وجوب تبين مدى الموافقة والتناسب ومدى الاقتراب من جوهر
الشريعة او مدى ابتعادها وشذوذها. وهل يعرف غرابة وشذوذ ما ينسب للشرع بظنون نقلية
من تفسيرات لآيات او تأويلات او روايات احاد الا من خلال الرد والعرض، بل ان سيرة
المتشرعة حمل ظواهر الأحاديث المشكلة على ما يوافق الثابت بل ان ظواهر الايات
المتشابهة يحمل على محكمها، وهذا كله من تطبيقات العرض والرد.
فالتقييم المتني متجذر وعميق في
الوجدان الشرعي كما هو حال اي نظام معرفي دستوري اختصاصي يحتكم الى عمومات وقواعد
ثابتة ظاهرة هي روح النظام وجوهره لا يقبل الا ما توافق معها ويرد ما خالفها، وعلى
ذلك المعارف الشرعية الثابتة بل الارتكاز الشرعي المصدق بسيرة العقلاء بل وفطرتهم.
فمن الجلي جدا ان ما يخالف ما هو قطعي من الشرع يكون مشكلا بل احيانا يحكم بانه
منكر وأحيانا يحكم بانه كذب. ولقد رد او كذب السلف والاعلام ومن لا يشك في ورعه
وتقواه معارف كانت بهذه الصفة ليس الا انهم طبقوا الرد والعرض.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في
الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير مصدقة.
كل معرفة يستقبلها الانسان يردها الى
ما يعرف من معارف بعرضها عليها وعلى قدر التوافق والتناسب يطمئن لها والا كانت في
حيز النكارة والشذوذ حتى يجد لها تبريرا لتقبلها. عملية العرض هذا راسخة ومتجذرة
في الادراك البشري الا انها تجري بشكل غير محسوس والا فانه لا يتم إدراك أي معرفة
صغرت او كبرت الا بإجراء الرد عليه وهذا هو مبدأ (عرض المعرفة).
والشريعة تجري في هذا السياق فتعرض
المعارف الجديدة على ما هو معلوم من محكم القران ومتفق السنة التي هي اصول المعارف
الدينية واليها يرد غيرها من معارف سواء دلالات او نقولات فيكون عدم النكارة وعدم
الشذوذ عاملا حاسما في تعيين الحق والصدق.
إذا واجه العقل معرفة شاذة ليس لها
شاهد او مصدق مما يعرف فانه يصفها بانها غريبة، حيث ان للمعرفة حقولا والرد اهم
عوامل الاستقرار في المعرفة العقلية. وتلك المعرفة الغريبة إذا كانت تخالف وبصراحة
معارف معلومة فان العقل يصفها بالمنكرة. فلدينا المعرفة الغريبة وهي التي ليس لها
شاهد او مصدق فهي ظن، والمعرفة المنكرة وهي التي تخالف ما هو ثابت من معرفة فهي
كذب. هذا الفهم مهم جدا في أسس عملية العرض الشرعي ومفهوم الموافقة في الفقه
العرضي. فالموافقة ليس عدم المخالفة بل الموافقة وجود شاهد ومصدق.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في
الفقه العرضي:
وجوب عرض المعارف على بعضها وعدم قبول
معارف شرعية الا بعد عرضها على ما هو ثابت وتبين وجود شواهد لها.
ان العقل البشري كفوء جدا في
الرد المعرفي ككفاءته في تحصيل المعنى من النص، رغم تعدد جوانب الملاحظة والمعاني
التي تحضر عند الرد، وغالبا ما يحصل الرد مباشرة عند تلقي المعنى فيكون هناك قبول
او ارتياب او عدم تبين الحال. وهذا يعود لسببين اولا كفاءة العقل في الرد وثانيا
رسوخ المعارف الثابتة بخصوص المعارف وخصوصا المعارف الدينية. ان عرض المعارف
الجديدة على ما هو معلوم من الشريعة صفة مميزة ومهمة لاجل حصول معارف متسقة
متوافقة. ان الرد عملية عفوية عرفية عقلائية بسيطة الا انه احيانا يلتفت اليها
وتعتبر وأحيانا لا يلتفت اليها. منهج العرض وتقييم النصوص بالعرض يعني الالتفات
الى عملية الرد وليس القيام بها في الواقع. ومن هنا فمنهج العرض ليس امرا غريبا
على الوجدان والفطرة والعقلائية بل هو مصدق ووجه لعلمية الرد العقلي. ما يحصل
أحيانا هو تبريرات تدعي العلمية تتجاوز
الرد الا ان الوجدان يبقى غير مقتنع بما يترتب وينتج عن تلك الادعاءات ولو ان
الفقه استمع لصوت الوجدان ولداخل الانسان لما رغب عن منهج العرض ابدا.
قد بينت في منسابات كثيرة ان العرض
يكون للمعرفة الظنية، وهنا امران؛ الاول الظنية للكلام المنقول لها جهتان الاول
ظنية النقل وظنية الدلالة، اما ظنية النقل فهي مختصة بالحديث ظني الصدور واما آيات
القران والسنة المتفق عليها فليست موضوعا للعرض بل هي ما يعرض عليه. والغرض هنا
اخراج الحديث الظني الى حالة العلم فيصبح حديثا معلوما بالتصديق والشواهد.
واما من جهة الفهم فالمعروض ايضا
الفهم الظني، فالفهم فهمان فهم قطعي متفق عليه بين المسلمين له أصل عرفي وعقلائي
ومعرفي وفهم لا يتصف بذلك، الفهم المتفق عليه لا يعرض بل هو ما يعرض عليه هو
المعرفة المعروض عليها غيرها، وانما العرض للفهم الظني. وهذا الفهم الظني قد يكون
لنص قطعي كآية او حديث ثابت او لنص ظني كحديث ظني الصدور.
حينما يبلغ العقل مضمون معين فانه
يعرضه على ما يعرف، فان وجد له شاهدا ومصدقا من المعارف التي عنده سابقا فانه يقر
ويذعن بالنقل والظاهر والا توقف او رفض المضمون. ان الاصل في النقل عند العقل هو
الظن، فان وجد شاهدا ومصدقا صار علما واقر والا بقي ظنا. ومن الواضح ان القرآن الكريم ظاهر في ان
الاعتبار بخصائص المضمون المنقول بالمطابقة للحق بعلامات ذاتية، فيصح نسبة النقل
الى النبي صلى الله عليه وآله بتحقيق صفات المصدقية والموافقة للقران والسنة
الثابتة.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في
الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير عرضية او
تعارض عرض المعارف الشرعية على بعضها.
ان ما هو واضح للوجدان ان النفس باله العقل تتعامل مع الخارج او
معطيات الخارج باعتبارها اخبار عنه اذ ان التمييز بين الذات والخارج واحد وكل
أدوات الادراك وعملياتها العقلية تنتهي الى ان تلقي المعلومات عن الخارج يكون بنحو
اخبار الذات به، فالعقل يخبر بوسائله النفس عن الخارج ولا يختلف في ذلك أي شكل من
اشكال الادراك أي سبب من أسباب المعرفة المعروفة فجميها ينتهي الى الخبر، وهذا هو
مبدأ (خبرية المعرفة). فالخبر العرفي يكون بتوسط واسطة خارجية والخبر العقلي يكون
بتوسط العقل والادراك العقلي.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي
المعرفة بالنسبة للنفس هي اخبار سواء كان بواسطة او مباشرة بادراك
العقل. فلا بد من التثبت فيها دوما.
ان تأثر النفس بالخبر وتداخله مع الادراك المباشر وتأثيره عليه يشير
بقوة الى تداخل هذه المصادر عند العقل او بمعنى اصح عند الانسان (النفس)، وإذا
رجعنا الى وجداننا نجد ان الانسان يتعامل مع الجميع بشكل واحد وهو (الخبر) فكل
الوسائل والادوات الادراكية عند الانسان وعقله تنتهي الى عنصر واحد هو (الخبر)
فكما ان الكلام يوصل معرفة نقلية خبرية الى الانسان وعقله فان الحس والنظر واللمس
يوصل معرفة خبرية الى الانسان وعقله، فكل هذه اخبار. وهنا تبرز معرفة مهمة وهي
علاقة الذات بالعقل أي علاقة الانسان بالعقل، فالأنسان ليس العقل وليس عقلا في روح
وجسد، بل الانسان هو تلك الذات التي تستعمل العقل اداة للإدراك، فالعقل الة النفس
وليست هي النفس، ووجود معارف جمة نفسية (ذاتية) لا عقلية تؤثر على العقل بمصادر
معلومة وغير معلومة من غريزة وعاطفة وتكوينات روحية او جسدية أمور ملاحظتها بينة.
فالعلاقة بين العقل والنفس (الانسان) ان العقل أداة الانسان للمعرفة وليس هو الذات
ولا هو العارف بل العارف الانسان وليس العقل.
وهذا مبدأ (آلية العقل).
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي
العقل آلة الذات (النفس) لاجل المعرفة، وهو ليست الذات وليس النفس.
وللذات مصادر أخرى غير العقل.
تعرف الاشياء باعتبارها
موضوعات متصفة وتعرف الاحوال باعتبارها صفات. فمركز الاهتمام بالشيء بكونه متصفا
وعلى هذا الاشياء تميز بحسب الصفات كما انه يعطى لكل شيء احتمالا وتوقعا معرفيا
بحسب حقله الاتصافي. اذن التوزيع للمعارف في المعرفة في حقول اتصافية، فاذا جاء خبر
او معرفة بصفة تنتمي الى حقل اتصافي لا يتناسب مع الحقل المعتاد لذلك الموضوع أي
الشيء فان الانسان يعتبر تلك المعرفة غريبة وشاذة. ان تأريخ المعرفة بشيء يؤثر
بشكل قوي جدا على كل معرفة ممكنة بحقه وهذا هو مبدأ (تأريخية المعرفة) والذي يبرز
فيه قوة تأثير الحقل الاتصافي للشيء وتأريخه المعرفي في كل ما يمكن ان يعرف عنه
مستقبلا. ان المعرفة المستقبلية عن الشيء تتأثر بشكل قوي بماضيه ولأجل تجاوز هذا
التأثير لا بد للمعرفة الجديد ان تحقق درجة من العلم تمكن الانسان من الاقتناع
والاذعان بها. وهذا ما بين مركزية وقوة
الرد المعرفي في الموضوعات الشرعية وما يشابهها من معارف لها دستور ومحور وتاريخ
اتصافي.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
لا بد من عرض المعرفة الجديدة المتعلقة بموضوع على تاريخه المعرفي.
ان الواقع واحد والحقيقة لا
تختلف، ووسيلة العلم بها لا تختلف، كما ان الدليل عليها لا يختلف. ولأجل التوحد في
كل تلك الأطراف الخاصة بالمعرفة فان المعرفة البشرية يجب ان تكون موحدة وهذا هو
مبدأ (توحد المعرفة) ومنه (توحد المعرفة الدينية). اذن من اين يأتي الاختلاف في
المعارف؟ الاختلاف يأتي بسبب اعتماد الظن اي العمل بالظن، لو ان الناس اقتصروا على
العلم في تعاملاتهم لما حصل اختلاف. اذن الحل في رفع الاختلاف هو ترك الظن واعتماد
العلم في كل صغيرة وكبيرة في المعرفة، لان العلم لا يختلف. وهذا طبعا لا يعني
القهر والاكراه بحجة التوحد وانما بيان الطريقة العلمية الموحدة التي لا تحتمل
تضليلا. حينما يقطع الطريق امام النقل الظني والفهم الظني حينها سوف يتوحد النقل
ويتوحد الفهم لان العلم يوحد دوما، ومن الغرائب ان يقال انه يجوز في المعرفة
الاختلاف وواقع الحياة لا يقبل الاختلاف، وكون لكل انسان وعيه وادراكه ليس سببا
للاختلاف في المعرفة وانما هو سبب لاختلاف التفاعل معها وفرق بين الاثنين.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم القبول بالاختلاف والسعي العلمي نحو رفعه.
