الحكم الاجتماعي ، عقد المكره نموذجا

 

الشرع في العقود جرى وفق الفهم العرفي. وفي العرف هناك احكام تتحقق قضايها اجتماعيا اي باعلام وعلم الناس واطلاعهم  ومنها التمليك والنكاح ونحوهما، فان التصرف الظاهري غير المعارض بعلم اجتماعي مخالف يؤدي الى توهم الحقيقة والصحة في التصرف، وخصوصا مع عقد موقع، ولا يكفي في نظر المجتمع اقامة العقد سرا او من غير اعلام وعلم المجتمع بهذا الخصوص. ولا يمنع وقوع التوهم والفوضى وضياع الحق الا الاعلام الواضح والمقرر بان ما تم من عقد مكره  تحقق في قباله عقد صحيح.

ومن اوضح صور هذا الحكم اي الحكم الاجتماعي هو عقد المكره في شتى اشكال العقود. فلو تم العقد باكراه، ( وهو باطل) وتصرف الطرف الاخر وفق هذا العقد الباطل، ولم يعلم الناس بالواقع والاكراه وبطلان العقد، فان صحة تصرف المكره بما يملك يحتاج الى اعلام المجتمع بتغير الوضع، وعقد واضح. فلو تملك احد ارضا بعقد اكراهي وتصرف فيها والمكره ساكت ولم يبين كراهته فان الناس لا تفهم انه مكره بل تفهم انه اقرار، فلو ترك الغاصب الارض لم يكن مصححا بنظر الناس تصرف المكره بالارض من دون علقد واعلام بتحقق عقد او وضع جديد او نظر جديد، فلا بد في مثل هذه الحالة من بيان ما يصحح للمجتمع التصرف ولا يكتفى بالملك الاول وان كان حقا الا انه سيوقع التوهم والفوضى. ومثله نكاح المكره، فان النكاح الاكراهي باطل لكن استمرار المكره فيه والتصرف وفقه يجعل الناس يتوهمون الصحة ، لذلك لا يصح الخروج منه الا بالطلاق فلا يكفي في نظر المجتمع الفراق باعتبار بطلان النكاح بل لا بد من الطلاق. وخصوصا ان الاكراه في مثل ذلك لا يتبين بشيء مادي. فمن باع ملكا مكرها بعقد موقع لا يصح التصرف له فيه الا بعقد موقع، ومن تزوج مكرها بعقد لا يصح الفراق الا بعقد اي الطلاق. فالعقد البين لا يخرج منه الا بعقد بين في الامور الاجتماعية وان كان العقد الاول اكراهي، وهذا هو الحكم الاجتماعي.

فرع: كل ما يشترط في الزواج عرفا فهو شرط فيه شرعا ومنه الرضا فلا زواج بغير الرضا من الزوج والزوجة. ولو وقع فالمكره معفو وعنه، لكن لا فرق الا بطلاق. اصله: ق:  وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ (وانقضى) أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ (من يرغبن بهم) إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ. ت: هو مثال لوجوب رضا الزوجين في النكاح.  والمكره منهما معفو عنه تيسيرا، فان رضي صح فانه تجديد عقد. ولا فراق الا بطلاق لأصل البيان في الامور الاجتماعية. فان الدخول فيه اجتماعيا يستوجب الخروج منه اجتماعيا. وهذا هو الحكم الاجتماعي.  وق: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ (بالنكاح) مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (المهر) فَرِيضَةً (برضاهما)  وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ (بالعفو منها او الزيادة منه). إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا. وق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ. إِلَّا (لكن) أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ (فليس باطلا فكلوها). ت: هو مثال لكل عقد ومنه النكاح.