الطريق الوحيد الصحيح للمعرفة هو العلم، والعلم اخبار، وهو اما
استنباط او استقراء ولا ثالث، والأول أيضا يرجع الى الاستقراء، ففي الحقيقة علمنا
بالأشياء ومعرفتنا بها مرده الاستقراء، ولا بد لمن ليس استقراء علمي ان يعتمد بمن
لديه استقراء علمي.
الانسان يعلم بوجدانه انه حادث وليس قديما وانه مركب بطريقة فائقة
الدقة وكذا باقي الأشياء حوله فإنها حادثة وفائقة الدقة في صنعها، ومن خلال
الاستقراء العلمي فان هذا يعني وجود صانع حكيم وازلي غير حادث غير محتاج الى خلق
وصنع، وقد سمته الشرائع السماوية وعرفته للبشر بانه الله تعالى خلق كل شيء.
والانسان يلاحظ بوجدانه ان الله تعالى الذي خلقه خلق معه الراحة والتعب والخير
والشر والالم واللذة وهكذا من متناقضات وكذا الاختيار والقهر، وبحسب الاستقراء
العلمي فان هذا يكشف عن وجود حالة اختبار للإنسان من قبل صانعه تعالى. ووجدان
الانسان الاستقرائي يثبت ان كل اختبار له جزاء وكل طاعة وامتثال له ثواب وعطاء كل
إساءة وعصيان له عقاب وحرمان الا انه لا يرى ذلك حاصل في الدنيا فلا بد وبحسب الاستقراء
العلمي ان يكون الحساب في عالم اخر غير الدنيا وهو ما أسمته الشريعة بالأخرة. ان الانسان يرى حالات الانحراف الحاصلة في
سلوكه من حيث الظلم ويرى ان معارف توضيحية تخص الحكمة يتحاج فيها الى اخبار من
الله تعالى وبحسب الاستقراء العلمي هذا يحتم ارسال الرسل وإنزال الكتب. ان هذا الاثبات الاستقرائي للإيمان وللشريعة
وللمعرفة بها هو جزء من صفة عامة في المعرفة البشرية الا وهي الاستقرائية فان الحس
والمادة والاستنتاج والفرضيات في الواقع كلها نتاج الاستقراء وانما التوجيه
الخبروي هو لبيان المفاهيم بشكل تواضعي وليس لمعرفة الحقيقة وهذا هو المبدأ
الاستقرائية للمعرفة. ان ما قدمته يبين وبوضوح إمكانية اثبات المعارف الايمانية
الرئيسية استقرائيا وبحسب مناهج العلم الاستقرائي بل والتجريبي وهذا يفتح افاقا
واسعة اما معارف الشريعة طبيعة تناولها وطرحها للناس.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
اعتماد الاستقراء في اثبات المعارف الشرعية. وعدم قبول المعارف التي
تعارض استقرائية المعرفة الشرعية.
استقرائية الشريعة
الاستقراء هو أحد الطرق
المستخدمة في مناهج البحث العلمي. وهو دليل علمي للمعارف الخارجية ومعتمد في
العلوم البحتة وتبني عليه البشرية الكثير من قرارتها المصيرية. وهذا يمكن من القول
ان الاستقراء يصح ان يكون دليلا في الشريعة لكن بعد إخراجه من الظن الى العلم. ان المعرفة الاستقرائية في الشريعة في الأساس ظن
وهي بنفسها ليست حجة الا انه ليس من الممتنع ان تكون دليلا كما انه ليس من المقبول
اركان هذا الدليل المهم جانبا لذلك لا بد من السعي نحو تكامل علمية الاستقراء
الفقهي واخراجه من الظن الى العلم.
من الواضح جدا ان جميع المحاولات التي حاولت ان تعطي للاستقراء علمية
فشلت فشلا ذريعا اما المعارف الثابتة بخصوصه ظنيته، وان جميع المحاولات التي حاولت
ان تعطي الاستقراء حجية في الشريعة تميزت بالضعف والظنية. لكن نحن نعلم بوجداننا
ان الاستقراء علم على وجه من الوجوه، كما ان العلوم التجريبية تعتمده أساسا
لحقائقها التي بنت هذا البناء الذي من غير المعقول التقليل من علميته. اذن كيف
يصبح الاستقراء الظني علما؟ كما انه من
الواضح أيضا عجز الفقه الاصولي عن الارتقاء بالاستقراء الى العلم لقصور ادواته عن
ذلك، فبقي الاستقراء الفقهي ظنا وليس حجة والادعاء لا ينفع.
لكن الفقه العرضي الذي نعتمده كفوء جدا في تحقيق العلمية في الاستقراء
الناقص، اذ ان أحد اهم إنجازات ومهمات الفقه العرضي هو اخراج المعرفة من الظن الى
العلم. والمنهج المتبع في الفقه العرضي بإخراج المعارف الشرعية من الظن الى العلم
يجري في الاستقراء حينما يتناول موضوعا شرعيا، وهو ما نسميه الاستقراء الشرعي.
فحينما يتحقق عندنا استقراء شرعي يتحقق عندنا ظن شرعي، وبعرضه على القرآن، وتبين
شواهد له ومصدقات منه يخرج من الظن الى العلم. اذن وجود شواهد ومصدقات من المعارف
القرآنية للنتيجة الاستقرائية كفيل بتحقيق العلمية له واخراجه من الظن الى العلم.
ولا يقال ان الحكم علم في البعض فيجوز ان يكون البعض الاخر على خلافه فان هذا الظن
زال بتصديق القرآن للحكم، فبعد ان لم يثبت حكم معارض في البعض الاخر وثبت كون
الحكم المتبنى موافق للقران وله شواهد منه كشف ذلك ان هذا الحكم هو الجاري في جميع
الجزئيات. فالتتبع حقق جزء من العلم والتصديق القرآني كمل ذلك وهذا هو الحال في
جميع المعارف القرآنية فان الدليل يثبت جزء من العلم وتصديق القرآن له يكمل العلم.
وفي الواقع هذا ليس مختصا بالشريعة بل هو جار في جميع العلوم التي اعتمدت الاستقراء
كدليل علمي فان اشتراط موافقة الفرضية وتناسقها واتساقها مع ما هو معلوم وثابت من
معرفة هو المصحح للاستدلال بالاستقراء ومحقق ومكمل علميته في جميع العلوم.
واذن الحلقة المهمة هي متى يكون الاستقراء شرعيا؟ أي متى يكون معرفة
شرعية ولو ظنية؟ ومن الواضح ان المعارف لكي تكون شرعية لا بد ان تكون مستندة
ومستفادة من الأدلة الشرعية. وقد بينت في مناسبات كثيرة ان الدليل الشرعي نوعان
دليل حكمي نهائي ودليل دليلي طريقي، وبعبارة مختصرة الأدلة الشرعية اما طريقية او
نهائية.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية تعارض استقرائية الشريعة.
في الواقع المعرفة تنتج بمعرفة الاستقراءات والعرف والتصورات العرفية
هي نتاج اتباع الاستقراءات العلمية الا انها تكون بشكل حر وغير توجيهي وهذا هو
التعليم الحر. بينما هناك طريقة لأخذ المعلومة الاستقرائية من الغير فان هناك أيضا
طريقة للإنسان بأخذ المعلومة الاستقرائية من العقل باستقراء ذاتي وهو تعليم أيضا.
وهو يدل على استقرائية الاستنباط وتعليميته، وبهذا تنتهي المعرفة كلها المباشرة
وغير المباشرة الى التعليمية وهذا هو مبدأ (تعليمية المعرفة).
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
اعتماد التعليم في اكتساب المعرفة الشرعية.
ان التعامل العرفي و لعقلائي قائم على المشاهدة والعيان وهذا هو اساس الصدق و مفهومه الواضح او
المركزي، ولكن الايمان و التصديق بما له شواهد واثار ومصدقات من هذا الواقع يحقق
صفة الصدق و الحق لما يغيب عن المشاهدة والعيان، ففي المعرفة البشرية هناك الصدق
والحق العياني الشهودي وهناك الصدق و الحق الاثري الغيبي، و كما ان الاشياء او
المعارف المشاهدة العيانية لا تختلف و لا تتناقض فان المعارف الحقة الغيبية الاثارية
لا يصح ان تخالف او تناقض المعارف العيانية الشهودية، كما ان الحكم بصدق و حقيقية
و واقعية المعارف الغيبية الاثارية هو وجود شواهد ومصدقات لها في عالم العيان
والمشاهدة و الشرع يطلق عليها عادة الايات، فالواقع العقلائي بل والعقلي بل
والفطري هو اما شهودي عياني حسي او غيبي اثاري ايماني. ودعوة الشريعة للإيمان
بالغيب الذي له آيات وشواهد في الواقع العياني الشهودي ليس من باب الاختبار بل من
باب انه حق وصدق ولا موجب لإنكاره. فكل معرفة يستدل عليها بغيرها وهذا هو مبدأ
(دلائلية المعرفة).
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية ليس عليها دلائل واضحة.
نحن نميز بين النص القرآني و النص السني و نميز ايضا بين الدلالة
اللغوية لكل نص لكن حينما نتعلم منهما و تتحول الدلالة معرفة في الصدور فأنها
تتدخل كعناصر معرفية غير متميزة من حيث مصدر العلم وانما تبقى متلونة بالأثر النصي
اما كعنصر بناء وانتاج فهي واحدة، ومن هنا فالمعرفة الشرعي قرانية-سنية في الصدور
والتفرع منها قراني وسني دوما، وحصر الدليل بالقران والسنة وحصر المعرفة بالقران
والسنة انما هو ناظر الى دليها ومصدرها واما في مجال المعرفة فهي واحدة ليست
متميزة والتفرع من ذلك الواحد وليس من المتفرق الظاهري بل من الواحد الحقيقي،
وهكذا الامر بخصوص كل حقل معرفي فان العقل في مستوى العلم والاعتقاد لا يميز بين
طرق العلم ولا طبيعة الأدلة بل الكل ينصهر ويتوحد ويتناسق ويجرد من مصدره وهذا هو مبدأ (انصهار المعرفة).
ومن هنا فالتفرع معرفة وهي من القران والسنة بواسطة المعرفة. فالشريعة
قران وسنة الا انها ليست قرانا وسنة بتمايز وتباين بل هي قران وسنة بتداخل وتشابك
وانصهار. فليس هناك معارف قرآنيه ومعارف سنية بل هي معارف واحدة هي معارف قرآنية
سنية. الشريعة معرفة مبنية بعناصر قرانيه سنية متداخلة على أصغر مستويات تكوينها.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول تمييز معارف شرعية مصدريا ودليليا في مستوى الاعتقاد.
من الأمور التي تنتج واقعية المعرفة هو اتصالها المعرفي، أي ان
المعرفة تنتج عن أخرى بإنتاج طبيعي واقعي اتصالي من دون قفز او غرابة بل بانسيابية
وواقعية وطبيعية اشتقاقية. ولو قلنا ان المعارف هي صورة للوجود الواقعي بمنطقيته
لكان صحيحا، وكما ان أشياء الواقع واحداثها متصلة ولا تقبل القطع فان المعارف هكذا
حالها وهذا هو مبدأ (اتصال المعارف).
ان صفة وخاصية اتصال الفرع بالأصل اهم بكثير من اي صفة اخرى للمعرفة،
والمعارف الاسلامية ليست معارف متناثرة متباعدة بل هي معارف متناسقة متجانسة ومتصل
ومتفرعة، وتتبعها بهذا الشكل هو السبيل الى اعتصامها.
دين الاسلام دين اتصال وهذا مصدر عصمته واعتصام اهله، وما يحصل احيانا
هو التقليل من شدة الارتباط بأصول المعارف والاتكال على الادلة الظنية مما سبب
الاختلاف وهو علامة الاخلال باعتصام المعارف الدينية. والحق لا يتعدد وإذا كان
هناك مجال لتبريري تعدد الفهم لأجل اننا امام تعاليم منقولة باللغة والكتابة، فان
الشريعة منعت ذلك بأصول عقلائية واهمها الرد والعرض على المعارف الثابتة فلا يقبل
بالشاذ والغريب.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية ليست متصلة بما هو ثابت ومعلوم.
المعرفة هي علم بالحقيقة، ولحقيقة ان الحقيقة لها جهات متعددة للعلم
بها فان جهة المعرفة بالحقيقة المعينة تؤثر في طبيعة معرفتها أي في صورتها
المعرفية وهذا هو مبدأ (جهوية المعرفة)). احيانا يظهر الناس مختلفين بخصوص حقيقة
لكن في الواقع هم غير مختلفين فيها وانما هم مختلفين من زاوية النظر اليها
وتصوراتهم ربما كلها صحيحة. ومن هنا قبل الحكم بتحقق الاختلاف لا بد من ضبط وحدة
جهة النظر الى الموضوع.
ان المعنى هو مجموعة دوائر اتصافية مفردة او مركبة تتكون منها مجموعة
من الدوائر الفهمية هذه الدوائر تحقق اشكالا من الادراك مختلفة في البعد التصوري
للشيء ، وهناك جهات للمعنى والادراك ينطلق من عنصر المشاهد وليس من منطقة التحليل
لذلك فالمعنى يمكن ان يكون ما يرى او يسمع او ينظر اليه او يصور اي انه ما يتصور
من جهة معينة لذلك فالشيء الواحد له معان مختلفة بل وتعاريف مختلفة باختلاف الجهة،
وفي الحقيقة حينما نقول ان الشيء يعني لمختلفين معان هو تعريفه الوظيفي لهم فهناك
تعريف حقائقية كلي وهناك تعريف جهوي وظيفي، والمعنى يمكن ان يكون باي من تلك التعاريف
وهناك قسم مهم من المعنى هو المعنى التخاطبي الذي لا يأخذ من المعنى الا جهة النظر
اليه والوظيفية بغاية الاخطار والاشارة باي طريقة تمكن من احضار الشيء و يمكن ان
نسميه التعريف التخاطبي في قبال التعريف المفهومي.
ان هذه الحقيقة أي جهوية المعرفة مهمة جدا في تحقق الصراع البشري،
ودليل واضح على ان المعارف المجردة أمور صعبة التحقق لذلك لا بد من الاتجاه نحو
توحيد المعارف الجهوية بدل البحث عن معارف عليا موحدة لا يبدو واضحا نفعها، انما
النفع في التعامل مع المعارف الجهوية وتوحيد النظر اليها. ان اهم أساس للعلم
وعلمية المعرفة هو اعتماد الجهوية والكف عن قصد الحقائق المجردة.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية مختلفة من جهة واحدة.
لكل معرفة محور لا يقبل الشك والاختلاف، وهو العاصم بخصوص تلك
المعرفة، واعتصام المعرفة بالمحور مقصد عقلائي بل وفطري تقوم عليه معارف البشرية
وهذا هو مبدأ (عصمة المعرفة). فالسعي نحو العصمة مطلب عقلائي بل فطري الا انه
يصطدم بعوامل نفسية تشوش العقل وتبعده عن غاياته.
والشريعة نوع من المعرفة وهي تسعى نحو العصمة لذلك لقد امرت الشريعة
بالاعتصام بحبل الله وهو ما يعصم المعرفة الشرعية، ومن مصاديقه واهمها هو المعارف
المحورية الاساسية في الدين المعلومة قطعا وباحكام والتي غيرها يرد اليها والتي
يمكن ان نسميها ام المعارف الشرعية وهي معصومة لأجل حقيقية علميتها فاذا رد الحديث
الى ام الشريعة فانه يعتصم ورده بان يعلم له شاهد منها، والاعتصام فعل لا يتأخر
نتيجته فيكون الحديث معصوما وتكون المعرفة التي تستفاد منه معصومة، ومن هنا فالفهم
الذي له شاهد ومصدق من محور الشريعة من النص المعلوم هو معرفة معصومة قد اعتصمت
بأمّ الشريعة فصارت معصومة أي علمها حقيقي وليس ادعائيا. وحينما يتفرع المتفرع من
أصل معصوم بتفرع له شاهد ومصدق من محور الشريعة فانه يكون معصوما ومنه فتوى المفتي
الذي يتفرع بتفرع معتصم من الاصل النصي المعتصم. وهذا هو الاستنباط المعصوم. لكن
هذه العملية تصطدم بعقبات إجرائية كثيرة تضعف تحققها أهمها عدم الاقتناع بغاية
عصمة المعرفة عند الناس.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير معتصمة بما ثابت.
المعارف حقول ليس من جهة الموضوع بل من جهة الخصائص وهذا هو مبدأ
خصائصية المعرفة وهو غير الحقول المعرفية، فالحقول تتوزع بحسب الموضوعات بينما
الخصائص بحسب الصفات والخصائص. ولحقيقة ان المعارف الشرعية معارف متميزة وذات صبغة
متميزة ولها خصائص مميزة فان النسبة اليها لا بد ان تكون بصورة خصائصية وانتمائية
وتشابهية وتماثيلة، وهذا هو جوهر اشتقاق المفاهيم الشرعية وتميزه بانه ذا خصائص
وتميزات معرفية خاصة تعرف بالتشابه وعدم الاختلاف والتصديق.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية لا توافق خصائص ما هو ثابت من جهة موضوعها الخاص
ومن جهة معارف الشريعة بشكل عام، لا بد من المشابهة في الخصائص (الصبغة).
مبدأ وحدة المحل ووحدة الشاغل
العقل الوجداني يبني المعارف بشكل مرتب ومتناسق ومنتج ولذلك هو ينفي
الاختلاف والاحتمال والتعدد فدوما هناك معرفة واحدة ممكنة لشغل الاستفادة فأي
إدراك سواء كان بنص او غيره فان الاستفادة هي متاحة لعنصر معرفي واحد. وإذا مثلنا
للاستفادة بالمحل او المكان وعنصر المعرفة هو الحال فيه او الشاغل له فانه دوما
هناك محل واحد لا يتسع الا لشاغل واحد أي عنصر معرفي واحد، وهذا هو مبدأ وحدة
المحل. فمهما تعددت الأدلة واختلفت فليس هناك الا واحد ممكن للعقل قبوله وهذا يبطل
واقعية التوقف والتخيير، فتكون امورا ظاهرية. ويكون تعيين ذلك الاختيار الواحد
بواسطة وسائل العرض. فلا تعدد وإذا اراد التغيير فلا بد ان يستبدل المعرفة التي
شغلت المحل وليس هناك طريق اخر. فالعقل
يجعل مكانا فارغا يقبل عنصرا واحدا لأنه يريد ان يتقدم بواسطته في بنائه والبناء العقلي
دائما طولي في الجهة الواحدة وانما العرضية تكون بجهة اخرى والجهة حقيقة هي المحل
المتميز.
هذا في جهة العمل اما في جهة العلم والاعتقاد فالامر اوضح بالمنع من
التوقف والتخيير ليس شرعا فقط بل عرفا ووجدانا. والحديث كله من جهة الاحكام وليس
من جهة متعلقاتها فالحكم الواحد المشتمل على تخيير لا يحتاج الى اكثر من محل.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول شرعنة الاختلاف او التمهيد للاختلاف بل لا بد من توحيد
المباني والمعارف كوكون الانتهاء الى معرفة موحدة أصل.
كل محل متميز معرفيا هناك عنصر واحد يشغله. ولهذا فعرض المعرفة وتعريف
المعرفة ومعرفة المعرفة لا تقبل الا شكلا واحدا فلو جاءت أحاديث بألفاظ متعددة وقد
علم وحدة الجهة من حيث المتكلم والتكلم فان العرض لا يقبل الا لفظا واحدة هو ما
يكون له شاهد معرفي وغيره يصبح معتلا. الشريعة
معرفة والمعرفة كالواقع لا تقبل التعدد وكون دليل الشريعة قولي و مفاهيمه
اعتبارية لا يجوز القول بإمكان التعدد كما ان في الشريعة أصولا عامة معلومة
تفضيلية كاختيار الأسهل والأهنأ و الايسر
ونحو ذلك من الاصول التي تعين الاختيار، لذلك لا يكون هناك دليلان موافقين للمعارف
الثابتة ، بل دوما هناك واحد وهو صاحب الشواهد، ومن هنا فإمكانية ان يكون هناك
نصان متعارضين وكلاهما موافقان للقران والسنة لا مجال له لان المعرفة لا تتعدد حتى
ظاهرا ولأنه لا بد ان احدهما له شاهد ومصدق يعينه فيكون هو الشاغل الوحيد للمحل
الوحيد المتاح وهذا هو مبدأ وحدة الشاغل.
ان المعرفة لا تتعدد والعرض العرفي الصحيح لا يجعلها تتعدد ومن هنا
فلا تصل النوبة الى التوقف او التخيير بل دوما هناك تعيين. فاذا عرض عليك حديثان
متقاربان فعليك ان تختار الموافق للأصول من حيث اليسر والسهولة وهو المتعين. كما
ان المعرفة تستدعي العمل فكل ما علمت عملت ولا يتأخر العمل لاحتمال وجود معارض الا
انه حين يعلم المعارض ويترجح يجب تعديل المعرفة والاعمال السابقة صحيحة وهذه هي
سهولة الشريعة وسعتها. ان الفقه العرضي كفوء جدا في تعيين ما يجب ان يشغل المحل
الواحد فلا يبقى مجال للتوقف او التخيير. فالتوقف والتخيير من مقولات الفقه
الاصولي وليس الفقه العرضي. والحديث كله
من جهة الاحكام وليس من جهة متعلقاتها فالحكم الواحد المشتمل على تخيير لا يحتاج
الى اكثر من محل.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول تعدد المعرفة لا دليلا ولا دلالة ولا مدلولا ولا مجال للتوقف
او التخيير.
من الراسخ في وجداننا وفي الواقع ان هناك أشياء نعلم بوجودها حتما وواقعا
الا اننا لا ندركها كمادة وهذا ما نسميه (العلم الاثري) أي العلم بالشيء بأثره في
قبال العلم الصوري أي ما يكون له صورة في اذهاننا. ان من إمكانات العقل الجبارة
انه يمكن ان يدرك أشياء بأثرها من دون ان يتصوره وهذا غالبا ما يشار اليه في الشرع
المعرفة بالآيات والدلائل والمعرفة بالقلب في قبال الحس. وفي الحقيقة هو ليس في
قبال الحس وانما في قبال التصور الشكلي. بل في الحقيقة لا يذعن العقل لوجود صورة
من دون إثر فحتى ما لا يدرك أثره من الأشياء الصورية يفترض العقل ان له اثرا وان
لم يدرك، فهذه الاثرية مترسخة في المعرفة، فالإدراك اما اثري وهو موافق للغاية
المعرفية او صوري وهذا ان لم يدرك له اثر افترض له اثر غير معلوم وهذا هو مبدأ
الاثرية في المعرفة.
ان العقل يمكنه ان يذعن بوجود
شيء لا يدرك له أي صورة ان كان له وجود وحضور مؤثر بما لا يمكن دفعه ومن هذه
المعارف هو المعرفة بالله فان العقل يدرك وبقوة وجود الله تعالى بدلائله واثار
فعله في واقعنا الا انه يعجز عن تصور صورة له.
كما ان الراسخ في وجدان العقل ان ما يدرك أثره ولا يدرك صورته هو من العجز
تجاه قوة وجوده وليس ضعف وجوده، فهذه الموجودات التي لا تدرك الا بالأثر هي
وجوديات جبارة يقر العقل بالعجز تجاهها بل أحيانا يعبدها وهذا هو أحد أسباب الشرك
وهو ان العقل يعلم بوجدانه وجود شيء له إثر في حياته الا انه يريد ان يعطيه صورة
فيجعل صورة تمثيلية. والشرع أدرك خطورة ذلك فنهي عن تمثيل الله تعالى باي مثل وهذا
من الدلائل الحقيقة على سماوية الشرع الإسلامي لبلوغه حقيقة عميقة في الإنسانية لا
يتوصل اليها العقل. ان النهي عن تمثيل الاله بمثال ناتج عن عمق المعرفة بحقيقة
الانسان التي يعجز العقل عن معرفتها وهذا بسبب احاطة علم الله بالأشياء وقصور
العقل في الإحاطة.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية ليس لها صورة او ليس لها إثر. ووجوب اثبات
المعرفة بأثرها وان لم تدرك صورتها.
الواقعية هي معرفة وجدانية بانتظام الكون وتناسقه، وهذا التناسق
والتناغم هو الذي رسخ مبدأ العدل والاعتدال في وجداننا، وهما مصدر الاخلاق والضمير
الإنساني الذي هو تفاعل بين الانسان المبني على المنفعة والذاتية وبين التناسق والتناغم،
وهذا هو البعد الجمالي للأخلاق فالجمال هو المولد للأخلاق. ولهذا فالواقع والمعرفة
به لا تقبل الا الجميل ومنه الأخلاقي وهذا هو مبدأ جمالية المعرفة.
وما يحصل من اضطراب جمالي أي بحدوث قبح فان الواقع والعقل سيكافح
لإرجاع الوضع الى حالته الجمالية المستقرة والله تعالى يتدخل لاجل اعانة الانسان
على ارجاع الوضع وواقعه الى وضعه الجمالي والأخلاقي ومنها ارسال الرسل. فالجمالية
غاية الوجود والواقع والمعرفة والوجدان لا يقبل باستمرار اختلالها لأنه خلاف
غاياته أي خلاف وجداننا وخلاف تناغم معارفنا ولهذا كل معرفة يمكن للعقل قبولها لا
بد ان تتصف بالجمال، ومنها المعارف الشرعية فكانت الجمالية اصلا في المعارف
الشرعية فلا يقبل العقل معرفة تنسب للشرع لا تتصف بالجمال. ان القبح خلاف الوجدان
وغريب عن طبيعة الانسان ولكي يألف الانسان الظلم والقبح فانه يحتاج الى تربية
منحرفة كبيرة وهذا ما يهبط بالإنسان الى مستويات لا تليق به واهم اشكال القبح
المخالف للجمالية المعرفية هو انكار الخالق وعدم شكره.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير جميلة. أي معرفة تنسب للشرع، وهكذا الكلام
في الباقي.
الكون الذي نعيش فيه قائم على النظام والاحكام ودوما يتجه الى
الاستقرار، وبسبب أمور واضحة تظهر حالات الشر والضرر، اما حالات الشر -وهو الفعل
غير الأخلاقي - فهو بسبب فعل الانسان واختياره الاناني، واما الضرر الذي يكون بفعل
الطبيعة فهو بسب حالة التداخل بين الأشياء، أي بأسباب فيزيائية تفاعلية بين
الأشياء تكون حتمية ناتجة عن طبيعة الاشياء. وكلاهما الشر الأخلاقي والشر الطبيعي
أمور يختبر فيها الانسان. لكي يجتنب الشر بكل انواعه ويحاول ازالته ويصبر عليه ان
حصل. وكون الانسان مخلوقا للاختبار وان هناك دوما مراقبة لفعله من المعارف
الوجدانية الراسخة مما يدل على ان تلك الأمور التي تبدو مخالفة للحسن من الحكمة
التي اودعها الله في الكون واشيائه وإنها من ارادته تعالى في الكون لاجل اختبار
الانسان. ان إدراك الحقيقة الاختبارية
للخلق الانسان مهم جدا لفهم الكثير من الحكمة في الأمور الكونية وان خلق الله
تعالى الكون بحكمة لاجل الانسان معرفة راسخة وخلقه الانسان بحكمة لاجل الاختبار
الانسان وهذا هو مبدأ حكمة المعرفة. فحتى خلق الضرر والشر هو لحكمة ومن احكام
الكون، فالكون كله محكم وكله خير حتى ضرره وشره والمعرفة بالكون وبالأشياء تتصف
بالحكمة أيضا ولا يقبل العقل السليم معرفة مخالفة للحكمة.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير حكيمة.
العلم مقدمة من مقدامات
المعرفة. فالعلم هو ادراك حقائق مستقلة بالخارج لا يمكن للعقل انتاجها، وحينما تكتشف
بالعلم تصبح مادة ومعرفة متاحة يجري عليها العقل عملياته، ولا معرفة متاحة الا
بادراك عقلي. وهذا هو مبدأ عقلائية المعرفة.
ان الاستنتاج العقلي هو في الواقع اجراء عقلي على معارف معلومة.
وبمعنى اخرى الادراك المباشر للأشياء بالحواس هذا علم وليس عملية عقلية وانما
العقل يستقبل هذا العلم ويجري عليه عمليات التحليل. ومن هنا يتبين ان الحقيقة
العلمية حقيقة مستقلة بالوجود في خارج النظام العقلي. اما الحقيقة العقلية فهي كل
معرفة مستفادة من العلم أي كل ما يحلله العقل ويتوصل اليه من علاقات. وبينما
الحقيقة العلمية بسيطة وطريقيه ومجردة عن العمل العقلي فان الحقيقة العقلية حقائق
معرفية نهائية ومرتبطة بتاريخ الانسان وارثه الشخصي. فالحقائق العلمية نوعية وصفية
بينما الحقائق المعرفية فردية تحليلية.
لكن لا بد من التأكيد ان الحقيقة العلمية ليست فقط حسية وانما اثرية،
أي يعلم الشيء بأثره والحقيقة الاثرية حقيقة علمية وليست عقلية كما يعتقد ويشار
اليه عادة، فالمؤثر يدرك علما كاملا حقيقا وان كان لا يحس، وبعد ان يدرك ان العقل
سيجري عليه عملياته. ومن هنا فالإمكان العقلي والاستحالة العقلية هي امور حقيقية
لها وجود في الخارج الا انها غير مستقلة.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير عقلائية.
الشريعة معرفة بشرية والمعرفة البشرية من مقوماتها انها عقلية ليس لان
العقل هو اداة الادراك فقط وانما لان العقل هو الميزان لاجل قبول الخارج والاذعان
له. لا يمكننا باي حال من الاحوال فصل الانسان عن عقله لان العقل هو الوجدان
والوجدان لا يمكن ان يتخلف نعم يمكن ان يقهر لكن لا يتخلف وبالطريقة السوية
الفطرية، فلا بد ان يكون كل شيء موافقا للعقل والوجدان ومنه الشريعة. من هنا فكل
نقل ينسب الى الشريعة يخالف العقل لا يقبل وكل فهم لنص مخالف للعقل لا يقبل وكل
تفريع من أصل نصي ينبغي ان يكون بقوانين العقل السليمة أي العقلاء، فالدين حقيقة
كامل بالقران والسنة بإذعان العقل وتفريع العقل. لا يمكن باي حال من الاحوال
التقليل من شان العقل في الشريعة الا انه يستنير بعلم النص لان الشريعة علم والعقل
يتنور بالعلم.
بالعلم الانسان يكتشف الاشياء في الخارج والعقل يجري عليه عملياته
الادراكية من رد وعرض وتحليل. لذلك فالعلم يمكن ان يدعي لكن العقل لا يدعي الا انه
قد يُخدع بالعلم. ومن هنا تبرز ضرورة اعتماد الوجدان والفطرة السليمة والنقاء
الأصلي للإنسان بدل المصطلح التخصصي العلمائي والذي قد يصنع الزخرف العلمي المضلل
أحيانا.
العقل التمييزي هو آلة الرشد والادراك وهو ليس فقط يدرك الاشياء كصور
وعلاقات بين الاشياء وليس فقط يمكنه ان يخترع علاقات ويحلل ويضيف ويحذف، وانما
هناك صفة واضحة ومتميزة في العقل التمييزي هي احكامه الوجدانية الانسانية او
الضمير الانساني وهو احكام الحسن والقبح وهي علاقات معرفية راسخة جدا وعميقة جدا
في التجربة الانسانية. وكلما كانت المعرفة عميقة كانت أكثر حاكمية على غيرها وكلما
كانت راسخة كانت اصدق من غيرها.
البعد النظري والتطبيقي
للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير عقلائية.
المعرفة البشرية معرفة منطقية ولا تقبل بغير المنطقي، فلكل شيء تبرير
وتعليل وان جهل فهو محفوظ لها، ومن ذلك المعارف الشرعية التي هي أساس الحكمة وهذا
هو مبدأ منطقية المعرفة. ان الله يريد من المؤمن ان يمثل نموذج الحكمة والمنطق.
لذلك جعل شريعته قائمة على الحكمة والمنطق والفطرة. فينبغي للمؤمن ان يظهر بأعلى
درجات المنطقية لكيلا يبدو منفصلا عن الحقيقة وانه يعيش منعزلا في الخيال. ان ظهور
المؤمن بصورة الشخص اللامنطقي يضر به وبالدين. وحينما يجمع العقلاء على أمر منطقي
لا ينبغي للمؤمن بحجة الايمان والتعبد ان يظهر بصورة الشخص اللامنطقي. ويعارض منطق
العقلاء.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير منطقية.
مبدأ التناسب هذا يجعل الاصل في المعارف الشرعية المنطقية ولا يكتفى
فيها بالظن. لذلك فهكذا نوع من معارف إذا جاءت بطرق ظنية فأنها في منهج العرض لا
تصلح لمعارضة المعروفات والمعهودات من معارف وتكون هي الثابتة، فهكذا اخبار تبقى
ظنا فلا تفيد علما ولا عملا.
ان عامل الاعتدال المعرفي والمنطقية المعرفية محفوظة في الشريعة حيث
ان لكل موضوع مجال من المعارف المحمولية محدود وفق الشواهد والمصدقات والخروج عنه
هو لغرض تمييزي بين علم الخالق وعلم المخلوق وقدرة الخالق وقدرة المخلوق. وهكذا
معرفة استثنائية – كاسر للمنطقية ظاهرا- لا بد فيها من معارف قطعية من محكم قراني
ومتفق سنة او ما يتصل بهما اتصالا معرفيا وثيقا بحيث يعد منها واليها وهو اعلى
درجات المصدقية والشواهدية، حيث ان للمصدقية والشواهدية درجات وهنا يطلب اعلاها
لاجل ما تقدم. ان المنطقية محفوظة في الشريعة ولا تكسر واقعا وانما قصور المتلقي
يظهر له عناصر تخرج عن تلك المنطقية المعرفية لكن في الواقع لا خروج عنها.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية لا تتصف بالمنطقية.
إدراك البعد الاخلاقي للوجود مهم وهو وجداني وفطري. فان هذا الكون لا
يقبل بشكل دائم الا حالة الوجود الأخلاقي، لذلك حينما تختل الاخلاق يكون هناك تدخل
لاجل التصحيح والرجوع الى المستوى المستقر. وبهذا يمكن تفسير ارسال الرسالات
السماوية. كما ان الوجود يسعى نحو علاقات ذات بعد اخلاقي ايجابي فان تلك العلاقات
تسعى نحو وجود اقوى وأكبر والحال بالعكس بالنسبة للعلاقات ذات القيمة الاخلاقية
السلبية فان الوجود يسعى الى اقل مقدار منها فغايتها الوجودية اقل مقدار من الوجود
والظهور. كما انه يمكن فهم فعل الخير وقوى الخير بانها عوامل لظهور اقوى للعلاقات
الاخلاقية وان فعل الشر وقوى الشر بانها عوامل لظهور العلاقات الاخلاقية. هذا
الفهم الاخلاقي للشر والخير مهم جدا في المعرفة. ومن هنا يعلم ان كل ما في الوجود
محكم وواضح حتى العناصر اللاأخلاقية والقوى الشريرة، فان وجودها ليس نفسي بل غيري
للاختبار، وان غاية الوجود. ويمكن وصف حالة الوجود ان للكون او الطبيعة عقلا اخلاقيا
يسعى الى اقل مقدار من الشر وان هناك قوى غريبة لا عقلانية تسعى الى اظهار الشر في
الكون. فاللاعقلانية واللاأخلاقية هي قوى الشر وهي التي تعارض غايات الوجود وسعيه
نحو التكامل الاخلاقي. فالموجودات في الكون والعالم والطبيعة تسعى نحو تكامل
اخلاقي. والحكمة في ذلك الدافع اللاعقلاني الغريب الشيطاني هو لأجل الامتحان
والاختبار. وبهذا يكون الوجود كله محكم وتشابه وجود الشيطان ينحل الى الاحكام
بوضوح حكمة وجوده الاختبارية الامتحانية.
العنصر اللاأخلاقي هو الشر الحقيقي اما ما يصيب الانسان بفعل العقوبة
الاخلاقية وبسبب ما يحصل من امور طبيعية فأنها ليست شرا بل هي فرص للعمل الاخلاقي.
ان هذا البعد الأخلاقي التكويني في الكون أيضا متجذر ومتجسد في المعرفة به فما
المعرفة الا صورة امينة غايتها الحقائق وهذا هو المبدأ الأخلاقي للمعرفة.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير أخلاقية.
الكمال الأخلاقي للحكم الإلهي يجعل الاخلاقية مقومة للمعرفة الشرعية
فلا تقر معرفة شرعية الا إذا كانت اخلاقية، كما انها تنهي أي مناقشة في نسبية
الاخلاق واكتسابها فهي امر فطري وجداني راسخ تعرف به الاشياء وليس يعرف بالأشياء.
والأخلاقية الراسخة في الوجدان الإنساني يكشف أيضا عن إنسانية الشريعة وتقوم معارفها
بها. وكل متتبع للتشريع والمعارف الدينية
عموما يدرك وبعمق البعد الاخلاقي والإنساني الذي تقوم عليه الشريعة والعقلانية
والاخلاقية المبثوثة في المعارف الشرعية، فمهما كان الحكم الشرعي جزئيا فانه دوما
يتسم بالبعد الاخلاقي، والدلائل على هذا القول ليس فقط نصية حكمية تنص على اخلاقية
الشريعة وانما ايضا تطبيقية عملية. إدراك المقوّم الأخلاقي والإنساني للمعرفة
الشرعية له أهمية من الجانب التطبيقي للعرض والرد لان الدليل الشرعي نقل ويتأثر
أحيانا في ظرفه الذي قد يكون فيه تأثير لا أخلاقي فيسقط على النص ويحور بما يناسب ذلك
فيجب على العارض الا يقبل أي نقل يخالف الأخلاقية والإنسانية..
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير أخلاقية.
فلسفة المعرفة مقدمة ضرورية لها ويمكن ان تخدم العلم. كما انه من
المفيد الكتابة في فلسفة الشريعة ومن ثم تقيم تلك الفرضيات الفلسفة فيثبت منها ما
هو علم فينسب الى الشريعة وما هو ليس بعلم فيبقى في فلسفة الشريعة ولا ينسب اليها.
ولا بد ان يشار الى ان كل معرفة تولد في العقل مجالا فلسفيا صغر او كبر، وهذا هو
مبدأ فلسفية المعرفة. ان الفلسفة ظن وليست حقائق ولا علما الا انها تكتب بمنطقية
وتحاول ان تصل الى بيان وتفسير وتفصيل منطقي وان توصل الى فرضيات تقع في مجال
نستطيع ان نسميه المعارف الظنية القريبة من العلم والتي بالأدلة العلمية تقبل او
ترفض. وقد يقال لماذا تقترح المعرفة الفلسفية ومن ثم ينبغي ان تقيم؟ الا يكون من
الحكمة التفرع من الدليل دوما من دون افتراض او اقتراح فان هذا عبث وتقوية للظن
واغترار به؟ والجواب ان هناك شعورا انسانيا وجدانيا ان المعرفة الانسانية أكثر
تقدما من علم الانسان وهذا تام الا ان اثبات تلك المعرفة يحتاج الى علم وليس
فرضيات وتخيلات كما ان منطقية الطرح الفلسفية فيه حرية أكبر للفرضيات وهو ما يولد
مصدرا ظنيا للمعرفة العلمية، وهذه خاصية فلسفة العلم انها تدور حول حقائق العلم
وتحاول ان تكشف مناطق معرفية لا يلتفت اليها الطرح التقليدي. لكن من المهم والمهم
جدا ان تلك الفرضيات الفلسفية تبقى فلسفية ولا تنسب الى العلم ولا تنسب الى
الشريعة ولا يقال انها ما يستفاد من معارف الشريعة بل تبقى ظنا وفرضية وفلسفة حتى
تثبت بالدليل الشرعي قبولها من عدمه. ولا يظن ان اثبات الفرضية الفلسفية المختصة
بمعرفة علمية امرا ممتنعا بل هو امر يسير جدا بشرط ان تحقق تلك الفلسفة درجة الظن
المنتمية الى تلك المعرفة أي ان تنطلق من ادلتها وليس فرضيات منعزلة. ففلسفة
الشريعة يجب ان تنطلق من معارفها الحكمية والدليلة ثم يتم عرضها على البحث وعلى
المعارف المعلومة ليتبين امكان إخراجها من الظن الى العلم.
فلسفة العلم ومنها فلسفة الشريعة لا يمكن ان تكون بذاتها علما ولا
تكون من الشريعة ويمكن ان تكون من مقدماته أي المعارف القريبة منه ولا يصح ان تنسب
اليه او تكون منه الا بإثبات تفرعها منه. فحينما تطرح معارف فلسفية بخصوص الحقيقة
الشرعية فان ما يطرح حينها ليس من الشريعة ولا من حقائقها وكل الاحكام التي تفترضها
ليست من الشرع الا انها تصلح لان تكون موضع بحث وتمحيص ولا يجوز نكران ان كثيرا من
الحقائق العلمية كان اساسها الفلسفة، بل ان الفرضيات وهي معارف فلسفية من مقدمات
العلوم الثابتة. ولهذا فمن المفيد ان تكون هناك فلسفة للشريعة وتطرح الافكار
المنطقية المتناسقة المتوافقة بخصوص الحقائق الشرعية وبحث العمق المعرفي لجوانب
كثيرة من الشريعة. ان وجود فلسفة للشريعة وفلاسفة شريعة مهم جدا وله فوائد بشرط
التمييز بين علم الشريعة وفلسفتها وستكون مباركة.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
الاهتمام بفلسفة المعرفة وعدم قبول معارف شرعية فلسفية غير مبرهن
عليها.
العقل مخلوق مبدع وكما انه يدرك الحقائق فانه ايضا يستطيع ان يبدع
علاقات عقلائية عن الحقائق، وهذا كله من الابداعات العقلية بخصوص الاشياء وحقائقها
وهذا هو مبدأ إبداعية المعرفة. لكن هناك
شكلان متميزان من الابداع العقلي بخصوص المعارف؛ الاول هو المعالجة التفرعية أي ان
العقل يلتزم باتصال المعرفة بحيث انه لا يخرج من جوهر المعرفة فيشتق منها ما ينتمي
اليها بشكل صادق كإدراك افراد العام ومصاديق الكلي ونحوهما من التفرعات وهذا
التعامل هو (الابداع العقلي العلمي) مع الحقائق وهذا جائز في الشرع فانه يجوز عقلا
وشرعا التفرع من النص بهذا النحو وهو من البيان والادراك المتكامل للحقيقة وليس من
اقتراح شيء قبالها. والنوع الثاني من التعامل العقلي مع الحقيقة هو التعامل
اللاتفرعي وهو اقتراح معارف غير مستفادة بالتفرع وهذا الابداع عقلي جميل ومحترم
الا انه ليس عملا علميا، ووظيفته امران اما ان يكون مقدمة للحقيقة العلمية بإثبات
التفرع او انه يقترح لأجله فيكون غايته نفسه وهو اما ان يكون بصيغة منطقية وهو
الفلسفة او بصيغة غير منطقية تخيلية وهو الادب او الفن. ومن هنا فالعقل مبدع وخلاق
معرفيا وهو اما يبدع العلم وهو تعامل تفرعي مع الحقيقة. او يبدع الفلسفة وهي تعامل
لا تفرعي منطقي مع الحقيقة والادب والفن هو تعامل لا تفرعي تخيلي مع الحقيقة. ومن
هنا فالعلم والفلسفة والفن ابداعات معرفية عقلية.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
الاهتمام بإبداع المعرفة وعدم قبول معارف شرعية إبداعية لا برهان
عليها.
العلم معرفة واقعية يدركها الانسان بعقله، والعقل ليس له قدرة على
انتاج مثل هذه المعارف الواقعية، وليس للإنسان معرفة بالأشياء الا عن طريق الادراك
العقلي وهذا هو مبدأ ادراكية المعرفة.
ان طريقة إدراك الانسان للواقع بطريقتين متميزتين الاولى هي الادراك
المباشر والثاني هي الادراك غير المباشر، الادراك غير المباشر هو الخبر ويسمى عادة
النقل والصحيح انه الخبر لان النقل هو وساطة لنقل الخبر وليس هو الخبر، فالنقل
وسيلة توصيل الخبر والمصدر هو الخبر وهو الدليل عليها والتمييز بين الخبر والنقل
في غاية الاهمية في المعرفة البشرية. والمصدر الاول والاهم هو الادراك المباشر وهو
المعاينة أي الادراك الذي يكون بواسطة ادوات الادراك البشرية المباشرة سواء ادراكا
حسيا او أثريا، وهذا يعني ان إدراك وجود المؤثر بالأثر هو إدراك معايني أصلي وليس
فرعيا. وهذا الادراك الاثري واقع على الخارج بشكل مباشر من دون فصل وغياب بعض
الاطراف عن الحس لا يعني انه إدراك فرعي فنحن ندرك الروح في الحي والعقل في المفكر
وهذه ادراكات اصلية معاينية اثرية. اذن فمصادر العلم اما خبرية او معاينية
والمعاينية تسمى احيانا بالعقلية وهذا خطا ناتج عن مقابلة النص الشرعي بالعقلي
وكله تشوشي وانما هناك معاينة وخبر اي علم معاينة وعلم خبر ولا دخل للعقل فيهما.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير ادراكية سواء بالصورة او الأثر.
مبدأ ثناية الحقيقة والمعرفة
الشريعة حقيقة محفوظة مقدسة وانما نحن البشر نعلم بها ونعرفها، وعلمنا
بالشريعة ليس هو الشريعة بل صورة الشريعة عندنا وهذا العلم غير معصوم ولا مقدس.
فالشريعة غير العلم بالشريعة كما انه غير معرفة الشريعة، فالعلاقة بين الحقيقة
الشرعية وعلمها ومعرفتها علاقة تباينية بنائية. فمعرفة الشريعة هي المنطلق،
وبواسطة العلم نتجه نحو الحقيقة الشرعية، فيحصل انعكاس من الحقيقة الشرعية الى
مجال العلم بها ثم الى معرفتها في الصدور وعند النفوس. بعد العلم بالشريعة تتحقق معرفة بالأمور
الشرعية وتترب في الصدور حسب الحقول وتميز بالخصائص والصفات. وهذا هو مبدأ معرفية
الشريعة.
المعرفة الشرعية معرفة بشرية وتجري عليها جميع مبادئ المعرفة البشرية.
وأحيانا تسامحا تسمى معرفة الشريعة بـ (الشريعة) وهي ليست الشريعة وأحيانا تسمى
(علم الشريعة) وهي ليست علم الشريعة، لكن لاجل الغايات القصدية المطابقية فان
الترادف التخاطبي جرى بين تلك العناوين وهو غير تام حيث أدى الى نتائج خطيرة أهمها
انه أعطيت خصائص الشريعة من العصمة والقداسة الى المعرفة الشرعية فان هذا ممنوع
ويجب بيان الفرق بينهما. فحرب المصلحون والمجددون بدواعي الاعتداء على الشريعة
والانحراف.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول مساواة الشريعة كحقيقة واقعية بالعلم بها والمعرفة بها.
فمعرفة الشريعة غير الشريعة.
الشريعة علم لكنها ليست اختصاصا بل من المعارف العرقية العامية.
فمعارف الشريعة مما لا يحتاج الى معارف خاصة غير ما يعرفه المسلمون في عرفهم
ووجدانهم وما يعرفونه وسط مجتمعهم وهذه هي عرفية الشريعة. فان كانت نصا فإنها
تستفاد منه بطريقة عادية عرفية من حيث ثبوت النقل والدلالة وليس في الشرع شيء خاص
ليعلم به ذلك غير ما عند الناس، وان لم يكن فيها نص فانها تفرع مما علم من نص عام
يشمل المسالة. أي ننظر الى المسالة من أي عام نصي هي ونطبق عليها ذلك العام تطبيقا
عرفيا عاديا. ويعلم ان النقل حجة اذا كان له شاهد مصدق مما نعرفه من القران والسنة
و الشاهد والمصدق هو الموافقة في الغايات و المقاصد وليس المطابقة في الخبر، واما
العلم بالدلالة فيكون بتحصيل الدلالة المباشرة من النص او من مجموع ما نعلمه فيه
بالجمع العرفي العادي البسيط كما نتعامل مع أي كلام او نص في حياتنا.
في المعارف العامة كالدين وادلته اي القران والسنة لا تحتاج الى أكثر
من الفهم والادراك والمعارف الضروري الراسخة لكي تكتسب المعرفة وتعمل بها. فبمجرد
ان تطلع على الدليل على اعتقاد او عمل فانه يتحقق عندك استفادة وامتلاك وتحقق
للعقيدة وطريقة العمل. والشرع معرفة عامة
لا تحتاج الى مقدمات غير معرفة اللغة لمعرفة معارف الشريعة من النصوص وهذا لا يختص
بفقهاء الناس بل بكل مسلم يسمع النص من اية او رواية بل ان هذا يشمل الكفرة ايضا
فلا يحتاجون الى مقدمات غير الفهم العرفي والا كيف يحتج عليهم القران. ما حصل في
المنهج الاختصاصي انه صار المسلم يحتاج الى مقدمات طويلة وكثيرة ومعقدة لكي يستفيد
استفادة شرعية من النص ومن لا يعرف تلك المقدمات فانه لا يتمكن من العمل بالنص ولا
استفادة علم منه، فصار علم العامي بالآيات والروايات هو بحكم عدم علمه. وهذا من
غرائب الامور.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير عرفية.
الشريعة فيها جوهر معرفي هي محور الدين ومعارفه الأساسية، وحول تلك
المعرفة المحورية دوائر معرفية تعطي للدين مظهره الخارجي. جميع المعارف الطرفية
تكون بحالة موافقة تامة للمعرفة المحورية وتابعة لها اتجاها ومضمونا. بل في الواقع
هي مشتقة منها. وهذا هو أساس العرض والرد الشرعي؛ أي عرض المعارف التي تنسب الى
الشريعة الى محورها لبيان مدى موافقته وتناسقها معها وردها اليها عند الابتعاد بالتوجيه
الحق. ومحور الشريعة يؤخذ من المعارف القطعية المحكمة المسلمة المتفق عليها من
القران والسنة. ان محور الشريعة لا يساوي النص الشرعي وانما هو علم ومنظومة معارف
متناسقة متوافقة لا تقبل التعدد والاختلاف في مستوى محفوظ معصوم خارج النص محله
صدور المؤمنين لا يقبل الظن ولا الشبهة.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير موافقة للمعارف المحورية.
المعارف الشرعية تستفاد من النصوص الا ان هذه الاستفادة لا تكون حرة
وطليقة وانما هي استفادة موجهة بالتناسق والتوافق مع ما هو معلوم من الشريعة لان
الشريعة علم وواقع معرفي منتظم لا يقبل الاختلاف والتعدد. فهناك معارف شرعية عميقة
أساسية اصلية تستفاد من مجموع ما علم والتي تصبح المقوم والموجه لباقي الاكتسابات
وحينما تتطور الشريعة كمنظومة ويصبح لها مظهر بلون وشكل محددين فان كل معرفة جديدة
يشترط فيها ان تتوافق مع ذلك الشكل واللون، فاذا جاء نص بدلالة لا تتوافق مع ما هو
معلوم فانه يكون متشابها ويعالج حتى يصبح موافقا وهذا ما يمكن من معرفة النص
المتشابه.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية لا تتوافق مع ما هو ثابت ويجب توجيه المتشابه
واحكامه بما يوافق المعلوم الثابت.
من خصائص المعارف التفرعية والتولدية بان معرفة تولد ارى ومعرفة تتفرع
عن اخرى، وهذا متاصل في كل معرفة بفعل تعامل العقل التوليدي التفرعي معها. المعرفة
الشرعية كاي معرفة قابلة للتفرع بشتى انواعه المقرة عقلائيا، ولذلك فالتفرعية
متجذرة ومترسخة في الشريعة وسواء أبرز ذلك واظهر ام بقي عملا عقليا داخليا فانه
حاصل وما يفعله المجتهد والمتفرع هو في الواقع الكشف عن تلك المعارف الموجودة لا
انه يصنع معرفة. لا بد من تصحيح الفهم للاستنباط والاجتهاد بانه كشف عن معارف
موجودة بفعل المعرفة الشرعية نفسها وليس عملية استحداث وصنع للمعرفة. ليس بمقدور
العقل صنع معرفة سواء بالاجتهاد او بغيره وانما هو يكشف عن المعرفة. وبالطريقة
الاجتهادية العلمية تعرف ان المعرفة المدعاة اكتشافها حق وليس ظنا وادعاء.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية تعارض تفرعية الشريعة.
مبدأ الأصول والفروع
الشريعة هي القران والسنة وتثبت بكل معرفة تنسب الى الله تعالى او الى
رسوله صلى الله عليه واله او الى وصيه صلى الله عليه واله. وهي الأصل. ومنها يتفرع الفرع في الشريعة هو كل
معرفة تتفرع عن الأصول بتفرع عرفي المستنبط.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية لا تكون من الأصول ولا الفروع المتفرعة منها.
الدين من دان بالشيء والشريعة من شرع الشيء. فالمعارف الاسلامية إذا
نظرت اليها من جهة المسلم كدين يدان به فهي دين وإذا نظرت الى نسبتها الى الله
كشرع شرعه الله فهي شريعة. فالاختلاف في جهة النظر وليس في المصدق، فالاختلاف جهوي
وليس مصداقيا. فالشريعة دين وهذا هو مبدأ دينية الشريعة. كما ان هذا الفهم يركز
على الجانب التوحيدي للشريعة وحضوره الدائم في معارفها.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية لا تكون دينية ولا تتصف بالتدين.
المعرفة في نفسها مجموعة عناصر معرفية مستفادة من معان مكتسبة.
والجوهر يتصور بأقل قدر من العناصر المعرفية والذي بانتفائه ينتفي المعنى الكلي او
يتغير، وحول هذا المحور الجوهري توجد دوائر أكبر تتسع بسعة علاقات المعنى حتى تصل
الى درجات كبيرة طرفية واسعة. هذه الدوائر
الطرفية تعطي المظهر للمعنى أي للحقيقة المعرفية.
هذا البيان يجري بالضبط في كل كيان معرفي متشكل ومتمظهر وله نسيج واحد
متناسق ومتوافق كما هو الشرع. فالشريعة فيها دائرة جوهرية هي محور الدين ومعارفه
الاساسية الجوهرية وحول تلك المعارف معارف شرعية تمظهرية يتمظهر بها الدين.
المتدينون يتحدون في تلك المعارف الجوهرية ويتفاوتون في الدوائر
الطرفية الا انهم ينبغي الا يتعاكسوا لان التعاكس هنا مخالف لوحدة النظام،
فالمعارف الشرعية كلها متوافقة الا انها قد تتلون وتتمايز الا ان تلونها وتمايزها
لا يكون باختلافات عكسية، اذن فالجائز من التلون الطرفي يجوز ان يكون بالشدة
والضعف وليس بالتعاكس ومن هنا يتبين ما ينبغي وما لا ينبغي من المعارف الشرعية كما
انه يعرف حجم التباعد الطرفي للمعارف بسهولة أي معرفة ابتعاد المعرفة المدعاة من
الحقيقة. ان الحقيقة الشرعية لا تقبل الاختلاف وتقبل التلون والتكتل لكن من دون
اختلاف والاختلاف هو تعاكس في اتجاه المعرفة حيث ان للمعاني اتجاهات معروفة من حيث
النفي والثبات والتضاد والتناقض والتعارض ونحو ذلك.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية لا توافق وجهر الشريعة.
ان المعارف الشرعية يراعى فيها عامل التناسب المعرفي اي ان الاشياء
المتقاربة لها محمولات متقاربة والاشياء المتباعدة لها محمولات متباعدة وهذا هو
مبدأ التناسب في المعارف الشرعية. فكل شيء يسير وفق ما هو عقلائي وطبيعي من حيث
التطور والنمو والشرط والجزء والموضوع والمحول مع قدر محفوظ من الاعجاز والمعرفة
اللانهائية التي تثبت الربوبية للخالق بما يعجز ويبهر المخلوق. الا ان الاصل العام
وخصوصا عند عدم العلم هو أصل التناسب المعرفي بمراقبة التناسب في المعارف
والاقتصار على حالات الخروج عن هذا القانون في حالات هي مفهومة وبدلالة قطعية
فتبقى جميع المعارف ضمن عامل الاعتدال.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية لا تتناسب مع ما هو ثابت.
مبدأ التيسيرية
ان التصديق والشواهد دوما يعين أحد المتعارضات، فلا إمكانية ان يكون
هنا نصان لهما شاهد، والسبب ان هناك اصولا عامة حاكمة كالأسهل والأهنأ والايسر
ونحو ذلك من تفضيلات وهذه الاصول تمنع من تعدد المعلوم بالتصديق. فلا تصل النوبة
الى التخيير والمعرفة لا تتعدد والعرض التام الصحيح لا يجعلها تتعدد. فلا توقف ولا
تخيير، ومن يكون بذلك التصديق هو العلم وهو الحق وهو الدين وليس غيره فاذا انكشف
الخلاف صار الاخر هو الحق وهو الدين وهذا من سعة الشريعة وتيسيرها بل ان سعتها وتيسيرها
متجلية هنا فعلا. لا بد من التأكيد ان المعرفة الشرعية كغيرها من المعارف قابلة
للتغير مع الزمن وهذا لا يخل بها لان الشريعة محفوظة معصومة واما العلم بها ومعرفتنا
بها فتتغير بفعل تغير في عوامل معرفتها من العارف والمعرّف. وهذا أيضا من سعة
الشريعة وتيسيرها
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية لا تتصف بالتيسير.
المعارف الشرعية محكمة؛ معرَّفا ومعرِّفا بل وعارفا، ودليلا ودلالة
ومدلولا بل ومستدلا، وانما يأتي التشابه من قصور المتلقي المستدل. فالتشابه ظاهري وليس واقعي. المتشابهات
الظاهرية تحكم بالرد الى المحكمات وهذا هو الاحكام التبعي الثانوي في قبال الاحكام
الاولي الأصلي. مع ان الجميع محكما واقعا فان هذا علاج للتشابه الظاهري.
والتشابه هو عدم التوافق والتناسق وهو ليس في الدلالة فقط بل أيضا
يكون في الدليلية وفي المدلولية وفي المستدل وكلها تحكم بالرد الى المحكمات في تلك
الجهات. فالتشابه ممكن ان يكون في المعرِّف او في المعرَّف او في العارف وتحكم
بالرد الى المحكمات بخصوص تلك الجهات.
كما ان التشابه ليس في القران فقط من الأدلة بل في السنة وفي الفروع
العقلائية والاستنباطية.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية لا تتصف بالإحكام سواء بنفسها او بردها للمحكم.
ان بداهة وضوح ربوبية الله تعالى والوهيته لا تجعل للمنكر حجة في
الخروج عن سلطانه كما ان سعة الشريعة لا تدع لاي فكر انساني واسع حجة في الخروج عن
حكمه تعالى. ومن هنا جاء الشرائع بأصل مهم وهو إقامة حكم الله تعالى في الأرض وهذا
هو مبدأ الحاكمية، أي تحكيم حكم الله تعالى المنزل في كتبه في الأرض.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية لا توجب حكم الله في الأرض.
الوجدان معرفة تنتج عن رسوخ
كبير لتراكم معرفي، فهي تمثل احكاما ناتجة عن استقراء شبه تام. فالوجدان علم لان
العلم انسجام وتوافق والوجدان لا يقبل بغير ذلك، فلا بد من ارجاع جميع معارف الدين
الى الوجدان. الوجدان حق، ولا بد من اعادة جميع معارف الشريعة الى الوجدان، لان
ابتعاد المعرفة عن الوجدان ابتعاد لها عن العلم والحق. ان من علامات الحق موافقة
الوجدان، فاذا كانت المعرفة موافقة للوجدان فاعلم انها حق، وإذا كانت المعرفة
مخالفة للوجدان فاعلم انها باطل.
الوجدان هو معارف عميقة راسخة ارتكازية في الانسان في تعامله مع
الخارج فهما وتحليلا وحكما، وهو نتاج تراكم معارف منتقاة عقليا واخلاقيا لذلك فهو
يتميز بالنقاء مهما اختلطت المعطيات الخارجية لانه يعتمد الانتقاء العقلي في
المعرفة. لذلك فالوجدان الانساني واحد مهما اختلفت الظروف والبيئات والثقافات وهذا
ظاهر وجدانا وواقعا.
اضافة الى كون الوجدان اداة للتعامل والتمييز وتحليل المعطيات فان فيه
صفة مهمة اخرى وهي امكانية الحكم العقلي الاخلاقي على الاشياء واخلاقية الوجدان
هذه تمكنه من الحكم وتمييز المعطيات.
لا بد من ارجاع معارف الدين كلها دليليها ومدلولها الى ساحة الوجدان
وعرف العقلاء في التناول والافادة و الاستفادة و تخليص عالم فقه الشريعة من اي
مصطلح مهما كان بل الاعتماد كله على الوجدان التخاطبي و الاسس اللغوية التي يجيدها
كل متكلم و مخاطب صغيرا كان ام كبيرا متعلما ام غير متعلم عالما كان ام جاهلا.
فآيات القران نقراها ونراها بأعيننا ونسمعها بأذاننا ونفهمها بعقولنا ونتصور
معانيها بأذهاننا، وليس لنا طريقة اخرى لإدراكها غير ذلك. وهذا هو الوجدان في
الفهم. وامتثال الامر الالهي يكون بإتيانه كما نفهمه فهما عاديا وليس لدينا فهم
غير هذا الفهم وامتثال غير هذا الامتثال. وهذا كله بديهي، ان وجدانية الفهم بل
واعتماد الخطاب الشرعي على الوجدان امر بين. ان من اهم صفات اللغة هو ان معانيها
الوجدانية لا تتغير، فان نقل المعنى اللغوي يكون بالتواتر العظيم الذي يحقق قطعية
كبيرة تصل الى حد مساواتها بالعيان والشهود وهذا ما لا يمكن تغييره بسهولة.
النص الشرعي من قرآن وسنّة جاء وفق وجداننا. ولذلك فمشكلة قدم النص
الشرعي ليست مشكلة حقيقية لان القران والسنة جاءت وصدرت وفق عامية الخطاب، وهذه
العامية لا تتغير لأجل تواتر نقلها، بمعنى آخر ان الوجدان التخاطبي اللغوي ثابت
كثبوت النص، بل أحيانا هو أكثر ثبوتا وظهورا من النص الظني.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية لا توافق الوجدان.
وجدان المسلمين واحد، واله
المسلمين واحد، ونبي المسلمين واحد، وكتاب المسلمين واحد، فمن اين يأتي الاختلاف؟
الاختلاف في الدين لا مبرر له لا شرعا ولا عقلا ولا عرفا. فلا بد ان يختفي
الاختلاف من اهم حقل معرفي عند الانسان الا وهو المعرفة الدينية.
النص العربي المبين لا يمكن ان يكون سببا للاختلاف، والوجدان اللغوي
الراسخ لا يكون سببا للاختلاف وانما الاختلاف جاء بسبب الظن.
الإسلام يقوم على فهم واضح وبسيط لنصوص الشريعة من آيات وأحاديث.
والنقل يثبت بطريق عقلائية بسيطة من دون مقدمات مقحمة وكذلك الفهم هو عرفي بسيط.
ووحدة اثبات النقل ووحدة الفهم هذه الراسخة فينا كبشر هي المدخل الى اسلام
المؤمنين المسلمين كافة بلا طوائف ولا مذاهب. ان الفهم العادي البسيط لا يمكن ان
يتعدد ولذلك فانا إذا اعتمدنا على فهمنا البسيط فانه لا يمكن ان يتعدد الفهم ومع
اتحاد الفهم واتحاد النقل فان المذاهب ستتلاشى. اعتماد الوجدان الإسلامي الذي لا
يميز بين الطوائف والمذاهب في اثبات جهة الدليل والدلالة والمدلول والمستدل سيؤدي
الى معارف شرعية ذات صبغة إسلامية لا طائفية ولا مذهبية وهذا هو مبدأ إسلامية
الشريعة.
ان إسلامية الشريعة (اسلمة الشريعة) يؤدي الى مسلم بلا طائفة هو مسلم
لا يريد ان يصنف بحسب الطوائف والمذاهب، او ان يصنف المسلمين بحسب الطوائف
والمذاهب وانما الكل مسلمون مؤمنون. فالمسلم بلا طائفة هو مسلم منفتح على جميع
تفاسير المسلمين، ومنفتح على جميع روايات المسلمين ومنفتح على جميع اقوال علماء
المسلمين. المسلم بلا طائفة يرى ان جميع المسلمين هم اخوته وجميع علماء المسلمين
علماؤهم وجميع رواة المسلمين هم رواته وجميع مفسري المسلمين هم مفسروه وجميع كتب
المسلمين هي كتبه، الكل يؤخذ منه ان قال الحق.
المسلم بلا طائفة لا يقبل التصنيفات والتسميات بل الكل مسلمون مؤمنون.
والثانية: طريقة تحصيل المعرفة فهو يقصد المعرفة الحقة ولا ينظر الى طريقها فهو
يقصد الحق ويعرف الحق بالحق وليس بالناس.
ولا ريب ان العقائد والاعمال هي معارف ولا ريب في وجود اختلافات في
تلك الجهات الا ان هذه الاختلاف لا تكون سببا للتصنيف والتمييز. وهذا ينبع وينتج
من حقيقة قبول المسلمين كما هم بالمعنى العامل الواسع أي ان هناك مسلما مصيبا
ومسلما مخطئا، كما ان هناك مسلما مطيعا ومسلما عاصيا. بمعنى كما ان هناك مخالفة
عملية فهناك مخالفة علمية (اعتقادية).
والاسلام قائم على الايمان والتصديق اي الايمان بالله وتصديق رسول
الله صلى الله عليه و اله و الكفر قائم على الانكار و التكذيب، وهذا هو الحد
الفاصل المعلوم و اما غيره من افكار فكلها ظنون لا وجه لها. والمسلم الذي يأتي
بحدث او بدعة او منكر او معصية، ما دام غير مكذب وما دام موحدا مصدقا فهو مسلم،
والعمل الصالح شرط في التقوى وليس شرطا في الايمان أي التصديق، والايمان الذي يزيد
وينقص هو التقوى وليس التصديق.
وبعد نعمة القران وقطعية ما فيه يكون من الضرورة بمكان ان يكون
للمسلمين كتاب جامع موحد للسنة يجمع الأحاديث الصحيحة باتفاق الكل. فالواجب ان
يجمع المسلمون على كتاب موحد جامع لكل ما هو صدق وحق من الأحاديث ويسمى (السنة
الشريفة). وغيره يصبح ظنا، وكل المخاوف والاشكالات تزول امام حقيقة ان الجمع يكون
وفق الحق والصدق والعلم الذي لا يدخله ظن ولا باطل. وهو ان يكون المنهج مستند الى
الطريقة العرفية العقلائية الوجدانية بالعلم بالنقل والاطمئنان اليه المجرد غير
المتحيز فعندها لا يكون عند أحد اشكال او وشك. وباختصار منهج العرض هو الكفيل
بتحقيق ذلك فالحديث المنسوب للنبي صلى الله عليه واله وله شاهد ومصدق من القران
والسنة هو حق وصدق وسنة مهما كان حال ناقله، والحديث المنسوب للنبي وليس له شاهد
ومصدق من القران والسنة المتفق عليها هو ظن ولا يكون سنة مهما كان حال ناقله.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية طائفة او مذهبية او تمنع الوحدة العلمية
الإسلامية.
في المعارف العامية لا تحتاج الى أكثر من الفهم والادراك والمعارف
الضروري الراسخة لكي تكتسب المعرفة وتعمل بها، فبمجرد ان تطلع على الدليل على
اعتقاد او عمل فانه يتحقق عندك استفادة وامتلاك وتحقق للعقيدة وطريقة العمل. والشرع معرفة عامية لا تحتاج الى مقدمات غير
معرفة اللغة لمعرفة معارف الشريعة من النصوص وهذا لا يختص بالسماع المباشر بل
بالسماع غير المباشر ولا يختص بفقهاء الناس بل بكل مسلم يسمع النص من اية او رواية
بل ان هذا يشمل الكفرة ايضا فلا يحتاجون الى مقدمات غير الفهم العرفي والا كيف
يحتج عليهم القران.
الخطاب الشرعي وجه الى كافة الناس مؤمنهم وكافرهم فهو ليس حكرا على
المؤمن فضلا عن العالم. والعلم بالمعارف الشرعية يكون بالطريقة العرفية العادية
التي ليس فيها أي تخصيص او تقييد خلاف الوجدان والفطرة وهذه هي الطريقة المستقيمة
لتحصيل المعرفة. لذلك فكل من يطمئن في نفسه انه متمكن من الوصول الى المعارف
الشرعية بطريقة مستقيمة وجدانا وعرفا فان ما يتوصل اليه هو معارف حقة ولا يحتاج
الى شهادة شاهد او سماح سامح. ومن يتمكن من اثبات معرفة شرعية اصلية (نصية) او
فرعية (دلالية) بطريقة عقلائية عرفية وجدانية مستقيمة فهو مثبت لها وما قام به
اثبات وهو ليس مدع وليس عمله ادعاء. ويعرف الانسان انه على طريقة مستقيمة من
التحصيل بانه يتبع الطريقة العقلائية العرفية في تحصيل المعرفة العلمية وليس الظنية
من مجموعة معلومات ومعطيات، فاذا وجد في نفسه انه استوفى الشرط العرفي العقلاني
والوجداني في تحصيل المعلومات والمعطيات الكافية فانه يكون مثبتا ومحقا وصادقا.
اذن فالإثبات وظيفة كل انسان مؤمنا او غير مؤمن؛ عالما كان او غير
عالم. وهو مثبت ومحق ان حقق المتطلبات العرفية والوجدانية والعقلائية لتحصيل
المعارف العلمية من الادلة.
ان جميع الدلائل التي يعتمدها عاقل او متدين او متشرع تعلم وتقر وتسلم
ان الخطاب الشرعي خطاب عامي، أي انه موجه الى العوام واعتمد طريقة العوام في
الفهم، وكثيرا ما يشار الى ذلك بانها طريقة العرف والعقلاء، والمقصود وجدان العامة
وعرفهم في التخاطب. فالعقلائية هي الوجدان العامي بلا ريب وخصوصا باللغة التي هي
من أرسخ واوضح المعارف الإنسانية. وهذا هو مبدأ عامية الفقه.
ان النص الشرعي نص عامي وان فهمه ينبغي ان يكون
بالفهم العامي وان كل فهم لا يكون عاميا أي لا يكون وفق طريقة العقلاء وعرفهم هو
فهم غير صحيح.
واوامر التدبر والتفكر في نفسها وفي بعدها المعرفي والارتكازية وفي
فهمها العرفي تدل وبما لا يقبل الشك صحة الفهم العامي للشريعة والحقيقة ان النص
الشرعي من قران وسنة -وهو الدليل الشرعي- هو نص عامي فهما وتفهيما، انه نص تخاطبي
عامي للعوام، وينبغي فهمه بطريقة عامية تخاطبي عادية، وكل فهم عامي للقران والسنة
هو فهم صحيح وحجة كما ان كل فهم اصطلاحي اختصاصي للنص الشرعي غير العامي ليس حجة.
ان تعقيد مقدمات فقد الشريعة من دون وجه وعزل الانسان العامي عن
الأدلة مما يفقده القدرة على تحقيق استفادة معتبرة بمعرفة اية او رواية ما كان
ينبغي ان يحصل، لا من حيث اقحام المقدمات البعيدة عن اذهان العرف ولا من حيث تعقيد
المفاهيم في علم الشرع. ان مجرد فكرة ان اطلاع العامي على الاية وفهمه لها لا يؤدي
الى معرفة وان واجبه الرجوع الى عالم تثير التعجب وهذا المنع ضرب من الجنون بل
جريمة بحق المعرفة.
الفقه هو الفهم أي فهمك للنص أي فهمك للقران والسنة واستفادتك المعرفة
منهما فهذا فقه شرعي حق لأنه حصل بطريقة عرفية عقلائية معتبرة لفهم النص لانه لا
يوجد طريقة خاصة للفهم في الشريعة غير طريقة العرف. وهذا الفقه العامي العرفي
البسيط ارتكازي يحصل للصغير والكبير والمسلم والكافر. فكلنا يعلم ان الخطاب
القرآني والسني موجه الى جميع الناس والى كافرهم قبل مسلمهم، ولذلك فالقول بالحاجة
الى مختص فيه لا شاهد له.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية لا توافق المعارف العامية وتعارض عامية الفقه.
ان الدين يحب كل حسن ويكره كل قبيح لذلك كان الامر بالمعروف وهو الحسن
عقلا اي عقلائيا واجبا والنهي عن المنكر وهو القبيح عقلا واجبا في الدين ايضا.
ان الامر بالمعروف هو في حقيقته ولاء للعدل والاحسان والمعروف والمحبة
والاصلاح ومحاسن الاخلاق والعمل على نشره في الارض والنهي عن المنكر هو نهي براءة
من الظلم والاساءة والمنكر والبغضاء والفساد والفحشاء وهذا من المقاصد الدينية
الثابتة، وكل تحرك ينبغي ان يكون المقصد منه ذلك وليس لذات الذوات المفسدة قيمة في
أنفسها بقدر ما تمثل من حالة تمنع نشر ما هو حسن عقلائيا وتمنع اخلاء ما هو سيء
عقلائيا.
ان وجوب القيام بالحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر حقيقة قرانيه
راسخة وعليها آيات كثيرة لذلك فالقول بالتقية مخالف للقران قطعا وما اعتقد من آيات
بترخيص التقية اعتقاد باطل.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية تعارض دعوية الشريعة او ترخص بتركها بحجة
التقية.
التجديد ضرورة حتمية بلا ريب لان الاطلاع على النص وفهمه معتمد على
قدرات اهل العصر ولا ريب ان اللاحق يرث السابق وما يزيد. ان التجديد ضرورة حتمية
لان الاطلاع والفهم متأثر بالقدرات وقدرات الخلق أكبر من قدرات السلف. ومن التجديد
القول بالمذهب الخلفي وابطال المذهب السلفي.
ان التجديد تغير في الاستدلال بناء على تغير في المستدل او الدليل او
مدلوله او الموضوع. والتغير في المستدل هو بمداركه ومعارفه المؤثرة في فهمه ومدلول
الدليل والتغير في الدليل هو صحة ما لم يصح او عدم صحة ما كان يعتبر صحيحا او
الاطلاع على ما لم يطلع عليه، وهذا كله جائز. كما ان تدخل الوصي عليه السلام عند
الضرورية لاجل المصلحة بإظهار ما ليس اهرا وبإبراز ما غير بارز مما يحتاج الى
الالهام والتأييد جائز أيضا بل وحتمي أحيانا.
التجديد هو العمل بما وافق القران وان خالف الاجماع والفهم السائد
والتجديد ترك ما خالف القران وان وافق الاجماع والفهم السائد، وان الشذوذ هو ما
خالف القران وان ما وافق القران ليس شذوذا وان خالف الاجماع).
ولا ينبغي التقليل من أهمية الانتهاء في التجديد الى القران والسنة،
ومما لا ريب فيه مطلقا ان القران والسنة القطعة تسع التجديد والاجتهاد الى يوم
القيامة في كل عصر وفي كل جيل بل وفي كل مجدد ومجتهد. ان القران واسع أوسع مما
يظنه الكثيرون وان دين الله واسع أوسع مما يعتقده الكثيرون لكن لا بد من القراءة
التي تستمد معرفتها من معارف ثابتة لا ريب فيها لتجنب الظن، وان علم القران متجدد
أكثر من تجدد الموضوعات وأكثر من تجديد المجددين. ان القران اسبق بكثير من كل سابق
نحو المعارف المستقبلية بل ان المستقبلة مترسخة في القران. ان التجديد هو التوسع في الاجتهاد ضمن دائرة
المعرفة القرانية فلا يخرج عنها والقران واسع يسع كل تجديد وكل مجدد.
التجديد لا يعني مخالفة ثوابت
القران والسنة، كما ان التجديد يقدس الشريعة والقران والسنة الا انه لا يقدس علم
الناس بها ولا يقدس الضروريات او المسلمات او الاجماعات او المشهورات التي لا يشهد
القران لها. ان من التجديد التمييز بين الشريعة فهي مقدسة وبين العلم بها فهو غير
مقدس.
ان التجديد حتمي لتغير أطراف الاستدلال، كما ان تناهي النص عدم تناهي
القضايا يحتم الاجتهاد، الا ان من الاجتهاد ما يكون تجديديا ومنه ما يكون محافظا
بل ومتخلفا.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية تعارض تجديد الشريعة.
علم الشريعة معرفة كباقي المعارف الشرعية، وكون دليلها الأساس أي
القران والسنة مقدسا لا يعني ان العلم البشري الكائن عنهما مقدسا، هذا من التوهم
الفاضح الا انه سائد للأسف نتج من الخلط بين الشريعة وعلم الشريعة.
المعرفة الشرعية معرفة بشرية بحتة، مصدرها سماوي الا انها ليست
سماوية، فالشريعة شيء وعلم الشريعة شيء اخر، ان اهم انجاز للفقه العرضي التصديقي
هو إزالة هذه الهالة القدسية التي أعطيت لعلم الشريعة ولفقه الشريعة، وبيان انها معارف
بشرية ناقصة الا ما كانت عند النبي او الوصي عليهما السلام فهي معارف الهية فعلا.
من اهم صفات الفقه العرضي هو انه حقق درجة عالية من التجريب والاختبار
الفقهي بسبب طبيعة منهجه القائم على التعامل مع الاختلاف بانه فرضيات وليست موروثا
علميا بل ولا حقائق بل ولا نظريات، بل جعل الاختلافات مجرد نظريات تختبر وتجرى
عليها التجارب الاستقرائية فان ثبتت اخذ بها والا الغيت وتركت بلا اشكال.
المعارف الشرعي ظواهر، ومنها ظواهر طبيعية وان العلم الشرعي علم وصفي،
الا ان تلك الظواهر وتلك الاوصاف هي دلائل على التوحيد فالعلم الشرعي في واقعه علم
ظواهري الا انها علم غيري بالأساس يدعو ويشير ويدل الى التوحيد، بل ان هذه الغاية
هي المترسخة في جميع العلوم وان انتهج اهها منهجا تجريديا عنها بفكر خاطئ، بل ان
وجود الانسان ووجود الكون كله انما هو من الدلائل ولغاية الدلالة على الله تعالى
وعلى توحيده، فعلى جميع العلوم ان تكون غايتها ذلك وهذا لا يتعارض مطلقا مع
ظواهرية وطبيعية العلوم ولا في تجريبيتها، فكما ان العلم متقوم بالتجريب، فان
موضوع العلم متقوم بالتوحيد.
ان من اهم اشكال البحث التجريبي هو اثبات الفرضية بالاستقراء وبهذا
يتخلص الفقه من سطوة المنطق اللفظي الذي أضر بالفقه كثيرا. كما ان الاقوال بل
والموروثات الخاصة بالشريعة كلها تخضع للاختبار والتجريب.
فقه الشريعة هو العلم بالشريعة، والشريعة هي الدين بشكل عام، وهي
عقائد وشرائع (حلال وحرام)، ففقه الشريعة هو المعارف الشرعية التي نعلمها عن
الشريعة. وعلم الشريعة غير الشريعة فالشريعة مقدسة الهية وعلم الشريعة بشري وغير
مقدس ومتغير. وعلم الشريعة علم بشري يخضع لضوابط العلوم فمعارفه تحصل بالبحث
العلمي بمنهج علمي الا ان التعامل مع المعارف الشرعية كحقائق نقلية أدى الى تضيق
دائرة البحث في عملية بسيطة جدا وضيقة هي ثبوت النقل واثابته للمعرفة واختزلت فكرة
الصدق والكذب العلمي في الشريعة في ذلك الا ان الحقيقة ان الصدق والكذب العلمي في
الشريعة أوسع من ذلك بكثير وهو لا ينتج الا عن التجريب والاختبار للمعطيات
والبرهان على الفرضيات، فمع ان الفرضية يجب ان تبذل في سبيلها كل الإمكانات
الممكنة في الاثبات والبرهان فإنها أيضا لا تقر ولا تثبت الا باختبارها وتجريبها
مما لا يدع شكا.
ولا بد لاجل تحقيق غاية العلمية لا بد ان تكون لدينا فرضية او فرضيات
نبحثها بشكل تفصيلي من خلال الاختبار بالاستقراء والتجريب وتلك الفرضيات مستوحاة
بمناسبات موضوعية وعقلائية من خصائص الموضوع، بعبارة أخرى تكون المسالة الفقهية
بحث في خاصية او صفة من صفات الموضوع، وليس قضية حكم بعلاقة بين موضوع ومحمول، فان
الطريقة الأخير لا تمتلك رؤية عن ظاهرية الموضوعات الشرعية ووصفية العلم الشرعي.
لا بد للفرضية من ان تنطلق من الثوابت وتنتهي الى الثوابت، هذا هو
السبيل المحقق للعلم الخالي من الظن. بمعنى ان الفرضية الشرعية تنطلق من النظرية
وتنتهي اليها اذ ان النظرية الشرعية هي المعارف الشرعية الثابتة المستفادة من
القران وفروعه العلمية من سنة ونحوها. اما الفرضية فهي المعرفة التي تطرح للبحث
ويراد اثباتها.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية تعارض فرضية المعارف الشرعية وبرهنتها.
لحقيقة ان أصل النظريات الشرعية (المعارف الشرعية) هي فرضيات فلا بد
من البرهان على الفريضة الشرعية فلا معرفة الا بالبرهان عليها، وهذا هو مبدأ
البرهان الشرعي. يكون البرهان باختبار الفرضية بالتجريب او الاستقراء، وعرضها على
المعارف الشرعية الثابتة وبيان مدى توافقها وتناسقها وانسجامها مع المعارف الشرعية
الثابتة، واثناء ذلك، سواء قبله او معه او بعده يتم طرح الأدلة. وأيضا الأدلة قبل
ان يستدل بها لا بد ان تختبر. حينما يتم البرهان على الفرضية تصبح نظرية شرعية أي
معرفة ثابتة. اذن لدينا نوعان من الاختبار للبرهان على الفرضية، اختبار الفرضية
بعرضها بنفسها على المعارف الشرعية الثابتة، واختبار الفرضية بعرض دليلها على
المعارف الثابتة ومن خلال الاستدلال به عليها.
فلاحظ ان البرهان الفقهي التصديقي العرضي يتكون من ثلاثة أجزاء:
الأول: عرض الفرضية على النظرية الشرعية (المعارف الثابتة) وتبين مدى
موافقتها ونوع الموافقة.
الثاني: عرض المعطيات (الأدلة) على النظرية الشرعية وتبين مدى
موافقتها لها.
الثالث: الاستدلال بالأدلة المصدقة على الفرضية.
فلا مجال لبحث البرهان على فرضية غير مصدقة بما هو ثابت من الشريعة،
كما انه لا مجال للاستدلال بدليل غير مصدق بما هو ثابت من الشريعة. ان هذا الشكل
من البرهان هو المحقق فعلا للعلم الشرعي وهو من مميزات الفقه العرضي الذي يمتاز به
عن الفقه التقليدي الاصولي.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير برهانية.